حوارات القاهرة... واختبار الإرادات!
بقلم: مسعود ضاهر
2008/9/1

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=9675

تكتسب الحوارات الفلسطينية برعاية الجانب المصري أهميتها القصوى، وخصوصاً في هذه المرحلة، حيث وصل الانقسام الفلسطيني مرحلته الخطرة، إن بانعدام الآفاق القريبة لإعادة اللحمة الوطنية الى سابق عهدها، أو باستمرار تأثير ذلك على القضية والمشروع الوطني عموما.

فإرهاصات المرحلة تشي بالذهاب نحو تعميق الانقسام وظهور ازدواجية للتمثيل الفلسطيني، والأهم من كل ذلك حالة التسابق الفلسطينية على المستويين العربي والدولي والمحلي، ان بالمفاوضات مع اسرائيل، أو التهدئة معها، لإظهار من هو الأقدر على تمثيل الفلسطينيين!

بما يعنيه الأمر من طامة كبرى، وذلك بالوقوع مباشرة أو بطريق غير مباشر في الأحابيل الاسرائيلية والأميركية، التي تسعى جاهدة لتشتيت النضال الوطني الفلسطيني وتثبيت الانقسام السياسي والتمثيلي للفلسطينيين بعد انقسام الجغرافيا الفلسطينية.

إن الحوارات التي تجري في العاصمة المصرية ليست الأولى، فقد سبقتها حوارات كثيرة انتهت بإعلان القاهرة في آذار ،٢٠٠٥ ووثيقة وطنية في حزيران ،٢٠٠٦ ويمكن للإعلان والوثيقة أن يشكلا أرضية خصبة للحوارات الدائرة حاليا، والخروج بالحل الوطني القادر على تجاوز حالة الانقسام الحالية، والوصول الى وحدة وطنية تطلبها جماهيرنا الفلسطينية في الوطن وفي الشتات، ويتطلبها نضالنا الوطني التحرري باعتبارها الضمانة الأساسية والرئيسية للانتصار.

ندرك كمَّ الصعوبات الهائل القابع أمام تحقيق هذا الهدف، وقد يرى البعض في ما نقول حالة طوباوية تقع خارج حدود الإمكانية الفعلية للتنفيذ، ولكنا نرد: بالرغم من هذه الصعوبة البادية، لكن خصوصيات النضال الوطني الفلسطيني تقتفي هذه الوحدة، فما زالت قضيتنا الوطنية في طور التحرر الوطني، وواهم كل من يعتقد أنه تم تجاوزها، بدليل أن ما يبدو على أنهما سلطتان في غزة وفي رام الله، هما في واقع الأمر سلطتان وهميتان، وهما محكومتان بالعامل الاسرائيلي، المتحكم في عنصر السيادة، الذي تفتقدانه، وبالتالي، فلا مجال للتنازع على سلطة وهمية، فشعبنا بحاجة الى الكثير من النضالات والتضحيات حتى إقامة سلطته الوطنية الحقة الكاملة السيادة.

من جانب ثان، وبعد تجربة ما يقارب العقد ونصف عقد من المفاوضات مع اسرائيل، آن الأوان لكل من يعتقد بإمكانية انتزاع دولة فلسطينية مستقلة، ذات سيادة، وعاصمتها القدس، أن يتحرر من أوهامه، فهذا ما لا نقوله نحن، وإنما يمثل حقيقة الموقف الاسرائيلي، صاحب اللاءات الخمس بالنسبة لمعظم الحقوق الوطنية الفلسطينية. كذلك فإن كل الذين يعتقدون بإمكانية إطالة الهدنة مع اسرائيل لحقبة طويلة من الزمن، من دون أن تتأثر المقاومة سلبا، هم واهمون، وتصب معتقداتهم في مجرى وضع العراقيل أمام قيام الدولة الفلسطينية الحقيقية. بالتالي، فإن المطلوب من حوارات القاهرة، هو أيضا إعادة الاعتبار لنهج المقاومة بكل أشكالها ووسائلها، فلم يسبق على مدى التاريخ، القديم والحديث، أن انتصرت حركة تحرر وطني لمطلق شعب على مغتصبي إرادة شعبها، دون الاستناد الى المقاومة والكفاح المسلح تحديدا، وحتى في خوض المفاوضات السياسية مع العدو، فإنها كانت تستند الى المقاومة الفعلية على الأرض، ولذلك فإن المقاومة المسلحة، تعتبر مسألة مشروعة، أقرتها الأمم المتحدة في قرارات صريحة وواضحة، ورغم مرور ما يقارب العقدين على بدء عالم القطب الواحد، فإن قراري الأمم المتحدة المعنيين بالمقاومة لم يُمسّا، واتخذت محاولة إلغاء المقاومة كعرف دولي نهجا آخر، هو الترويج باعتبارها إرهابا.

وبالعودة الى حوارات القاهرة، فإنه يتوجب على المنظمات الفلسطينية الأخرى، وبخاصة حركة الجهاد الإسلامي والشعبية والديموقراطية، أن تشكل عوامل ضغط على حركتي فتح وحماس لقبول الحوار مباشرة بينهما كخطوة تهيئ للحوار الوطني الفلسطيني ـ الفلسطيني الشامل والعريض، الذي من أدق مهامه: تجاوز حالة الانقسام الحالية.

ربطنا أهمية حوارات القاهرة بطبيعة الظروف الحالية المعقدة والصعبة التي تمر بها القضية الوطنية الفلسطينية، واستنادا إلى ذلك نضيف: ان الحوار لأجل الحوار لا يشكل هدفا بحد ذاته، بل يتوجب أن يرتبط بما يصدر عنه من نتائج، وما يحققه من أهداف، ولذلك يمكن لحوارات القاهرة أن تختتم بنتيجتين: إما أن تعمّق الانقسام وإما أن تتجاوزه، فكل الفصائل الفلسطينية من أقصاها إلى أقصاها مع الوحدة الوطنية، وكل فصيل يستطيع أن ينظّر حول أهميتها وفوائدها، والكل ضد الانقسام، وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا يجري التنفيذ؟ بالتالي فإن المسألة ترتبط بالنوايا والإرادات أولا وأخيرا، ولا نشك في نوايا وإرادات كل الفصائل الفلسطينية وقادتها جميعا.

كفانا انقساما، وكفى مشروعنا الوطني الفلسطيني ضررا، وكفى قضيتنا انغماسا بالصراعات اللاهوتية والقبلية، وآن الأوان لإعادة المشروع والقضية إلى مسارهما الصحيح، ومن المتوجب أن ننتصر بالإرادة على الذات في سبيل الوطن.

عن صحيفة السفير اللبنانية

http://www.miftah.org