حوار الاعتقالات المتبادلة
الموقع الأصلي:
الشعب الفلسطيني كله معتقل، والأرض كلها لا تزال محتلة، بحيث يبدو مشهد تبادل الاعتقالات بين الضفة الغربية وغزة وهو المعادل الجغرافي لفتح وحماس كوميديا، لكنه من ذلك الطراز العجيب من الكوميديات الحمراء وليس السوداء التي تنتهي إليها الشعوب إذا فقدت رشدها السياسي ، وارتهنت لأدبيات القبائل وثقافة التخارج بدلا من التداخل ، والإقصاء بدلا من التكامل..
ان لدى إسرائيل في زنازينها أكثر من أحد عشر ألف معتقل فلسطيني ، وهم من مختلف الفصائل، ومنهم بل من حاصل جمعهم تتألف أرقى وحدة وطنية ، وهذا الرقم ليس بحاجة إلى إضافات يتبرع بها الفلسطينيون أنفسهم ، فليس هناك فائض من الدم أو الحرية بحيث يتولى الجرحى الإجهاز على ما تبقى فيهم من حياة. ان الكوميديا في بعدها السياسي تتجلى في أن الضفة تعتقل غزة ، والعكس صحيح أيضا ما دام لكل طرف من النفوذ على المساحة الجغرافية التي يحكمها ما يكفي لإعلان استقلال زائف. وهذه ليست مناسبة للمفاضلة بين اعتقال واعتقال ، أو بين خطأ وخطيئة ، فالضحية على الدوام هو شعب أسير لا حول له ولا قوة في كل ما يجري حوله إقليميا ودوليا وان كان مطالبا بدفع ضرائب لا تخصه من قريب أو من بعيد إلا بالقدر الذي يتحول فيه الثوار إلى وكلاء ، والقادة إلى مُتعهدين، واخطر ما في الأمر ان مفردات من طراز الإفراج عن المعتقلين وحرية الناشطين أصبحت ملتبسة ، فلا ندري لأول وهلة عمّ يتحدث هؤلاء.. عن فلسطيني يعتقل فلسطينيا أو عن سلطات الاحتلال التي تعتقل الجميع، وتعاقبهم بالجملة وما يبدو لأسباب سياسية استثنائيا هو تكريس للقاعدة القصديرية لا الذهبية في ثنائية الاحتلال والاستقلال، والقهر والحرية، إلا يكفي الفلسطينيين ما ألم بهم وهو الخارجون للتو من مأتم الذكرى السّتينية للنكبة؟ وكيف يمكن للعالم ان يقرأ هذا الفصل الدراماتيكي من نضال شعب بدأ يأكل نفسه ، ويعيد ترتيب أولويات العداء والتحالف؟ ولا ندري بأية معجزة أصبح كل انفراج وشيك بين حماس وفتح موعدا لانفجار أشد؟ وأية أطراف هي المستفيدة كالمنشار من جذع الزيتونة التي تخسر الكثير من عافيتها صعودا وهبوطا ، ويسارا ويمينا وفتحا وحماسا؟ ان تبادل الاعتقالات على نحو ثأري هو ترسيخ لثقافة فسائلية أكثر مما هي فصائلية ، وعودة غير ظافرة إلى الحوار الأخرق الذي كانت تنوب فيه المسدسات والبنادق عن الألسنة والعقول.. ان من حق الشعب الفلسطيني المحاصر والمطارد والمعتقل في عقر داره ان يرفع عقيرته الآن.. لا بالغناء بل بالشّجب الصريح لهذا الانتحار الوطني البطيء. http://www.miftah.org |