العاصمة القدس وجوهر التاريخ والهوية الفلسطينية، واجهت منذ فترة طويلة محالات التهويد التي تقوم بها "إسرائيل" بشكل خاص في المدينة، في محاولة لفرض روايتهم فقط بدل الحقيقة، وتغيير الطابع الديموغرافي والثقافي لصالحهم، وتحييد أهل المدينة وتراثهم وهويتهم الفلسطينية. أطلقت مفتاح خلال عام 2022 "مسار القدس" لتسليط الضوء على التحديات الأساسية التي يواجهها الفلسطينيون في القدس المحتلة جراء استمرار الاحتلال وممارسات الفصل العنصري في المدينة، بالتركيز على القصص الشخصية في المدينة، في سلسلة من المواد بهدف معالجة السياسات والممارسات الإسرائيلية الهادفة إلى استبدال الفلسطينيين الأصليين في المدينة بالمستوطنين الإسرائيليين، وإفراغها من المقدسيين.
×
حرية العبادة للفلسطينيين في القدس المحتلة
تحاول سلطات الاحتلال بشكل دائم تغيير الطابع الديمغرافي لمدينة القدس المحتلة لصالح المستوطنين الإسرائيليين، وهذا ما يلقي بظلاله على حرية العبادة للمسلمين والمسحيين الفلسطينيين في المدينة بطبيعة الحال، فشهدت السنوات الخمس الماضية على سبيل المثال منحىً متصاعداً وخطيراً من خلال القيود المفروضة على حرية العبادة والانتهاكات المرتبطة بها، والتي ساهم صعود الحكومية اليمينية المتطرفة على ازديادها بشكل ملموس. فرضت سلطات الاحتلال المسجد الأقصى المبارك الذي يعد ثالث أقدس مكان للمسلمين تقسيماً زمانياً من خلال تحديد فترات زمنية معينة لدخول المستوطنين الإسرائيلية إلى المسجد لأداء جولات استفزازية، وذلك في فترات الصباح والظهيرة وبعض الظهر، وبحراسة مشددة من قبل قوات الاحتلال التي تقوم بإخلاء المسلمين منه باستخدام التهديد والعنف. وتحاول سلطات الاحتلال فرض تقسيم مكاني على غرار الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل. وحولت سلطات الاحتلال الأماكن المقدسة المسيحية إلى هدف آخر لهجمات الشرطة والمستوطنين في المدينة، فخلال العام الحالي هاجم مستوطنون متطرفون كنيسة الجثمانية وكنيسة سجن المسيح، ما تسبب في أضرار مادية في الكنيستين. وفي كثير من الأحيان يقوم المستوطنون بالبصق ومضايقة وشتم رجال الدين والراهبات في البلدة القديمة. هذه الاعتداءات تتم وتستمر مع إفلات تام من العقاب. حرية العبادة يفترض أن تكون مصونة بموجب القوانين والمواثيق الدولية كحق أساسي من خلال الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي ينصف في المادة 18 على أن "لكلِّ شخص حقٌّ في حرِّية الفكر والوجدان والدِّين، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في تغيير دينه أو معتقده، وحرِّيته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبُّد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة"، وغيره من المواثيق الدولية، ولكن كما جرت العادة، تقوم "إسرائيل" بانتهاك القانون الدولي ونقض الاتفاقات الموقعة مع الأطراف كافة، دون مساءلة دولية ومحاسبة، ما يشجعها على الاستمرار في هذه الانتهاكات.
×
ثلاثة أجيال من التهجير القسري
هدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي في كانون الثاني من عام 2022 منزل المواطن محمود صالحية في حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة، في منتصف ليلة ماطرة بينما أسرته نائمة، ليتم إخلاء الجميع أطفالاً ونساءً بالقوة تحت المطر، وهدم بيتهم الذي سكنوه لأكثر من 70 عاماً. هذه المرة الثانية التي تجبر فيها عائلة صالحية على النزوح قسراً من البيت، فخلال النكبة اضطرت العائلة للخروج من قرية عين كارم المهجرة بينما كانت المذابح الإسرائيلية ترتكب في القرى المجاورة، ليقوم جد محمود بشراء منزله الذي هدم العام الماضي منذ ذاك الحين. تقوم سلطات الاحتلال على ممارسة التطهير العرقي بشكل واسع النطاق في القدس، من خلال طرد الفلسطينيين واستبدالهم بالمستوطنين، فمنذ عام 1967 ضمت سلطات الاحتلال مساحات شاسعة من الأراضي كجزء من عملية تهويد المدنية، وتمارس الهدم بحق الفلسطينيين؛ ففي عام 2023 وحتى يومنا هذا، تم هدم 79 منزلاً ومحلاً تجارياً في القدس المحتلة، وبالمقابل تجعل سلطات الاحتلال الحصول على تصريح بناء أو توسيع لأي منزل قائم ضرب من الخيال في المدينة.
×
بيدي هدمت تعب السنين
الترحيل الهادئ أو الصامت مصطلح يعبر عن أسلوب سلطات الاحتلال الهادف إلى إفراغ القدس من أهلها، من خلال خلق بيئة قاهرة طاردة، عمادها الظروف الحياتية والاقتصادية والسكنية الصعبة، باستخدام استراتيجيات بعيدة المدى، بدأت بإضعاف الوضع الاقتصادي وزيادة عبء المعيشة، وفرض الضرائب وتهميش الأحياء الفلسطينية وحصرها في مناطق مكتظة يمنع فيه التوسع العمراني إلا بتراخيص بناء يكاد المقدسي يعيش عمراً كاملاً في محاولة الحصول عليها، وإن توسع بغرفة واحدة زائدة يحكم عليها بالهدم من قبلهم، أو الهدم الذاتي. لم يبق أمام المقدسيين لمواجهة التضييق عليهم في المسكن إلا خيارين؛ الأول الخروج من الظروف الصعبة وضيق المنزل مرتفع التكاليف باتجاه أحياء مثل كفر عقب التي أصبحت بطبيعة الحال مكتظة بشكل غير منظم. والخيار الثاني التوجه للبناء دون ترخيص تلبية للاحتياج الطبيعي للتوسع والنمو الطبيعي للمسكن بما يتناسب مع نمو العائلة.
كيف تبتلع "إسرائيل" القدس؟ قامت سلطات الاحتلال بإطلاق مشروع "القدس الكبرى" الهادف إلى إحلال المستوطنين الإسرائيليين مكان الفلسطينيين بعدة طرق بدأت بمصادرة ثلث الأراضي التي احتلتها في القدس وتقدر بـ 24.5 ألف دونم عام 1967 بعد احتلال كامل فلسطين التاريخية وبالاعتماد على قانون "التنظيم والبناء لعام 1965" الذي أقرته دولة الاحتلال قبل الحرب. وعلى هذه الأراضي قامت ببناء 11 حياً مخصصة للمستوطنين الجدد فقط، وقررت سلطات الاحتلال إلغاء الخرائط الهيكلية الأردنية كافة التي كانت سارية في المناطق، لتفرغ المكان من المخططات الهيكلية وتملأه بالاحتلال، حتى أن الخرائط التي أعدت للأحياء التي يملكها الفلسطينيون شرق المدينة تم تخصيص مساحات شاسعة منها تحت اسم "أراضٍ ذات إطلالة" يمنع البناء فيها.
بعد عدة إجراءات قامت بها سلطات الاحتلال على الخرائط الهيكلية تشير البيانات الأحدث لدى دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية بالقدس إلى أن مساحة البناء المخصصة للفلسطينيين تقلصت إلى 13% فقط من إجمالي المسطح البلدي مع العلم أن نسبة الفلسطينيين في المدينة تبلغ نحو 40%. بعد أن كانت بيانات عام 2014 من مركز أبحاث الأراضي، قد أشارت إلى نسبة مقدارها 30% حسب منظمة "بيتسيلم". كما تفيد معطيات معهد القدس لبحث السياسات أنّ الكثافة السكنيّة في عام 2015 في الأحياء الفلسطينية في القدس الشرقية المحتلة قاربت ضعف الكثافة في الأحياء الاستيطانية في المدينة بمعدّل 1.9 فردًا للغرفة الواحدة. وقد وصلت الكثافة السكانية في القدس الغربية إلى حوالي 8300 نسمة في كل كيلو متر مربع، بينما وصلت إلى 9000 مستوطن في كل كيلو متر مربع في مستوطنات شرق القدس، في حين أنها تصل في الأحياء الفلسطينية حالياً إلى 13500 مواطن في كل كيلو متر مربع، وفق خليل تفكجي الخبير في شؤون الاستيطان. لم تتوقف سلطات الاحتلال عند تغيير المخططات الهيكلية، بل ابتدعت طرقاً أخرى تسمح لها حسب قوانينها الخاصة بابتلاع الأراضي المخصصة للفلسطينيين من خلال إعلان "حدائق وطنية في شرق المدينة" والذي تحول من خلاله مساحات شاسعة تمنع البناء فيها بشكل كامل ودائم. وحتى اليوم يوجد في القدس الشرقية المحتلة وحدها سبع حدائق؛ أخطرها الحديقة المحيطة بالقدس القديمة بمساحة (1100 دونم) جنوب المسجد الأقصى في منطقة حي وادي حلوة – سلوان ومنطقة وادي الربابة وتمتد حتى مقبرة باب الرحمة ومنطقة وادي الجوز الشرقي وعلى امتداد المنطقة الواقعة من باب النبي داوود وباب الخليل وصولاً إلى باب العامود وانتهاءً بباب الساهرة والزاوية الشرقية الشمالية للسور التاريخي قرب المقبرة اليوسفية، صادقت سلطات الاحتلال عليها عام 1974 وتعد الأكبر والأكثر خطورة على المسجد الأقصى والبلدة القديمة.
تعرف على الحدائق كأداة لحصار المقدسيين:
تزامنت مخططات سلطات الاحتلال مع الامتناع عن إعداد خرائط بناء تفصيلية للأحياء الفلسطينية علماً أن تراخيص البناء لا يمكن إصدارها إلا في حالة وجود هذه الخرائط، ما يشكل نقصاً حاداً في المباني السكنية والعامة ومرافق البنية التحتية بما يشمل الشوارع والأرصفة وشبكات المياه وغيرها، ما يترك الفلسطينيين مجبرين على الحياة في مناطق تختنق سكانياً، أو الخروج إلى الأحياء الأبعد عن القدس، أو البناء في بعض الأحيان والتوسع بدون ترخيص.
الهدم الذاتي "بيتك قائم بدون ترخيص فهو غير قانوني وعليك هدمه وإزالته في أقرب فرصة، وأن تقوم بتصوير البناء بعد هدمه وتسلمها إلى قسم التفتيش عن البناء والتنظيم في البلدية ..." تهدد قوات الاحتلال أصحاب المنازل المعرضة للهدم بالغرامات العالية وبدل تكلفة الهدم التي سيضطر الفلسطيني لدفعها للبلدية ولشركات المقاولات وغيرها، بالإضافة إلى الرسوم المرتبطة بأي محاولة لترخيص أي مبنى أو غرفة زائدة؛ ما يرغم المقدسيين على اتخاذ قرار صعب بهدم منازلهم بأيديهم خوفاً مما سبق وتفادياً للسجن بسبب التخلف عن دفع الغرامات العالية واتهامهم بـ "احتقار أمر صادر عن المحكمة"، وللحفاظ أيضاً على المقتنيات الشخصية وقطع الأثاث كحد أدنى.
عائلة أبو رموز خاضت عائلة أبو رموز صراعاً قضائياً مع بلدية الاحتلال نجحت خلاله في وقت سابق من العام الماضي بتأجيل عملية الهدم، لكن هذا الصراع انتهى مع صدور قرار نهائي بإرغامها على هدم منزل العائلة الذي تقطنه منذ أكثر من سبع سنوات، تحت طائلة الغرامات والرسوم الطائلة في حال مخالفة أي بند في الهدم حتى مثل إزالة أنقاض ما تم هدمه.
تشير الإحصائيات الخاصة بمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية OCHA إلى تعرض 1201 منشأة بمعظمها منازل ومساكن في القدس المحتلة للهدم، ما تسبب بتهجير 27,411 شخصاً، والتأثير على 5,566 بشكل جزئي، كما تفيد الأرقام إلى أن 75% من الضحايا هم من النساء والفتيات والأطفال بشكل خاص. وتتحمل النساء العبء الأكبر لإعادة استقرار الأسرة في حالات الهدم، لأن الفقد بالنسبة لها أكثر من مادي بل أيضاً اجتماعي، خاصة أن النساء هن دائماً من يصنعن الارتباط العاطفي بالمنزل باهتمامهن بالتفاصيل.
تبرز الحالات الدراسية أن إخلاء وهدم المنازل يؤدي إلى انتهاكات إضافية ومتعددة لحقوق الإنسان خاصة بالنسبة للنساء والأطفال؛ بما في ذلك الحق في التعليم، وتحمل الأعباء المنزلية، والرعاية الصحية، لما ينتجه من فقدان الخصوصية والمساحة الآمنة، مع وجود ضغط كبير داخل الأسرة يؤثر سلباً على العلاقات بين أفراد الأسرة، مما يؤدي إلى شعور الأمهات بالضعف في دورهن كمصدر للسلطة وللدعم العاطفي والمادي لأطفالهن. الحق في السكن كحق أساسي في القانون الدولي. تفيد المادة 25 البند 1 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة 11 – 1 من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966 أن "هدم المنازل يعد خرقاً واضحاً لإعلانات واتفاقيات حقوق الإنسان الدولية التي تكفل حق الفرد بالسكن الملائم". وتعد سياسة هدم المنازل ضمن المخالفات الجسيمة وأحد أشكال الإجراءات التعسفية التي تؤدي إلى تدمير ومصادرة الملكية دون وجه حق ودون وجود أي ضرورة عسكرية تستدعي ذلك، وذلك حسب اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 الخاصة بحماية المدنيين في وقت الحرب، كما تحظر المادة 53 من على دولة الاحتلال تدمير أية أموال ثابتة أو منقولة خاصة بالأفراد أو الجماعات إلا إذا كانت العمليات الحربية تقتضي ذلك لتحقيق أهداف عسكرية. وتفيد المادة 33 من الاتفاقية حظر العقوبات الجماعية للسكان المدنيين المحميين، أو معاقبتهم عن أفعال لم يرتكبوها، أو التعامل بطريقة الثأر منهم ومن ممتلكاتهم. هدم المنازل كجريمة حرب يعتبر القانون الجنائي الدولي هدم المنازل على نطاق واسع عملاً غير مشرعاً ومخالفاً للقانون الدولي، فحسب المادة 8 – 2 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أن "تدمير الممتلكات على نطاق واسع دون توافر ضرورة عسكرية تبرر ذلك، يعد بمثابة جريمة حرب".
×
الحبس المنزلي: عندما يحول الاحتلال منزلك إلى مُعتَقَل
اعتمدت سلطات الاحتلال أشكال عدة من تقييد الحرية والحركة بحق المقدسيين، باستخدام الاعتقال التعسفي والأحكام العالية، ووضع تهم مختلفة ضمن إطار التحريض حتى في حال الكتابة على منصات التواصل الاجتماعي. آخر أشكال تقييد الحركة والاعتقال التي تعمل سلطات الاحتلال على فرضها هي الحبس المنزلي الذي يعد أحد أشكال الاعتقال وتقييد حركة المقدسيين خاصة الأطفال منهم، بأن يمكث الطفل داخل بيته أو إبعاده إلى بيت آخر للعائلة وكتابة تعهد من قبل أفراد الأسرة بمراقبته ومنعه من الخروج، ما يحول الآباء والأمهات إلى سجانين ومراقبين على أبنائهم، ويعيق حركة الأبناء حتى لقضاء احتياجاتهم الأساسية مثل الدراسة أو العلاج بسبب قرار المحكمة وفرض غرامات باهظة على كل من يخالف الأمر.
"الفتى علي قنيبي على شباك منزله الذي يخضع فيه للحبس المنزلي"
ويمكن تقسيم الحبس المنزلي إلى نوعين؛ الأول إلزام المحكوم البقاء في بيته وعدم الخروج منه بشكل مطلق خلال فترة محددة، والثاني بأن يخضع الطفل/ة أو الرجل أو المرأة لقرار المحكمة بقضائهم فترة الحكم في بيت أحد الأقارب البعيدين عن بيت العائلة ومنطقة سكنهم، وهو ما يشتت العائلة ويزيد حلة القلق والتوتر بين الطفل وأهله، ويترك تبعات نفسية واجتماعية لدى الشخص وأسرته.
وتركز استهداف سلطات الاحتلال على الأطفال المقدسيين دون سن 18 عاماً، وخاصة من هم دون الـ 14 عاماً، كون القانون الإسرائيلي لا يجيز تنفيذ الحبس الفعلي بحق الأطفال دون الـ 14 عاماً، فيتم فرض الحبس المنزلي عليهم خلال إجراءات المحاكمة التي قد تستغرق وقتاً طولياً، حتى بلوغهم سن الـ 14 عاماً الذي يمنح القانون سلطات الاحتلال فرض الحبس الفعلي بحقهم، دون احتساب مدة السجن البيتي حتى وإن استمرت لسنوات، أو لعدة مرات. رغم تسجيل حالات الحبس المنزلي بدءاً من عام 2014، إلا أن هذه الظاهرة أخدت تشهد تصاعداً بعد موجة الاحتجاجات عقب خطف الطفل محمد أبو خضير وتعذيبه وقتله في تموز 2014، والمشاركة الواسعة من جانب الأطفال الفلسطينيين آنذاك، لتتصاعد مرة أخرى مع اندلاع هبة القدس في تشرين الأول 2015، وحتى يومنا هذا. ولا تتوقف حالات الحبس المنزلي تجاه الأطفال فقط، بل تصل الرجال والنساء وكافة فئات المقدسيين، ومنهم الصحفية لمى غوشة (الصورة أدناه مع طفلتها كرمل) التي أُفرج عنها منتصف أيلول بشروط صارمة منها الحبس المنزلي حتى تاريخ كتابة هذه المادة بعد اعتقال دام 10 أيام قضتها داخل زنزانة انفرادية.
"الصحفية لمى غوشة تحتضن طفلتها كرمل بعد تحويلها من السجن الفعلي إلى المنزلي".
الأثر النفسي للحبس المنزلي: استذكر أستاذ علم النفس الاجتماعي د. برنارد سابيلا جائحة كورونا عند سؤاله عن الحبس المنزلي للأطفال، ففي بداية الجائحة أضطر الجميع صغاراً وكباراً للبقاء في المنزل على الأقل لشهر، ما ترك أثراً وتغيراً على شكل العلاقات داخل العائلة خاصة مع قيام الأهل بدورهم الفطري كأوصياء على الأطفال والأبناء والبنات في كل أعمارهم ليأخذوا وضع المراقب بالفطرة، فكيف عندما يصبح دورهم أعلى من الرقابة الفطرية بسبب أوامر "لا تتحرك، لا تذهب" لأنهم يخافون على الطفل من الحبس أو السجن أو التحقيق. يشير د. سابيلا إلى تخلخل العلاقة بين الطفل والأهل خاصة مع حرمان الأول من كل النشاطات المعهودة لجيله مع أصدقائه وزملائه في المدرسة أو الرحلات، ما يجعل الوضع صعباً جداً، ويترك أثراً على الطفل الذي ينكمش على ذاته وبعضهم يتجهون إلى عادات سيئة مثل التدخين جراء الضغط النفسي والكآبة المصاحبة للضغط، ما يفقده شعوره بالحماية من قبل الأسرة، ويسلخ الطفل عن بيئته الطبيعية الاجتماعية والنفسية. ويقول د. سابيلا أن التفاعل ضمن العائلة يصبح أيضاً مشحونا، خاصة إن كانت هناك مشاكل اجتماعية أو مرضية في العائلة، التي ستحاول إعطاء حلول للمشاكل الموجودة ويؤثر على بنية العائلة، وتشير دراسات مختلفة من أنحاء العالم إلى أن الأطفال الذين يوضعون في الحبس المنزلي أوفي المؤسسات يكونون عرضة لارتكاب جنح واستعمال العنف فيما بعد، ما يجعل من الضرورة أن يكون الحبس المنزلي محدوداً بمدة أسبوعين على أعلى تقدير، ويتزامن مع إعطاء العائلة والأطفال فرصة اللجوء إلى الاستشارة القانونية والاجتماعية والنفسية بالضرورة، خاصة أن التأثيرات النفسية تبقى لمدة طويلة.
"الفتى صهيب الأعور خلال محاكمته"
وتترك تجربة الحبس المنزلي شعوراً بفقدان الأمن الاجتماعي والاستقرار النفسي بسبب بقاء الطفل في منطقة محصورة لأيام وأشهر طويلة دون السماح له بالخروج من المنزل أو التعرض لضوء الشمس في بعض الأحيان، وتشير الإحصائيات حسب ورقة حقائق أعدتها "مفتاح" حول الحبس المنزلي، أن 85% من أطفال القدس المحتلة عانوا من اضطرابات نفسية إثر تعرضهم للاعتقال أو الاحتجاز أو الحبس المنزلي، إضافة إلى العصبية والتبول اللاإرادي، وحسب أخصائي علم النفس الإكلينيكي د. مراد عمرو فإن بعض الأطفال يرفضون العودة إلى المدارس بعد الحبس المنزلي ما يعد أحد أشكال التمرد نتيجة عدم القدرة على الشعور بالأمان ما ينسجم مع الشعور بالقلق ومشاعر العجز وضعف قدرتهم على الحفاظ على التنظيم الذاتي وإتقان الذات. وطالب سابيلا "بإيقاف الحبس المنزلي على الأطفال لأنه يتعارض مع ميثاق حماية الطفل والذي وقعته إسرائيل في العام 1991، وهذا التعارض يعني أنه يجب أن يكون هناك موقفاً بخصوص هذا الأمر، وإيصال رسالة مفادها أن ما يجري من حبس منزلي متواصل لأكثر من أسبوعين هو اعتراض صارخ على حقوق الطفل، وضد ميثاق حماية الطفل الذي وقعته إسرائيل".
علي قنيبي، على النافذة بانتظار الحياة يقضي الفتى علي قنيبي (14 عاماً) وقته أمام نافذة تطل على ساحة المنزل التي يمنع من الخروج إليها بسبب شروط الإبعاد المفروضة عليه في اعتقاله الثاني في آذار 2022، وبعد خمسة أيام فقط من انتهاء مدة الحبس المنزلي الأولى. فرضت سلطات الاحتلال على علي شروط إبعاد في اعتقاله الثاني منها منع الاقتراب أقل من 30 متراً من المستوطن الذي احتل منزلاً يبعد 3 متر من منزل عائلة القنيبي ما يضطره عند الخروج -إذا تخلص من الحبس المنزلي- سلوك طريق بعيد كي لا يمر من أمام المنزل الذي استولى عليه المستوطن يحاول علي دائماً التواصل مع أصدقائه الذين لم يتوقفوا عن لقائه والحديث قرب النافذة التي تطل على العالم خلال حبسه المنزلي...
لم تكن تجربة الحبس المنزلي الأولى على علي أقل وطأة نفسياً من الثانية، ولكن ما يترك أثراً أيضاً اقتياده معصوب العينين ومكمم الفم للتحقيق عند اعتقاله من البلدة القديمة في القدس المحتلة، وتخللت عملية الاعتقال الضرب المبرح على الرأس والرقبة والبطن والوجه ولم يزود بالماء والطعام طيلة فترة التحقيق، حتى قررت المحكمة تحويله للحبس المنزلي لمدة خمسة أيام.
والدا علي قنيبي: يقول الأب راتب قنيني الذي عاني من إعاقة حركية: "منذ حبسه لم يعد بمقدور علي المشاركة في أي مناسبة اجتماعية تخص العائلة، ويضطر فرد او أفراد العائلة البقاء معه كي لا يخرق أمر الحبس، فيغرم بكفالة من كفلوه والبالغة ستون ألف شيكل أي ما يقرب من 12 ألف دولار". أما الأم إيناس القنيبي فتقول "علي وكل فرد فينا بات حارساً وسجاناً في سجن اسمه البيت.. لقد تحول البيت إلى سجن حقيقي نحن سجانوه. هل تتخيل صعوبة أن تكون سجاناُ ومراقباُ على اطفالك تنفذ أوامر الاحتلال قسراً وإكراها؟"
تضيف القنيبي الأم "من حق علي أن يمارس حياته الطبيعية.. من حقه أن يذهب إلى المدرسة.. وأن يلعب مع أصدقائه .. وأن نصحبه معنا في مناسبات العائلة الاجتماعية.. كل ذلك الاحتلال حرم ابننا منها.. واليوم لا زال علي في الحبس.. ولا زال في كل حدث يقع في الحي يعتقل ويتعرض منزلنا للمداهمة سواء من قبل الجنود أو من قبل المستوطن المتطرف الذي حول حياتنا إلى جحيم.". أما علي الذي ينتظر قرار المحكمة التي ستقعد مطلع العام القادم 2023، فسيكون أمام خيارات تحكمها مزاجية المحكمة، فإما الإفراج، أو تجديد الحبس، أو إصدار حكم فعلي بالسجن، وللمفارقة أفاد علي أنه في حال تجديد الحكم بحقه، فإنه يفضل السجن الفعلي المحدد زمنياً بدلاً من الحبس المنزلي المفتوح.
معطيات وأرقام أفادت لجنة أهالي أسرى القدس، أن سلطات الاحتلال أصدرت نحو 2200 قرار بالحبس المنزلي منذ كانون الثاني 2018 وحتى آذار 2022، 114 طفلاً منهم كانت أعمارهم أقل من 12 عاماً. وتراجعت قرارات الحبس المنزلي المفتوح عددياً خلال العامين 2021 و2022، بعد موجة جديدة من القوانين الإسرائيلية المجحفة التي تجيز اعتقال الأطفال القُصّر ومن هم دون 14 عاماً، وتغليظ العقوبة بحق الأطفال والمتهمين برشق الحجارة منهم، مما منح شرطة الاحتلال والمحاكم صلاحيات أوسع باستمرار اعتقال الأطفال وتمديد فترة وجودهم في السجن الفعلي.
أدناه توزيع حالات الحبس المنزلي للأطفال حسب لجنة أهالي أسرى القدس:
الحبس المنزلي والقانون الدولي يقول المحامي مدحت ديبة، أن القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، يوفر مساحة كبيرة لضمان حرية الأطفال وتمتعهم بالأمن والحماية والكرامة، واتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 في مادتها (37-أ) تكفل ألا يتعرض أي طفل للتعذيب أو لغيره من العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، كما تنص الفقرة (ب) على أنه لا يجوز حرمان أي طفل من حريته بصورة غير قانونية أو تعسفية، كما تؤكد المادة نفسها أنه في حالة الاعتقال (كحالة استثنائية)، فإنه يجب أن يجري اعتقال الطفل أو احتجازه أو سجنه وفقاً للقانون، ولا يجوز ممارسته إلا كتدبير أخير، ولأقصر فترة زمنية مناسبة، فضلاً عن الحق في الطعن في شرعية حرمانه من الحرية أمام محكمة مستقلة ومحايدة. ودعت اتفاقيات جنيف الأربع لأن يكون الأطفال خارج دائرة الاستهداف في حالات النزاعات المسلحة وتجنيبهم آثار الحروب، لكن في حالة الحبس المنزلي فالوضع عكس ذلك تماماً، فإسرائيل تجعل الاعتقال الخيار الأول بالتعامل مع الطفل، وتتعامل معهم وكأنهم بالغون، وتعرضهم للضرب والإهانة منذ لحظة الاعتقال، ويتم التحقيق معهم واستجوابهم في ظل غياب وجود المحامي أو الوالدين بشكل مخالف للقانون الدولي". ما إن تنتهي عملية التحقيق وتبدأ إجراءات المحاكمة، يحتجز الطفل في منزله كخيار أول ولفترة زمنية طويلة قد تتجاوز السنة، وتتم خلالها إجراءات المحاكمة الطويلة، وبمجرد الحكم عليه بالسجن الفعلي (إن ثبتت التهمة) لا يتم احتساب أي يوم له من مدة الحبس المنزلي ضمن فترة السجن الفعلي الذي يمتد ما بين ثلاثة وستة أشهر كحد أقصى، حيث يبقى الطفل حبيس منزله لفترة قد تتجاوز السنة.
×
'الأسرلة' والتعليم في القدس المحتلة
يواجه المقدسيون جملة من التحديات في المدينة المحتلة، يعتبر التعليم جزءاً أساسياً منها، يتدخل الاحتلال في كافة تفاصيله في محاولة لوأد الوعي الوطني الملتصق بالهوية الفلسطينية عند المقدسيين من الصغر، فتارة يعمل على فرض مناهج إسرائيلية على الطلبة الفلسطينيين يكون مفهوم المواطنة فيها ملتبساً على الأطفال ما بين القراءة وما يرونه من ممارسات يومية من قبل سلطات الاحتلال، وتارة يفرض قيوداً على حرية الحركة والتنقل تعيق وصول التلاميذ إلى مدارسهم القليلة أصلاً.
بدأ الاحتلال محاولاته لأسرلة المناهج منذ العام ١٩٦٧، من خلال إصدار قانون خاص يُخضع التعليم لسلطاته بعد ضم المدينة وفي غضون أسابيع قليلة، واستمرت المحاولات رغم توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، الذي ينص على أن المدارس في الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس تلتزم منهج التعليم الأساسي الفلسطيني، لتترك ممارسات الاحتلال تعدداً بالمرجعيات التعليمية في المدينة، ضمن أربع مرجعيات تعليمية مختلفة، لكل منها خطة خاصة ومصالح وأولويات مختلفة، ومصدر مختلف. وفي الوقت الحالي حسب آخر الإحصائيات المتوفرة لعام 2020 – 2021 حسب وزارة المعارف الإسرائيلية وبلدية الاحتلال، فقد بلغ عدد الطلبة المقدسيين ما يقارب 90 ألف طالب، 51.8% منهم يرتادون مدارس تابعة للسلطة الفلسطينية وعددها 141 مدرسة بواقع 59.2% من مجمل المدارس في القدس المحتلة، وبلغ عدد الغرف الصفية الناقصة في القدس (لجميع المدارس للفلسطينيين والإسرائيليين) 3794 غرفة صفية، 2100 منهنّ في المدارس الفلسطينية فقط بنسبة 55.3%.
الوصول إلى المدارس: فرضت سلطات الاحتلال 13 حاجزاً إسرائيلياً، وإجراءات تفتيش وتدقيق بالإضافة إلى جدار الفصل العنصري، لتكون عائقاً أمام المدرس/ة والطالب/ة بشكل يومي خلال محاولة الوصول إلى المدراس فمنذ عام 2000 بدأت سلطات الاحتلال بتضييق الخناق على المدرسين من حملة الهوية الخضراء، ومنع حصولهم على تصاريح عمل، أو تعطيل مسيرهم على الحواجز واعتقالهم في بعض الأحيان، فباتوا يشكلون أقل من 20% من نسبة مدرسي المدينة بعد أن كانوا قبل ذلك يشكلون 60%. كما تتعرض الفتيات بشكل خاص لأنواع مختلفة من الانتهاكات والمضايقات خلال توجههن إلى المدارس، فضمن ورقة حقائق أعدتها مفتاح بالتعاون مع مركز الدراسات النسوية تم مقابلة 30 طالبة من مدارس مختلفة في المدينة، مجملهن أفدن بتعرضهن لأحد حالات التحرش على الحواجز العسكرية أو في الشوارع من جنود الاحتلال أو في المواصلات العامة المكتظة:
علي وإيلياء ... محاربة الأسرلة بالوعي علي وإيلياء فرّاح، يخرجان مبكراً كل يوم للوصول إلى مدرستهما، يستقلان مركبة والدتهما من بلدة صور باهر جنوب القدس المحتلة، للوصول إلى المدرسة الإبراهيمية في حي الصوانة شرق البلدة القديمة، على أمل الوصول على الموعد في ظل الازدحام الشديد على جميع محاور الطرق المؤدية إلى المدارس بسبب وجود حواجز مفاجئة على مداخل الأحياء، خاصة تلك التي يحيطها جدار الفصل العنصري، ما يضطر بعض الأهالي للخروج بأبنائهم قبل ساعتين من الموعد الأساسي للدوام من مناطق مثل كفر عقب والمطار (قلنديا).
الشقيقان "علي" و"إيلياء" يواجهان اليوم سوياً تحدياً آخر يتعلق بمحاولة بلدية الاحتلال فرض المنهاج الإسرائيلي على مدرستهما. مع ذلك هما يرفضان التعاطي مع هذا المنهاج أو القبول به لأنه يخالف قناعتهما ومعتقداتهما الفكرية والثقافية ويتمسكان بهويتهما الوطنية التي تجسدها المناهج الفلسطينية.
الخطة الخمسية لتهويد التعليم
وضعت سلطات الاحتلال خطة خمسية للسيطرة على التعليم (2018-2022)، تهدف إلى أسرلة التعليم بنسبة 90% وتقوم الخطة على ستة بنود؛ أولاً تفريغ البلدة القديمة من المدارس والسيطرة على مبانيها التاريخية الأثرية وتحويل بعضها إلى معالم سياحية، ثانياً إغلاق مدارس القدس التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين واستيعاب طلبتها في مدارس تدرس المناهج الإسرائيلية، ثالثا إغلاق مدارس القدس الخاصة التي ترفض تدريس المناهج الإسرائيلية، رابعا إغلاق رياض الأطفال الخاصة وفتح رياض تتبع بلدية الاحتلال، خامساً: فتح مراكز جماهيرية تسعى إلى التّطبيع مع الاحتلال من خلال أنشطتها المختلفة الجاذبة للأطفال والشباب لتمرير مخططاتها الاحتلالية، وأخيراً نشر الشرطة الجماهيرية التي تعمل في أحياء القدس والتي تتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية الإسرائيلية. يحاول المقدسيون الوقوف في وجه الاحتلال الذي يهدف لطمس الهوية الوطنية الفلسطينية من خلال كافة الإجراءات والممارسات التي تمارسها السلطات، وسط موارد مالية شحيحة ومبانٍ غير مؤهلة، ومرافق تعليمية غير مناسبة بشكل كبير، بالإضافة إلى تعدد المرجعيات المرتبطة في التعليم في هذه المدينة.
وحتى يتسنى للاحتلال السيطرة على التعليم بشكل موسع ويحكم سيطرته عليه كان هنالك شرط مقابل الدعم المالي وتمويل مدارس القدس، وهو ان يطبق المنهاج الإسرائيلي بحذافيره، عبر خطة تعليمية متكاملة تشمل جميع المراحل بالإضافة لإجبار المدارس في المدينة على العمل حسب فلسفة وزارة المعارف الإسرائيلية.
كيف يواجه المقدسيون أسرلة المناهج؟ عمل المقدسيون على مواجهة محاولات الاحتلال المستميتة بفرض المنهاج الإسرائيلي على مدارسهم من خلال إصرارهم على المناهج الفلسطينية، والحفاظ على هويتهم الفلسطينية بداخل المنازل حتى وإن تعرض التلامذة لمناهج إسرائيلية مرغمين لأسباب عدة. كما عمل المقدسيون على عدة مبادرات شعبية مدعومة من وزارة التربية والتعليم الفلسطينية ومن مؤسسة فيصل الحسيني للتعليم، من أبرزها قيام لجان أولياء الأمور بتوزيع كتب المنهاج الفلسطيني مجاناً على طلاب المدارس المستهدفة، والقيام بسلسلة من الخطوات الاحتجاجية كالوقفات التظاهرية أمام العديد من المدارس، وتعهدت الجهات الرسمية الفلسطينية بدعم خطط لتطوير جودة التعليم التنافسي في المدينة، بالشكل الذي يعزز هويتها الفلسطينية، وتعميق وعي المقدسيين بأهمية التعليم الوطني، ومخاطر مخططات الاحتلال وسبل مواجهتها، ودعم المدارس. في حين، انطلقت مبادرة محلية قادتها هيئات شعبية وحراكات شبابية لتشجيع العودة إلى مدارس البلدة القديمة خاصة "مدرسة الأيتام" لتشجيع عودة مئات التلاميذ إليها من خلال تقديم حوافز تشجيعية تشمل توزيع كتب منهجية على طلاب هذه المدارس، وتخصيص مصروف جيب لكل طالب تخفيفاً عن أولياء الأمور في تحمل جزء من المصاريف. كفلت العديد من المواثيق الدولية لحقوق الإنسان الحق في التعليم كحق أساسي من حقوق الإنسان، ووضعت ضمانات لحمايته.
التعليم والقانون: ويعتبر الحق في التعليم حق من حقوق الإنسان في حد ذاته، وهو في الوقت نفسه وسيلة لا غنى عنها لإعمال حقوق الإنسان الأخرى. والتعليم، بوصفه حقاً تمكينياً، هو الأداة الرئيسية التي يمكن بها للكبار والأطفال المهمَّشين اقتصادياً واجتماعياً أن ينهضوا بأنفسهم من الفقر وأن يحصلوا على وسيلة المشاركة كلياً في مجتمعاتهم. كما للتعليم دور حيوي في تمكين المرأة، وحماية الأطفال من العمل الاستغلالي والذي ينطوي على مخاطر. ويعتبر العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الحق الأكثر شمولاً وتفصيلاً في تناوله للحق في التعليم، من حيث هدف التعليم وطبيعة العملية والتعليمية وآليات الوفاء به للجميع ودون تمييز. وتتعهد الدول الأطراف في هذا العهد باحترام حرية الآباء، أو الأوصياء عند وجودهم، في اختيار مدارس لأولادهم غير المدارس الحكومية، شريطة تقيد المدارس المختارة بمعايير التعليم الدنيا التي قد تفرضها أو تقرها الدولة، وبتأمين تربية أولئك الأولاد دينيا وخلقياً وفقاً لقناعاتهم الخاصة، وتشكل ممارسات القوة القائمة بالاحتلال انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي في محو الموروث الثقافي ويتناقض التزامات إسرائيل تجاه تطبيقات "القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة – سيداو" في القدس المحتلة.
×
وحيد ... له من اسمه نصيب
كانت القدس الشرقية حتى عام 1991 مفتوحة لحركة العائلات الفلسطينية التي أحد أبويها من سكان الضفة الغربية، حتى بدأت سلطات الاحتلال في شباط من ذات العام بطلب تصاريح دخول خاصة للفلسطينيين إلى القدس بإجراء شكلي في البداية، وكانت تمنح للجميع تقريباً. لكن عام 1993 بدأت قوات الاحتلال بفرض إغلاق تام على الضفة الغربية ووضع حواجز عسكرية بين الضفة و"إسرائيل" التي تسيطر بشكل كامل على القدس المحتلة، ليتحول أمر الحصول على تصاريح دخول إلى عملية معقدة" وصعبة المنال حتى لأفراد العائلة الواحدة في حال كان أحدهما يحمل هوية "خضراء".
فرضت وزارة الداخلية الإسرائيلية على الفلسطينيين حتى عام 1994 طلبات جمع الشمل فقط للعائلات التي يحمل فيها الزوج الهوية المقدسية، وأهملت الطلبات كافة التي تكون فيه الزوجة هي الطرف الحامل للهوية المقدسية، ولم يتغير هذا الحال إلا بعد التوجه إلى القضاء. تبلغ نسبة الطلبات التي تقدم بها مقدسيون لزوجاتهم وأبنائهم من الضفة الغربية قرابة 75% من إجمالي الطلبات، بينما تقدمت المقدسيات تقريبا بـ 25% لأزواجهن أو أولادهن من الضفة، وتشير أرقام وزارة الداخلية الإسرائيلية إلى أن ما يقارب 140 ألف فلسطيني من الضفة الغربية وصلوا القدس من خلال طلبات جمع الشمل حتى عام 2002 .
وحيد شبانة عائلة المقدسي وحيد شبانه إحدى آلاف العائلات التي مس الاحتلال بنسيج حياتها وفرّق شملها، لتكون حكاية كل مقدسي يحول الاحتلال دون جمعه مع أسرته بدعوى عدم حيازته بطاقة هوية مقدسية ورفضها طلب جمع الشمل الذي تقدم به منذ 24 عاماً
مأساة عائلة "وحيد" بدأت حين لم يشملها الإحصاء الإسرائيلي عام 67 لتواجد رب العائلة في الأردن آنذاك، وحين عاد إلى القدس اعتبر غير مقيم، لتعيش هذه العائلة بعد ذلك مأساة كثير من المقدسيين ممن فقدوا حق إقامتهم في مدينتهم، فقدم شبانة في العام 1997 أول طلب لجمع الشمل، ومنذ ذلك التاريخ يرفض طلبه بذريعة الملف السري والأمني، واستمر الاحتلال باقتحام منزله لإبعاده عن أسرته بذريعة التواجد "غير القانوني" في القدس المحتلة... ضاعفت الاعتقالات المتكررة والإبعاد عن الأسرة الحالة الصحية لشبانه الذي يعاني بسببها من حالة عصبية لم يشف منها رغم خضوعه للعلاج المستمر، ولم تثمر جميع محاولات العائلة خلال السنوات الطويلة في أن تجتمع، وأن يعود وحيد لعائلته من "منفاه القسري" في مدينة رام الله
تطورات قانونية قامت إسرائيل بإقرار قانون "المواطنة" بهدف تعزيز نظام الفصل العنصري بأغلبية 45 صوتاً مقابل 15 صوتاً، في إعادة لمعظم التشريعات الواردة في قانون "المواطنة" لعام 2003. وينص القانون بالصيغتين على منع الفلسطينيين في القدس المحتلة أو داخل الخط الأخضر من تقديم طلبات جمع الشمل مع أزواجهن وزوجاتهم من سكان الضفة الغربية أو قطاع غزة التمست مؤسسة "سانت ايف" لحقوق الإنسان في القدس لدى محكمة الاحتلال العليا، ضد هذا القانون العنصري، علماً بأن القانون لم يكن ساري المفعول خلال الفترة ما بين تموز 2021 وحتى آذار 2022، إلا أنه دخل حيز التنفيذ بتعليمات خاصة من وزارة الداخلية الإسرائيلية. دخلت هذه التعليمات حيز التنفيذ في مطلع شباط 2022، وتنص على أن كل زوج فلسطيني تحت عمر 35 عاماً أو زوجة تحت عمر 25 عاماً يمكنهم تقديم طلب جمع شمل بشرط أن يكون قبل 13 آذار 2022، وذلك لمدة 5 سنوات
وبحسب المعلومات المقدمة من قبل وزارة الداخلية الإسرائيلية، فإن عدد طلبات جمع الشمل التي لم يتم البت بها في عام 2014 هي خمسة طلبات فقط، وفي عام 2015، فإن عدد الطلبات العالقة بلغت 7 طلبات، وفي عام 2016 وصل عدد الطلبات 4، كذلك الأمر في عام 2017 حيث كان عدد الطلبات 4. بينما في عام 2018 كان هناك ارتفاع ملحوظ في عدد الطلبات التي لم يتم البت فيها، حيث بلغ عددها 56 طلباً. وفي عام 2019 بلغ عدد الطلبات غير المبتوت فيها 79، في حين أن عدد الطلبات عام 2020 بلغ 574 طلباً غير مبتوت فيها.
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647 القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14 حي المصايف، رام الله الرمز البريدي P6058131
للانضمام الى القائمة البريدية
|