بدائل حل "الدولتين"
الموقع الأصلي:
للوهلة الأولى تبدو الدعوات للتراجع عن فكرة الدولتين باعتبارها أساساً لحل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، واستبدالها بالدعوة لدولة واحدة يعيش فيها الإسرائيليون والفلسطينيون غير منطقية، لأنّ هذا الحل يعني عمليّاً القضاء على إسرائيل باعتبارها دولة يهودية، وإذا كانت إسرائيل تعرقل حل الدولتين فإنّه يستحيل أن توافق على حل الدولة الواحدة. وكذلك فإنّ فكرة هذا الحل لا زالت غامضة، بين من يطرح دولة ثنائية القومية (لشعبين)، ومن يطرح فكرة الدولة الليبرالية لمواطنيها الأفراد.
هذا مع أن بعض من يطرح فكرة "الدولة الواحدة"، يطرحها تكتيكيّاً للضغط على إسرائيل، وقد ذهب أكاديمي فلسطيني بعيداً في مناظرة مع أكاديمي إسرائيلي في جامعة أوروبية، عندما قال إنّ الفلسطينيين، يقبلون بأي حل ضمن أراضي فلسطين التاريخية، سواء الدولتين أو الدولة الواحدة، على أن يكون الفلسطيني كامل المواطَنة وأن يحظى بحق العودة، وقال إنّه قد يقبل أن يكون اسم الدولة إسرائيل، وبطبيعة الحال رفض الإسرائيلي هذا الحل، على أساس أنّ إسرائيل دولة يهودية، وذهب الأكاديمي الفلسطيني، وبهدف إحراج خصمه، إلى اقتراح: وماذا إذا وافقنا أن نصبح يهوداً؟ ووجد الإسرائيلي نفسه مضطراً لرفض هذا الخيار أيضاً. إن مثل هذا الجدل قد يكون أداة فاعلة إعلامياً، دون أن يشكل أساساً حقيقياً للتفاوض. ولكن ذلك لا يعني أنّ حل الدولة الواحدة، أو برنامجاً على أساس حدود فلسطين التاريخية والشتات، لا يصلح أن يكون جزءاً من برنامج عمل وطني فلسطيني استراتيجي. وقبل مناقشة كيف يمكن ذلك، فإنّ من المهم ملاحظة أن من يطرحون هذا الحل لا ينطلقون من موقف رافض للتسوية، أو من شعار التحرير من البحر إلى النهر، وإن كان حل الدولة الواحدة هذا "يداعب" حلم العودة إلى "الفردوس المفقود" في فلسطين التاريخية، ومن يطرح هذه الحلول ليس فقط بعض المفاوضين الفلسطينيين، الذين يطرحون الفكرة لتحذير الإسرائيليين من عواقب فشل حل الدولتين، فهناك أيضاً مفكرون وسياسيون وكُتّاب مرموقون. وعلى سبيل المثال أقرت مجموعة من ثلاثين شخصية مؤخراً دعوة تقوم على فكرة "دولة واحدة للشعبين"، وضمت المجموعة قيادات في حركة "فتح" مثل محمد اشتية، وجبريل رجوب وغيرهما، وشخصيات من حركة "حماس" مثل الوزيرين السابقين سمير أبو عيشة وعلي السرطاوي، وأكاديميين وكُتّاباً مثل علي الجرباوي، وإياد البرغوثي، وهاني المصري، ورجال أعمال بينهم مازن سنقرط وسام بحور. أمّا كيف يمكن أن تتحول الفكرة إلى برنامج عمل وطني، فذلك على أساس ألا يصبح الفلسطينيون أسرى فكرة "الدولتين" فتصبح البرنامج الوحيد، وطرح عليًّ أحد القيادات الطلابيّة والشبابية الفلسطينية، التقيته في زيارة قمت بها مؤخراً لفلسطين سؤالاً مؤداه: لماذا لا نتبنى هدفاً جديداً، مثل تثبيت الفلسطينيين في أرض فلسطين التاريخية ضمن برنامج عمل موحد وطني جامع لكل فلسطين؟ لماذا نحول حل الدولة الفلسطينية إلى برنامج مقدس وحيد؟ إذ لا دولة دون مجتمع. ويمكن رؤية وجاهة هذا الاقتراح إذا ما أضفنا إليه توضيحاً، هو أنّ المقصود هنا أن يكون هذا مشروعا موازياً وليس بديلاً للمفاوضات أو المسيرة السياسية والدعوات لحل الدولة الفلسطينية، بمعنى أنّ العمل على صيانة المجتمع الفلسطيني -المرهق حتى التداعي حاليّاً- سيعزز من الصمود وإمكانية مواجهة التوسع الاستيطاني الإسرائيلي بطرق مختلفة، وبناء المؤسسات الوطنيّة السياسية والاقتصادية والتربوية والإعلامية والدينية في فلسطين التاريخية والشتات، هو نوع من سياسة الأمر الواقع الفلسطينية، وتأسيس ما يعرف باسم "الكيانية الفلسطينية"، رداً على سياسات الأمر الواقع الإسرائيلية، وهذه "الكيانية" الفلسطينية، هي نقيض استراتيجي لفكرة الدولة والمجتمع الإسرائيليين، وهو ما تدركه إسرائيل جيداً، وتعزيز "الكيانية" الفلسطينية تقويض للدولة اليهودية والمجتمع الإسرائيلي. وإذا ما تم العمل بقوة على مثل هذا المشروع، الذي جسدته بدرجة ما، منظمة التحرير الفلسطينية، في الماضي، مع نضال ميداني ودولي حقيقيين بالوسائل الملائمة ضد سياسات الأمر الواقع الاستيطاني، فإنّ ذلك سيكون رافعة للنضال الفلسطيني، حتى في حال فشلت المفاوضات، وسيكون وسيلة ضغط قد تجعل حل الدولتين مطلباً ملحاً تسعى إليه إسرائيل، وتدفعها للتراجع عن عنجهيتها في كثير من الملفات التفاوضية مثل الاستيطان وحدود الدولة الفلسطينية والقدس. عن صحيفة الاتحاد الإماراتية http://www.miftah.org |