هل ثمة ما تبقى غير الحوار؟
الموقع الأصلي:
فيما بدأت القاهرة الأحد الماضي حواراتها المباشرة مع الفصائل الفلسطينية ابتداءً بوفد رفيع المستوى يمثل حركة الجهاد الإسلامي، كمقدمة لتتابع وصول قيادات من الفصائل الأخرى، تابع الطرفان، حركة فتح وحماس، صراعهما على الأرض، بما يعمق الانقسام ويضعف الآمال بإمكانية وصول الجهد المصري إلى بر الأمان.
ربما كانت الممارسات على الأرض، والطبيعة السلبية في الغالب للردود على الاستفسارات المصرية التي أرسلت في وقت سابق للفصائل، هي ما دعا الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، لأن يعلن بأن هذا الحوار يشكل الفرصة الأخيرة للفلسطينيين من أجل إنهاء حالة الانقسام واستعادة وحدتهم. إن كان الأمين العام للجامعة العربية الذي يعبر عن الموقف العربي الجماعي أو شبه الجماعي الذي تم التوافق عليه في قمة دمشق العربية، يذهب إلى التخلي عن المسؤولية إزاء مساعدة الفلسطينيين في تجاوز أزمتهم وانقسامهم، فذلك أمر ينطوي على خطورة بالغة ويبشر بشرور مستطيرة، أما إن كان يستهدف ممارسة الضغط على أطراف الصراع الفلسطيني، فإن تحقيق نتائج إيجابية يستدعي بلورة جهد عربي جماعي لممارسة ضغوط أشد ثقلاً. تصريح موسى جاء كحاجة لممارسة الضغط وإن كان يعبر عن حالة من التشاؤم نظراً لتعقيدات ملف الأزمة والحوار وكثرة الاعتراضات الإقليمية والمحلية، لكنه تزامن مع تصريح من مصدر مصري مسؤول خاطب من خلاله الفلسطينيين قائلاً: إن القاهرة ليست مكاناً للفشل إن تعمدتم ذلك، فاعبثوا في مكان آخر، مما يعني أن القاهرة مصممة على النجاح أو أنها مستعدة وهي بطبيعة الحال قادرة على ممارسة ضغط حقيقي، تقول بين هذا وذاك إن ثمة بارقة أمل. في الحقيقة فإن ما يجري على الأرض لا يشير إلى أن إرادة الحوار والاتفاق تتفوق على إرادة الحسابات والبرامج والمصالح الخاصة التي أدى التمسك بها، ورفعها فوق الحسابات والمصالح الوطنية إلى اندلاع الصراع وصولاً إلى الانقسام الخطير الذي تلعب إسرائيل دوراً أساسياً في تعميقه، انطلاقاً من رؤيتها الخاصة لمصالحها وسياساتها الخبيثة. فمنذ أن أطلق الرئيس محمود عباس مبادرة للحوار في الرابع من يونيو الماضي، اعتبرتها جميع الأطراف في حينه خطوة إلى الأمام، نحو تجاوز الشروط المسبقة التي شكلت ذريعة لتعطيل الحوار، مما خلق أجواء إيجابية متفائلة، لكن الأمور عادت إلى المجرى الصراعي، حيث تصاعدت حملات الاعتقال السياسي، وإغلاق ومصادرة واقتحام مؤسسات العمل المدني والأهلي، وتصاعدت حملات التحريض والتخوين والتشكيك، فيما استمرت عمليات الإقصاء، وبلورة كيانين منفصلين. وبعد التفجير الذي وقع على شاطئ غزة في الخامس والعشرين من شهر يوليو الماضي، استعرت ردود الفعل لتتخذ طابعاً عنيفاً مرة أخرى، وجرى استدعاء الذرائع لتبرير ما يمكن اعتباره انقلاباً آخر استهدف في قطاع غزة شل حركة فتح وتجريدها من أدواتها الجماهيرية والسياسية والتنظيمية، بعد أن كان الأول استهدف قوتها العسكرية، تلاه في إطار ردود الفعل، تصعيد مقابل في الضفة الغربية. أما الخطوة التصعيدية الأخرى والتي ترافقت مع وصول وفد الجهاد الإسلامي إلى القاهرة، فجاءت لتطيح بالعملية التربوية، والتعليمية في قطاع غزة، حيث أعلن الاتحاد العام للمعلمين الفلسطينيين بمؤازرة وتغطية من وزارة التربية والتعليم العالي في حكومة تسيير الأعمال التي يرأسها الدكتور سلام فياض، أعلن الإضراب العام احتجاجاً على ما اعتبره الاتحاد سياسة الإقصاء والتنقلات التعسفية التي تتبعها حماس بحق مدراء المدارس والمعلمين وبعض موظفي الوزارة. الإضراب الكبير الذي استمر لخمسة أيام منذ اليوم الأول للعام الدراسي، أدى إلى شلل العملية التعليمية، وهو الأخطر على مستقبل العملية التربوية والتعليمية التي تعرضت قبل ذلك، إلى اختلالات كبيرة. وعلى هامش هذه التطورات الخطيرة، تسجل السلطة وحكومة الدكتور سلام فياض، إنجازاً بموافقة إسرائيل على الإفراج عن مئة وثمانية وتسعين أسيراً من بينهم من أمضى في السجن نحو ثلاثة عقود، وتتهمهم إسرائيل بأن أياديهم ملطخة بالدماء، مما يشكل اختراقاً للمعايير الإسرائيلية في التعامل مع عمليات الإفراج عن الأسرى، وشكل سبباً لاعتراض المؤسسة الأمنية الإسرائيلية على عملية الإفراج الأخيرة. وعلى الطرف الآخر تسجل حكومة إسماعيل هنية المقالة في غزة إنجازاً بوصول قاربي كسر الحصار اللذين يحملان نحو ستة وأربعين من النشطاء الدوليين الذين سمحت لهم إسرائيل بمواصلة رحلتهم من قبرص إلى ميناء الصيادين المتواضع على شاطئ مدينة غزة. من المؤسف أن هذه «الإنجازات» المتواضعة لا تحتسب في إطار الصراع مع الاحتلال بقدر ما أنه يتم تجييرها في سياق الصراع الفلسطيني الداخلي، حيث يسجل كل طرف الأفضلية لصالحه. في كل الأحوال فإن طرفي الصراع الفلسطيني يصلان القاهرة وهما منهكين تحت وطأة فشل الخيارات، وضغط الأزمات، ففي حين تتجه المفاوضات السياسية مع إسرائيل نحو الفشل، يخضع قطاع غزة لحصار مشدد، وتؤدي التهدئة المتفق عليها مع إسرائيل بوساطة مصرية إلى جمود المقاومة. خلال نحو أربعة عشر شهراً منذ انقلاب حماس العسكري على السلطة وسيطرتها في غزة، جربت أطراف الصراع كل ما يمكن التفكير فيه من خيارات، إلا أنها لم تجرب ولو مرة واحدة خيار الجلوس على طاولة الحوار، فهل يشكل ذلك سبباً كافياً لتوفير القناعة وإرادة إنجاح الحوار أم أنهما سيضطران إلى ذلك تحت ضغط الموقف العربي الذي توفره القاهرة؟ عن صحيفة البيان الاماراتية http://www.miftah.org |