اجتماع الفصائل الفلسطينية في القاهرة والحوار المقطوع
بقلم: *عبد الله حسن
2008/8/23

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=9642

تستضيف القاهرة هذا الأسبوع عددا من الفصائل الفلسطينية ذات الاتجاهات المختلفة لاستئناف الحوار مع هذه الفصائل وإنهاء حالة الانقسام الفلسطيني التي أثرت سلبا علي القضية الفلسطينية برمتها وعلى مسار عملية السلام التي توقفت تماما بسبب هذه الانقسامات.

ولاشك ان الخلافات الفلسطينية ­ الفلسطينية أصبحت اشد قسوة وضراوة من الخلافات الفلسطينية الإسرائيلية لان العدو الإسرائيلي يعلن أهدافه بوضوح ويسعي دائما لترسيخ فكرة الاحتلال والسيطرة علي الأرض وما عليها ويتبع في ذلك جميع السبل والوسائل.

أما الفلسطينيون أصحاب القضية الحقيقيون والمفروض أنهم احرص الناس علي استرداد الأرض وصيانة العرض والحفاظ علي الكرامة ومواصلة الكفاح حتى تقام الدولة الفلسطينية المستقلة على ترابهم الوطني فلابد من وحدة الصف والهدف وإتباع جميع السبل المشروعة وغير المشروعة من اجل الوصول إلي هذا الهدف ولكن للأسف الشديد سادت الانقسامات الفلسطينية الساحة السياسية في الفترة الأخيرة ووصلت الخلافات بينهم إلى حد الاقتتال المسلح وسقوط العديد من الضحايا الفلسطينيين برصاص أشقائهم الفلسطينيين.

وبدلا من توجيه فوهات البنادق إلى العدو الإسرائيلي توجهت هذه البنادق إلي صدور الفلسطينيين وهذه هي قمة المأساة والمهزلة ان يتحول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلي صراع فلسطيني فلسطيني ويصبح العدو الإسرائيلي هو المستفيد الأول من هذه الانقسامات والصراعات.. وتزايدت حدة الصراعات بين الفلسطينيين خاصة الفصيلين الرئيسيين فتح وحماس ورأينا عمليات اغتيالات واعتقالات في صفوف الطرفين علي أيدي قواتهما وليس على أيدي القوات الإسرائيلية التي طالما استمرت المواجهات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي علي مدي أكثر من نصف قرن في مختلف المحافل داخليا وخارجيا وكانت القوة العربية التي توحدت في يوم من الأيام حول القضية الفلسطينية هي الداعم الرئيسي للفلسطينيين في كفاحهم المسلح وزودتهم بالمال والسلاح من اجل قضيتهم العادلة وكانت المساندة الدولية في المحافل الخارجية في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والمؤتمرات والمنظمات الدولية هي المحرك الرئيسي لاستمرار قوة الدفع للقضية الفلسطينية وجعلها مطروحة دائما في هذه المحافل..

ولكن المتغيرات الدولية والانقسامات الفلسطينية وهي الأساس جعلت هذه القضية تتراجع تدريجيا ويحل محلها قضايا إقليمية أخرى مثل الأوضاع في العراق ودارفور والصومال والتهديدات الإيرانية لمنطقة الخليج وتوقف الحديث عن السلام في الشرق الأوسط وإقامة الدولة الفلسطينية.

وكانت مصر دائما حاضرة من منطلق مسئولياتها القومية والوطنية وتحركت في عدة اتجاهات وواصل الرئيس حسني مبارك جهوده واتصالاته بمختلف الأطراف لاحتواء الموقف واستئناف عملية السلام وأعلن أكثر من مرة ان البديل للسلام سيكون خطرا كبيرا علي المنطقة بأسرها.

ومع بداية اندلاع الخلافات الفلسطينية خاصة بين فتح وحماس تحركت مصر ودعت مختلف الأطراف للحضور إلي القاهرة والتقي الوزير عمر سليمان مدير المخابرات العامة الذي كلفه الرئيس مبارك بهذا الملف بمختلف الأطراف وقام كبار مساعديه بجهود كبيرة على عدة محاور لاحتواء الموقف وظهرت في الأفق قضية الأسرى والمعابر والحدود وكان لكل طرف مطالبه خاصة في الجانب الإسرائيلي الذي حاول ان يجعل قضية الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط الذي اختطفته عناصر من حركة حماس قضية محورية في أي تسوية، وتناسى الإسرائيليون آلاف الأسرى الذين مازالوا خلف القضبان في سجون إسرائيل سنوات وسنوات ورفضت الإفراج عنهم بدعوى ان أياديهم ملطخة بدماء إسرائيليين بينما الإسرائيليون يقتلون يوميا العديد من الفلسطينيين ويعتقلون العشرات دون ان يتحرك احد..

كانت مصر مدركة أبعاد القضية تماما وجاء التحرك المصري علي الرغم من محاولات بعض العناصر من الفصائل الفلسطينية سواء من حماس أو غيرها الإساءة لمصر وتوجيه الاتهامات الكاذبة هنا وهناك ولكن مصر تدرك تماما قواعد اللعبة وتسعي لتفويت الفرصة علي من يحاولون دق إسفين في العلاقات المصرية الفلسطينية..

وجاءت دعوة مصر مؤخرا للفصائل الفلسطينية للاجتماع في القاهرة هذا الأسبوع لعقد مباحثات ثنائية أولا مع كل تنظيم علي حدة وتهيئة المناخ وإزالة رواسب الخلافات السابقة مع الفصائل الفلسطينية تمهيدا لعقد حوار موسع تشارك فيه جميع الفصائل من اجل بلورة مشروع وطني فلسطيني متكامل يتفق عليه الفلسطينيون جميعا تمهيدا لكسر جمود عملية السلام والدخول في مفاوضات جادة وحقيقية مع الجانب الإسرائيلي لتحقيق الهدف المنشود.

وكالعادة فان التحرك المصري لن يرضي جميع الأطراف سواء في الداخل الفلسطيني أو خارجه وسيحاول البعض وضع العراقيل والعقبات أمام هذا التحرك من اجل مصالح شخصية أو إقليمية بعيدة كل البعد عن الصالح الفلسطيني وتطلعات الشعب الذي يعيش تحت الاحتلال ويقاوم بكل ما لديه من قوة وعزيمة وإصرار علي أمل ان يتحقق الحلم الذي طال انتظاره.

ولاشك ان هذه المحاولات أصبحت مكشوفة أمام الجميع ويعلمها تماما المواطن الفلسطيني البسيط الذي سئم الشعارات وأصبح يرفضها تماما بعد ان أدرك أنها مجرد شعارات زائفة يحقق أصحابها مصالحهم الشخصية وثرواتهم الطائلة وينعمون بالعيش في الداخل والخارج بينما يعاني الشعب الفلسطيني اشد المعاناة في سبيل الحصول علي قوت يومه أو العيش في سلام وأمان على أمل ان يظهر الضوء في نهاية النفق المظلم.. وتبقي على التنظيمات الفلسطينية ان ترتفع فوق الخلافات والحسابات الشخصية الضيقة وتضع مصلحة الشعب الفلسطيني فوق كل اعتبار وتستأنف الحوار المقطوع بينهما وتوحد صفوفها استعدادا لمعركة التفاوض مع العدو الإسرائيلي التي لا تقل ضراوة عن معركة الكفاح المسلح.

* رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط عن صحيفة أخبار اليوم المصرية

http://www.miftah.org