اقل الكلام: أولمرت وعباس على الهواء مباشرة
بقلم: عريب الرنتاوي
2008/9/2

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=9680

في أبريل الفائت ، شنّت إسرائيل حملة شعواء ضد الرئيس الفلسطيني محمود عباس لأنه قرر تكريم خمس أسيرات فلسطينيات ومنحهن أوسمة الشرف، لكفاحهن البطولي في سبيل الحرية والاستقلال ، يومها وصفت لفني الأمر بالمروّع ، واستنكرت داليا إيتسك المسألة برمتها ، أما إيهود أولمرت فقد استشاط غيظا وغضبا ، توبيخا وتأنبيا للقيادة الفلسطينية ، التي يقال ، والرواية على ذمة الراوي ، بأنها تراجعت عن نيتها تكريم الأسيرات في أجواء احتفالية ، وفي رواية أخرى ، أن تكريما مكتوما قد أجري لهن على نطاق ضيق. أمس ، وعلى مسمع العالم برمته ، وبّخ أولمرت الرئيس عباس للمرة الثانية خلال بضعة أشهر ، لاستقباله الأسير المحرر سمير القنطار في أثناء زيارته لبيروت ، وقد حرص طاقم أولمرت على تسجيل وبث هذا المقطع من المحادثات على الهواء مباشرة ، نظرا لما ينطوي عليه من إهانة للفلسطينيين وإذلال لقيادتهم ، وكان مؤسفا أن موقف الرئيس عباس ، جاء تبريريا ضعيفا ، لكأنه يتنصل مما فعل ، خصوصا حين ألمح بأن الأمر لم يكن مخططا منه ، وأنه جاء هكذا من دون إعداد مسبق ، وفي سياق الأمر الواقع. إسرائيل التي تريد منا أن نعترف بحقها في الوجود (لا بوجودها فقط) وكدولة يهودية (لا كدولة فحسب) ، تريد لنا أن نلعن تاريخنا وأن ندين ذاكرتنا ، وأن نشتم أسرانا وشهداءنا ، فبهذه الطريقة ، وبها وحدها ، نستحق أن نكون بشرا ، و"شركاء في السلام" مع قادة الاحتلال وزعماء العنصرية. وفقا للمسطرة التي يعتمدها القتلة المجربون من أمثال باراك وليفني واولمرت ، سيطلب إلينا وإلى قادتنا أن نشتم ياسر عرفات وأحمد ياسين وعبدالعزيز الرنتيسي وخليل الوزير وأبو علي مصطفى وجورج حبش وفتحي الشقاقي وطلعت يعقوب ومحمد نزال والقادة الثلاثة ودلال المغربي وألوف الشهداء الذي رووا بدمائهم جذوة القضية وأضاؤوا شعلتها. وبذات المسطرة ، سيطلب إلينا أن نتعامل مع أحمد سعدات ومروان البرغوثي وحسام خضر وعبدالرحيم ملوح و"مانديلات فلسطين" بوصفهم قتلة ومجرمين ، أو بوصفهم مصابين بجذام الإرهاب ، يتعين احتجازهم في معازل نائية ، بعيدا عن متناول البشر وأماكن سكناهم. المؤسف حقا ، أن القيادة الفلسطينية التي وضعت نفسها في هذا السياق المذل ، من دون أن تكون مضطرة أو مجبرة على ذلك أبدا ، تتصرف على قاعدة أن لا حول لها ولا قوة ، وأن جلّ ما بمقدروها أن تفعله ، هو التراجع المؤسف والاستماع المصغي والتعليق التبريري ، على دروس "الثعالب والذئاب التي قررت أن تبرز في ثياب الواعظين والحملان".

منذ أن تخلت القيادة الفلسطينية عن "مبدأ التناوب" في استضافة اللقاءات والاجتماعات، وتحول منزل أولمرت في القدس، إلى قبلة الحجيج الفلسطيني في المفاوضات المكثفة، ومن أن استمرأت القيادة الصور التذكارية الملتقطة في الزاوية الكريهة إياها ، بين "بيت الدرج" و"سجل التشريفات والتوقيعات" في المنزل المندرج في ملفات فساد أولمرت وزوجته، أصبح يتعين علينا أن ننتظر عبارات تأنيبية وتوبيخية مهينة من النوع المبتذل الذي استمعنا إليه بالأمس.

ما من أن أحد من الفلسطينيين تلوثت يداه بدماء الإسرائيليين بالقدر الذي تلوثت فيه يدا باراك بدماء الفلسطينيين ، وما من دبلوماسي فلسطيني تورط في القتل والاغتيال ، مثلما تورطت الضابطة السابقة والمسؤولة عن عمليات الموساد في أوروبا تسيفي ليفني ، ومع ذلك لا يجد هؤلاء غضاضة في إلقاء المواعظ والدروس عن السلام ومحاربة الإرهاب و"الملطخة إيديهم"، لا يتورع هؤلاء عن إعطاء الأوامر الزاجرة والتوبيخات الناهرة لكبار المفاوضين وصغارهم.

رحم الله ياسر عرفات.

عن صحيفة الدستور الأردنية

http://www.miftah.org