حكومة الوفاق الوطني الانتقالية
بقلم: هاني المصري
2008/9/6

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=9694

منذ فترة طرح رئيس حكومة تسيير الأعمال سلام فياض، فكرة تشكيل حكومة وفاق وطني انتقالية كمخرج من مأزق الانقسام السياسي والجغرافي الفلسطيني.

ورغم أن هذه الفكرة مطروحة في السابق منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية وخصوصا ضمن مبادرة "نداء من اجل فلسطين، وقد تضمنتها الكثير من المبادرات التي طرحت خلال العام الماضي لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، إلا أن الجديد في طرح فياض لها، أنه يطرح الشروع فورا بتطبيقها وتحقيق الوحدة، بدون انتظار نتيجة الحوار الوطني الشامل حول قضايا الخلاف، خصوصا حول الانقلاب أو الحسم العسكري والبرنامج السياسي و"م.ت.ف"، لأن الوحدة لا تحتمل الانتظار.

فكل يوم جديد يمر على الانقسام يتعمق أكثر وتكبر مصالح أفراد وشرائح راهنت على الانقسام ورقصت على أنغامه كونه يحقق لها مصالح ونفوذا لم تكن لتحصل عليها لولا الانقسام، فالوحدة تعني إما شراكة وطنية وإما محاصصة فصائلية وفي كلتا الحالتين فإن ما يحصل عليه بعض الأفراد والشرائح الآن، أكبر من أفضل ما يمكن أن يحصلوا عليه في ظل الوحد!!

دعاة الانقسام كانوا دائما موجودين فهم دعوا لعدم إجراء الانتخابات أو لعدم المشاركة فيها، ودعوا لعدم تكليف "حماس" بالحكومة ولانفرادها بها، وعملوا على إعاقة نقل السلطة، وهم هنا وهناك يتذرعون بنفس الحجج، وهي أن الطرف الآخر لا يقبل الشراكة، ويراهن على قدرته على قيادة السلطة الفلسطينية وحده، وأن المصالح متباعدة والخلافات كبيرة جدا الى حد لا يمكن جسرها، بحيث لا يمكن تحقيق الوحدة الآن وحتى إشعار آخر، إلا إذا قامت اسرائيل بإعادة احتلال قطاع غزة وإسقاط سلطة "حماس"، وتسليم القطاع على طبق من فضة الى السلطة، وهذا أمر مستبعد جدا، وإذا حصل فعلا، وإن عادت اسرائيل لاحتلال غزة فإنها لن تسلمها للسلطة بل ستفرض عليها نوعا من التقاسم الوظيفي مثل ذلك الذي تحاول فرضه في الضفة. فلم يعد هناك سلطة على مناطق "أ" و "ب"، وهناك احتلال كامل في مناطق "ج"، بل أصبحت كافة مناطق "ج" ومستباحة يوميا من قوات الاحتلال، التي تقتحم أي مدينة وتعتقل من تشاء وتقتل من تشاء وتغلق ما تشاء من مؤسسات وتهدم منازل وتفرض حظر تجول... الخ. من الإجراءات الاحتلالية المعروفة.

لم تجد فكرة حكومة الوفاق الوطني الانتقالية الاهتمام الذي تستحقه، رغم أن مختلف الفصائل وعلى رأسها فتح و"حماس" كانت قد أعربت عن تأييدها للفكرة، وذلك لأن حكومة الوفاق الوطني الانتقالية ستشكل من كفاءات وطنية مستقلة ولن تشارك بها الفصائل، وهذا شيء ترفضه أو على الأقل لا تفضله الفصائل ولو ادعت عكس ذلك.

إن تشكيل حكومة وحدة وطنية، يشارك بها أساسا الفصائل التي لها قوى على الأرض، مثلما نص اتفاق مكة والمبادرة اليمنية، وعلى غرار ما حدث في لبنان بعد اتفاق الدوحة، أفضل بكثير، ولكن العائق الأكبر الذي يحول دون الاتفاق على مثل هذه الحكومة هو الخلاف حول برنامجها السياسي، فـ"حماس" ترفض الشروط الدولية، كما انها لا تقبل مبادرة السلام العربية، وفتح تعتقد أنه بدون الموافقة على الشروط الدولية أو على الأقل على مبادرة السلام العربية، فإن حكومة الوحدة الوطنية لن تنهي المقاطعة لغزة وإنما ستؤدي الى مقاطعة دولية للضفة وغزة. فلقد أثبتت تجربة تشكيل حكومة وحدة وطنية بعد اتفاق مكة، أن اعتماد برنامج سياسي غامض (حمال أوجه) يفسره كل طرف كما يحلو له لا يقود الى تشكيل حكومة منسجمة ومستقرة وقابلة للبقاء، وإنما سرعان ما تسقط مثلما حدث مع حكومة الوحدة الوطنية التي سقطت على خلفية الخلاف على كلمتي "احترام" و "التزام"، حيث فسر وزراء "فتح" برنامج الحكومة بأنه يعني التزاما بالشروط الدولية: الاعتراف بإسرائيل، نبذ العنف والإرهاب، والالتزام بالاتفاقات التي عقدتها المنظمة مع اسرائيل. بينما فسر وزراء "حماس" برنامج الحكومة بأنه يعني احتراما وليس التزاما بها، ما فتح ثغرة كبيرة دخلت منها المقاطعة الإسرائيلية والدولية للحكومة التي أدت الى إسقاطها بسرعة.

وأكثر من ذلك بدلا من التوقف أمام الفكرة التي يطرحها فياض وهي إعطاء الأولوية للوحدة عبر تشكيل حكومة متفق عليها، لا تتطرق الى قضايا الخلاف الساخنة، ولا تلتزم أو ترفض الشروط الدولية لأنها حكومة انتقالية معروف سلفا بأنها سترحل خلال فترة محدودة، أو ما أن يتم الاتفاق على بلورة رؤيا واحدة وبرنامج واحد وعلى التوجه لانتخابات تشريعية ورئاسية، ورؤية الجديد الكامن فيها، اعتبرت الفكرة محاولة جديدة للإطاحة بـ"حماس"، وتكريس استبعاد الفصائل، ومحاولة من فياض للهرب من الاعتراف بالطريق المسدود الذي وصلت حكومته إليه بعد الضغوط الفتحاوية المتزايدة لتعديل أو تغيير الحكومة، وفي ظل الإمعان الإسرائيلي بإضعاف الحكومة عبر إظهارها كمتعاونة مع الاحتلال، وقبل تفاقم المأزق الذي وصلت إليه بعد بوادر الأزمة المالية التي أخذت تعانيها الحكومة، وقبل خروج نواب "حماس" من الاعتقال، وما يعنيه ذلك من توفر إمكانية لعقد جلسة قانونية للمجلس التشريعي سيكون حتما على رأس جدول أعمالها حجب الثقة عن حكومة سلام فياض.

كان بمقدور فياض أن يكابر ويواصل طريقه وكأن شيئا لم يحصل، وكان بمقدوره أن يستقيل، ولكنه اختار تغيير المسار وإعطاء الأولوية للوحدة، وهو شيء يستحق الدعم لا النقد.

هناك ثغرة كبيرة في فكرة تشكيل حكومة وفاق وطني تكمن في أن تشكيلها بدون إرادة فلسطينية مخلصة وجادة أولا وعربية ودولية ثانيا تعطي الأولوية لتوحيد الفلسطينيين يمكن أن تفشل أو أن تكون حكومة هشة تشكل غطاء لحالة الانقسام القائمة في الضفة وغزة، والتي تتعمق باستمرار، بما ينذر أن تكون حكومة الوفاق نوعا من الكونفدرالية التي تجمع ما بين سلطة رام الله وسلطة غزة بدون توحيد حقيقي وعلى حساب قيام سلطة واحدة.

قد يكون طرح فكرة الاستعانة بقوات عربية في غزة، التي طرحها فياض أيضا، ساهم كثيرا في رفض فكرة الحكومة الانتقالية أو إبداء التحفظ عليها، لأن القوات بحاجة الى موافقة عربية أولا وإسرائيلية وأميركية ثانيا، وإقليمية ودولية ثالثا، وبالتأكيد أن اسرائيل لن توافق عليها بلا ثمن كبير، كما أن هذه الفكرة إذا لم يتم توضيحها ووضع شروط لتنفيذها تمنع جعلها سابقة قابلة للتكرار في الضفة أو لكي لا توجه ضد طرف لصالح طرف، ولكي لا تمس بالاستقلال الفلسطيني الذي دفع الشعب الفلسطيني دماء كثيرة في سبيله، وتفتح الطريق لعودة الإنابة والوصاية والاحتواء العربي للقضية الفلسطينية.

يمكن وضع هذه القوات، التي يمكن أن تأخذ شكلا محدودا من خلال خبراء ومراقبين ومدربين، ووضعها تحت إمرة هيئة فلسطينية مشكلة من شخصيات وطنية مستقلة مشهود بوطنيتها وإخلاصها، لأن حكومة الوفاق الوطني الانتقالية لا يمكن أن تعمل بدون إعادة بناء وتشكيل الأجهزة الأمنية في غزة والضفة على أسس مهنية بحيث تكون أجهزة للوطن وتخضع لسيادة القانون. وهنا بكل صراحة نقول إنه تتعذر الاستعانة بقوات عربية في الضفة لأن اسرائيل ترفض ذلك تماما، فإذا كان من الصعب جدا أن توافق على دخول قوات عربية الى غزة، فإنها من المستحيل أن توافق على دخولها الى الضفة. ففي غزة أعادت اسرائيل انتشار قواتها هناك، وهي عقدت فيها هدنة مع "حماس" بوساطة مصرية، أما الضفة فلا يزال العدوان والاستيطان والجدار وتقطيع الأوصال جار فيها على قدم وساق.

في كل الأحوال من يقبل بفكرة حكومة الوفاق الوطني الانتقالية يستطيع أن يرفض الاستعانة بقوات عربية ويقدم اقتراحا أفضل لإعادة بناء وتشكيل الأجهزة الأمنية، لكن رفض الفكرة وكفى، يكشف أن الأحاديث عن الحوار والمصالحة والوحدة، ليست سوى محاولة لدرء المسؤولية عن حدوث واستمرار وتفاقم الانقسام، ومن أجل الاستهلاك المحلي، لأن الشعب لن يسامح كل فرد أو قوة أو فصيل يدعو أو يعمل من أجل تعميق الانقسام، خصوصا بعد أن ثبت أن الانقسام مدمر للقضية الفلسطينية، وللمشروع الوطني، وللإنسان الفلسطيني.

وتبقى نقطة أخيرة في منتهى الأهمية، وهي هل ستقلع حكومة الوفاق الوطني الانتقالية بدون أن تعلن التزامها بالشروط الدولية؟

إن المجتمع الدولي يمكن أن يوافق عليها الآن، لأنها لا تضم ممثلا لأي فصيل يعلن عدم التزامه بالشروط الدولية، ولأن سياسة عزل وإسقاط سلطة "حماس" فشلت أو على الأقل لم تحقق أهدافها كاملة بدليل أن اسرائيل تعقد هدنة معها، وتتفاوض معها لإتمام صفقة تبادل الأسرى، ولأن الوضع الدولي والإقليمي الآن يختلف عما كان الأمر عليه في مستهل عامي 2006 و2007، ولأن الإدارة الأميركية دخلت مرحلة البطة العرجاء مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، مما يجعل فعالية معارضتها لمثل هذه الحكومة أقل من السابق بكثير. وإذا قاطعتها الولايات المتحدة الأميركية فلن تستطيع فرض مقاطعتها على أوروبا وبقية العالم مثلما حصل مع حكومة الوحدة الوطنية..!

أي أن فرصة تشكيل حكومة وفاق وطني انتقالية لا تلتزم بالشروط الدولية بالبقاء بدون فرض حصار دولي عليها تبقى أكبر بكثير من حكومة وحدة وطنية لا تلتزم بهذه الشروط، لأن الذريعة التي يمكن أن تستخدمها الولايات المتحدة الأميركية لفرض المقاطعة عليها غير موجودة، وإذا قاطعتها رغم ذلك سيكون موقفها ضعيفا وغير قابل للقبول من مختلف الأطراف المؤثرة على القرار الدولي. وفي كل الأحوال إن الولايات المتحدة الأميركية الآن وبعد ثماني سنوات على حكم بوش وبعد احتلال العراق وأفغانستان وما حدث في باكستان ولبنان وما يحدث في ايران وجورجيا، ليست هي الولايات المتحدة الأميركية قبل ذلك. صحيح أنها لا تزال القوة العظمى المسيطرة على العالم، ولكن سيطرتها بدأت بالتراجع، وهذا الأمر في منتهى الأهمية، يجب أخذه بالحسبان بدون مبالغة ولا نقصان..!!

عن شبكة أمين

http://www.miftah.org