ما حدث في نابلس.. بدأ بالخليل فكيف ستكون المواجهة؟
الموقع الأصلي:
لم تكن البداية في نابلس وإنما في الأطراف الشمالية للضفة الغربية ثم انتقلت بقوة إلى مدينة الخليل في 26/6/2008 حيث تمت مداهمة الجمعية الخيرية ومصادرة معداتها وموجوداتها والإعلان عن الاستيلاء على أبنيتها واعتبارها ملكا للجيش الإسرائيلي بقرار من قائد القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية.
ومع أن نابلس كانت مستهدفة بشكل أساسي في السنوات الأخيرة وتخضع للمداهمات والاغتيالات والاعتقالات المستمرة، إلا أن ما حدث في هذا الأسبوع كان يشكل نقلة نوعية وكمية في الإجراءات الإسرائيلية ضد المدينة التي كانت تشكل في يوم من الأيام العاصمة الاقتصادية للضفة الغربية تتنافس في ذلك مع توأمها الخليل التي أصبحت هي الأخرى هذه الأيام منطقة منكوبة بفعل الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة والهجمة الاستيطانية التي تمزق قلب مدينة خليل الرحمن وتسعى إلى تفريغها من سكانها العرب وتكريس الوجود الاستيطاني اليهودي في قلبها وتحويله ليصبح جسرا متصلا من الأحياء اليهودية ليصل مستوطنة كريات أربع بالحرم الإبراهيمي وبقلب مدينة الخليل. لقد قام الجيش الإسرائيلي بمصادرة العقارات المعروفة باسم المجمع التجاري بنابلس "نابلس مول" والتي تعرف باسم "المجمع التجاري بيت المال" بحجة أن هذا المكان ينتمي إلى منظمة غير مشروعة هي "شركة بيت المال الفلسطيني العربي المساهمة المحدودة" المعروفة أيضا "باسم شركة الائتمان للاستثمار والتطوير م.ض" ذات الصلة بمنظمة "الإرهاب" حماس وتعمل من قبلها ولتقويتها. وقبل أن استطرد في الحديث أود أن أشير إلى أن الشركتين اللتين يصفهما القرار الإسرائيلي بأنهما «غير شرعيتين» هما شركتان مسجلتان في وزارة التجارة والصناعة الفلسطينية ومرخصتان وتعملان ضمن وتحت ظل القانون الفلسطيني وتخضعان لمراقبة مراقب الشركات الفلسطيني. ما يجري في نابلس والخليل والعديد من مدن الضفة الغربية هو حملة إسرائيلية لزعزعة الاستقرار والسلم المدني الذي بدأت ملامحه تبرز في بعض الأماكن مثل مدينة نابلس التي كانت مرتعا للفوضى والفلتان الأمني واستعادت أمنها واستقرارها في الأشهر الأخيرة وأصبح الأمن والاستقرار على لسان كل مواطن يلهج بالثناء على الحكومة الحالية التي استطاعت وبثبات ومواظبة الحد من ظاهرة الفلتان الأمني وأعادت الشعور بالأمن للمواطن. ما يجري في نابلس هو عملية تمشيط أو حراثة مسلحة وهو نهب لمحتويات المؤسسات والمحال التجارية والعيادات والمستوصفات والجمعيات الخيرية ورياض الأطفال والمدارس والمكاتب الحكومية. هذه الحملة الواسعة النطاق لا يمكن أن تتم بقرار من قائد المنطقة الوسطى الإسرائيلي لوحده وبدون غطاء من الحكومة الإسرائيلية وتكليف لوزير الدفاع وأجهزة المخابرات الإسرائيلية على اختلاف مسمياتها بتنفيذ سياسة تهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار داخل أراضي السلطة الفلسطينية لإفشال الحكومة الحالية برئاسة د. سلام فياض ولاستدراج ردود فلسطينية متطرفة قد تعطي المبرر للحكومة الإسرائيلية للتغطية على رفضها التحرك نحو أي انفراج سياسي وإصرارها على مواصلة سياستها الاستيطانية التوسعية. لقد شاهدت بالأمس وبطريق الصدفة حواراً بثه التلفزيون الإسرائيلي باللغة العربية بمشاركة إسرائيليين يتحدثون العربية وعرباً من القدس، ولعل أكثر ما لفت نظري في هذا الحوار هو قول الصحفي الإسرائيلي يوني بن مناحيم أن هناك إجراءات ضد "حماس" لا تستطيع السلطة القيام بها ولذلك فإنها تسمح لإسرائيل القيام بذلك وان ما تقوم به القوات الإسرائيلية في نابلس هو بموافقة السلطة وبالتنسيق معها. وأنا لا استبعد مطلقاً أن الإعداد لهذا البرنامج الإسرائيلي كان فقط من اجل إعطاء منبر لإسرائيلي مثل يوني بن مناحيم ليقول ما قاله ولإيصال هذه الرسالة إلى الشارع الفلسطيني بغية تأجيج نيران الفتنة والفرقة والانقسام بين الفلسطينيين لأنها تكفل لإسرائيل استمرار العمل دون عوائق. الصورة بمجملها تعكس مخططاً إسرائيليا لضرب الاستقرار الاقتصادي في عصب الاقتصاد الفلسطيني بنابلس والخليل، وزعزعة الأمن والنظام العام في أراضي السلطة الفلسطينية وتكريس الانقسام والخلافات الداخلية وخاصة بين فتح وحماس. فما المطلوب عمله في هذه المرحلة الحرجة بالذات؟ لقد أعلن رئيس الوزراء د، سلام فياض ولدى زيارته إلى مدينة نابلس عقب المداهمات والاعتداءات الإسرائيلية عن بطلان الإجراءات الإسرائيلية ودعا أصحاب المحلات التجارية ومسؤولي المؤسسات للاستمرار في عملهم كالمعتاد معتبراً أن لا شأن لإسرائيل بالتدخل في عمل هذه المؤسسات مهما كان لونها. هذا كلام جميل، ويقيناً أن د. فياض قام ويقوم باتصالات دولية شاملة وخاصة مع الطرف الأميركي لحمل إسرائيل على التراجع عن الإجراءات التي قامت بها في نابلس وإذا لم يتم ذلك فإن الدعوة التي وجهها ببطلان الإجراءات الإسرائيلية والدعوة إلى الاستمرار في العمل كالمعتاد ستتحول إلى عبء وتحد حقيقي له ولحكومته. اليوم سيلتقي الرئيس عباس بباريس مع رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت بحضور الرئيس الفرنسي ساركوزي فهل ستكون الإجراءات الإسرائيلية الأخيرة على جدول أعمالهما؟ لا أريد أن استبق الحدث مع علمي بأن اللقاء هو لقاء على هامش حدث أكثر هو المؤتمر المتوسطي الذي دعا له ساركوزي والذي يعتقد الكثيرون بأن احد أهدافه الرئيسية هو جمع الرؤساء والملوك العرب وجهاً إلى وجه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي وحاشيته لتطبيع العلاقات بينهم. صحيح أن ما حدث في نابلس هو حدث كبير لا يجوز السكوت عليه، ولكن يجب أن تبدأ الحكومة برئاسة د. فياض والسلطة برئاسة أبو مازن بالإعداد بشأن كيفية مواجهة الإجراءات الإسرائيلية وإبطالها إذا لم يهب "الأصدقاء" وعلى رأسهم الجنرال وليام فريزر لنجدة الحكومة الفلسطينية والضغط على إسرائيل للتراجع عن إجراءاتها. المراهنة على تدخل أميركي قوي لوقف أو إلغاء أو تجميد الإجراءات التي جرت في نابلس ليست مضمونة النتيجة و الإجراءات التي جرت في نابلس هي جزء من حملة طالت وتطال كل مدينة فلسطينية والتصدي لهذه الإجراءات الإسرائيلية وإبطالها يجب أن يبدأ بالخليل ويمتد ليشمل نابلس وكل مدينة فلسطينية أخرى تعرضت لهذا الشكل من الإجراءات الإسرائيلية، وإذا فشل الرهان الأميركي فإن على حكومة فياض أن تنزل إلى الشارع وان تتحرك ومن داخل صفوف جماهيرها للتصدي لهذه الإجراءات الإسرائيلية شعبياً وجماهيرياً وبالوسائل اللاعنفية التي ستحظى بدعم وتأييد المجتمع الدولي وتفضح المخططات الاستيطانية العدوانية. http://www.miftah.org |