الزيارة المرتقبة للرئيس الأميركي أوباما للمنطقة بعد أيام قليلة، حركت الكثير من الدوائر الراكدة، وأطلقت العنان للكثير من التكهنات والمراهنات والكثير من الاختلافات في تقدير أبعادها وأهميتها، فالرئيس الأميركي لا يمكن وليس لديه الوقت الزائد، حتى يقوم بزيارات مجاملة، أو فقط للاستماع للآخرين. الإدارة الأميركية لا تستمع للآخرين إلاّ لكي تؤكد موقعها القيادي على المستوى الدولي، بما يحقق مصالحها أولاً، وليس لإعادة صياغة مفاهيمها وآليات تحقيق مصالحها بما يضمن تحقيق شراكات حقيقية مع الآخرين، طالما أن الآخرين لا يملكون القدرة على فرض مثل هذه الشراكات. الصحافة الأميركية، أشارت إلى أن الرئيس ينوي الطلب من إسرائيل وضع رزنامة زمنية للانسحاب من الأراضي المحتلة، لكنها لا تشير إلى ما ينوي الرئيس طلبه من الجانب الفلسطيني، ولا تشير إلى خارطة طريق شاملة تؤدي إلى تحقيق السلام. الأرجح أن الإدارة الأميركية تنوي فقط تجديد دورها القيادي الاحتكاري لملف العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية، وإعادة تقويم سياساتها في المنطقة في ضوء المتغيرات التي تجتاحها، ونحو إشراك أطراف أخرى عربية وربما دولية في دفع أثمان الحراك السياسي بما يعزز الوجود الأميركي والمصالح الأميركية بدون إراقة الكثير من الدماء الأميركية، وحتى تظل قادرة على ضبط إيقاع حركة التغيير في المنطقة، ومنع انفجار الوضع الفلسطيني. في هذا الإطار، يندرج لقاء وزير الخارجية الأميركي جون كيري مع الرئيس محمود عباس في السعودية، التي ترغب الولايات المتحدة في أن تلعب دوراً مساعداً في إقناع الفلسطينيين بضرورة الاستجابة للجهد الأميركي وتخفيف طلباتهم إلى الحد الذي يؤدي إلى استئناف المفاوضات، وأيضاً من واقع أن السعودية مرشحة لأن تتحمل جزءاً مهماً من الأعباء التي تترتب على استئناف المفاوضات. الإدارة تريد أن تعيد الحيوية للمسار التفاوضي، وأن تنخرط الأطراف في هذه العملية التفاوضية لبعض الوقت حتى بدون تحضير الأرضية المطلوبة، لكي تصل هذه المفاوضات إلى اتفاق سلام تحول دونه وقائع السياسة الإسرائيلية والانحياز الأميركي. في هذا الإطار يبدو أن واحداً من الشروط التي دأبت القيادة الفلسطينية على طرحها حتى توافق على استئناف المفاوضات، قد سقط في الطريق، إذ لم نعد نسمع عن الموافقة الإسرائيلية المسبقة على الاعتراف بحدود الرابع من حزيران كأساس لمعالجة ملف الدولة والحدود، فيما تستمر القيادة في الحديث عن شرطَي وقف الاستيطان، وإطلاق سراح الأسرى المعتقلين قبل "أوسلو". ومن يدري، فقد تقبل القيادة الفلسطينية بعد اللقاء المرتقب بين الرئيسين الفلسطيني والأميركي، قد تقبل بإدخال بعض التعديلات وإضفاء قدر آخر من المرونة على الشرطين المتبقيين، خصوصاً الشرط المتعلق بوقف الاستيطان، بالقدر الذي يسمح بإطلاق المفاوضات بدون كسر إرادة الجانب الإسرائيلي. على الطرف الآخر من المعادلة، يصر بنيامين نتنياهو على السياسة ذاتها ولكن مع حملة علاقات عامة، ووعود شكلية، لإظهار استعداده للتعامل بشكل إيجابي مع الوجهة الأميركية. نتنياهو يطلق العنان لمناوراته، وقدرته على الكذب والمراوغة، فيعلن عن وقف طرح المناقصات لبناء وحدات سكنية جديدة، والمقصود في المستوطنات العشوائية، وبدون أن يشمل ذلك القدس أو الكتل الاستيطانية. وعلى صعيد آخر يتحدث نتنياهو عن إجراءات حسن نية، ولاعادة بناء الثقة مع الفلسطينيين، هذه الإجراءات قد تشمل تخفيف الحواجز العسكرية، والموافقة على تقديم بعض التسهيلات اللوجستية، وتوسيع صلاحيات السلطة في مناطق (ب و ج)، بعد أن مارست إسرائيل صلاحياتها في تلك المناطق حتى على المنطقة (أ)، التي يفترض أن تكون خاضعة للسلطة الفلسطينية. جملة من الإجراءات الشكلية، التي يمكن لإسرائيل أن تستعيدها وقتما تشاء وتكون جزءاً من صفقة الموافقة على استئناف المفاوضات، أي أن إسرائيل لن تقدم مثل هذه التسهيلات بما في ذلك احتمال إطلاق سراح أسرى إلاّ بعد أن تنطلق المفاوضات، ذلك أن إسرائيل لا يمكن أن تقدم أي شيء بدون ثمن مقابل، وثمن كبير. نتنياهو يعلم أنه لن يتمكن من تشكيل حكومته خلال الأيام العشرة المتبقية له، إلاّ إذا أبدى مرونة كافية لاسترضاء الطرف الأميركي الذي يمكن أن يلعب دوراً في إقناع الكتل الرافضة للانضمام لحكومته إلى تغيير مواقفها، لكن مثل هذه المرونة، لا تصل إلى حد الاستعداد لإدخال تعديلات جوهرية على السياسة الإسرائيلية المعروفة. في الواقع لم يطرأ جديد جدي يجعل البعض يعتقد بأن ثمة مجالا لتغيير في جوهر السياسات الأميركية، أو الإسرائيلية تجاه ملف عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فالأمور على النحو الذي تمضي فيه، لا تنذر بمخاطر كبيرة. الفلسطينيون منقسمون، وهم غير قادرين على إنجاز مصالحتهم واستعادة وحدتهم، خصوصاً وأن إسرائيل تملك القدرة على تعطيل مثل هذه المصالحة، ولأن الولايات المتحدة لا يمكنها أن ترفع "الفيتو" عن هذه العملية بدون أن تتحرك السياسة الفلسطينية في الاتجاه الذي ترغبه الإدارة الأميركية. والفلسطينيون يتحدثون كثيراً عن المقاومة الشعبية والمقاومة السياسية ولكنهم أيضاً لا يفعلون على الأرض ما يلفت أنظار المجتمع الدولي، أو يرغم الآخرين على التدخل النشط، فالحراك الشعبي الأخير الذي وقع بعد استشهاد عرفات جرادات في السجن أخذ يهدأ، فضلاً عن أنه نشاط محدود. والفلسطينيون أيضا، يتباطؤون في سعيهم بملفاتهم المختلفة نحو الأمم المتحدة ومؤسساتها، لأن مثل هذا السعي يزعج الإدارة الأميركية، ولذلك فإن جبهات الاشتباك هادئة إلى حد كبير، بما لا يستدعي من الآخرين تغييراً فيما هم ماضون فيه من سياسات، من غير المرجح أن تنتهي إلى اتفاقية سلام وإقامة دولة فلسطينية.
اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|