اليهود الليبراليون الأمريكيون
بقلم: هشام منور
2008/7/23

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=9538

تزهو إسرائيل بامتلاكها واحداً من أقوى جماعات المصالح في الولايات المتحدة الأمريكية، ما لم يكن أقواها على الإطلاق، وأكثرها نفوذاً. فالتهافت الذي جرى منذ فترة قريبة بين المرشحين الجمهوريين والديمقراطيين على اعتلاء منصة منظمة (إيباك)، الداعم الرئيسي لإسرائيل في أمريكا، ومزاوداتهم في إبراز حجم الدعم المتوقع منهم للحليفة "إسرائيل" حال انتخابهم، إذ يعكس مدى نفوذ هذا اللوبي المتشدد في دوائر صنع القرار الأمريكية، فإنه يدل أيضاً على أهمية مثل هذه الجماعات في الحياة السياسية الأمريكية، والتي يكفل الدستور الأمريكي إنشاءها واستمرارها وتنظيم نشاطاتها.

إلا أن سياسة لجنة العلاقات الأمريكية الإسرائيلية (إيباك) تعدّ في نظر كثير من المراقبين منسجمة إلى حد بعيد مع سياسة المحافظين الجدد في الإدارة الأمريكية وأحد أهم روافدها لجهة تزويدها بالباحثين وصناع القرار في المرافق الحيوية الأمريكية. وعلى الرغم من شعبية هذه المنظمة اليمينية المتشددة في أوساط السياسة الأمريكية وحرص الجميع على التقرب منها والتودد إليها ودعم توجهاتها ومآربها، لا سيما في الشرق الأوسط، فإنها في نظر اليهود الأمريكيين أنفسهم، وهم الذين يغلب عليهم الطابع الليبرالي الشبيه بنموذج الحياة الأمريكي المفارق للنموذج اليهودي الديني في مناطق أخرى من العالم، لا تكاد تعبر عن توجهات الناخب اليهودي الأمريكي المعروف بولائه لسياسات وتوجهات الحزب الديمقراطي الأمريكي الأكثر ليبرالية وانفتاحاً على الأقليات الدينية والعرقية في الولايات المتحدة.

وعلى الرغم من تأييد معظم اليهود الأمريكيين "لإسرائيل"، على اختلاف توجهاتهم، إلا نمط التفكير السائد بين التيار الليبرالي الغالب على تكوين الأقلية اليهودية لا يؤيد السياسات العنصرية التي تنتهجها الحكومات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني من حصار وتدمير للبنية التحتية وبناء للجدار العازل وتقويض أبسط مقومات الحياة الكريمة للشعب الفلسطيني. وهم بالمقابل يدعمون بقوة التوصل إلى اتفاقية سلام بين الطرفين لما يرونه من أهمية ذلك لكلا الجانبين على حد سواء، من وجهة نظرهم.

ومع تعالي أصوات الحرب وقرع طبولها الدائم في المنطقة، شكلت مجموعة من المدافعين عن التوجه الليبرالي بين صفوف اليهود الأمريكيين منظمة جديدة تركز على دعم السياسيين الأمريكيين الذين يؤمنون بضرورة التحرك نحو إنجاز تسوية سلمية حقيقة في الشرق الأوسط في تحد صريح منهم لأقوى جماعات الضغط الموالية لإسرائيل في الولايات المتحدة "إيباك". وقد أسس هذه المنظمة، والتي أطلق عليها اسم (جي ستريت)، عدد من رموز اليهود الأمريكيين "الليبراليين" بمساندة من شخصيات معروفة في المجتمع الإسرائيلي بهدف مساندة جهود السلام في الشرق الأوسط، والوقوف في وجه "إيباك" التي يعتبرها كثير من اليهود الأمريكيين متشددة في سياساتها المدافعة عن إسرائيل. رافعين شعار "مؤيدون لإسرائيل، مؤيدون للسلام".

ويعدّ كل من (جيرمي بن عامي) المستشار السابق للسياسة الداخلية في إدارة الرئيس كلينتون، و(دانيال ليفي) المستشار السابق لرئيس الحكومة الإسرائيلية (باراك)، العقل المدبر للجماعة الجديدة. وجاء في بيانها التأسيسي: "لفترة طويلة من الزمن كانت الأصوات الوحيدة التي يصغي إليها السياسيون فيما يخص صناعة السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط تأتي من قلة عالية الصوت من أقصى يمين المجتمع اليهودي الأمريكي، منهم المحافظون الجدد واليمين المتشدد والمسيحيون-الصهيونيون الراديكاليون".

وتسعى هذه المنظمة الجديدة إلى إعادة تعريف مفهوم "تأييد إسرائيل" في واشنطن، وهو المفهوم المحوري لأي سياسة أمريكية خارجية مهما كان ولاؤها، إذ إن أفكار اليمين المتشدد والمحافظين الجدد باتت في الآونة الأخيرة المحدد الرئيسي لهذا المفهوم. وقد فضلت هذه المنظمة الجديدة إتباع إستراتيجية مساندة مرشحين من أنصار السلام في انتخابات الكونجرس المقبلة كي يكون للجماعة صوتاً في دوائر صنع القرار في ظل ضعف الميزانية المبدئية (1.5 مليون دولار) بالمقارنة مع "إيباك" (100 مليون دولار، وعدد أعضائها 100 ألف شخص، ولها مكاتب في 18 ولاية)، وتحاول المنظمة عدم تحدي النواب الديمقراطيين القدامى ممن يدينون بولاء تام لإسرائيل وتسعى بالمقابل إلى بناء أرضية جديدة تدعم جهود السلام ولا تشجع امتداد الصراع إلى ما لا نهاية.

وتضم قائمة المؤسسين للمنظمة شخصيات أمريكية وإسرائيلية مشهورة، كالسيناتور السابق (لينكولن شافي)، والكاتب الشهير (هنري سيجمان)، و(مورتن هالبيرن) مدير التخطيط بالخارجية الأمريكية سابقاً، و(ماركوس كونالاكس) ناشر مجلة "واشنطن مانثلي"، و(صامويل لويس) السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل، والباحث المعروف (روبرت مالي)، و(روبرت سولومنت) أحد الشخصيات اليهودية البارزة المؤيدة للمرشح الديمقراطي (باراك أوباما)، و(حنا روزنتال) المدير السابق للمجلس اليهودي للشؤون العامة، وغيرهم من حاخامات وأساتذة جامعات وكتاب. فضلاً عن (يوسي الفار) مسؤول الموساد السابق، و(شلومو بن عامي) وزير الخارجية الأسبق، و(أبراهام بورغ) رئيس الكنيست السابق، و(داليا رابين) النائب السابق لوزير الدفاع والعديد من الجنرالات المتقاعدين.

وفيما يتعلق بعملية السلام في الشرق الأوسط، تحاول المنظمة إنهاء التأثير الطاغي للجماعات المتشددة اليمينية، مما يعدّ تحدياً حقيقياً لمنظمة "إيباك" المتنفذة والتي تستمد شعبيتها من خلال مناصرة السياسات الإسرائيلية، سيما أن المنظمة الجديدة سوف تجتذب تبرعات الجناح الليبرالي من المجتمع اليهودي الأمريكي المؤيد للسلام وفرض حل الدولتين.

ربما تكون منظمة "جي ستريت" غير تكون قادرة، في الوقت الحالي، على منافسة "إيباك" في نفوذها وقدرتها على التأثير في دوائر صنع القرار في واشنطن، لكنها، دون أدنى شك، سوف تحدث حراكاً سياسياً واجتماعياً داخل المجتمع اليهودي الأمريكي، بما يبرز، على الأقل، من سياسات الدولة العبرية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويفضح من ممارساتها، ويقلل إلى حد ما من الدعم الأمريكي اللا محدود لها، في ظل هيمنة "إيباك" على المشهد السياسي الأمريكي وسعي مفرداته إلى استقطاب دعمها وكسبه. فالمواقف التي أعلنتها "جي ستريت" بخصوص الانسحاب من العراق، وفتح مبادرات الحوار مع سوريا، وتجنب أي مواجهة عسكرية مع إيران، بخلاف مواقف "إيباك" تماماً، تسمح بإعادة التفكير في مستقبل العلاقة التاريخية الحميمة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل في ظل بروز صوت جديد يعتبر نفسه ممثل الأغلبية الصامتة والمهمشة بين اليهود الأمريكيين، فهل تهتك "الحملان" بصراخها جدار الصمت الحديدي.

http://www.miftah.org