×
د. عزمي الشعيبي، مستشار مجلس إدارة مؤسسة 'أمان':
مقدمة: أفرزت التطورات الأخيرة التي أعقبت قرار القيادة الفلسطينية إعادة العلاقات مع إسرائيل، بالإضافة إلى ما تمخضت عنه نتائج الانتخابات الأميركية وفوز المرشح الديمقراطي بايدن واقعاً جديداً في المشهد الفلسطيني وتأثير هذه التطورات عليه في كل ما يتعلق بالأوضاع الفلسطينية الداخلية، ومستقبل العملية السياسية مع الجانب الإسرائيلي، والانعكاسات المتوقعة لنتائج الانتخابات الأميركية على الموضوع الفلسطيني، في وقت كان الواقع العربي فيه يشهد مزيدا من عمليات التطبيع مع إسرائيل دون الالتفات إلى حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أولا كمدخل لعلاقات مستقبلية تربط هذه الدول بإسرائيل. واقع هذه التطورات، والسيناريوهات المحتملة يجملها د. عزمي الشعيبي مستشار مجلس إدارة مؤسسة "أمان" في لقاء معه ضمن زاوية "في ضيافة مفتاح"، ما يلي نصه: إعادة العلاقات مع إسرائيل في تحليله لقرار إعادة العلاقات مع الجانب الإسرائيلي يرى د. عزمي الشعيبي، أن هذا القرار مرتبط برغبة السيد الرئيس محمود عباس في متابعة العملية السياسية التفاوضية مع الجانب الإسرائيلي بالتنسيق والدعم من قبل الدول العربية المقبولة لدى إسرائيل والولايات المتحدة وبشكل خاص مصر والأردن بعد انتخاب بايدن رئيساً للولايات المتحدة. الموقف الرسمي من قبل السيد الرئيس وأعلن عنه حسين الشيخ، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، يعبر عن سلسلة قرارات ترتبط بتوجه ورغبة الرئيس بالاصطفاف مع الحلف العربي في إطار المجموعة العربية الذي تقوده مصر والسعودية والأردن والمغرب. إن قرار الرئيس محمود عباس الانضمام لهذا الإطار جاء دون تبرير معلن للدوافع داخل مؤسسات منظمة التحرير أو في خطابه للمواطنين، بالتأكيد جاء ذلك بتأثير نتائج الانتخابات الأميركية، وغياب حلول مالية لمواجهة الوضع الاقتصادي المتردي في المناطق الفلسطينية المحتلة، وزيادة عدد المتذمرين، وأقصد هنا القطاع الاقتصادي والتجاري بشكل خاص، وبعض المناطق الجغرافية مثل الخليل، وعدم قدرة السلطة على فرض ما تريده على أرض الواقع في قطاع غزة. الرئيس كان خلال الأعوام الثلاثة الأخيره يبحث عن آليات عربية ودولية تسانده خاصه بعد عودة العلاقات مع الجانب الإسرائيلي، لعقد المؤتمر الدولي بحضور الرباعية الدولية ومصر والأردن كبديل للرعاية الأميركية المنفرده، وبالاعتماد على قرارات الشرعية الدولية كإطار مرجعي. على ما يبدو تطمينات قدمت للرئيس محمود عباس من قبل مصر والأردن والسعودية بأنهم سيساعدانه بعقد المؤتمر الدولي للسلام وبدعم وتوافق مع فرنسا وألمانيا من الاتحاد الأوروبي مما يسهل عودة المفاوضات المباشرة مع الإسرائيليين بالتعاون مع الإدارة الأميركية الجديدة بغضّ النظر عن التركيبة السياسية للحكومة الاسرائيلية القادمة والتي ستتمخض عن الانتخابات القادمة ، للبحث عن تسوية يقبل بها الرئيس أبو مازن. إن عودة البحث عن آليات وسبل العودة للمفاوضات وضمان عدم معارضة حماس بالنسبة للرئيس هو المكسب والهدف في المرحله الحاليه. في المقابل، فإن السياسة الإسرائيلية مستمرة لاكتساب المزيد من الأراضي ومحاصرة الفلسطينيين، لعل وعسى في المستقبل ينشأ ظرف مناسب لتنفيذ كامل المشروع الصهيوني بالسيطرة على كامل فلسطين، ومنح الفلسطينيين حكماً ذاتياً مقيّداً. وبالتالي اسرائيل ليست بصدد إنهاء السلطة وإن كانت ستقاوم موضوع إنهاء الانقسام وعودة العلاقات الرسمية بين مؤسساتها في الضفة والقطاع. المصالحة وترتيب الوضع الداخلي الفلسطيني ماذا عن مستقبل المصالحة الفلسطينية وترتيب الوضع الداخلي على ضوء إعادة العلاقات مع إسرائيل؟ يجيب د. الشعيبي: "لا أعتقد أن الرئيس محمود عباس ينتظر من الحوارات الفلسطينية – الفلسطينية الأخيرة ستؤدي بالضرورة للتوافق على برنامج وطني جديد يتوحد الفلسطينيون لتنفيذه." الرئيس عباس يرغب بالعودة إلى التفاوض المباشر من النقطة التي توقفت فيها المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي لحل الصراع، وهو ما زال يعتقد أن برنامج م. ت. ف والذي أقره المجلس الوطني عام 1988 والمستند لقبول قرار مجلس الأمن 242، ونبذ العنف وتبني المفاوضات المباشرة مع الجانب الإسرائيلي، وترافق ذلك مع إعلان الاستقلال (الدولة) على حدود عام 1967، والذي على ضوئه تمت موافقة المجلس المركزي على إطار المبادئ في أوسلو هو البرنامج المناسب للفلسطينيين. لذلك كان الرئيس يحدد موقفه بشأن مصير الحوارات الوطنية بضرورة إدماج الحركات السياسية الإسلامية في م. ت. ف باشتراط قبولها لهذا البرنامج عملياً بعد أن قبلت مبدأ أن م. ت. ف هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني و فكرة إقامة الدولة الفلسطينية على حدود العام 1967. فمثلاً قبل عدة سنوات دعم السيد الرئيس الحوارات، عندما توقفت عملية السلام، وأوقف الحوارات لإنهاء الانقسام عند الشعور بعودة المفاوضات، وهذا لا يعني أن حركة حماس دائما كانت مع إنهاء الانقسام دون اشتراط تأمين مصالحها الذاتية على حساب المصلحة الوطنية العامة او بفعل ارتباطها بمصالح حركة الإخوان المسلمين إقليمياً. لقد أدت الضغوط العربية إلى تأجيل الرئيس موضوع الحوارات الداخلية والمصالحة مع حماس إلى فترة لاحقة، من أجل تسهيل عودة المفاوضات، عندما تحرك الرئيس بمعزل عن هذه الدول وزيارة تركيا ومجلس الأمن وزيارة العراق. يرى الشعيبي أن الوحدة الوطنية لن تتم بالاستناد إلى استمرار نفس النهج الانتظاري في الوقت الذي يستمر فيه مشروع الزحف للاستيلاء على أكبر مساحة ممكنة من الضفة الغربية وحصار التجمعات الفلسطينية. ولذلك سوف يرى في عودة حزب الديمقراطين في رئاسة الإدارة الأمريكية فرصة لإعادة ترتيب أوراقه الداخلية وعلاقاته العربيه. الرئيس ما زال يعتقد أن بإمكانه أن يستمر بمتابعة الاستراتيجية السابقة بالشراكة مع الدول العربية وتنفيذ الترتيبات الإقليمية التي تجري في المنطقة، وقد تؤدي من وجهة نظره إلى تغييرات في الموقف الأميركي ما يفتح المجال إلى عودة عملية التسوية. "وأن الإدارة الأميركية الجديدة والقديمة ستسعى الى بناء تحالف في المنطقة يتكون من الدول العربية السنية وإسرائيل في مواجهة لضمان الاستقرار في هذه المرحله بالرغم أن هدف اسرائيل وبعض دول الخليج العربي مواجهة التحالف الشيعي الإيراني، والذي لا مصلحة للشعب الفلسطيني وقضيته في ذلك." الانتخابات العامة وبشأن إجراء انتخابات عامة استناداً إلى ما أعلن عنه سابقاٌ، فإن الرئيس يدرك أنه لا يمكنه القيام بانتخابات عامة في الضفة الغربية والقطاع دون التوافق مع حماس من أجل تطبيقها في قطاع غزة. فالرئيس مقتنع تماماً بأن حماس مسيطرة سيطرة تامة على القطاع، وبالتالي أية قرارات مثل الانتخابات العامة تستوجب موافقة حماس عليها، وبالتالي الانتخابات العامة لا يمكن إجراؤها في ظل الانقسام. ولذلك تجري انتخابات عامة في اطار ترتيبات المصالحة. كما يقول د. عزمي الشعيبي إن "الرئيس يرغب بإرغام حماس للسير معه في الطريق نحو المفاوضات لاعتقاده بأنها ستشكّل حملاً سلبياً على جهوده في حال بقاءها خارج مظلة م. ت. ف ، قد يكون الوقت الأنسب له لإجراء الانتخابات لضمان واحتواء معارضة حماس، و ليعزز من موقفه التمثيلي". منظمة التحرير ومؤسساتها لكن ماذا عن منظمة التحرير ومستقبل مؤسساتها؟ عن ذلك يجيب د. الشعيبي:" الرئيس أبو مازن يستند في موضوع استمرار الوضع القائم دون تغيير على الشرعية التي منحته إياها حركة فتح كرئيس لها، ثم الدعم الذي حصل عليه في آخر انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني في العام 2018 حيث عززت شرعيته، وبالتالي الرئيس وفق اعتقاده يرى أن لديه شرعية الاستمرار في قيادة م. ت. ف بالاستناد إلى انتخابه كرئيس أكبر فصيل فلسطيني، وكذلك الاستمرار بالاعتراف بذلك عربياً ودولياً، ولا يعتقد بأنه بحاجة إلى أكثر من ذلك، كما يعتقد بأن تركيبة المجلس المركزي التي تم تركيبها أخيراً ستؤمن له الشرعية والدعم لموقفه لاحقاً، وبالتالي ستبقى مؤسسات المنظمة ضعيفة ومشلولة، وتطوير مؤسسات السلطة في ضعف. مصير السلطة الوطنية وفي قراءاته لمستقبل السلطة الفلسطينية على ضوء مطالبة بعض الأطراف بحلها، يرى د. الشعيبي، أن حل السلطة ليس وارداً، وليس من مصلحة أيً من الأطراف بما في ذلك إسرائيل وحماس. يقول:" تحليلي للتغييرات الإقليمية والتحالفات القائمة فيها والمدعوم جزء منها من قوى دولية مثل الولايات المتحدة وأحياناً دول أوروبية، وكذلك وجود بلدان مثل تركيا وإيران وإسرائيل غير معنية بذهاب السلطة، وليس للجانب الفلسطيني بدائل سوى الاستمرار بالواقع الموجود، وهو أمر ينطبق أيضاً على الجانب الإسرائيلي الذي ليس له مصلحة في انهيار السلطة. كذلك الأمر بالنسبة لحركة حماس خاصة بعد تجربتها في إدارة الأوضاع بقطاع غزة ووصولها إلى طريق مسدود في قدرتها لوحدها على إقامة سلطة في القطاع بديلاً عن السلطة الفلسطينية، ورغبتها في استجلاب السلطة إلى قطاع غزة مع وجود حماس كقوة رئيسية مسيطرة في القطاع. لذلك السلطة في شكلها وبرنامجها الحالي يبدو مريحاً لكل الأطراف ولا يتعارض مع برنامج م. ت. ف من حيث أن استراتيجيتها تكمن في الاستمرار لتحول السلطة إلى دولة من خلال إجراءات على الأرض وبالضغط على دول من أجل الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وفقا للبرنامج الوطني الفلسطيني منذ العام 1988". الواقع العربي والتطبيع من ناحية أخرى، يصف د. الشعيبي المتغيرات في الواقع العربي مؤخرا، ومن مظاهره هرولة بعض الأنظمة العربية للتطبيع، بأنه إعادة ترتيب للأوضاع في الشرق الأوسط. يضيف:" أعتقد أن الموضوع بالأصل هو في إعادة ترتيب الشرق الأوسط بعد القضاء على جذور الإرهاب والذي كان أحد أبرز مظاهره القاعدة وداعش، وبعد مشروع ترامب الذي كان يستند على فكرة بناء تحالف في المنطقة في مواجهة القوى المعادية للغرب والولايات المتحدة وتحديداً في مركزيها إيران وتركيا وروسيا ومواجهة برنامج الصين في "طريق الحرير" الذي يمر أيضاً في هذه المنطقة. لهذه الأسباب كان هناك رغبة في إقامة تحالف إقليمي في المنطقة يرتكز إلى الدول العربية كدول إسلامية سنية وإسرائيل كقوة أمنية واقتصادية على الأرض. وهذا التحالف كان يتطلب حل وتصفية الموضوع الفلسطيني في إطار الحل الإقليمي عبر مشروع ترامب، فيما سيمهد الطريق لبناء علاقات طبيعية بين الدول العربية السنية وإسرائيل. ولكن عندما أفشل الفلسطينيون هذا لحل الموضوع الفلسطيني من خلال عدم المشاركة فيه والخروج عليه والتصدي له، تصرفت بعض الدول العربية بالاستعداد لبناء هذا التحالف حتى بدون حلّ الموضوع الفلسطيني، وبدون غطاء فلسطيني، وكما يبدو فإن كلا من مصر والأردن، وبعد الانتخابات الأميركية، وجدوا فرصة لإعادة بناء تحالف إقليمي بوجود الفلسطينيين، والعودة لبناء العلاقة مع اسرائيل من خلال المدخل العربي الجامع، وليس من خلال التطبيع الثنائي، وهذه المرة من خلال الوجود الفلسطيني، واستعداد الأردن ومصر والسعودية للضغط على الإدارة الأميركية الجديدة لقبول عقد مؤتمر دولي واستعداد هذه الدول المشاركة كأطراف في المؤتمر الدولي مع الرباعية الدولية، أي أن يصبح العرب طرفاً في المفاوضات والضغط على الاسرائيليين كبديل عن المشروع العربي القائم على المبادرة العربية للسلام في التطبيع مع إسرائيل بعد حل القضية الفلسطينية. نتائج الانتخابات الأميركية وانعكاساتها كان لنتائج الانتخابات الأميركية، كما يقول د. الشعيبي انعكاسات داخلية وإقليمية ودولية، سنرى تأثيراتها لاحقاً حيث ستتفرغ الإدارة الأميركية لمعالجة الملفات الداخلية كأولوية. وفي هذا يقول:" بالتأكيد أن مشروع ترامب سينتهي، وهذا شيء جيد للفلسطينيين، لأن هذا المشروع كان يقوده الطرف المتطرف من الحركة الصهيونية الذي كان يعتقد بأنه سيفرض بالقوة على الفلسطينيين تسوية تقوم على إعطاء المشروع الصهيوني المشروعية في الجزء الأكبر من أراضي الفلسطينيين وتحويلهم إلى مجموعات أقلية مفتتة في كانتونات بلا أية قيمة إلا إذا ربطت مصيرها بمصير إحدى الدول العربية أو على شكل من أشكال الدولة الهزيلة في قطاع غزة، وتفتيت الولاء في الضفة. اليوم، يمكن أن يتوقف هذا المشروع، ولكن هذا لا يعني أن يغيّر الإسرائيليون من خططهم على الأرض؛ لأن أساس المشروع الصهيوني ليس مرتكزاً على الموافقة الأميركية إنما على الدعم والمساندة من قبل الولايات المتحدة، ولكنه قائم كمشروع إسرائيلي مباشر. ولذلك سيكون لبايدن أولويات أساسية تتعلق بمصالح الولايات المتحدة والوضع الداخلي هناك، وموضوع كورونا الذي كان مدار خلاف واضح في كيفية مواجهته مع منافسه دونالد ترامب الذي فشل في معالجته، والذي يعد أحد الأسباب التي ساعدت بايدن على التفوق على ترامب في الانتخابات، وبالتالي ستكون الأولوية منصبة على مكافحة كورونا، ونحن نعرف أن السنة الأولى على الأقل من عمر الإدارة الأميركية الجديدة سيتركز جزء رئيسي منها على هذا الموضوع. أما الجزء الثاني فسيتركز على الوضع الاقتصادي الداخلي في الولايات المتحدة، لأنّ هذا الجانب الذي كان ترامب يستند إليه، وهو المشروع الذي جاء به أصلاً إلى الحكم في الانتخابات الماضية، ولذلك لا بد من أن تقدم الإدارة الجديدة بعض الحلول الاقتصادية للوضع الداخلي وبشكل خاص واقع البطالة الذي تفاقم مع أزمة كورونا، ثم بعد ذلك تحسين واقع العلاقات الأميركية الأوروبية التي تضعضعت في عهد ترامب والتي لخّصها بايدن والإدارة الجديدة ونائبته بالعودة إلى العالم، والعودة إلى الأمم المتحدة، والعودة إلى المؤسسات الدولية، وهذا يعني العودة إلى ظهور الأميركيين في هذه المواقع، وهو يعني أيضا أن الأجندة اليومية لإعطاء مجهود مركّز لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لن يكون من ضمن الأولويات، ولكن بالتأكيد فإن منظمة إيباك والحركة الصهيونية في أميركا صوتت للديمقراطيين، وبالتالي يمكن أن يكون هناك تأثير لإعادة تحسين العلاقة الإسرائيلية الأميركية والتي تضررت نتيجة انحياز حكومة نتنياهو إلى ترامب في الانتخابات، ما يتطلب إعطاء دعم أمني ومالي لإسرائيل في مقابل استرضاء العرب من خلال اتخاذ بعض الإجراءات لإلغاء القرارات التي اتخذت من قبل ترامب؛ مثل إغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، والعودة لدعم وكالة الغوث، واستئناف الدعم المالي للأجهزة الأمنية الفلسطينية، وللمؤسسات الخيرية في فلسطين، ثم بعد ذلك إعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية المحتلة، ولكن يمكن أن يعطي لأوروبا وتحديداً فرنسا وألمانيا دوراً في تسهيل عقد مؤتمر دولي على غرار مؤتمر مدريد، ليسمح للقيادة العربية ممثلة بالأردن ومصر والسعودية والمغرب بأن تكون شريكاً أساسياً في المؤتمر مع الرباعية الدولية، وبحضور الولايات المتحدة وأوروبا والأمم المتحدة وروسيا، وبعد ذلك العودة إلى المفاوضات المباشرة بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي طويلة الأجل".
×
أنطوان شلحت: تجاهل صفقة القرن وتأييد حل الدولتين أبرز ما قد يحمله بايدن للفلسطينيين
ضمن زاوية (ضيافة مفتاح) نستضيف الباحث المختص في الشؤون الإسرائيلية أنطوان شلحت في قراءة للمشهد الإسرائيلي بعد فوز جو بايدن وإعادة العلاقات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل بعد هزيمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وما حملته هذه الهزيمة من طابع دراماتيكي على إسرائيل أمنياً وسياسياً خاصة مع توجه الولايات المتحدة إلى إعادة بناء تحالفاتها السابقة مع الخارج. وتوقع شلحت ألا يقوم بايدن بإلغاء أي قرارات أساسية اتخذها ترامب في سياق الصراع الفلسطيني الإسرائيلي مثل نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، أو الاعتراف بضم إسرائيل لهضبة الجولان، ولكنه سيتوجه لإعادة التوازن إلى حد ما إلى العلاقات الأمريكية مع إسرائيل والفلسطينيين. بايدن وحل الدولتين أشار شلحت إلى أن تداعيات هزيمة ترامب على إسرائيل ستكون ذات طابع دراماتيكي، نظراً للفجوة الكبيرة بين موقف ترامب وبايدن حيال السياسة الخارجية والأمنية للولايات المتحدة الأمريكية. وتوقع شلحت بناءً على ما أورده الناطقون باسم الحكومة الإسرائيلية إلى احتمالية تقليص موازنة الأمن الأمريكية ما سيؤدي إلى تراجع الضغوط الممارسة على النظام الإيراني والعودة إلى ما توصل بـ"سياسة الإذعان" التي انتهجها الرئيس السابق باراك أوباما وتتوجت بتوثيق الاتفاق النووي عام 2015، وبالتوازي فالشرق الأوسط والقضية الفلسطينية أما احتمالات شتى ولكن من غير المرجح أن يقوم بايدن بإلغاء قرارات أساسية اتخذها ترامب مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، والاعتراف بضم الجولان، ولكن من المتوقع أن يحاول إعادة التوازن مع إسرائيل والفلسطينيين. وقال شلحت أن القراءة في تصريحات الحكومة الإسرائيلية ترجح أن علاقة بايدن – نتنياهو أو أي رئيس حكومة قادم لن تكون في مستوى علاقة ترامب، خاصة أن بايدن قد يتجاهل بعض عناصر خطة ترامب "صفقة القرن" بما في ذلك منح الضوء الأخضر لضم مناطق من الضفة الغربية إلى "السيادة الإسرائيلية"، والتزامه بحل الدولتين من الناحية الرسمية. وزير الخارجية الأمريكي المقترح في إدارة بايدن أنتوني بلينكن تحدث مؤخراً عن رؤية الإدارة الأمريكية الجديدة إزاء القضية الفلسطينية وشدد على تأييد بايدن لحل الدولتين مشيراً إلى أنه "سيحافظ على التعاون العسكري والاستخباراتي بين الدولتين وسيعمّقه، وسيضمن التفوق العسكري الإسرائيلي. وسيدعو كلاً من إسرائيل والفلسطينيين إلى عدم القيام بخطوات أحادية الجانب تمس بفرص العودة إلى مخطط الدولتين، وهو سيجدد دعمه للسلطة الفلسطينية، وسيعيد فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، وسيحول المساعدة الإنسانية والاقتصادية إلى الفلسطينيين، لكن بشرط وقف دفع رواتب إلى المتورطين في عمليات إرهابية". الولاية الثالثة لأوباما؟ توقع شلحت أن تتجه إدارة بايدن إلى "معالجة الروح الأمريكية" وفقاً لمعايير حددها الحزب الديمقراطي بسبب الانقسام والتوتر العنصري الذي وصل إلى ذروته في ظل إدارة ترامب، وآثار تفشي فيروس كورونا الذي ضرب المواطنين الأمريكيين وسبب أضراراً اقتصادية جمة، وهو ما سيؤثر على أولوية السياسة الخارجية إلا في حالة الأمن القومي وتحقيق الرفاهية الأمريكية. وأشار إلى إمكانية قراءة التوجهات الاستراتيجية لبايدن من خلال إدارة أوباما التي شغل فيها منصب نائب الرئيس في حينه، فقد دعمت إدارة أوباما الثورات العربية، وعملت إدارة أوباما على تسوية الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي على أساس حل الدولتين حتى أن الولايات المتحدة امتنعت عن التصويت في مجلس الأمن على قرار يدين الاستيطان في الأراضي الفلسطينية وعدم استخدام حق النقض على خلاف التوقعات، والقيام بدعم السلطة الفلسطينية اقتصادياً ضمن رؤية الإدارة بأن تسوية الصراع سوف يجلب الاستقرار إلى منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى التوصل إلى الاتفاق النووي الإيراني الذي عارضته إسرائيل بشدة. ومن متابعته لتحليلات الأوساط المقربة من نتنياهو أشار شلحت إلى أن فوز بايدن خيّب أمل نتنياهو الذي رغب بفوز ترامب بولاية ثانية ولكنه لم يتنظر كثيراً كي يؤكد على أن الإدارة الأمريكية المقبلة سيكون خطها السياسي يحمل إصراراً عنيداً على مصالح دولة "إسرائيل"، في المحصلة العامة لا يختلف أصحاب التحليلات على أنه مع إدارة بايدن أيضاً ستظل الولايات المتحدة تعتبر إسرائيل حليفاً مهماً، إن لم يكن الأهم، في الشرق الأوسط، وبناء على ذلك تقتضي المصلحة الإسرائيلية تطوير العلاقات مع هذه الإدارة وتقويتها حتى مع وجود خلافات في الرأي معها. وبالرغم من أن بايدن أكد أن ولايته في "البيت الأبيض" لن تكون بمثابة "ولاية ثالثة" لباراك أوباما، الرئيس الأميركي السابق (2008-2016) الذي أشغل بايدن منصب نائب له، نظراً إلى ما طرأ على الولايات المتحدة وعلى العالم من تغيرات منذ ذلك الوقت، فإن تحليلات كثيرة استندت إلى قيام هذا الأخير بتعيين عدد كبير من الأشخاص الذين كانوا في عداد طاقم أوباما في أبرز المناصب المفتاحية في الإدارة الأميركية المقبلة، كي تخلص إلى نتيجة فحواها أن احتمالات استمرارية السياسة التي انتهجتها إدارة أوباما على المستويات كافة ستظل أكبر من احتمالات تغييرها. "ومن المهم تذكر الرسائل التي حملها أوباما في أول زيارة له إلى "إسرائيل" في آذار 2013 والتي حملته اعترافاً بـ “الدولة القومية للشعب اليهودية" في تمهيد لسن قانون القومية لاحقاً، وثانياً شرعنة أساس الرواية التاريخية الصهيونية التي ترى أن استعمار فلسطين كان تحقيقاً لعودة "الشعب اليهودي" إلى "أرض الميعاد"، بالإضافة إلى قيامه بزيارة متحف "ياد فشيم" لتخليد ضحايا المحرقة النازية متساوقاً مع ما تقوم به إسرائيل والمتعلق بـ "جوهر الحق اليهودي" في فلسطين". "التحرر من نتنياهو" والتعويل على بايدن قال شلحت أن الموقف الفلسطيني الرسمي المراهن على إدارة بايدن يقترب من الغزل، مؤكداً أنه لا يمكن فصل عودة السلطة الفلسطينية إلى كافة أشكال التنسيق المدني والأمني مع إسرائيل عن سياق هذا الرهان، ولا عن سياق تواتر التطبيع من طرف عدة دول عربية مع دولة الاحتلال، هذا التطبيع الذي يمنح إسرائيل فائضاً من القوة حيال الفلسطينيين. وأضاف شلحت " تقديري أن إسرائيل ستلوّح بأن تأجيل الضم وفقاً لخطة "صفقة القرن" الترامبية هو أفضل ما يمكن أن تقدمه إلى الفلسطينيين. ولا أتوقع أن نشهد تنازلات فلسطينية للعودة إلى طاولة المفاوضات أكثر من إعادة كافة أشكال التنسيق المدني والأمني"، خاصة مع سياق التطبيع المتماشي مع عقيدة نتنياهو التي يصفها بأنها "السلام في مقابل السلام" بديلاً لمعادلة "الأرض في مقابل السلام" وبأن تسوية العلاقات مع الإقليم هي الطريق للتوصل إلى تسوية لقضية فلسطين وليس العكس. جملة المتغيرات التي يحملها الإطار الواقع السياسي القائم في "إسرائيل" والانتخابات القادمة تتسم بالأساس بالسعي لما يوصف بأنه "تحرير إسرائيل من إمساك رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بخُنّاقها"، ومن آخر مظاهر ذلك انشقاق جدعون ساعر عن الليكود وقيامه بتأسيس حزب جديدة مع أن هذا الهدف لا يزال بعيد المنال أو غير مطروح أصلاً بالاعتماد على نتائج استطلاعات الرأي العام في "إسرائيل". وبناء على ذلك، لا بُدّ لنا من تكرار أن بقاء نتنياهو في سدّة الحكم أو إزاحته منها ما زالا المسألة الأقل أهمية في سياق التعاطي مع خصائص الوضع الإسرائيلي القائم الآن، وما يُحيل إليه بالنسبة للصراع مع دولة الاحتلال. يبقى الأمر الأهم كامناً في التغيرات التي تخضع لها هذه الدولة ونظامها السياسي في ظل هيمنة اليمين، وكيف يجري إقرار جوهر سياستها الخارجية عالمياً وإقليمياً، بتأثير هذه التغيرات من جهة، وارتباطاً بالتحولات الطارئة في العالم والإقليم من جهة أخرى مكملة وموازية. ما أستطيع قوله هو أن الأنظار في إسرائيل ستبقى متجهة في الفترة القريبة المقبلة نحو ما ستؤول إليه خطوة انشقاق ساعر عن الليكود، مع ضرورة الأخذ في الاعتبار أن الحالة السياسية الراهنة، والقائمة منذ فترة طويلة، تشي ليس فقط بعدم وجود خطاب سياسي مناقض لخطاب اليمين حيال القضية الفلسطينية بل كذلك بعدم وجود معارضة حقيقية منافسة لهذا اليمين. إعادة إشغال المجتمع الدولي بالقضية الفلسطينية قال شلحت أن الخيار شبه الحتمي في ضوء آخر التطورات الإقليمية المرتبطة بالتطبيع وتحت وطأة جائحة كورونا عالمياً وبناء على ما يملكه الفلسطينيون من قرارات أممية تدعم الحق الفلسطيني في إقامة الدولة الفلسطينية على أراضي عام 1967 يكمن بـ "إعادة إشغال المجتمع الدولي بالقضية الفلسطينية" والذي من شأنه أن يكون منسجماً مع محاولة تحريك جهات أخرها لأخذ دورها على الصعيد الإقليمي والعالمي، مشيراً إلى أن هذه الجهود يجب أن تتجه بشكل خاص نحو أوروبا التي من المتوقع أن تستعيد وزنها في ظل الإدارة الأمريكية الجديدة. ويتعين فلسطينياً أن ننوه بوجوب استمرار الجهود الرامية إلى تعافي الوضع الداخلي، وسحب البساط من الذين يجيرونه كورقة رابحة لإسقاط قضية فلسطين من أجندة الاهتمام الدولي انضافت إليها ورقة التطبيع العربية مع إسرائيل، آخذين بعين الاعتبار أن هذا التطبيع لا يقتصر على العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع دولة الاحتلال فقط إنما أيضاً ينطوي، وربما في العمق، على تطبيع سياستها حيال الاحتلال والاستيطان لناحية تبييضهما. فهذا التطبيع حدث بالرغم من القضية الفلسطينية، ويعكس مقاربة تعتبر الفلسطينيين غير ذي صلة بالتطورات السياسية في الإقليم، فضلاً عن أنه يؤشر إلى بداية نهاية مبادرة السلام العربية التي نصت على أن أي تطبيع للعلاقات العربية مع إسرائيل لا يجوز أن تكون سابقة لحل قضية فلسطين حلاً عادلاً. بايدن والغرب كما أشار شلحت سابقاً من المتوقع أن تتجه الولايات المتحدة الأمريكية إلى الداخل على حساب السياسة الخارجية، ولكن في هذا السياق أشار شلحت إلى بعض التوجهات التي ستحملها الإدارة الجديدة ومنها تجديد مشاركة الولايات المتحدة في اتفاقية المناخ في باريس، والقيام بتعزيز التحالف مع حلفائها التقليديين في العالم الغربي عموماً وفي أوروبا الغربية خصوصاً. وبموجب جلّ التحليلات الإسرائيلية سيكون لهذا التحالف تداعيات على إسرائيل لكون أوروبا تفضل سياسة المصالحة مع إيران ومواقف أكثر تشدّداً حيال إسرائيل في كل ما يختص بسياستها إزاء الفلسطينيين. في ساحة الأمم المتحدة ثمة من يتوقّع عملية سريعة نسبياً فيما يتعلق بهيئتين: وقف الخروج من منظمة الصحة العالمية، والعودة إلى مجلس حقوق الإنسان، مثلما أعاد أوباما الولايات المتحدة إلى هذا المجلس بعد أن أخرجها منه سلفه جورج بوش الابن. وهناك إجماع على أنه في مؤسسات الأمم المتحدة وخارجها سيتأثر سلوك إدارة بايدن بالمنافسة والخصومة مع الصين، وعلى أنه لا يوجد فارق مهم بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري إزاء النظرة إلى التهديد الذي تمثله الصين، وورد في برنامج عمل الحزب الديمقراطي علناً أنه في ظروف معنية يجب القيام بـ “إجراءات صارمة" ضد بكين. في الوقت عينه أعلن بايدن أن سياسته إزاء روسيا ستكون أكثر صرامة. وبناء على ذلك هناك تقديرات بأن تؤثر السياسة الأميركية إزاء كل من الصين وروسيا على علاقات إسرائيل الثنائية مع كل من هاتين الدولتين.
×
في الانتخابات الأميركية: تداعيات وانعكاسات
مقدمة: أكد محللون ومتابعون للانتخابات الأميركية الأخيرة، والتي أفضت إلى فوز الحزب الديمقراطي برئاسة مرشحه جو بايدن، أن هذه الانتخابات ستنعكس في نتائجها على علاقة الإدارة الأميركية الجديدة على الساحتين الفلسطينية والإسرائيلية، كما ستؤدي إلى تغييرات ملموسة في السياسات الأميركية، وفي العلاقات الدولية للإدارة الجديدة، إضافة إلى انعكاساتها على الأوضاع الداخلية الأميركية ذاتها، وتبدل أولويات هذه الإدارة في التعاطي مع العديد من الملفات خارجياً وداخلياً، خاصة فيما يتعلق بملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتنفيذ ما وعد به بايدن على صعيد الأولويات المحلية داخل الولايات المتحدة.
د. غسان الخطيب، المحاضر في جامعة بير زيت، وفي تعليقه على نتائج هذه الانتخابات، قال:" أعتقد أن نتائج الانتخابات الأميركية سوف تؤدي إلى تغييرات ملموسة في السياسات الأميركية، وفي العلاقات الأميركية الدولية، إضافة إلى الأوضاع الداخلية الأميركية، والسبب في ذلك أن الإدارة الأميركية السابقة برئاسة دونالد ترمب كانت قد أجرت تعديلات غير مسبوقة على السياسات الأميركية خصوصاً على مستوى السياسة الدولية وعلى العلاقات الدولية، وبالتالي الفجوة بين الحزبين في الانتخابات لم تكن بهذا الاتساع في أي انتخابات سابقة، واستناداً لذلك، فإن انتصار حزب آخر أو مرشح آخر سيؤدي إلى تغييرات كثيرة، وقد أعلنوا حتى الآن عن العديد من هذه التغييرات، ومنها أنهم سيعودون إلى اتفاق المناخ الذي انسحبوا منه، وبأنهم سيحسنون علاقاتهم مع حلفائهم الأوروبيين، وغير ذلك. أما في موضوع الشرق الأوسط، فقد أعلنوا عن أنّ الإدارة الأميركية الجديدة سوف تعكس بعض السياسات التي اتخذتها الإدارة السابقة، بمعنى أنها ستعود إلى السياسات التقليدية الأميركية في جزء غير قليل من جوانب الموقف الأميركي من الصراع العربي الإسرائيلي". انعكاسات وتأثيرات أضاف:" أعتقد أنّ هناك بعض التغيّرات التي ستكون سريعة نسبياً. وبالتالي أتوقع بأن الإدارة الجديدة ووفق ما صدر عنها ستعود إلى استئناف المساعدات للشعب الفلسطيني، وربما إلى وكالة الغوث، وهذا أمر مهم لأنه سيشجع دولاً أخرى على العودة لاستئناف تقديم المساعدات، لأنّ بعض الدول توقفت عن تقديمها بسبب الضغوطات والتأثيرات الأميركية، ومن ناحية أخرى، فربما سيقومون بإعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس، وهذا فيه بعض الرموز الإيجابية، والأهم من هذا وذاك هو أنّ الحزب الديمقراطي وبايدن لديهما موقف قوي اتجاه فكرة حل الدولتين، وبالتالي من المتوقع أن يكون لهم موقفاً نقدياً ولو على المستوى اللفظي ضد التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، وهذا سوف يشكل بعض الضغط الدولي ضد إسرائيل في موضوع الاستيطان، لأنّ فترة إدارة ترمب منعت تلك الدول عن التعبير عن أي انتقاد للتوسع الاستيطاني، بل أنَ السفير الأميركي في إسرائيل كان يشجع الاستيطان في تصريحاته، ويؤكد أن الولايات المتحدة ليس لديها مشكلة في توسيع المستوطنات، الأمر الذي أضعف من الموقف الدولي المعارض للتوسع الاستيطاني الإسرائيلي. أما فيما يتعلق بالعملية السياسية، فالمسألة هنا أكثر تعقيداً، لأنّ الإدارة الأميركية مارست إدارة الصراع أكثر من محاولة حله، لأن الجميع استنتج بأن إمكانيات الحل صعبة، وبالتالي ذهبوا في اتجاه محاولة حسم الصراع لصالح إسرائيل بنسبة مائة بالمائة، وأتوقع أنّ الإدارة الأميركية الجديدة سوف تعود إلى إدارة الصراع بدلاً من حله وإن كان في ظاهر الأمر غير جيد بما فيه الكفاية، إلا أنه أفضل من مسعى لإدارة ترمب لحسم الصراع لصالح إسرائيل بدرجة كاملة كما كانوا يحاولون أن يفعلوه من خلال صفقة القرن". خيارات القيادة الفلسطينية وفيما يتعلق بخيارات القيادة الفلسطينية على ضوء هذه النتائج، قال د.الخطيب: "في رأيي، أن الانتخابات الأميركية هي متغيّر مهم في السياسة الدولية باتجاه الموضوع الفلسطيني، وهذه الانتخابات يمكن أن تحمل في طياتها فرصاً وتحديات، والنتيجة تتوقف على الأداء الفلسطيني، وعلى مدى تماسك الوضع الفلسطيني الداخلي وقوته، كما تتوقف نهائياً على مدى حنكة وحكمة إدارة الملف السياسي المتعلق بالعلاقة مع الولايات المتحدة. فإذا كان موقفنا متماسكاً وقوياً وحكيماً، فربما نستطيع أن نتجنب بعض المخاطر التي ستأتي قطعاً نتيجة إعادة فتح ملف العملية السياسية مرة أخرى، وهنا الوضع مقلق بعض الشيء، لأن الوضع الداخلي الفلسطيني وطريقة إدارة العمل السياسي والملفات السياسية المختلفة غير مطمئنة وتدعو إلى القلق بعض الشيء، وبالتالي هذه مناسبة لدعوة القيادة الفلسطينية للتماسك والوحدة والثقة بالنفس وبالجمهور الفلسطيني، وانتهاج مقاربات حكيمة وذكية في التعامل مع هذا المتغيّر الجديد لأنه في غاية الأهمية". المصالحة والانتخابات لكن ماذا عن مصير المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية، إجراء الانتخابات؟. عن ذلك يجيب الخطيب:" الذين كان لديهم وهم في الشهور الأخيرة بإمكانية تحقيق المصالحة وإجراء الانتخابات سوف يربطون عدم إجرائها وعدم تحقيق المصالحة بهذا التطور في الولايات المتحدة، لكن في حقيقة الأمر، وفي تقديري أننا لم نكن قريبين لا من الانتخابات ولا من المصالحة بغضّ النظر عما جرى وما كان سيجري في الولايات المتحدة من انتخابات، لأن إمكانية المصالحة ضعيفة ومحدودة لأسباب ذاتية، إضافة إلى أسباب خارجية إقليمية تتعلق بتأثير قوى إقليمية على طرفي الصراع، ولذلك لا أعتقد بأن نتائج الانتخابات الأميركية سيكون لها أثر على الملف الداخلي، أما الملفات الخارجية فهي لا تبشر بالخير لأسباب داخلية وليس لأسباب تتعلق بالولايات المتحدة". التطبيع العربي مع إسرائيل وفيما يختص بموجة التطبيع الأخيرة بين إسرائيل والأقطار العربية، وكيف ستؤثر عليها نتائج الانتخابات الأخيرة، قال د. الخطيب:" الملف الثاني الشرق أوسطي الذي سيطرأ فيه تغيير على سياسة الولايات المتحدة هو الخليج، لأن الإدارة الديمقراطية لديها مقاربة مختلفة لأسلوب التعامل مع الملف الإيراني، وهذا سيعكس نفسه على علاقة الولايات المتحدة بالتوتر الخليجي. وفي تقديري أن جزءً من التغيير الذي حدث هو أن الإدارة الجديدة للولايات المتحدة لن تكون متحمسة بنفس القدر لموضوع التطبيع. صحيح أنها ستؤيد التطبيع، ولكن لن تكون هي العامل الضاغط من أجل التطبيع كما كان الأمر عليه سابقا، لذلك أتوقع أن تخف حدة التطبيع، وهذه الموجة ستتوقف خصوصاً، لأنّ الدولة التالية التي كانت تسعى الولايات المتحدة لجرّها للتطبيع كانت مترددة جداً وتخشى من تأثيرات ذلك على مكانتها في المنطقة – أقصد السعودية -، وبالتالي تراجع الضغط الأميركي باتجاه التطبيع سيكون مريحاً وملائماً للعربية السعودية التي لم تكن متحمسة أصلاً لهذه الخطوات لأسباب تتعلق بمكانتها كدولة تسعى لاستمرار زعامتها للعالم الإسلامي. صفقة القرن والضمّ من أهم المفارقات الإيجابية لنتائج الانتخابات الأميركية هو أن حملة بايدن أثناء الانتخابات كانت قد أعلنت بأنها لا تؤيد الضم، لأنه يضعف فرص حل الدولتين، كما كانت قد عرضت خطة صفقة القرن لأنها تضعف إمكانية حل الدولتين في المستقبل. وأريد أن ألفت الانتباه هنا، إلى أن هذه الانتخابات قسّمت الجالية اليهودية في الولايات المتحدة. ولكن دراسات استطلاعات الرأي الخاصة بالانتخابات التي جرت في الولايات المتحدة أشارت إلى أن ثلثي اليهود الأميركيين صوتوا لبايدن بالدرجة الأولى لأسباب تتعلق بالوضع الداخلي الأميركي، لأنهم يخشون من أجواء العنصرية التي شجعها ترمب، ولكن السبب الثاني هو أن هناك شعوراً بالقلق والقناعة لدى أكثرية الجالية اليهودية في الولايات المتحدة بأن سياسة نتنياهو وترمب ذاهبة في اتجاه إحكام السيطرة على كل الأراضي الفلسطينية بطريقة تغلق الطريق أمام حل الدولتين وتشكل خطراً على الطابع الديمقراطي والطابع اليهودي لدولة إسرائيل، وهو أمر مقلق بالنسبة للأكثرية الساحقة من اليهود الأميركيين الذين هم بطبيعتهم معنيون بإسرائيل ديمقراطية وإسرائيل يهودية أكثر مما هم معنيون من ضمّ المناطق الفلسطينية المحتلة. إدارة بايدن القادمة وعلاقتها بالفلسطينيين يقول الخطيب:" سنشهد عودة إلى ما يشبه السياسات الأميركية التي اعتدنا عليها قبل ترمب، وهي ليست سياسات منصفة أو صديقة للشعب الفلسطيني، بل هي سياسات منحازة ومؤذية لمصالحنا كشعب فلسطيني، وتحابي إسرائيل، ولكن بدرجة أقل من مغالاة إدارة ترمب في الانحياز لإسرائيل وفي الإضرار بمصالح الشعب الفلسطيني.
في تحليله لنتائج الانتخابات الأميركية وانعكاساتها المحتملة على الفلسطينيين والإسرائيليين، قال خليل شاهين الباحث المحلل السياسي والإعلامي:" ترافق صعود الترمبية مع تحولات على المستوى العالمي أيضاً يتعلق بصعود الشعبوية اليمينية في العديد من بلدان العالم، حيث شكّل فوز ترمب في تلك المرحلة دافعاً قوياً لتنامي الشعبوية وتلاقيها مع شعبوية متصاعدة في إسرائيل يمثلها بشكل واضح رئيس الوزراء الإٍسرائيلي بنيامين نتنياهو واليمين المتطرف في إسرائيل، وهذا الأمر ألحق ضرراً بالغاً بالقضية الفلسطينية وبحقوق الشعب الفلسطيني، وخصوصاً أن شعبوية ترمب التقت مع أكثر الاتجاهات يمنية وتطرفاً بالمعسكر الديني والأيديولوجي في داخل إسرائيل وتبنيه مجمل الرواية الصهيونية. تحولات في خسارة ترمب يرى شاهين، من ناحية أخرى، أنه "ليس من المؤكد أن خسارة ترمب يمكن أن تشكّل محطة في تحول آخر، أي بتراجع الشعبوية سواء في الولايات المتحدة أو على المستوى العالمي، ولكن بالتأكيد سيكون لها امتدادات حتى خارج أميركا، وخصوصاً في بعض الدول التي تغذت فيها الشعبوية في صعودها على شعبوية ترمب ذاته. لذلك أعتقد أن هذا مؤشر بحاجة إلى مزيد من الوقت لنفحص ما إذا كان فوز بايدن في الانتخابات سيشكل تحولات فيما يتعلق بتراجع الشعبوية اليمينية بما في ذلك الأمر الجوهري الذي يمس حقوق الشعب الفلسطيني، وهو إنكار التيارات الشعبوية للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وقرارات الأمم المتحدة باعتبارها أصلاً اتجاهات مناهضة لحقوق الإنسان، وهذا الأمر يعني أن وجود تيار في الحكم في الولايات المتحدة قد يعيد الاعتبار قليلا لكيفية تعامل الإدارة الأميركية الجديدة مع القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وكذلك تعاملها مع الأمم المتحدة ووكالاتها، وبعض المؤشرات على هذا الأمر ظهرت في تصريحات بايدن عندما قال على سبيل المثال بأنه لن يتخذ موقفاً حاداً وعدائيّاً من وكالة الغوث، وبأنه سوف يعيد الدعم الأميركي لموازنة الأونروا، وهو أمر يشكل في نظر كثيرين مؤشراً على كيفية تعامل الديمقراطيين مع المؤسسات الدولية، وهذا الأمر ينطبق على بعض المحافل الدولية مثل الموقف من مجلس حقوق الإنسان الذي انسحبت منه الولايات المتحدة انسجاماً مع الموقف الإسرائيلي، واتخذت عدة مواقف عدائية تماماً من القرارات التي تتخذ في مجلس حقوق الإنسان فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني، وهذا الأمر قد يمتد لنشهد تحولات في اليونيسكو وغيرها، وربما تشكل هذه السياسات إذا ما تم اعتمادها تحوّلاً في طريقة تعامل إدارة ترمب الذي شن حرباً على حقوق الشعب الفلسطيني في مختلف المنتديات والمحافل الدولية. القيادة الفلسطينية والعلاقة مع إدارة بايدن يرى شاهين، ضرورة التريث لمعرفة طبيعة العلاقة التي ستربط القيادة الفلسطينية، مع إدارة وبايدن، ويقول: "أعتقد أننا بحاجة إلى مزيد من الوقت لكي نفحص كيفية السياسات التي ستعتمدها إدارة الرئيس الأميركي الجديد بايدن فيما يتعلق بالسياسة الخارجية في قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بما في ذلك علاقة التطبيع بين إسرائيل وبعض الأٌقطار العربية، أو المسار الإقليمي الذي اعتمده ترمب إزاء جهود حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. فجزء كبير من السياسة الفلسطينية سوف يتوقف على سلوك وسياسة الإدارة الأميركية الجديدة. ولذلك أعتقد أن المطلوب ليس المباشرة بتقديم المزيد من التنازلات أو الأوراق التي تسعى من خلالها القيادة إلى استرضاء وكسب رضا إدارة بايدن، وهذا يعني أننا بحاجة إلى تغيّر ما حتى تنضج سياسة الإدارة الجديدة في عدد من المفاصل المهمة، من ذلك الموقف من مضامين صفقة القرن وليس صفقة القرن ذاتها. فالصفقة ستزاح كإطار كان مفتوحاً لتسوية إملائية على الفلسطينيين وهي لم تعد قائمة، لكن هناك مضامين بالصفقة كان يجري العمل على تنفيذها، تتعلق بالضم الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وبالموقف من اللاجئين، ومن طبيعة الدولة الفلسطينية وصلاحياتها ومستوى سيادتها، وتتعلق أيضاً بالاستيطان وهذه مفاصل مهمة، وإذا ما كانت الإدارة الجديدة سوف تتبنى السياسات السابقة لإدارة أوباما على سبيل المثال. نحن نستطيع أن نستنتج – خاصة وأن هناك مؤشرات في تصريحات سابقة لباديدن – بأنها ستتخذ موقفاً مناهضاً لتوسع الاستيطان، ولكنه لا يصل إلى مستوى اتخاذ إجراءات تعكس الاتجاه السابق في تعميق الاستيطان. ولكن أيضاً هذا الموقف يتطلب أن ننتظر، ونحن لا نعرف كيف ستتصرف إسرائيل ونتنياهو في موضوع الضم قبل أن يرحل ترمب من البيت الأبيض. بمعنى أن هناك مواقف إسرائيلية تدفع باتجاه خطوات إن لم يكن بالضم الشامل على الأٌقل بفرض القانون الإسرائيلي أو ما يسمى بفرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات في الضفة الغربية أو أجزاء واسعة من المستوطنات، أملاً بأن تكون الهدية الأخيرة والكبرى من ترمب قبل رحيله من البيت الأبيض. سوف نرى كيف يتعامل بايدن مع هذا الأمر. هل سيتعامل معه باعتباره أمرأ واقعاً ؟ أم أنه سوف يسعى إلى اتخاذ قرارات تنفيذية لاحقة لتشطب وتلغي القرارات التي يمكن أن يتخذها ترمب بهذا الخصوص. هذه مسائل مهمة لأنها ستؤثر على الموقف الداعم، وهو الموقف الآخر للقيادة الفلسطينية وإمكانية إطلاق عملية سياسية فلسطينية إسرائيلية. خيار حل الدولتين يعتقد شاهين أن اهتمام الإدارة الأميركية الجديدة فيما يتعلق بخيار حل الدولتين سوف يركز على الشعارات. يقول:" أنا أرجّح أن الإدارة الأميركية الجديدة سوف تهتم بشعار حل الدولتين، وليس في مضامين حل الدولتين كما كان عليه الحال في الإدارة السابقة، ولكنها سوف تكون معنية بإطلاق هذه العملية وتجديدها بين الفلسطينيين والإسرائيليين حتى لا تذهب باتجاه مزيد من المواجهة على الأرض خاصة إذا ما أقدم نتنياهو على مزيد من الخطوات التي تتعلق بتعميق الاستيطان والضم، لكن لن تكون هذه – كما تشير التقديرات – أولوية الإدارة الجديدة. هناك أولويات داخلية وخاصة تبعات انتشار فايروس كورونا، إضافة إلى القضايا الأخرى المتعلقة بالموقف من العلاقة مع الصين وأوروبا وقضايا عديدة أخرى من أبرزها المناخ التي وعد الديمقراطيون بأنهم سوف يتخذون إجراءات عملية عاجلة لمواجهتها، وهذا الأمر يعني بأن الإدارة الأميركية الجديدة ربما تتريث قبل أن تستأنف الجهود ما بين الفلسطينيين والإسرائيليين. لكن أنا أرجح بأنها سوف تكون معنية أكثر في إدارة الصراع وليس حله في ضوء الفجوات الواسعة في الموقفين والفلسطيني والإسرائيلي، وهذا الأمر يعني أننا قد نكون أمام شكل من المفاوضات التقليدية التي قام بها وزير الخارجية الأميركية السابق جون كيري ، أي التنقل المكوكي بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. الجانب الآخر، هو ما تعلق بجهود المصالحة الفلسطينية، فهناك جهود كانت تبذل لاستئناف الحوار الثنائي بين فتح وحماس واجتماع الأمناء العامين للفصائل، ومن ثم هناك على ما يبدو استعصاء في معالجة هذا الملف وجزء منه كان يتعلق بانتظار نتائج الانتخابات الأميركية. هل سيعود الديمقراطيون مرة أخرى لتبني سياسة تقوم على احتواء التيارات الإسلامية وخاصة التيارات الوسطية والنظم القائمة في منطقة الشرق الأوسط؟ هل سينطبق ذلك على حركة حماس، لأن الإدارات السابقة بما في ذلك إدارة أوباما كانت تتبنى هذا الأمر، ولكنها عندما يتعلق الأمر بالموضوع الفلسطيني - الفلسطيني وبسبب الموقف الإسرائيلي كانت تضغط باستمرار من أجل إبقاء شروط اللجنة الرباعية التي كانت تفرض شروطاً على مشاركة حماس في النظام السياسي الفلسطيني. هذا الأمر مهم من زاوية أن إطلاق عملية سياسية على الأٌقل من وجهة نظر الرئيس الفلسطيني يتطلب أن يظهر باعتباره يحظى بشرعية سياسية أو تفاوضية إن جاز التعبير، وإذا ما كان سيطلق عملية سياسية، فإنه سيحتاج إلى تجديد شرعيته كرئيس انتهت ولايته منذ فترة، وإعادة الاعتبار للمجلس التشريعي بما يمكنه من خوض عملية سياسية مع إسرائيل مدعوم بتوافق على شرعيته. أنا أعتقد أن هذا الأمر يحتاج إلى وقت أيضاً لنرى كيف ستتعامل الإدارة الجديدة لبايدن مع موضوع المصالحة الفلسطينية، أو بشكل آخر مشاركة حماس في نظام سياسي فلسطيني وانتخابات وقضايا ذات صلة. إزاء هذه الملفات، أنا أعتقد بأن القيادة الفلسطينية ربما تميل أكثر باتجاه استئناف العلاقة مع الولايات المتحدة، وهذا الأمر كان واضحا من رسالة التهنئة التي أرسلها الرئيس إلى بايدن، وفي جوهرها كان يعبر عن أمله باستئناف عملية السلام دون أن يحدد المرجعيات أو الاشتراطات. هي رسالة قصيرة، ولكنها تعكس أن الرئيس مهتم بعملية سياسية خلال الفترة القادمة، وهذا الأمر سوف تكون له تبعات، أي أننا سنشهد خلال الفترة القادمة إجراءات متبادلة بين الجانبين الفلسطيني والأميركي تبدأ باستئناف الاتصالات وربما تكون قد بدأت كما تشير بعض التقارير، وإعادة فتح مكتب المنظمة في واشنطن، وإرسال ممثل المنظمة لواشنطن، واتخاذ قرار بإعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، وكذلك استئناف الدعم للسلطة الفلسطينية، واستئناف المشاريع التي كانت تقوم بها الوكالة الأميركية في الأراضي الفلسطينية، بالإضافة إلى ما تعلق الأمر بوكالة الغوث الدولية لتشغيل اللاجئين الفلسطينيين. هذه قضايا كلها قد تكون سريعة خلافاً للتريث الأميركي فيما يتعلق بمسار السلام، وفي هذا المسار أعتقد بأنها تتعلق بإجراءات تنفيذية يستطيع الرئيس بايدن أن يتخذها، مثل أن يلغي قرارات سابقة لترمب مدعوماً بأغلبية موجودة حتى الآن على الأقل في الكونغرس، لذلك هو لا يحتاج قوانين جديدة، لكنه يستطيع اتخاذ إجراءات للقيام بذلك، والقوانين التي أقرت خلال فترة ترمب والتي تفرض قيوداً على دعم السلطة الفلسطينية يستطيع أيضا أن يتخذ قراراً بشأنها، وفي كل الأحوال هذا الأمر يعني بأننا سنكون أمام العودة إلى المربع الذي كان فيه هناك تواصل دبلوماسي وسياسي واقتصادي وأمني أيضاً مع الولايات المتحدة. لكن السؤال، كيف سينعكس هذا الأمر على العلاقة الفلسطينية الإسرائيلية أعتقد أن الإدارة الأميركية الجديدة ستكون معنية مقابل ذلك أن يعيد الفلسطينيون العلاقة مرة أخرى مع إسرائيل، وإن كان بشكل تدريجي، وبعض المحللين الإسرائيليين لا يتوقعون عودة سريعة للتنسيق الأمني والمدني، ولكنهم يعتقدون بأن هذا الأمر سوف يختلف عن الفترة السابقة، وسوف يترتب عليه مرة أخرى العودة لاستلام المقاصة، وربما العودة لأشكال من التنسيق الأمني والاقتصادي، أي أننا سنعود في نهاية المطاف إلى الوضع الذي كان قائماً قبل أربع سنوات.. وفي رأيي ان القيادة الفلسطينية سوف تنظر إلى الأمر إيجابياً، لأن الضغوط الاقتصادية والاجتماعية خاصة في ظل جائحة كورونا شكلت عامل ضغط على القرار السياسي ذاته، وجعلت القيادة الفلسطينية أمام مفترق طرق إذا واصلت تطبيق القرارات خاصة فيما يتعلق بالتحلل من الاتفاقات الموقعة، ومن العلاقة مع إسرائيل في ظل هذه الظروف الاقتصادية، فإن الأمور كان يمكن أن تتجه نحو انهيار وفوضى في ظل مخاوف ما كان يمكن أن يحدث من إعادة انتخاب ترمب وتفعيل العمل من أجل إيجاد قيادة فلسطينية بديلة، أو تشكيل السلطة بطريقة تتواءم مع تطويعها، وقبول ما هو قائم في صفقة القرن، وهذه الأمور سوف تؤثر على لقرار السياسي، بمعنى أن وجود معدلات من الانتعاش الاقتصادي وحل الأزمة المالية سوف يؤدي إلى تخفيف القيود على القرار السياسي الفلسطيني باتجاه توسيع مساحات المناورة في إطار العلاقة مع إسرائيل، ومع الإدارة الأميركية الجديدة، وتخفيف الاندفاع الذي شهدناه في فترة ترمب اتجاه المسار الإقليمي والتطبيعي.
وماذا عن انعكاسات نتائج الانتخابات الأميركية على إسرائيل وساحتها الحزبية، وتداعيات ذلك على العلاقة الفلسطينية الإسرائيلية...؟ عن ذلك، تجيب د. هنيدة غانم، مديرة المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية مدار:" إعلان النتائج تزامن مع إصدار "مدار" مؤخراً ورقة تقدير موقف استندت إلى تحليل لتطورات تلك الانتخابات وما تخللها من نتائج لاستطلاعات الرأي التي أجريت هنا وفي الولايات المتحدة. فلقد أجريت مؤخرا عدة استطلاعات رأي في إسرائيل، تناولت الفرق بين ترمب وبايدن، وقد أظهرت نتائج تلك الاستطلاعات بأن أكثر من 70 % من المستطلعين يؤيدون ترمب ويعتبرونه الصديق الأفضل لإسرائيل، وفي اعتقادنا أنه لو جرت الانتخابات في إسرائيل لربما فاز ترمب فيها فوزاً ساحقا. في مقابل ذلك أكد 20% من اليهود بالولايات المتحدة أنهم سيصوتون لترمب، وبالتالي فإن التداعيات الأولى المرتبطة بهذه الفجوة بين يهود أمريكا وإسرائيل أحدثت خللاً في العلاقة بين يهود أمريكا وإسرائيل، حيث تدعي الأخيرة بأنها تمثلهم، علماً بأن 5% فقط من يهود أمريكا يعتبرون أن إسرائيل هي قضيتهم الأساسية، وبالتالي فان هذه التغيرات التكتونية التي تحدث بالعمق ليس بالضرورة أن ترى نتائجها اليوم، لكن يمكن البناء عليها مستقبلاً من أجل التأثير على السياسة الامريكية تجاه إسرائيل . من ناحية أخرى، فإنّ هناك أموراً مرتبطة بالأمور الاستراتيجية، وهو أنّ أمريكا تتعامل مع إسرائيل كحليف استراتيجي، وعليه فالمسألة ليست متعلقة بأمزجة عابرة، وإنما هناك تحالفاً استراتيجياً قائماً، لكن هذه التغيرات التي ستحدث بالعمق ستؤثر مستقبلا على العلاقات بين الطرفين، وسينعكس ذلك على العلاقات الاستراتيجية التي لن تتغير بين عشية وضحاها، لكن يمكن القول أنّ مؤشر التغيّر بهذا الخصوص يشير إلى أن العلاقات الاستراتيجية لن تتأثر كثيرا، وستظل إسرائيل الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة في المنطقة، لكن العلاقات لن تكون كما كانت من قبل، وستتحول هذه العلاقة تدريجياً إلى موضوع نقاش في داخل الحزب الديمقراطي، وهذا تحول يقلق إسرائيل جدا وبصورة كبيرة . تأثيرات على الساحة الحزبية الإسرائيلية ترى د. غانم، أن الانتخابات الأميركية ستترك تأثيراتها على الساحة الحزبية في إسرائيل حيث تقول:" نعم سيكون لها تأثيرات هي بالأساس معنوية، بمعنى أن إمكانية أن تسقط نتنياهو قد تكون واردة، وأنه يمكن تحقيق ذلك، طالما أنه في أمريكا اتحد الجميع من أجل إسقاط ترمب ونجحوا في ذلك. فمن الناحية المعنوية يمكن أن يكون هذا داعماَ، ومن ناحية أخرى هذا يؤثر في أنه يتيح مساحه للمناورة أكثر باتجاه الأحزاب المعارضة لنتنياهو كي تعيد بناء نفسها .هناك اليوم تحالف (الزعران والبلطجة ) بين الترمبية والنتنياهوية والشعبوية الموجودة في أوروبا والهند والبرازيل، وهذا يمكن أن يكون له تأثير، وهذه الأمور قد تؤثر على الساحة الإسرائيلية، لكن الانعكاس الأخطر هو ان النجم الصاعد في الساحة السياسة الإسرائيلية هو نجم بينت بمعنى أن الصراع السياسي في إسرائيل لا يحدث بين يمين ويسار، وإنما بين التيارات التي هي أصلا يمينية حيث أن هناك انزياحاً كبيراً نحو اليمين، وبالتالي سيحاول نتنياهو أن يتجاوز الآن هذا اليمين الأكثر تطرفا، ووجود بينيت يعني أن دعايته التي سيستخدمها ستقوم على من سيكون أكثر تطرفاً ، فالموضوع الأساس الذي سيطرح في هذا التنافس بين نتنياهو وبينيت ليس موضوع الكورونا، وإنما هو موضوع الضم، بحيث سيتحول هذا الموضوع الى عنوان وجوهر الصراع الداخلي بين اليمين، وهذه المزايدة سيدفع ثمنها الشعب الفلسطيني. في حين أن مواجهة هذه الخطوات المتطرفة من قبل إسرائيل إزاء الفلسطينيين يتعلق بالكيفية التي ستتصرف على ضوئها الإدارة الامريكية الجديدة. توظيف الفلسطينيين لنتائج الانتخابات في هذا السياق، ترى د. غانم، أنّ " هناك الكثير من الطرق على صعيد استفادة الفلسطينيين من توظيف نتائج الانتخابات الأميركية في علاقتهم مع الإسرائيليين. تقول:" لقد أثبتت النتائج الامريكية، أنّ تلك الانتخابات جرت بين التيار الأبيض الاستعلائي وبين التيارات والجماعات الأخرى الموجودة مثل الأقليات، والسود، والنساء، وهذا يؤكد على ضرورة أن يعمل الفلسطينيون على مستوى القاعدة مع هذه التيارات والجماعات في أمريكا وأوروبا بشكل عام لأنّ المستقبل هناك في هذه العلاقة مع القاعدة الشعبية، وبالتالي لدينا الآن مساحة خصبة تماماً للعمل معها، وليس بالضرورة مع الأوساط الرسمية، لأن من يؤثر على هذه الأوساط قواعدها الشعبية، وهو ما أظهرته نتائج الانتخابات الأميركية التي دلّت على أنّ من دعم بايدن هم هذه الجماعات ولم يعد الحزب الديمقراطي الموجود كتلة بل هو عدة كتل متجمعة، وبالتالي فإنّ التواصل مع هذه الكتل يتطلب دبلوماسية فلسطينية ووضع خطط وعملاً منظماً، كما يحتاج إلى خطاب صحيح، لأننا أمام وضع خطير جدا في أمريكا، ولا نعلم كيف سيتطور، ويمكن أن ينزلق إلى اتجاه مرعب، ولكن إذا أخذنا بعين الأمور أنّ الأوضاع تسير بهذا الاتجاه، فنحن أمامنا مساحة خصبة للعمل الفلسطيني. مصير العملية السياسية من ناحية أخرى، ترى د. غانم أنّ ما صدر من تصريحات عن زعيم حزب كحلون لفان، والناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية، والتي تطالب بالعودة للمفاوضات الفلسطينية لا تعدو كونها حديث للاستهلاك الجماهيري. فعلى أي أساس سيعود الطرفان إلى المفاوضات؟ هل سيعودون لجرجرة الشعب الفلسطيني إلى عشرين سنة إضافية من مفاوضات ستفضي في النهاية إلى أن يعيش الفلسطينيون في جحر مثلاً أو في كنتونات كما هو الوضع حاليا؟ أم أنه سيكون لديهم أساساً جديداً، بينما الذهاب على نفس الوتيرة السابقة التي سيلعب نتنياهو فيها مع الفلسطينيين لعبة البيضة والحجر باعتبارها أفضل طريقة يقوم من خلالها بتصفية القضية الفلسطينية. فإذا كان الرهان على التغيرات في الساحة الإسرائيلية، فالفلسطينيون يراهنون على حصان خاسر، وبالتالي يجب أن يكون البناء الجديد لأية مفاوضات من خلال تبني استراتيجية جديدة لأسس هذه المفاوضات، بالإضافة إلى أن يسارع الفلسطينيون إلى ترتيب بيتهم الداخلي، وترتيب أوضاع المؤسسات الفلسطينية والنظام الفلسطيني، عدا ذلك فكل ما يجري الحديث عنه هو مجرد كلام فارغ. انعكاسات محلية وعالمية من ناحية أخرى، ترى د. غانم، أن نتائج الانتخابات الأميركية انعكست على مجمل الأوضاع في العالم وليس فقط على إسرائيل والفلسطينيين، لكن فيما يتعلق بالجزئية الفلسطينية في الداخل وعلاقتها بالمؤسسة الحاكمة في إسرائيل، فلها تحليل خاص بها. تضيف:" أنا ممن يقولون بأن هناك فرقاً كبيراً بين الحكم عليك بالإعدام والحكم عليك بالمؤبد، فالحكم بالإعدام يعني أنك انتهيت، وهذا ما كان يحاول أن يفعله ترمب بالحكم على المسألة الفلسطينية بالإعدام الفلسطينية. حاليا نحن موجودون تحت الحكم المؤبد مع الاحتلال، لكننا تملك الوقت لكي نعيد بناء أنفسنا ولدينا مساحة من المناورة، لكن كيف يمكنك أن تستخدمها. بالطبع هذا سيؤثر على فلسطينيي الداخل، علماً بأن هذه التغيرات التي أفرزتها نتائج الانتخابات الامريكية ووصول الديمقراطيين إلى الحكم هي تغيّرات بعيدة المدى. فعلى مستوى قضية اللاجئين مجرد إعادة دعم الأونروا وإعادة دور أمريكا في اتفاقيات المناخ التي انسحبت منها في عهد ترمب هذا كله يؤثر، لكن التأثير ليس وشيكاً، واذا لم يأت من قبلنا فلن نشعر به. نحن من يجب أن نغير أدوات المناورة واللعب، وليس أن ننتظر ماذا سيحدث في أمريكا. ما حدث مع ترمب يجب أن يكون درساً كبيراً لنا، مفاده أنه يجب أن نبني نحن أنفسنا، وأن تكون لدينا قوة داخلية والتي هي عمقنا الاستراتيجي الأساس. التطبيع العربي وفيما يتعلق بموجة التطبيع العربي مع إسرائيل وما ألحقته من أذى بالفلسطينيين، تقول د. غانم:" ما حدث هو أنّه كان لديك عمق عربي كنت تراهن عليه، لكن هذا العمق العربي تم تسطيحه الآن، وبالتالي أنت كفلسطيني خسرته، وهناك خسارة كبيرة على هذا الصعيد وقلباً للمعادلة التي كانت تقول دائماً أن لا سلام الاّ مع الفلسطينيين أولا ثم يتبعه السلام مع العرب، وما يحدث الآن يضيف ضعفاً إلى ضعف الفلسطينيين، ولن يساهم هذا التطبيع في تقوية الموقف الفلسطيني، بل ستكون له آثار خطيرة جداً، ناهيك عن أنّ الإمارات مثلاَ لا تطبّع مع إسرائيل الرسمية، ولكنها تطبّع مع المستوطنين، بمعنى أنها تجاوزت حتى الخطوط الحمراء التي وضعها الاتحاد الأوروبي. وبالتالي فأنت لديك مشهد مربك جديد لأن البناء على العلاقة مع الأنظمة هو مراهنة على حصار خاسر، وكان أولى أن يكون رهانك على الشعوب، وما حدث مع الإمارات والبحرين والسودان هو دليل على ذلك، علما بأنّ هذه الدول ليست دولاً بالمعنى المعروف، بل هي حالات جنينية قبلية.
×
مرجعيات مقدسية لـ 'مفتاح': استغلال جائحة كورونا يكرس سياسة الاحتلال العنصرية تجاه المقدسيين
رام الله – 23/9/2020 – اتهمت المرجعيات المقدسية الاحتلال الإسرائيلي بتطبيق سياسات عنصرية بحق المقدسيين من خلال الإجراءات الوقائية المتخذة لمكافحة فيروس كورونا، وتوظيف هذه الإجراءات بما يخدم مصالح الاحتلال في المدينة. وأشارت المرجعيات خلال لقاءات حوارية ضمن زاوية "في ضيافة مفتاح" إلى أن أي قرار تتخذه حكومة الاحتلال يكون له انعكاسات سلبية على المجتمع الفلسطيني، وهذا ما يمكن ملاحظته من خلال انتشار وحدات الشرطة والجيش في كل شوارع المدينة، دون القيام بأي وظيفة إرشادية أو توعوية بمخاطر انتشار الفيروس، ما يفيد بأن الاحتلال يتعامل مع المقدسيين كمواطنين من الدرجة الثالثة، وينعكس بالضرورة على طبيعة الخدمات الصحية والاجتماعية المقدمة لهم بالإضافة إلى المحاكم والتعليم.
قال حاتم عبد القادر وزير القدس الأسبق والقيادي في حركة فتح: "أي قرار تتخذه الحكومة الإسرائيلية على الصعيد العام له انعكاسات سلبية على المجتمع الفلسطيني في القدس المحتلة. فمثلا حين تصدر الحكومة قراراً يتعلق بالصحة، تحاول إظهاره على أنه للمصلحة العامة، إلا أن هذا القرار يكون له انعكاسات سلبية على المقدسيين؛ فقد وظفت الحكومة إجراءاتها الوقائية العنصرية لشل الحركة الاقتصادية في البلدة القديمة من القدس، ومنع المصلين من دخول الأقصى، بينما واصلت السماح لمستوطنيها المتطرفين باقتحامه يومياً، دون التقيد بإجراءات السلامة العامة". وأشار عبد القادر أنه في الوقت الذي تكثف فيه شرطة الاحتلال حملات فرض المخالفات والغرامات المالية على من تصفهم بالمخالفين في القدس الشرقية بحجة عدم ارتداء الكمامات أو عدم وضعها في أماكنها المحددة وتحرر مئات المخالفات اليومية، نجد شرطة الاحتلال لا تحرك ساكناً في ملاحقة المخالفين في القدس الغربية حيث الحركة التجارية تسير كالمعتاد إلى حد ما، دون أن يتعرض الإسرائيليون هناك للمساءلة أو الملاحقة أو فرض المخالفات المالية عليهم. وأكد عبد القادر أن المقدسيين يمارس عليهم المزيد من الضغوطات بشكل يخلق بيئة طاردة لهم، خاصة بالنسبة لمئات العائلات المقدسية التي يكون أحد أفرادها من حملة بطاقة هوية الضفة الغربية، حيث جمدت سلطات الاحتلال ضمن إجراءاتها الوقائية الحالية منح تصاريح الدخول والإقامة لهؤلاء، متذرعة بفيروس كورونا وإجراءات الوقاية.
أكد المحلل السياسي والاعلامي المقدسي راسم عبيدات من خلال رصده اليومي لإجراءات الاحتلال المطبقة في القدس وجود بعد عنصري في قضية التعاطي مع المقدسيين بما يتعلق بانتشار جائحة "كورونا"، ويكمن ذلك في انتشار وحدات الشرطة والجيش الإسرائيلي في كل زقاق وزاوية وشارع وحي وحارة في مدينة القدس، دون القيام بوظيفة الإرشاد والتوعية بمخاطر انتشار الفيروس أو التحذير والتنبيه من مخاطر عدم التقيد بإجراءات الأمان والسلامة والتباعد الاجتماعي، بل تعمل الشرطة على تصيّد من لا يضع كمامة أو لا يضعها بالشكل الصحيح من الفلسطينيين المقدسيين لتقوم بمخالفته بمبلغ 500 شيكل. في حين تعامل شرطة الاحتلال مع غير الملتزمين بوضع الكمامة او اتخاذ وسائل الوقاية والحماية من اليهود يقتصر على تحذيرهم بأن عليهم وضع الكمامة لضمان الوقاية والسلامة من انتشار الجائحة. وأشار عبيدات إلى أن اختلاف العقوبات بناءً على المنطقة يظهر جلياً في كيفية التعامل داخل بؤر الاحتكاك المباشر بين الفلسطينيين واليهود المتدينين "الحريديم" مثل أحياء "مئة شعاريم"؛ ففي حين لا يلتزم المتدينون اليهود بالحد الأدنى من التعليمات المتعلقة بمكافحة كورونا مثل الكمامة، ويستمرون بالذهاب للكنس وإقامة الأفراح وبيوت العزاء، يتم اتخاذ عقوبات تحذيرية ووقائية فقط بحقهم، أما على الجانب الآخر فتداهم شرطة الاحتلال الأفراح وبيوت العزاء للفلسطينيين وتقوم بتحرير مخالفات للعريس والعروس أو ذويهما بمبلغ 5000 شيكل وللمدعوين 500 شيكل. وأكد عبيدات أن مواقع التمييز تصل إلى صرف التعويضات للمتضررين من جائحة كورونا بين ما يتم صرفه للمواطنين العرب من مؤسسة التأمين "الوطني" الإسرائيلية، أو من قبل أرباب العمل في مختلف القطاعات.
قال الناشط السياسي والمختص في الشؤون الإسرائيلية إسماعيل مسلماني أن سياسات التمييز العنصري لم تتوقف منذ عام 1967 وصولاً إلى الطرد "الناعم" خارج جدار الفصل العنصري، وأضاف مسلماني "تتعامل اسرائيل معنا على أننا مواطنون من الدرجة الثالثة، ومن أبرز أشكال التمييز ما نلمسه في الخدمات الصحية والاجتماعية اوالمحاكم والتعليم بشكل واضح. وخلال العام والنصف الأخير حاول الاحتلال ومن خلال أعضاء كنيست وبعض الوزراء عزل المقدسيين وحرمانهم من التوجه إلى المستشفيات مستخفين بحياتهم وبحقهم في الحصول على العلاج، ولم يتم التوجه لإجراء فحوصات الفيروس إلا مؤخراً بعد تدخل الأعضاء العرب في الكنيست، بالإضافة إلى ملاحقة النشطاء المقدسيين الذين تطوعوا لخدمة مواطنيهم. وأشار مسلماني إلى أن التمييز العنصري تجاوز العناية الصحية وتقديم الإرشادات وصولاً لبعض الهيئات الخدماتية مثل شركة "بيزك" للاتصالات التي منحت فلسطينيي القدس خدمة انترنت تراوحت بين 25-100 ميغا، بينما منحت الإسرائيليين بالمقابل 1000 ميغا، ما شكل عائقاً أمام الطلبة المقدسيين الذين توجهوا بالضرورة للتعليم عن بعد خلال الجائحة.
أشار المحامي مدحت ديبة لضيافة مفتاح إلى الممارسات المختلفة للاحتلال في القدس المحتلة، وقال ان إسرائيل "لا تدخر جهداً من أجل استثمار واستغلال جائحة الكورونا حتى تمرر وتطبق سياستها العنصرية ضد الفلسطينيين. فهدفها الأول من فرض الاغلاق هو عزل المدينة المقدسة وإفراغها من زوارها العرب وتركها لرعاع المستوطنين. فعلى سبيل المثال حين استعدت دائرة الأوقاف الإسلامية لإغلاق المسجد الأقصى في وجه المسلمين بسبب جائحة كورونا، رفضت شرطة الاحتلال إغلاق باب المغاربة في وجه المقتحمين اليهود بينما شددت الإغلاق على المناطق الفلسطينية وقامت خلاله بتحرير المخالفات بالجملة حيث تم تحرير مخالفات بما يقارب مليون و٨٠٠ ألف شيكل في أول أيام الإغلاق. وقال ديبة "أن تشديد الاغلاق واستغلال الجائحة وصل إلى دخول مفتشي وزارة الصحة لمكاتب المحامين ومنعهم من استقبال المراجعين". وأشار ديبة إلى استغلال الشرطة هذه الجائحة والإغلاق على منطقة مخيم شعفاط لتداهم مبنى مركز الشباب الاجتماعي والرياضي واللجنة الشعبية، واعتقال عدد من أعضائه، في محاولة منها لعرقلة افتتاح النادي الرياضي الأكبر في مدينة القدس، الذي قام أهل المخيم بتمويله ذاتياً، بعد أن قامت الأمم المتحدة ببناء المبنى.
وعلق مازن الجعبري مدير دائرة تنمية الشباب في القدس المحتلة على الإجراءات الوقائية في القدس المحتلة "لم يتوقع الفلسطينيون في القدس بأن ظهور جائحة كورونا سيؤدي إلى تردي أوضاعهم، وقيام الاحتلال بممارسة ضغط عنصري إضافي على معيشتهم وحياتهم. فمنذ قيام الحكومة الاسرائيلية في شهر آذار الماضي بفرض إجراءات الإغلاق لفترة طويلة على الحركة وفتح المحلات التجارية، أغلقت مئات المحلات في البلدة القديمة والتي تعتمد على السياحة بدون تقديم أي مساعدة". وأضاف الجعبري: "قدمت اسرائيل حزمة من المساعدات الاقتصادية الطارئة للإسرائيليين في حين لم يستفد منها التجار الفلسطينيون في القدس بفعل الإجراءات العنصرية ضدهم، ما حرم آلاف العائلات الفلسطينية من مصدر دخل ثابت لها وأدخلها في ضائقة الفقر والعوز والاعتماد على المساعدات الاجتماعية والإنسانية. " وأكد الجعبري أن الطامة الكبرى كانت عند انتشار المرض، فقد وجد الفلسطينيون في القدس أنفسهم محاصرين من جهلهم في التعامل مع الجائحة، وعدم قيام المحتل بتوفير المعلومات والوسائل لمواجهة الفيروس، خاصة فحص المصابين وتوفير الخدمات الصحية والتوعوية، وعندما بادر الفلسطينيون إلى فتح مقر للفحص والتعامل مع المرضى في سلوان، قامت قوات الاحتلال بإغلاقه ومصادرة التجهيزات الطبية واعتقال القائمين عليه. علما بأن اسرائيل لم تقم بفتح أماكن لفحص الفلسطينيين المصابين بكورونا في القدس الشرقية إلا عندما توجه مركز عدالة إلى محكمة العدل العليا، فتم في حينه فتح بعض مراكز الفحص الأولية هناك". وأشار ديبة أن القانون الدولي يحتم على الاحتلال، بحكم أنه القوة المسيطرة، القيام بدوره برعاية السكان تحت الاحتلال، وهذا ما تقوم إسرائيل بمخالفته، ما يشكل انتهاكاً لحقوق الإنسان خاصة في الرعاية الصحية وتقديم الخدمات الطبية والاجتماعية والاقتصادية، بالإضافة إلى التمييز الواضح في توزيع المساعدات الطبية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ما حول جائحة كورونا إلى ضائقة واضطهاد مضاعف يتعرض له الفلسطينيون خاصة مع الغرامات العالية ومحاصرة الفلسطينيين في أحيائهم واتهامهم الدائم بالتسبب في انتشار المرض.
وصف زياد الحموري مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية إجراءات الاحتلال الوقائية من كورونا في القدس بأنها انتقامية وذات طابع عنصري تستهدف حقوق المقدسيين عامة. أضاف في حديثه لـ "ضيافة مفتاح": " لقد تعامل الاحتلال بقسوة مع المقدسيين من خلال ما أعلنه من إجراءات طبقت بمكيالين؛ الأول اتسم باليد الناعمة حين تعلق الأمر بالإسرائيليين، والثاني لجأ إلى القبضة الحديدية في تطبيق الإجراءات على المقدسيين. وأشار الحموري أن الإجراءات المطبقة وقت تشديد الإغلاقات قد أصابت الحركة الاقتصادية بمختلف قطاعاتها بضربة شديدة، واصفاً الحركة الاقتصادية في القدس بأنها تعيش حالة موت، بينما الأمر لا يشابه ما تعيشه المدن الأخرى سواء في القطاع الغربي من القدس المحتلة أو مدن الداخل الفلسطيني عام 48، حيث تنشط إلى حد ما حركة التسوق والعمل، سواء في المطاعم أوالمحال التجارية. قال حموري "أن التمييز وصل قطاع السياحة أيضاً، ويظهر هذا جلياً بين ما هو قائم في القدس الشرقية والمناطق الأخرى، فهناك مليارات من الشواكل صرفت على القطاعات الاقتصادية المختلفة في إسرائيل، لم يحظ القطاع الاقتصادي الفلسطيني بشيء منها سواء ما تعلق بالمنح أو القروض والتسهيلات الضريبية وغيرها من امتيازات". وأشار الحموري إلى انعكاسات أخرى للإجراءات العنصرية التي مست حقوق العائلات المقدسية: "بدون جائحة كورونا، هناك على الدوام مشكلة تتعلق بجميع حقوق المقدسيين، ان كانت الحقوق الاجتماعية أو الاقتصادية أو الصحية، أو حق العائلات في لم شملها لتعيش تحت سقف واحد. وأضاف أن هدف إجراءات الاحتلال على هذا الصعيد هو ممارسة الضغط على المقدسيين وإرغامهم على ترك مدينتهم في إطار الصراع الديمغرافي المحتدم، والدليل على ذلك الحملات الأخيرة ضد الأزواج المقيمين في القدس وتهديد حقهم بالإقامة، وما ترتب على ذلك من حرمان لحقوقهم الصحية والاجتماعية والاقتصادية، في مقابل تعزيز الكثافة السكانية الاستيطانية في المدينة المقدسة".
يرى فؤاد أبو حامد عضو وحدة مكافحة كورونا في القدس ومدير مركز طبي بيت صفافا، أن جائحة كورونا في القدس مرتبطة بأبعاد سياسية تتعلق بطبيعة ما ينفذ من ممارسات وإجراءات. وقال أبو حامد أن "القضية برمتها مرتبطة بالسياسة، فعند الحديث عن جائحة كورونا فالمتضرر من المقدسيين بشكل مباشر هم أولئك الذين يواجهون مشاكل تتعلق ببطاقة الهوية ومكانتهم القانونية، فيحرمون في الواقع من تلقي الخدمات الصحية الكاملة على عكس من لا يواجهون أية مشاكل بالهوية أو بطلبات لم الشمل. وقال أبو حامد أن الأمر لا يقتصر على الخدمات الصحية، بل أن هناك أبعاد اقتصادية تتعلق بهذه العائلات حيث لا يمكنهم الاستفادة من الحوافز والمساعدات الاقتصادية التي تقدمها الحكومة والتي وزع منها في الآونة الأخيرة. من هنا، كان موضوع الوقاية والإجراءات المعلنة والمتبعة من المواضيع الحساسة التي تتطلب إجراءات حماية وعناية خاصة، وفرض إجراءات على الأرض ضد من لا يرتدي الكمامة، ومن ينظم الاجتماعات والتجمعات العامة، أو يقوم بزيارة المرضى في البيوت والتأكد من تواجد المعزولين في أماكن عزلهم، ومثل هذه الإجراءات لا تطبقها شرطة الاحتلال في الأحياء المقدسية باستثناء الحملات الواسعة التي يتخللها فرض الغرامات المالية العالية، بينما تعتبر حملات الإرشاد والتوعية ضد كورونا باللغة العربية للجمهور الفلسطيني المقدسي غير كافية بالمطلق".
×
زكريا عودة، منسق الائتلاف الأهلي لحقوق الفلسطينيين في القدس
ما نقدمه كمؤسسات قانونية وحقوقية لا يتعدى شراء وقت من محاكم الاحتلال 126 منشأة بينها 83 منزلاً تم هدمها منذ مطلع العام الحالي قال منسق الائتلاف الأهلي لحقوق الفلسطينيين في القدس المحتلة زكريا عودة في مقابلة أجرتها معه المبادرة الفلسطينية لتعميق الحوار العالمي والديمقراطية "مفتاح" أن سياسات الاحتلال تجاه حقوق المقدسيين الاجتماعية والصحية والاقتصادية، خاصة في موضوع السكن شهدت تصعيداً خطيراً خلال الفترة الماضية، في إشارة إلى الارتفاع الكبير في أعداد المنازل التي تم هدمها سواء عن طريق طواقم بلدية الاحتلال أو عن طريق الهدم الذاتي تحت التهديد. وأشار عودة إلى أن كل ما تقدمه المؤسسات القانونية والحقوقي في القدس لا يتعدى شراء وقت في محاكم الاحتلال بتأجيل الهدم والمصادرة والإخلاء، خاصة أن الهدم الذاتي يقع تحت طائلة الغرامة المالية العالية التي تصل إلى 90 ألف شيكل في حال هدمت بلدية الاحتلال العقار. نص الحوار ضمن زاوية "في ضيافة مفتاح" مع الأستاذ زكريا عودة: ** بماذا تفسرون التصعيد الأخير بسياسة هدم منازل المقدسيين، خاصة ما تعلّق منها بالهدم الذاتي؟ وفي أي سياق يأتي هذا التصعيد؟ *** الحديث عن هذه السياسة، خاصة حق المقدسيين بالسكن مرتبط بأمور أخرى، ومن المهم جداً الإشارة إليها كون عمليات الهدم التي شهدنا ارتفاعاً في وتيرتها مؤخراً مرتبطة بسياسة التخطيط الحضري أو المدني الذي تتبناه وتنفذه سلطات الاحتلال في القدس المحتلة. وهنا نشير إلى أنه بعد احتلال مدينة القدس اتخذت الحكومة الإسرائيلية قرارات هدفت إلى ضم المدينة كلياً، وأحد هذه القرارات هو توسيع حدود ما تسمى ببلدية القدس من 5.5 كم2 إبان العهد الأردني إلى 71 كم2 من خلال ضمّ أراض من القرى المحيطة بمدينة القدس، وقد ترسّم ذلك كله بقانون في الكنيست الإسرائيلي صدر عام 1980، والذي تم بموجبه الاعلان عن أنَ القدس "المدينة الموحدة" هي عاصمة إسرائيل، ما شكّل بالنسبة للاحتلال "أرضية قانونية" لعملية الضم تلك. وقد ارتبط بهذا الأمر سياسة مصادرة الأراضي، حيث بات الاحتلال يسيطر على 88% من أراضي الجزء الشرقي من القدس، وترك للفلسطينيين 12% من الأراضي لاستخدامات البناء سواء للسكن أو البناء التجاري، ما أثر بشكل كبير على عملية الحق في السكن، وإمكانية البناء والحصول على تراخيص، علماً بأن عملية المصادرة للأراضي تمت لصالح المستوطنات حيث يوجد الآن خمس عشرة مستوطنة أقيمت داخل ما يسمى حدود بلدية القدس، يقطنها حوالي 215 ألف مستوطن يشكلون ثلث عدد المستوطنين في الضفة الغربية. بالإضافة إلى ذلك، فإن سياسة التخطيط الحضري، اعتمدت على ثلاثة مخططات هي: المخطط ع م 30، والمخطط الإقليمي، ثم المخطط التفصيلي 2020 الذي انبثق عن المخطط الإقليمي، والذي أصبح لاحقاً مخطط 2030، ثم مخطط 2050. والواضح من هذه المخططات جميعها أن الهدف الدائم من سياسة التخطيط هذه هو زيادة السيطرة على الأراضي، ومضاعفة أعداد المستوطنات والمستوطنين في الجزء الشرقي من القدس في مقابل تقليل أعداد السكان المقدسيين، حيث لم تأخذ تلك المخططات بعين الاعتبار وجود الشعب الفلسطيني في القدس، وهو ما يظهر على ظروف البنية التحتية وأوضاع الطرقات في القدس وأحيائها التي ظلت تعاني من الإهمال وعدم السماح بالتطوير. ** كيف أثّر هذا الواقع على حق السكن للمقدسيين.. وما أبرز التحديات والمعيقات على هذا الصعيد؟ *** كان لذلك الواقع تأثير كبير على عملية السكن والحصول على تراخيص بناء، خاصة أن الاحتلال فرض قيوداً مشددة على رخص للبناء للمقدسيين، إلى درجة بات الحصول فيها على رخصة بناء يستغرق فترة زمنية تمتد احيانا من خمس إلى عشر سنوات، بالإضافة إلى تكاليف الحصول على رخصة، حيث دلت الدراسات على أن رسوم الحصول على رخصة بناء شقة سكنية بمساحة 100 متر مربع يصل في معدلاته إلى نحو 40 ألف دولار، وللمرء أن يتخيل حجم هذه التكاليف على من يتقدم بطلب للحصول على رخصة بناء، في وقت تعتبر فيه 78% من العائلات المقدسية تحت خط الفقر، وفق إحصائيات قامت بها مؤسسات إسرائيلية. ولا يقتصر الأمر على ما ذكر سابقاً، بل أن هناك مشكلة أخرى تتمثل في طلب بلدية الاحتلال من مقدم طلب الحصول على رخصة إحضار إثبات طابو أو إخراج قيد بملكية الأرض التي سيشيد عليها منزله، علماً بأن الطابو يشكل مشكلة تاريخية كبيرة للمقدسيين أيام الإمبراطورية العثمانية، ومن بعدها الاحتلال البريطاني، وكذلك الحال في العهد الأردني وصولاً إلى الاحتلال حيث لم يكن يمنح على مدى السنوات الماضية أية تسهيل لعملية تسجيل الأراضي باسم السكان، لأن تلك الأراضي كانت مسجلة كملكية جماعية، ومنذ العام 67 وعلى مدى 53 عاماً من الاحتلال لم يسمح الإسرائيليون بفتح باب تسجيل الأراضي في القدس، ما أدى إلى صعوبة الحصول على تراخيص، أضف الى ذلك تطبيق ما يسمى قانون املاك الغائبين، وبالتالي لم يكن هناك خيار آخر أمام المواطنين الذين تضاعفت أعداد عائلاتهم، ووجدوا أنفسهم مضطرين للبناء دون ترخيص، ما عرّضهم حسب القانون الإسرائيلي لمخاطر هدم منازلهم، ولذلك حين نتحدث عن الإحصائيات والمعطيات بشأن المنازل المهددة بالهدم في القدس لعدم حصول أصحابها على تراخيص يصل إلى 22 ألف منزل، أي أن ثلث سكان القدس يقطنون في منازل غير مرخصة، وبالتالي جميعها معرّضة للهدم. ** هل من معطيات وإحصائيات دقيقة عن عملية الهدم وتسارعها خلال السنوات الثلاث الماضية خاصة ما تعلق منها بالهدم الذاتي؟ *** من المهم، أن نذكر على هذا الصعيد، التصعيد الإسرائيلي الكبير على سياسة هدم منازل المقدسيين خلال السنوات الثلاث الماضية، وتحديداً في العام الحالي والعام الذي سبقه. فحسب ما توفر لدينا من إحصائيات سجل منذ مطلع العام الحالي وحتى العشرين من شهر آب من هذا العام هدم ما مجموعه 121 منشأة، منها 80 منزلاً، ومن بينها 57 منزلاً هدمت ذاتياً على أيدي أصحابها. وللأسف أصبح الهدم الذاتي ظاهرة كبيرة حيث تجبر العائلات على هدم بيوتها بأيديها، لأنها إن لم تفعل ذلك، وحسب قوانين الاحتلال يتم تدفيع صاحب المنزل تكاليف الهدم، والتي تشمل تكاليف الجرافات التي تتولى الهدم، ونفقات أفراد الشرطة والجيش الذين يوفرون الحماية لطواقم الهدم ويضربون حصاراً وطوقاً على موقع الهدم، والتي تصل ما بين 80 – 90 ألف شيكل، ولذا يختار المواطن هدم منزله بيديه، لأنه سيكلفه مبلغاً أقل بكثير قد لا يتجاوز الثلاثة آلاف شيكل. وتشير المعطيات التي لدينا، إلى أن العام 2019 سجل العدد الأكبر من هدم المنازل، بينها عدد كبير هدم ذاتياً. حيث تم هدم ما مجموعه 238 منشأة، من بينها 189 منزلاً، ومن بين هذه المنازل كان هناك 58 منزلا هدمت ذاتياً من قبل أصحابها، وبالتالي شكّل الهدم الذاتي ما نسبته 50% أو أكثر من مجمل عمليات الهدم. أما في العام الحالي، فقد وصل عدد المنازل التي هدمت حتى نهاية آب 2020 ما مجموعه 120 منزلاً، أي أنه لا زال ينتظرها شهور أربعة قد تشهد مزيداً من عمليات الهدم الذاتي والتي باتت شبه يومية. وهنا، لا بد أن نذكر أنه منذ العام 2004 ولغاية العام 2019 المنصرم تم هدم حوالي ألف منزل، وتهجير 3167 شخصاً، من بينهم 1704 أطفال، وبالتالي، فإن الأطفال والنساء هم ضحايا سياسة الهدم ، وضحايا سياسة التهجير وما تتركه من تأثير نفسي سيء على أصحاب المنزل، وهنا أذكر مثالاً على هذا التأثير ما حدث قبل أكثر من أسبوع يتعلق بعائلة أبو صبيح من سلوان والذي اضطر إلى هدم منزله بيديه كيف أن طفله خاطبه بقوله:" أنت الذي هدمت المنزل وليس اليهود". لقد شاهد هذا الطفل والده وعمه وهما يهدمان شقتيهما حتى لا يتكبدا رسوم الهدم. وبرأيي ما جرى ويجري من تطبيق لهذه السياسة إنما هو جزء من سياسة التهجير – الترانسفير الصامت، وهي استراتيجية الكيان الإسرائيلي منذ عام 48، طبقت آنذاك على شعبنا هناك، وتطبق اليوم في القدس والضفة الغربية، وتستهدف في محصلتها تغيير التركيبة السكانية والجغرافية لفلسطين بشكل كامل، ولمدينة القدس بشكل خاص، وإيجاد أغلبية يهودية مقابل أقلية عربية فلسطينية. ** كيف يخدم الهدم الذاتي الاحتلال ويجمّل صورته، وهل يعفيه هذا من مسؤوليته القانونية كمحتل؟ *** في الواقع، له أكثر من أثر نفسي واجتماعي على العائلة خاصة على النساء والأطفال، وعلى جميع سكان الحي المتضرر بشكل عام. فالهدم الذاتي يوفر جهداً على الاحتلال الذي عادة ما يتولى عمليات الهدم، لكن الأبعد من هذا هو أنه يعطي صورة وانطباعاً بأن من يهدم بيته وكأنه ارتكب خطأ، لأنه شيد بيته دون ترخيص، وبالتالي قام بالهدم، وعليه فهذا يخدم الاحتلال فيما لو أنه هو الذي تولى عملية الهدم، كما يعطي انطباعاً بأن هذا الاحتلال لم يقم بعملية الهدم. لكن هذا في القانون الدولي لا ينفي المسؤولية القانونية الدولية على الاحتلال، لأنه لم يعط ترخيصاً للبناء، ولا يسمح للناس بالبناء، بينما يدفعّهم تكاليف الهدم. ** ما مدى ارتباط سياسة الهدم سواء ما كان ذاتياً، أو منفّذاً من قبل الاحتلال بمخططات أخرى كالضم، والاستيطان، ونهب الأراضي؟ *** في رأيي، أن هدم المنازل وعدم منح تراخيص بناء لأصحابها، والقيود المفروضة على منح التراخيص، وصولاً إلى عمليات التهجير، إنما هي حلقة في سلسلة من الحلقات الهادفة لتنفيذ الترانسفير. فمصادرة الأراضي وبناء المستوطنات، هي إحدى الأهداف التي يعمل عليها الاحتلال دون توقف. وأهداف سياسة التخطيط العنصري هذه هدفها خدمة اليهودي الإسرائيلي وليس الفلسطيني، وهي لا تعكس احتياجات المقدسيين ولا تاخذها بعين الاعتبار. كما أن هناك سياسة سحب الإقامات من المقدسيين، وإغلاق مدينة القدس، وتقييد حرية الحركة. وبعد قرار وزارة الداخلية الإسرائيلية في العام 2002 بخصوص طلبات جمع شمل العائلات، تم تجميد النظر في الطلبات المقدمة إليها، وهذا يندرج في إطار التوجهات الاستراتيجية للاحتلال. وهناك إحصائية تتحدث عن حوالي 8000 طفل مقدسي لا يتمتعون بأي وضع قانوني أو صفة قانونية، ما يحرم هؤلاء من حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية والصحية، وبالتالي إذا هم لا يملكون إقامة وغير مسجلين في سجل النفوس في وزارة داخلية الاحتلال، فهم غير موجودين في نظر الاحتلال، وعليك أن تتخيل انعكاسات هذا الواقع الاجتماعية والاقتصادية والنفسية على ضحايا هذه السياسة. يضاف إلى ذلك سياسة سحب بطاقات الهوية الزرقاء من المقدسيين وتجريدهم من حقهم في الإقامة بمدينتهم. فمنذ العام 1967 ولغاية اليوم تمّ سحب إقامة حوالي 14650 من أًصحابها، وهي سياسة مستمرة وممنهجة. كما علينا أن لا ننسى أيضاً استهداف التعليم الفلسطيني في القدس، حيث أن هناك سياسة ممنهجة لاستهدافه منذ الأيام الأولى للاحتلال، وهناك تصعيد ومحاولة سيطرة على العملية التعليمية برمتها، وقد ازدادت حدة في العام 2011، يوم ان بدأوا بتحريف المناهج الفلسطينية ومحاربتها، ثم ساروا في العام 2015 خطوة متقدمة بتطبيقهم المنهاج الإسرائيلي المطبق في الداخل الفلسطيني عام 48، إدراكاً منهم بأن استهداف التعليم ومحاولة الاستحواذ عليه كأحد اهم الآليات لتعزيز الوطنية الفلسطينية، وبالتالي لم تتوقف محاولتهم للسيطرة على النظام التعليمي وتغيير المنهاج الفلسطيني وأسرلته في خطوة يمكن أن نصفها بأنها احتلال للعقل والتفكير لدى الإنسان الفلسطيني المقدسي. كذلك نشهد أيضاً استهدافاً لوجود المؤسسات الفلسطينية في القدس، حيث تم منذ العام 2000 ولغاية اليوم إغلاق 47 مؤسسة مقدسية بشكل كامل، بالإضافة إلى منع العشرات بل المئات من الأنشطة، بما في ذلك الأنشطة الثقافية والفنية، كان آخرها في شهر آب المنصرم من هذا العام حيث تم اقتحام مؤسستين ثقافيتين فنيتين هما مركز يبوس الثقافي، ومعهد إدوارد سعيد للموسيقى ومصادرة ما فيهما من أجهزة وملفات، فبالتالي هي سياسة تكمل بعضها، وتستهدف القدس والوجود الفلسطيني فيها. ** في حال رفضت طلبات الترخيص المقدمة من قبل المواطنين لدى بلدية الاحتلال، ما هي الإجراءات التي تتبعها سلطات الاحتلال بحقهم؟ وما مصير العائلات التي تفقد منازلها؟ *** كثير من الطلبات، في حالة البناء بدون ترخيص، يستغرق النظر فيها سنوات طويلة ثم ترفض ويتخلل ذلك فرض مخالفات مالية باهظة جدا بحق أصحابها. وحسب الاحصائيات المتوافرة لدينا، فإن معدل الرخص التي يتم إصدارها للمقدسيين في الجزء الشرقي من المدينة هو 100 رخصة سنوياً فقط بالرغم من الكثافة السكانية العالية لدى المقدسيين، وتضاعف أعدادهم طيلة سنوات الاحتلال. فبعد أن كان عدد السكان في القدس عشية احتلالها 67 ألف نسمة، هم اليوم أكثر من 375 ألفاً، ويشكلون ما نسبته حالياً من التعداد الإجمالي للسكان نحو 40% داخل ما يسمى بالحدود البلدية للمدينة. والشيء الوحيد الذي يقدم لهم هو الهدم وتشريد العائلات وحرمانها من الحق في السكن، بالإضافة إلى غياب الدعم المفترض أن يقدم لهذه العائلات من قبل الجهات الرسمية الفلسطينية، رغم الضائقة الشديدة التي تعانيها العائلات المتضررة جراء هذا الفقدان لمساكنها، وتردي أوضاعها الاقتصادية بعد أن كانت استنفدت كل مداخيلها لاستصدار رخصة بناء. أما من يهدمون منازلهم ذاتياً، وفي ظل غياب الدعم المقدم لهم، فقد بدأوا مؤخرا بتوجه جديد يقوم على رفض تنفيذ الهدم بأيديهم باعتبار هذه السياسة جريمة يقترفها الاحتلال وعليه تحمل مسؤولياته إزاءها، بالرغم من الضغوط الاقتصادية الشديدة التي تنشأ من قيام الاحتلال هو بتنفيذ عمليات الهدم، والتي تكبّد أصحاب المنازل رسوماً تتراوح ما بين 80 – 90 ألف شيكل. وبالرغم من بعض المبادرات والجهود الرسمية و السلطة الوطنيه الفلسطينية سواء وزارة القدس ومحافظة القدس، ومسؤول ملف القدس، إلا أن هذه الجهود غير كافية لدعم المتضررين، وبالتالي يمكن القول بأن هناك تقصيراً واضحاً من قبل الجهات الرسمية في دعم القدس وصمود أهلها إلى درجة بتّ تستشعر فيها بأن الحفاظ على القدس أصبح مجرد شعار لا ينعكس بشكل عملي على استراتيجيات وخطط وموارد تدعم المواطنين ووجودهم في مدينتهم. ** كيف ترى دور مؤسسات ومنظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية؟ وما الدور الذي يمكن أن تقوم به على صعيد المساعدة القانونية أو الضغط لوقف سياسة الهدم؟ *** هناك عدد من المؤسسات القانونية والحقوقية التي تقوم بمتابعة هذه الانتهاكات خاصة سياسة الهدم وما ينفذ من مخططات، والقيام بتوعية المواطنين حول إجراءات الاحتلال، وتقديم الدعم القانوني للمتضررين، لكن المشكلة في كل العملية، حيث يتم الدعم القانوني ضمن السقف الإسرائيلي. فالمحكمة إسرائيلية، والقوانين إسرائيلية، وكذلك القاضي والمدعي العام الإسرائيلي. وجدير الإشارة هنا إلى أنه جرى نقاش قديم بخصوص التوجه إلى هذه المحاكم في الأيام الأولى للاحتلال، وما إذا كان هذا التوجه صحيحاً ومفيداً وبشكل خاص إلى المحكمة العليا الإسرائيلية، مع إدراكنا بان ما يمكن أن نقدمه كمؤسسات قانونية وحقوقية لا يتعدى مجرد شراء وقت من محاكم الاحتلال بتاجيل الهدم والمصادرة، وتأجيل الإخلاء، فبدلا من هدم البيت في غضون سنة أو سنتين نؤجله إلى خمس أو عشر سنوات، ومثال ذلك قضية الشيخ جراح التي لا تزال في المحاكم منذ أربعين عاماً رغم إخلاء ثلاث عشرة عائلة، وكذلك الحال في قضية البستان حيث استطاع الدعم القانوني المحافظة على وجود المواطنين في منازلهم هناك، وبالتالي هناك خدمات قانونية، وهناك إنجازات قليلة جداً، لأن النظام القضائي والقانوني الإسرائيلي هو نظام غير موضوعي وموجّه سياسياً، وله أهداف سياسية لتحقيق غايات سياسية. أما الأمر الآخر الذي تقوم به هذه المؤسسات والمنظمات، فهو المناصرة والضغط، حيث تعمل بشكل كبير مع المرجعيات الدولية، ومع هيئة الأمم المتحدة، ومؤسسات حقوق الإنسان، ونقدم لها التقارير ونشارك في المؤتمرات بتقارير عن سياسة الهدم، كما نعمل مع الاتحاد الأوروبي وحكومات الدول المختلفة، والبعثات الدبلوماسية الدولية والمؤسسات الدولية في فلسطين وفي مدينة القدس، وبالتالي عملية الضغط القانوني الدولي مهم جداً، لأن مشكلتنا في النهاية سياسية، وحلها سياسي، وهو إنهاء الاحتلال. ولكن بالرغم من كل ما يحدث، فإن المجتمع الدولي سواء دول الاتحاد الأوروبي، أو باقي دول العالم لم تتحمل مسؤوليتها بالشكل اللازم والمطلوب، وهناك تقصير من المجتمع الدولي نتيجة للضغط الإسرائيلي وسياسات الاحتلال. ** كيف أثّر قانون القومية العنصري على الزيادة المضطردة في أعداد المنازل المهددة بالهدم، وكذلك قرار الإدارة الأميركية، فيما يتعلق بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل؟ *** سواء قرار القومية، أو سياسة الإدارة الأميركية الحالية منذ العام 2017، تركا تأثيراً واضحاً على هذا الصعيد. فقانون القومية في بند أهدافه يؤكد على أن القدس موحدة بأغلبية يهودية هي عاصمة الكيان الإسرائيلي، وهي عاصمة الدولة اليهودية، وبالتالي هو قانون أكد على سياسة الضمّ والسيطرة الإسرائيليتين، كما أعطى الحق واعترف بحق تقرير المصير للشعب اليهودي، ولم يعترف ولم يقر، ولن يعترف بحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره. كما اعتبر الاستيطان قيمة أخلاقية، وجميع هذه البنود عززت من سياسة الاحتلال في السيطرة والضم وفي البناء الاستيطاني ارتباطا بعمليات الهدم، بالإضافة إلى سياسة إدارة ترامب، حيث اعترفت الإدارة الأميركية بأن القدس موحدة هي عاصمة إسرائيل، واتخذت قراراً بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، كما أوقفت دعمها للأونروا، ودعم مستشفيات القدس، وإغلاق قنصليتها في القدس المحتلة، والتي كانت تاريخياً تمثل اعترافاً أميركياً بأن القدس محتلة، ما أعطى الضوء الأخضر للحكومة الإسرائيلية كي تمعن في التصعيد، وزيادة هدم المنازل وبناء الوحدات الاستيطانية. ** كيف ساهم جدار الفصل العنصري في تسريع وتيرة التهجير القسري للمقدسيين، وفي احتدام الصراع الديمغرافي؟ *** منذ قيام دولة الاحتلال في العام 48 والسياسة الديمغرافية هدفها الحفاظ على أغلبية يهودية، والاستمرار في تهجير الفلسطينيين من خلال تعزيز الاستيطان وتكثيفه، وتجريد الفلسطينيين خاصة المقدسيين من حقهم في الإقامة، وتقييد حرية حركة تنقلهم. وجزء من التحديات التي تواجهها مدينة القدس ومواطنيها هي ما يسمى بالمخطط الإسرائيلي المعروف ب"القدس الكبرى" حيث يعملون عليه منذ سنوات. وتشمل المخططات الإسرائيلية بهذا الشأن توسيع حدود المدينة لتضم من الجنوب تجمع مستوطنات غوش عتصيون، ونحن نتحدث هنا عن ثلاث عشرة مستوطنة، ومن الشرق مستوطنة معاليه أدوميم ومخطط E.1، لبناء حوالي 3600 وحدة استيطانية وفنادق ومراكز تجاريه وخدمات اخرى، جاري العمل حالياً لبنائها حتى تربط معاليه أدوميم بمركز القدس، وبالتالي تفصل شمال الضفة عن جنوبها. ومن الشمال جفعات زئيف وكوخاف يعقوب. وحسب هذا المخطط وارتباطاً ببناء جدار الفصل العنصري، فقد قامت الحكومة الإسرائيلية بُعيْد التوقيع على أوسلو مباشرة بإغلاق مدينة القدس من خلال الحواجز العسكرية التي أٌقيمت على مداخل القدس كافة، ثم شرعوا في العام 2005 ببناء الجدار، حتى أصبحت القدس اليوم محاطة بهذا الجدار، وتم عزل ثلاثة تجمعات سكانية فلسطينية من الشمال كفر عقب، وسمير أميس، ومن الشرق مخيم شعفاط، عناتا، وضاحية السلام، ومن الجنوب الولجة، وبات حالياً خلف الجدار نحو 140 ألف نسمة، وهي تجمعات مهملة طيلة الوقت ولا تتمتع بأية خدمات أو ببنية تحتية، وهناك توجه لفصل تلك الاحياء عن مدينة القدس. في حين تم في العام 2018 وضع مشروع قرار للكنيست يشمل بندين الأول يتعلق بتغيير نسبة التصويت في الكنيست من أجل تغيير الوضع القائم في القدس، وحسب هذا القانون المعمول سابقا فإنها تحتاج الى نسبة 50% من اعضاء الكنيست لتستطيع تمرير أي قانون، لكنهم رفعوا النسبة حالياً إلى ثلثي عدد الأصوات من أجل أي تغيير محتمل لوضع مدينة القدس، وفي حال جرت أية مفاوضات حول القدس، يجب الحصول على ثلثيْ الأعضاء. أما البند الثاني، فهو تغيير حدود مدينة القدس التي أٌقرت عام 1980 في محاولة لتغيير هذا القانون ليصبح جدار الفصل العنصري هو حدود ما يسمى ببلدية الاحتلال في القدس، ما يعني عزل التجمعات الثلاث آنفة الذكر، وقد جرت عدة نقاشات حول الجهة التي ستدير هذه التجمعات سواء عبر مجالس محلية، أو أن تدار من قبل ما يسمى ب"الإدارة المدنية" التابعة لجيش الاحتلال، لكن المخطط يقضي بعزلها وإلغائها من حدود ما يسمى ببلدية القدس، وإذا تمت هذه العملية، فإننا سنصبح 20% من إجمالي عدد السكان في مدينة القدس بعد أن كنا 40%، وهذا هو المخطط الاستراتيجي الذي اقترحته لجة "غيفاني" للحكومة الإسرائيلية في سبعينيات القرن الماضي، حيث شكّلوا في حينه هذه الجنة وطلبوا منها وضع استراتيجية سكانية للقدس، وكانت توصياتها أن الفلسطينيين يجب أن لا يكونوا أكثر من 22% الى 24% من تعداد سكان القدس، وبالتالي هذا هو هدفهم الذي اشتغلوا عليه عشرات السنين من أجل تغييره، وهم ما يعملون عليه حاليا من خلال شبكة الأنفاق والشوارع التي تربط مركز المدينة وتجمع المستوطنات لتسهيل حركة الانتقال منها وإليها، وربطها ببلدية الاحتلال في القدس. ** على ضوء ما ذكرت من انعكاسات لسياسات الهدم خاصة على الأطفال والنساء. هل سنشهد في المرحلة القادمة زيادة في مستويات العنف الداخلي في الأسرة؟ *** بالتأكيد، هذه السياسات خاصة المتعلق منها بالسكن وهدم المنازل، يتأثر بها الأطفال والنساء أكثر من غيرهم. وحسب بعض الدراسات التي تؤكد على زيادة العنف في الأسرة، فإن زيادة الضغط على الرجال من قبل الاحتلال سيؤدي إلى زيادة العنف ضد النساء والأطفال، وقد أدى ذلك إلى ارتفاع نسب الطلاق خاصة بين الأزواج الشابة. فمشكلة السكن وعدم توفره لصعوبة الحصول على ترخيص بناء، بالإضافة إلى أجور السكن المرتفعة في القدس حالياً والتي تصل إلى ألف دولار شهريا يصعب توفيرها، يشكل عاملاً ضاغطاً اقتصادياً ونفسياً، يدفع بالازواج إلى السكن خارج جدار الفصل، وخارج الحدود البلدية المصطنعة للقدس ما يعرضهم لفقدان حقهم في الإقامة بموجب قانون ما يسمى ب"مركز الحياة"، وهناك الالاف من المقدسيين الذين فقدوا حق الإقامة لأنهم سكنوا في أحياء خارج الجدار، أو في مناطق مصنفة ضفة غربية سواء في رام الله أو بيت لحم، ما أثّر على حياتهم الاجتماعية، كما أثّر على النسيج الاجتماعي، والسلم الأهلي، وبتنا نسمع حالياً الكثير من الإشكاليات، ومن زيادة كبيرة في العنف لا يوليها الاحتلال أية أهمية، بل ربما يدفع إليها كما هو الحال في الداخل الفلسطيني عام 48، علماً بأن كثيراً من المشاكل التي تحدث هنا ذات علاقة وصلة بمشكلات الملكية والتنظيم. ** وماذا عن انعكاسات هذا الواقع على الشباب المقدسي تحديداً..؟ *** أحد المظاهر والإشكاليات الناتجة عن الأوضاع التي يعيشها المقدسيون تمسّ فئة الشباب. فقبل سنوات كان من الصعوبة على هؤلاء الحصول على قبول في الجامعة العبرية، أو الالتحاق بوظائف وأماكن عمل. لكن في السنوات الخمس الأخيرة لوحظ بعد اغتيال الطفل محمد أبو خضير، والهبّات والاحتجاجات التي شهدتها معظم الأحياء في مدينة القدس، وارتفاع وتيرة المقاومة بعد العدوان المستمر على قطاع غزة، صدمت القيادات الإسرائيلية مما يجري، وما اعتبرته خدمات قدمتها للمقدسيين على مدى سنوات الاحتلال لم تنجح في أسرلتهم، وبالتالي استهجنوا هذه الهبات التي قاد جميعها الشباب الذين عانوا من تراكمات ممارسات الاحتلال، وما ولدته من ضغط نفسي واجتماعي على الشباب تمثل في تقييد حركتهم وانعدام فرص العمل والتوظيف أمامهم، وبالتالي ارتفاع معدلات البطالة في صفوفهم، بالإضافة إلى استهداف التعليم، وانتشار المخدرات والآفات الاجتماعية الأخرى التي لا يعمل الاحتلال على لجمها. فلجأت مؤسسات الاحتلال الى استخدام استراتيجية " تحسين ظروف المعيشه" للمقدسين ورصدت الميزانيات بتلك الحجه والتي تهدف بجوهرها تعزيز الضم والسيطره على شرقي المدينة وتعزيز ما يسمى بالسيادة الاسرائيليه عليها، والعمل على دمج الشباب وربطه بالمجتمع الاسرائيلي بمختلف الوسائل والاساليب ومنها تسهيل عملية القبول في الجامعات الاسرائيليه. ومن هنا كانت إحدى التحديات الأساسية التي واجهتها مدينة القدس هو التناقض بين محاولة الشباب المقدسي الحفاظ على هويته وانتمائه لفلسطينيته، وبين طموحاته للعيش الكريم ، في وقت غاب فيه دور المرجعيات الوطنية سواء على صعيد الفصائل والأحزاب، أو على صعيد دور الجهات الرسمية الفلسطينية التي لم تحاول بشكل جدّي سدّ الفراغ من خلال توفير برامج ومشاريع، وأماكن ترفيه للشباب تعمل على تعزيز الهوية، وتوفير فرص عمل، وبالتالي بات كثيرون يتوجهون للمؤسسات الإسرائيلية، التي كثفت حضورها في معظم أحياء القدس من خلال المراكز الجماهيرية المرتبطة مع بلدية الاحتلال، والتي تعمل بموجب أجندتها، أو من خلال دوائر الشؤون الاجتماعية التي تعمل حاليا تحت مسميات التربية الخاصة ومواجهة وحل المشاكل النفسية والاجتماعية للشباب والأطفال، في مقابل تركيز الاحتلال استهدافه للمؤسسات الفلسطينية المحلية وإعاقة عملها وإغلاقها ومنع فتح مؤسسات بديلة، وهذا أخطر ما يواجهه الشعب الفلسطيني في القدس في هذه المرحلة.
×
وزير شؤون القدس فادي الهدمي لزاوية 'في ضيافة مفتاح': هكذا تعاملت وزارة القدس مع جائحة كورونا رغم معوقات الاحتلال
فيما يلي نص الحوار ضمن زاوية "في ضيافة مفتاح"، مع السيد فادي الهدمي وزير شؤون القدس، والذي استعرض من خلاله مجمل التطورات في المدينة المقدسة وآلية عمل الوزارة هناك، رغم المعوقات والتحديات الكثيرة التي جوبهت بها وزارته من قبل الاحتلال، سواء بالاعتقال، وملاحقة المبادرين الشباب، ومحاولة قيام مؤسسات الاحتلال بدور بديل عن الدور الي تقوم به المؤسسات الرسمية والشعبية في المدينة المقدسة: *** كيف تعاملتم في وزارة شؤون القدس مع المستجدات الطارئة عن جائحة كورونا ؟ وما الآلية التي تعاملتم بها مع احتياجات المواطنين المقدسيين؟ - وزارة القدس هي جزء من المنظومة الحكومية، وجزء من حالة الطوارئ التي أعلنت في فلسطين لمواجهة هذه الجائحة الخطيرة. ووزراتنا تعمل ضمن برنامج الطوارئ الذي يترأسه سيادة الرئيس ودولة رئيس الوزراء، ومنذ اللحظات الأولى كان لدينا تعليمات بأن نتعاطى مع هذه الأزمة ببعديها الصحي والاجتماعي ضمن الأجندة الحكومية، وعملنا هو عمل وثيق ومرتبط بعمل الحكومة فيما يخص عملية التعامل مع الحالة الطارئة ببعديها آنفي الذكر. وعندما أتحدث عن البعد الصحي فإنني أتحدث عن مستشفيات القدس، حيث نعلم بأن هناك محدودية لوزارة الصحة في التعامل مع المواطنين الفلسطينيين في القدس، ونعلم عندما أرسل الأطباء لإجراء الفحوصات وبعد تقاعس الاحتلال في سلوان تم إغلاق ومنع كل التدخلات التي كانت تقوم بها وزارة الصحة الفلسطينية. أما البعد الاجتماعي، فلا يخفى للقاصي والداني، حيث أثرت هذه الحالة على البعد الاقتصادي، وفي سياق هذه الأبعاد عملت وزارة القدس رغم كل التحديات التي واجهتها من قبل الاحتلال. *** هل لبّت الموازنة الموضة للقدس جميع الأبعاد باحتياجاتها المختلفة؟ أمم أنها كانت دون ذلك؟ - نحن عملنا كوزارة شؤون القدس في إطار موازنة الطوارئ التقشفية التي نتجت عن قرصنة الاحتلال لأموال الشعب الفلسطيني، ومع ذلك كان هنالك تأكيد واضح من دولة رئيس الوزراء بأن القدس هي أولوية الأولويات. وعندما نتحدث عن بعدين اجتماعي وصحي، فالقدس تكون حاضرة وبقوة. نعم هناك موازنة للقدس، ولكنها موازنة طواريء تطويرية، وموازنة تشغيلية، وهناك موازنة ليست بالعلنية فيما يتعلق بتدخل السلطة في القدس وكل المنظومة الرسمية التي تعمل في المدينة المقدسة تنضوي تحت موازنة شؤون القدس. رغم أن هنالك وضع مالي عصيب تمر به فلسطين ويمر به المال العام والخزينة العامة. نحن نعلم مدى الاقتطاعات الإسرائيلية ومدى المشكلة المالية التي نعاني منها، ولكن تبقى القدس حاضرة، وبقوة في هذا المجال. *** هل رصدت وزارتكم برامج خاصة للمرأة المقدسية..؟ وهل كانت حاضرة ضمن ما هو متاح من موازنة؟ - المرأة الفلسطينية هي جزء أصيل من مكونات شعبنا ومن اهتمامات وزارة القدس. وأنا في يوم المرأة كنت أقول وأعني ما أقوله، بأن المرأة الفلسطينية هي كل المجتمع. كيف لا وهي أم الشهيد، وأم الأسير، ناهيك عن أننا نتحدث عن المرأة في القدس، ودور المرأة الفلسطينية المقدسية عبر التاريخ وفي كثير من الشواهد وهي ضاربة في العمق منذ زمن طويل، نحن نستذكر هنا هند الحسيني، وزليخة الشهابي والقائمة تطول. وفي هذا السياق قمنا بتطوير خطة عنقود العاصمة التنموي، وكنا نركز فيه على مكونين أساسيين وبشكل متقاطع مع كل القطاعات: المرأة والشباب. *** كيف واجهتم الاحتلال وتعاطيه معكم وأنتم تواجهون جائحة كورونا..؟ - الاحتلال، وبعد نقل السفارة الأميركية وإعلان صفقة القرن أخذ ذخيرة مضاعفة لمحاربة كل ما هو فلسطيني، وبالتالي ما نعانيه في القدس هي حرب ممنهجة على كل ما هو فلسطيني عامل في المدينة المقدسة، سواء كان رسمياّ أو مؤسساتياّ، أو شعبياّ. فالكل محارب لأنه يعبر عن معركة السيادة على الهوية العربية الإسلامية والمسيحية في القدس. وهناك تضييقات جمّة، والاحتلال لا يريدنا في ظل أزمة كورونا أن نكون قريبين من خدمة مواطنينا في القدس، وفي ظل تقاعس الاحتلال والذي تقاعس بشكل عنصري وفاضح، أهمل مسؤولياته ولم يتعامل مع القدس الشرقية بأي مقوّم من مقومات الوقاية من الفايروس ، وتأخر في إجراء الفحوصات، وزاد تعنتاّ بأن كان لا يريد لنا نحن الفلسطينيين بجميع مستوياتنا أن نكون إلى جانب شعبنا في القدس، وهذا مخالف لكل الأعراف الإنسانية والقوانين الدولية كشعب أعزل يرزح تحت الاحتلال وفق القانون الدولي. الاحتلال لا يقدم ، ولا يريد لنا أن نقدم. هذه كانت المعضلة في حماية شعبنا، ولكن كل هذه السياسات لم تثننا ولن تثنينا قيد أنملة على المضيّ قدماّ في خدمة شعبنا في أحلك الظروف. *** تعرضتم أكثر من مرى للاعتقال، وحدث ذلك أيضاّ مع محافظ القدس، والأمين العام للمؤتمر الشعبي الوطني للقدس بلال النتشة. على أي أساس استند الاحتلال في ملاحقاته هذه؟ - هناك بعد سياسي لاعتقالات الاحتلال لمسؤولين فلسطينيين في القدس مغلّفة بغلاف قانوني زائف وواهم. هم يدعون أن هناك ما يسمونه بقانون التطبيق الذي يحارب الوجود الفلسطيني في القدس، ولكن كان هذا هو الغطاء لكل اعتقال. فأنا اعتقلت أربع مرات في غضون عام، كذلك الحال بالنسبة لمحافظ القدس، وأمين عام المؤتمر الشعبي للقدس، وكل من يعمل بشكل رسمي أو مؤسساتي أو شعبي يتم ملاحقته واعتقاله، وفي آخر اعتقال لي وجهت إلي تهمة قيادة محاربة كورونا في القدس، وحججهم دائماّ واهية، ولكن الموضوع برمته هو استهداف هويتنا ووجودنا كجزء أصيل من النسيج الشعبي في القدس. هذه القدس هي مدينتنا ، والمقدسيون هم أهلنا، ولا يوجد أي قانون على وجه الأرض يمنع المقدسي والانسان بصفة عامة من أن يكون بجانب أهله وبجانب شعبه في هذه الظروف، خاصة في ظل جائحة كورونا. *** ماذا عن علاقتكم كوزارة بمؤسسات المجتمع المدني في القدس، وهل تجاوزتم معاّ معوقات الاحتلال من خلال هذه العلاقة؟ - التكاملية في العمل هو أساس هذه المرحلة، وأضرب مثلا هنا ما تم من تعاون في مواجهة جائحة كورونا. في هذه الجائحة كان هناك انسجاماّ منقطع النظير بين المؤسسات وبين المتطوعين، وبين الشباب والجهاز الرسمي، وكان هناك تناغم في خدمة المقدسيين وهو العنوان الوحيد الذي التقى عليه الجميع. وتحت هذا العنوان كلنا يجب أن نكون كأطر رسمية ومؤسساتية وشعبية. وعندما أتحدث عن الإطار الرسمي، فأنا أتحدث عن كل اللاعبين ضمن هذا الإطار، وهذا الانسجام وهذا التناغم برهن عليه المقدسيون جميعاّ وكان حاضراّ بقوة. القدس صدقاّ بحاجة إلى هذا الترابط المؤسساتي، وهناك عمل مشترك، وهناك خطوط واضحة المعالم في كل ما يتعلق بعمل المؤسسة الرسمية سواء كانت وزارة أو محافظة في كل ما يخص أيقاع العمل الرسمي الفلسطيني في القدس. *** هل لدى وزارة القدس معطيات إحصائية عن الواقع المقدسي بقطاعات المختلفة، وفي كل ما يتعلق بالبطالة والفقر وانتهاكات الاحتلال بحق المقدسيين؟ - عندما نتحدث عن أن في الوزارة خطة عنقود العاصمة الاستراتيجي، فكل هذه المعطيات هي من البديهيات أن تكون لدينا وعلى أساسها يصاغ التخطيط. لا يمكن أن نتحدث عن قطاع إسكان دون أن نعرف مدى الاحتياج في هذا القطاع، ودون أن يكون لدينا معطيات عنه، والحال كذلك بالنسبة لجميع القطاعات. هذا هو النهج والمعلوماتية المطلوبة لنجاح أي توجه استراتيجي. ووزارة شؤون القدس وضمن توجيهات الحكومة تعمل في هذا السياق من التخطيط. نحن أمام حالة تنموية على مستوى الحكومة الفلسطينية. صحيح أنها تأثرت بجائحة كورونا، ونعمل في الوقت الحالي بمعطيات فرضتها هذه الجائحة بأبعادها الطارئة والاغاثية والصحية والإنسانية، لكننا لا نغفل عما يجري في البعد التنموي، وفي البعد المبادر، وفيما يحاك أيضاّ بالقدس من مؤامرات ومن حركة استيطانية مكثفة، تفرض علينا وقائع يجب أن نتعامل معها ببعدها الاستراتيجي والآني على الأرض، وأيضاّ ببعدها الدولي حيث للقدس حضور دولي، وفي آخر لقاءاتنا مع المجتمع الدولي وبمبادرة منه وضعنا دول العالم المختلفة ونضعهم بشكل دائم وموثّق بكل ما يجري في القدس من انتهاكات. *** في الجانب السياسي. كيف تعاملتم وتتعامل وزارة شؤون القدس من المواقف الأميركية الأخيرة حيال القدس، والتي كان آخرها تصريحات السفير الأميركي في تل أبيب بشأن ضم أراض فلسطينية لدولة الاحتلال؟ - نحن أمام حالة من العربدة الإسرائيلية الأميركية. ما يجري هو أن أميركا تمضي وإسرائيل تتبع، وهذا مخالف لما كان عليه الحال في السابق، إسرائيل وأميركا في خانة والعالم في خانة أخرى. وبالطبع فإن بعض الدول لا يوجد لها موقف علني من هذا الموقف الأميركي، ولكن بالمجمل عندما نتحدث عن دول الاتحاد الأوروبي ودول كثيرة في العالم فهي تخالف الموقف الأميركي إزاء كل ما يجري في القدس وما يجري في الشأن الفلسطيني من حيث ضم مناطق الأغوار. هناك خطورة محدقة لا يجب أن نقلل منها خلال المرحلة القادمة، وهي مرحلة بالغة الخطورة والتعقيد، ونحن نحارب ونجابه وسوف نجابه في الأيام والأسابيع القادمة هذه التطورات جميعها، ولذا طالبنا المجتمع الدولي بتوفير الحماية اللازمة لشعبنا لنقوم في خدمة المقدسيين. القدس محتلة. ولا يمكن أن يتغير هذا الواقع، وينطبق عليها كل القرارات الأممية وقرارات الشرعية الدولية بما يخصّ الشعب المحتل. وما تقوم به إسرائيل وأميركا لا يخدم إلا قانون الغاب الذي لا ينسجم بالمطلق مع أي عرف أو قانون دولي أو قرارات تنص على أن هذه أراض محتلة، وأن على الاحتلال توفير كل الحماية للشعوب التي يضطهدها. *** على ضوء الواقع السياسي الحالي وما يحمله المستقبل من تطورات. هل أنت قلق على مستقبل السلطة الفلسطينية، بما يفضي إلى انهيارها؟ - السلطة ليست بعيدة من المكوّن الشعبي الفلسطيني، وبالتالي أنا لست قلقاّ على الشعب الفلسطيني وسلطته، فهي جزء من هذا الشعب، وكل الطواقم التي تعمل فيها هي جزء من هذا المكوّن الشعبي الفلسطيني، ولقد برهن المقدسيون ويبرهنون دائماّ أنهم أصحاب مبادرة، وأن عودهم يشتد في كل الشدائد. أنا لست بقلق. الفلسطيني سيبقى، وثوابت الفلسطينيين لن تتبدل. تواجهنا أعاصير ومفترقات طرق، ولكن الموقف الفلسطيني من الثوابت لا يتغير ولا يتبدل، وهو ثبات متأصل لا يخضع للابتزاز أو للضغوط. *** بلدية الاحتلال في القدس تحاول أن تلعب دوراّ مركزياّ في تعاطيها مع قضايا المواطنين. كوازرة كيف تنظرون إلى هذا التحول المفاجئ في موقف البلدية. - تفكير في منتهى السذاجة. المقدسيون لا يشترون ولا يباعون بحفنة من الطعام أو النقود، والمقدسي نفسه هو من يجابه جرافات الاحتلال التي تهدم وهدمت وسوف تهدم في المستقبل. بلدية الاحتلال هي التي تفرض على تجار البلدة القديمة الضرائب وكل ما يؤدي إلى سياسة التطفيش والقهر الممنهج والمبرمج. ذاكرة الفلسطينيين ليست ضعيفة وليست بذاكرة قصيرة المدى. هناك برنامج إسرائيلي لا يمكن تجميله، والشواهد كثيرة والمأساة كبيرة، وهي ليست وليدة اللحظة، وبالتالي أسلوب العصا وأسلوب الجزرة يعيه المقدسيون جيدا. *** برأيك، هذا الواقع السياسي الحالي، كيف سينعكس على موضوعة الرواية الفلسطينية في مواجهة الاحتلال، وفي تطوير رؤية عالمية مساندة أكثر للشعب الفلسطيني؟ - جائحة كورونا أكدت أن القدس ليست موحدة. والدرس المستفاد الأول والأخير هو أن هذه الجائحة برهنت لنا كفلسطينيين وإسرائيليين وللعالم أجمع بأن القدس ليست موحدة. وأن القدس العربية هي للفلسطينيين وحدهم، وهو مأ أكدته الطريقة التي تعامل بها الاحتلال مع المقدسيين إبان جائحة كورونا، حيث تعامل بعنصرية لا تخفى على القاصي والداني في ظل سياسة الإهمال التي انتهجها . ومن الدروس المستفادة أيضاّ أن الرهان دائما يكون على المقدسيين. لقد علمونا منذ سنوات طويلة هو أن المقدسي دائما في الميدان، وهم دائما أصحاب مبادرات يمسكون بزمامها، وهم لا يثقون أبداّ بمن يهد بيوتهم، وبمن يتعامل معهم بعنصرية فاضحة. في رأيي ستتبلور بعد هذه الجائحة صورة أخرى مختلفة لدى العالم كله. سوف يكون هناك إعادة تقييم. وسوف يكون لها تداعيات اقتصادية مزلزلة. ولو احتسبنا عدد التراجع في المؤشرات الاقتصادية منذ أن بدأت جائحة كورونا فسوف يكون لها أثر اقتصادي عصيب. ولكن الفلسطينيون لهم الأسبقية في عملية التعاطي مع هذه الأزمة، وهذه الأسبقية جنبّتنا العديد من المشاكل، وهي تمثل لنا تحدياّ أكبر في التعامل مع الأزمة الحالية الناتجة عن الجائحة، والنجاح يكتمل عندما نتعامل مع الأزمة بشمولية وبصورتها المتشعبة، وهذا ما نلمسه بوضوح لدى القيادة الفلسطينية. *** هل ستؤثر هذه الأزمة برأيك على دور مؤسسات المجتمع المدني التي تعمل على برامج الرواية والهوية الوطنية؟ - الأزمة يمكن أن تؤثر بوضعها الآني ووضعها المستقبلي، ولكن لن تؤثر على الصورة الشمولية. مؤسسات المجتمع المدني موجودة كي تخدم استراتيجية يفترض أن تكون واضحة المعالم لا تتغير ولا تتبدل، ولكن ما يتبدل هو تكتيكات المرحلة واستراتيجيات قصيرة ومتوسطة المدى للمرحلة التي تتعامل معها، ولكن لا يفترض أن تغيّر المؤسسات لونها ورسالتها ووجودها في المجتمع، إنما تغير أسلوبها ونهجها وتكتيكاتها المرحلية لتتعامل مع واقع فرض على العالم بأسره جرّاء هذا الوباء.
×
استطلاع الواقع المالي والموازنة والتبعيات الاقتصادية وأزمة المجتمع المدني في ظل أزمة كورونا
الخبير الاقتصادي مؤيد عفانة، في حوار ل"ضيافة مفتاح"، وانعكاسات جائحة كورونا وآثارها اقتصادياً: ** ماذا يعني العمل بموازنة طوارئ كما أعلن مؤخراً؟ وكيف ستنعكس على كافة القطاعات الاقتصادية؟ موازنة الطوارئ التي أقرت من قبل السيد الرئيس، هي عملياً موازنة العام 2020، مع الأخذ بعين الاعتبار الحالة الطارئة بفعل جائحة الكرونا، وهي موازنة بها فجوة تمويلية كبيرة قدرت بحوالي 5 مليار شيكل، بسبب توقع تراجع الإيرادات العامة بشكل كبير، إضافة الى تراجع الدعم الخارجي. وهي قطعا ستنعكس على القطاعات الاقتصادية كون الإيرادات المتوقعة الواردة فيها اقل بكثير من النفقات المتوقعة، وبالتالي وجود عجز مالي سينعكس على قدرة السلطة الفلسطينية الوفاء بالتزامتها. ** وهل الظروف الحالية تستدعي العمل بمثل هذه الموازنة؟ مما لا شك فيه أن الوضع الحالي هو طارئ، ولكن يمكن العمل بقانون الموازنة العامة بشكلها العام، مع اعتبار حالة الطوارئ بالحسبان إنفاذاً للمادة رقم 37 من قانون الموازنة العامة. ** ما مدى تأثيرها على القطاع الخاص؟ وفي أي اتجاه يمكن استثمار المعونات الدولية في هذا الظرف؟ مما لا شك فيه أنّ الحالة الطارئة ووجود ضرورة لتوفير موازنة للقضايا الصحية. وأيضاً انخفاض الإيرادات سيلقي بظلاله على أولويات عمل الحكومة، وهذا ما أعلنه رئيس الوزراء، بأن الأولويات ستكون للقطاع الصحي، ودعم الفقراء، ورواتب الموظفين، مما سيؤثر على القطاع الخاص. ويجب استثمار المعونات الخارجة لدعم تلك الأولويات، خاصة مع تباطؤ دورة الاقتصاد، والانخفاض الحاد على الإيرادات. ** ما هي الآثار الاقتصادية المباشرة لجائحة كورونا؟ وهل يمكن تلمس نتائجها في المرحلة القريبة؟ -الآثار الاقتصادية كبيرة، وإنّ أثرها المباشر لغاية الآن غير ملموس بما فيه الكفاية، ويشمل الأثر الدورة الاقتصادية بشكل عام، ومن المتوقع دخول الاقتصاد العالمي في حالة ركود شديد، وأن الانكماش الاقتصادي سيكوم سمة المرحلة القادمة. ** كيف سيتأثر اقتصادنا بسب هذه الأزم وأي القطاعات الأكثر تأثراً؟. اقتصادنا الفلسطيني جزء من المنظومة الاقتصادية الفلسطينية، كما أنه هش، ولا يحمل مقومات عميقة بسبب وجود الاحتلال، لذا سيتأثر بسبب أزمة كورونا، ومن المبكر الحديث عن القطاعات الأكثر تأثرا من الازمة، بسبب استمرار التداعيات، وعدم إمكانية توقع التطورات المتعلقة بالمرض، ولكن مبدئيا قطاعات "السياحة، التجارة، الاعمال الصغيرة" من أكثر القطاعات تأثرا. في حين أن الفئات الفقيرة والمهمشة هي الأكثر تأثراً، كون جزء كبير منها فقد مصدر رزقه دون وجود بدائل مثل: عمال المياومات، العمال والعاملات في المرافق السياحية والتجارية، والقطاع الخاص، العمال والعاملات في مجال بيع التجزئة والبسطات والأسواق الشعبية، العمال داخل الخط الأخضر حال تم الاغلاق الكامل، الاعمال الصغيرة مثل: رياض الأطفال الخاصة، الحضانات، مراكز التدريب والتعليم. ** ما هو دور الدولة في حماية هذه الفئات؟ أم أنّ حالتنا الفلسطينية تستدعي تدخلاً من نوع آخر؟ تدخلات الدولة في فلسطين تتم من خلال وزارة التنمية الاجتماعية، والاحتياجات المطلوبة للأسر الفقيرة والمهمشة بالأصل اكبر من الموارد او الموازنات المتاحة "من قبل ازمة كورونا"، خاصة مع نسبة الفقر المرتفعة، والتي بلغت 31%، وترتفع في قطاع غزة لتصل الى 53% تبعا لبيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، وبالتالي مطلوب تدخلات إضافية من قبل الدولة، ويجب الزام القطاع الخاص وخاصة الشركات الأقل تضرراً على مزيد من المساهمات الاجتماعية، ويجب أن تعمل الدولة على توفير الحد الأدنى للمتطلبات للأسر، وأن لا تكتفي بقاعدة البيانات للأسر الفقيرة فيما قبل أزمة الكورونا، وأن تشمل تلك التدخلات كافة الأسر التي فقدت مصادر دخلها. * ما هي التقديرات المتوقعة للضرائب المحلية؟ وكيف ستؤثر على دور السلطة في توفير تكاليفها لإدارة الأزمة؟ التقديرات تشير إلى انخفاض حاد في الضرائب المحلية تبعاً لتوقف الحياة، وشلل المرافق العامة والخاصة، الأمر الذي سينعكس بشكل حاد على توفر الموارد المالية للخزينة العامة في فلسطين، وبالتالي توجد ضرورة لإقرار خطة عمل لإدارة المال العام، تأخذ هذه المتغيرات بالاعتبار. * * ما هي التقديرات الخاصة بأموال المقاصة في ظل الأزمة الحالية؟. أموال المقاصة ستتأثر أيضا بانكماش الدورة الاقتصادية، وفي ذات الوقت إسرائيل ما زالت تقتطع من تلك الأموال، وتقديري سيزداد الاقتطاع من تلك الأموال في المرحلة القادمة، فعلى سبيل المثال: العديد من الهيئات المحلية أو شركات الكهرباء ستواجه صعوبات في دفع بدل أثمان الكهرباء لشركة الكهرباء القطرية الإسرائيلية، الأمر الذي ستواجهه إسرائيل بخصم تلك الأموال بشكل مباشر من أموال المقاصة. ** هل ستتاثر قدرة السلطة على توفير الرواتب لموظفيها؟ في المرحلة الحالية لا أتوقع، ولكن ان طال مدى ازمة كورونا، نعم متوقع ذلك. ** ما هي البرامج الاكثر تأثرا في الوزارات الحكومية؟ البرامج التطويرية. * ما هو الوضع الذي ينتظره القطاع الخاص؟ بشكل عام سيتضرر القطاع الخاص من ازمة كورونا، ولكن هذا الضرر متفاوت تبعا لمجال عمل القطاع الخاص، فمثلا القطاع السياحي (فنادق، مطاعم، متنزهات، ...) سيكون الأثر كبير جدا عليه، وفي قطاعات سيكون الأثر اقل بكثير. ** كيف تقيّم قدرة الدول المانحة على الاستمرار في دعم السلطة الوطنية في ظل الظروف الحالية؟ بشكل عام هناك تراجع كبير في التمويل الخارجي ودعم السلطة في ظل أزمة الكورونا، ومع ذلك توجد دول ستبقي على التزاماتها مثل الاتحاد الأوروبي او السعودية، ولكن من المتوقع توقف بعض أنواع التمويل خاصة التطويري في ظل الازمة ان كان لتأثر الدول المانحة او الصعوبات اللوجستية للتنفيذ. ** هل هناك تغيرات حقيقية على مستوى الاقتصادات الكبرى؟. - نعم، وإن كنا ما زلنا في مرحلة انتقالية، يصعب التنبؤ بالمسارات المتوقعة للاقتصاديات الكبرى. ** ما هي القطاعات التي من الممكن أن تنجو من ازمة كرونا؟ - عموما الدورة الاقتصادية ككل ستتأثر، ولكن توجد مجالات سيتم الاهتمام بها اكثر مثل: القطاعات الصحية، قطاع التكنولوجيا والتعليم عن بعد. ** ماهي التوجهات الاقتصادية لما بعد كرونا؟. - من المبكر توقع ذلك، ولكن ستكون هناك توجهات جديدة. ** في حال طالت الأزمة،هل من المتوقع حدوث تغير للتوازنات الدولية الحالية؟ نعم، ولكن الامر مرتبط بأمد الأزمة وتكلفتها المادية والبشري الكورونا.. وأزمة المجتع المدني رفعت الصبّاح، رئيس الائتلاف التربوي الفلسطيني: خارج نظام الطوارئ – أوجه القصور تحت هذا العنوان "خارج نظام الطوارئ – أوجه القصور"، استهل رفعت الصباح في حديثه لزاوية في "ضيافة مفتاح"، طارحاً عدداً من الأسئلة، فقال: "على أي أرضية نقف؟ وهل كنا فعلا جاهزين للأزمات الطارئة؟ ولطالما تحدثنا عن خطط طوارئ، لكن هل كان لدينا فعلا هذا النوع من الخطط؟ تحليل المعطيات عن ذلك، يتابع حديثه، فيقول:" أسئلة تتطلب منا تشريح الأمور وتحليل المعطيات، لتحديد إن كنا، كمؤسسات مجتمع مدني، نقف على أرضية صلبة أم على أرضية هشّة، فقد جاءت الأزمة الراهنة " أزمة كورونا" لتجبرنا على التأمل في واقع الحال، لتتكشف لنا حقائق قد لا تكون صادمة لكنها واقعية. لقد انشغلنا في تطوير الخطط الإستراتيجية بعيدة المدى، وانشغلنا عن تطوير سيناريوهات لأي خطر داهم، وسرعان ما جاءت أزمة الوباء لتحيلنا إلى أنفسنا. إذن، هو التقييم الذاتي الذي لم نوله ما يستحق من اهتمام، وهو المحاكمة الجادة لمجمل ما يرتبط بنا كمؤسسات مجتمع مدني سواء كل مؤسسة على حدة، أو المؤسسات بالمجمل". مكامن الخلل ثم يتحدث عن مكامن الخلل، فيقول: "لا ننكر أن الأزمة مفاجئة، لكن هذا لا يعفينا من المسؤولية، فالحدث المفاجئ يتطلب أن تقابله سرعة استجابة، ومن هنا تأتي هذه المحاولة لرصد مكامن الخلل التي تسببت في وجود ثغرات يتطلب بعضها معالجة جزئية، في حين يفرض البعض الآخر علينا مراجعة بنية تفكيرنا ومنهجيات عملنا، وحتى الروح التي تحكمنا، ومن هنا فإن أبرز ما يرتبط بتشخيص الحال بالأزمة الراهنة، وبمؤسسات المجتمع المدني يشمل النقاط الآتية: أولاً. رغم أننا اعتدنا العيش في أزمات وحالات طارئة إلا أن أشد المتشائمين لم يكن يتوقع أن نشهد أزمة بهذا الحجم من حيث الامتداد الزمني والجغرافي، صحيح أننا عشنا الحجر التعسفي منذ زمن، وأكثر من مرة، لكنها المرة الأولى التي نعيش فيها حجراً طوعياً. ثانياً. مخطئ من يصور الأمر بأننا كنا مستعدين، فنحن في واقع الحال لم نكن مجهزين لمثل هذا النوع من الأزمات حيث الجميع تحت الحجر، فحتى في خضم الاجتياحات التي قام بها الاحتلال لم تتوقف حركتنا، وكنا قادرين دوماً على تجاوز المحن سواء في الانتفاضة الأولى عندما أغلقت المدارس، أو في الثانية عندما أغلقت المدن والقرى بالحواجز، وحتى خلال الاجتياحات عندما منعنا من الخروج من البيوت بقي هناك متسع للحراك. ثالثاً. يتسيّد الغموض الموقف هذه المرة، فنحن نعيش مرحلة لا نعرف إلى أين يصل تدحرج الأمور فيها، لسببين أولهما أن ما يرتبط بطبيعة الأزمة غامض في حد ذاته، وثانيها أننا مستهلكون للمعرفة والتكنولوجيا والمعلومات، وننتظر المعلومات ممن يسيطرون على شبكات الانترنت، وفي الحالتين نكتفي بموقف المتلقي، ولسنا شركاء في الفعل كما كان الحال في الانتفاضة حين كان بمقدورنا تحريك الأمور. رابعاً. ثمة حالة ارتباك تعتري المشهد ويعاني الجميع منها، وقد دخلناها عنوة وعن غير ذي خاطر أو رغبة منا، وتداخل هذا مع حالة خوف عالمي بدأت تؤثر علينا، ليدخل لجميع في حالة " بيات إحباطي" إن جاز التعبير فلم نكن نفارق حالة البيات الشتوي حتى فوجئنا بما فرضته الكورونا علينا من وقائع. خامساً. الكمّ الهائل من المعلومات الذي يأتينا من هنا وهناك بات عبئاً، فهو يربكنا ويلقي بظلاله علينا. سادساً. في ظل حالة عدم الوضوح تكثر الاجتهادات ما يزيد منسوب الارتجال والعشوائية في اقتراح الحلول، فالبعض إزاء هذا الوضع يشعر بأنه باقتراح أي حل يبادر، ثم سرعان ما يتكشف أن الاجتهادات بحاجة إلى مراجعة. سابعاً. الإمكانيات التكنولوجية سواء على مستوى المهارة والمعرفة أو على مستوى الجاهزية في البنية التحتية، فقد كشفت الأزمة أننا لم نكن جاهزين، وأن التخطيط الرسمي كان يغفل الاستئناس بالبيانات، وهنا نتساءل: كم مؤسسة كلفت خاطرها للاستئناس ببيانات الجهاز المركزي للإحصاء؟ وما مدى حداثة البيانات المتوافرة في الجهاز المركزي للإحصاء أصلا؟ ثامناً. كثير من مؤسسات المجتمع المدني كانت تسير في خطوط متوازية دون تقاطعات، وهو ما يعني أن المجتمع المدني-في غالبيته- لم يكن مؤسساً لحالة من الانسجام، وكان خارجاً من حالة نقاش عبثي في موضوع شروط التمويل، ومنهك من ضعف التمويل والحصار المشدد في بعض الأحيان عليه، وبالتالي جاءت هذه الأزمة لتعيد مؤسسات المجتمع المدني إلى مربع التأمل فيما تتبناه من إستراتيجيات وخطط وبرامج. تاسعاً. لا يملك المجتمع المدني الخبرات القادرة على استعادة الزخم، فكثير منها تسربت بعد أن لم تستطع مؤسسات المجتمع المدني الاحتفاظ بالخبرات الموجودة لديها بعد أن باتت عاجزة على دفع رواتب خبرات متميزة. عاشراً. ثمة ضعف في بنية القطاعات المختلفة للمؤسسات غير الحكومية، وفي آليات التنسيق فيما بينها. فهذه القطاعات سواء كانت تعليمية أو غيرها ما زالت تعاني ومن وحدة الموقف في مجابهة المخاطر. أحد عشر. ترتب على ما سبق كله، حالة إرباك واضحة وربما نبع الإرباك من كون الأزمة مفاجئة وشاملة وسريعة، لكن السؤال: ألا تتبنى مؤسسات المجتمع المدني خطط طوارئ؟ إثنا عشر. لقد كشفت الأزمة عن عدم الجاهزية، كما أن عدم انتصار الحكومة لما رفعته من شعارات عن تعزيز العلاقة مع المجتمع المدني لم يجد تطبيقاته على أرض الواقع، وهذا على الأقل ما كشفت عنه الأزمة الراهنة . لذا..لم يكن مستغربا أن تكون التدخلات التي تمت سطحية وعابرة لم تلامس عمق الأزمة وجوهرها، فهي تدخلات اقتصرت على إصدار بيانات أو مداخلات إذاعية. وفي احسن الأحوال انتاج سبوتات توعوية . ثلاثة عشر. الأزمة لا زالت قائمة، والتدخلات ممكنة لكن حذار من أن تكون تدخلات هدفها فقط تسجيل موقف، نحن مع التدخلات التي تترك أثرا، وهنا نسجل التقدي
×
حوار في ظل مواجهة جائحة الكورونا- التنمية الاجتماعية والتربية والتعليم
داوود الديك، وكيل وزارة التنمية الاجتماعية ل"ضيافة مفتاح":
** كيف تعاملت وزارة التنمية الاجتماعية مع آثار جائحة كورونا؟ وزارة التنمية الاجتماعية بصفتها قائد قطاع الحماية الاجتماعية، أدركت ومنذ بداية أزمة كورونا، أن الآثار المحتملة لا تتوقف عند الآثار الصحية، وإنما تمتد لتشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والتأثيرات على حياة الناس ولا سيما الأكثر انكشافاً. فانتشار هذه الجانحة يشكل تهديداً حقيقياً للأمن الاقتصادي للبلدان والمجتمعات والأسر والأفراد، فبالإضافة إلى المخاطر المالية المتعلقة بنفقات الرعاية الصحية، حيث وضعت البلدان تدابير لاحتواء انتشار فيروس كورونا، بدأت الأسر تواجه اضطرابا في دخلها. فقد أدى إيقاف معظم الأعمال الاقتصادية، في العديد من الدول، إلى توقف مصادر الدخل للكثير من الأسر والأفراد، وبالتالي إلى زيادة تعرضهم لخطر الانكشاف. وقد تعاملت بعض الدول مع حالة اضطراب الدخل للأسر والأفراد من خلال تقديم المساعدات المباشرة لمواطنيها ولقطاع الأعمال، في حين تبقى الأسر والأفراد عرضة للانكشاف في ظل هذه الأزمة في الدول التي لا تتوفر لديها الموارد اللازمة لتقديم الدعم والعون لمواطنيها ولقطاع الأعمال فيها. وعليه، نتوقع ازدياد مخاطر التهميش وتفاقم الأزمة لدى الفئات المهمشة والفقيرة أصلا، وهو ما يستدعي العمل للتجاوب سريعا مع هذه الأزمة لتحسين نظم الحماية الاجتماعية، لحماية الأسر والأفراد من الأزمات وتقديم الدعم السريع لهم عند وقوع حالات الطوارئ. ** ماذا عملت وزارة التنمية من أجل تحسين نظم الحماية الاجتماعية؟ إن تحسين نظم الحماية الاجتماعية في ظل هذه الأزمة يشكل أمراً غاية في الأهمية. فالاستجابة الفعالة للحماية الاجتماعية في مواجهة هذه الأزمة سيلعب دوراً هاماً في حماية الأسر والأفراد، ولا سيما الفئات الأكثر ضعفاً من فقراء ومهمشين، وبخاصة النساء والأطفال والأشخاص ذوي الإعاقة والمسنين. ومن هنا، نعي أهمية وضرورة التحرك ووضع الخطط لتوفير الحماية للفئات الفقيرة والضعيفة والمهمشة، وللفئات التي انكشفت أو قد تنكشف نتيجة هذه الازمة خصوصا اذا ما استمرت لفترة طويلة. ويأتي في مقدمة هذه الفئات: الأسر الفقيرة ومحدودة او قليلة الدخل، كبار السن، الأشخاص ذوي الاعاقة، العاملات في الحضانات ورياض الأطفال التي تم إغلاقها، عمال المياومة، الأسر المحجورة صحياً، وأسر المصابين بالكورونا، المؤسسات الايوائية لكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة، ومراكز الحماية ومراكز الاحداث. ومنذ اللحظة الأولى بدأنا بالتعاون مع المؤسسات الإنسانية كمؤسسة وافا وهيئة الأعمال الخيرية الأماراتية بتوفير المواد الغذائية ومواد التعقيم لجميع المؤسسات الأيوائية. ووفرنا المساعدات الغذائية لكثير من الأسر خصوصا في بيت لحم وفي غيرها. ** هل شمل عمل الوزارة إعداد خطة طواريْ خاصة بها؟ وما الهدف منها؟ رغم انخراط الوزارة في لجان الطوارىء المشكلة على مستوى المحافظات، إلأ أن الوزارة وبحكم تفويضها أعدت خطة تدخل سريع لمواجهة أثار كورونا سواء في الضفة أو في غزة. وتهدف الخطة بشكل رئيسي إلى تحسين حالة الحماية للفئات الفقيرة والمهمشة منعاً لتردي أوضاعها ولضمان أمنها الغذائي والصحي. وبشكل أكثر تفصيلية، فإن هذه الخطة تهدف إلى تلبية الاحتياجات الناشئة للفئات الأكثر تضرراً، مع التركيز بشكل خاص على الفئات الضعيفة ذات الأولوية القصوى، كالفقراء فقراً مدقعاً المسجلين لدى وزارة التنمية الاجتماعية، والنساء العاملات في الحضانات ورياض الأطفال، وعمال المياومة في الاقتصاد المحلي الذين انقطع عنهم الدخل بسبب الأزمة، والنساء المستفيدات من صندوق النفقة وأسرهن، والمسنين والأشخاص ذوي الإعاقة الذين يتلقون خدمات من وزارة التنمية الاجتماعية، والمراكز الإيوائية التي لا زالت عاملة والتي ترعى مسنين وأشخاص ذوي إعاقة وغيرها من الفئات. ** ما هي أولويات التدخلات ضمن خطة الطواريء المعلنة للوزارة؟
وحتى يتم تنفيذ هذه الخطة بنجاح، فإن المطلوب من القطاع الخاص والمجتمع المدني والمنظمات الدولية دعم الوزارة ومساعدتها في توفير المصادر المالية الكافية لتنفيذ هذه الخطة التي تبغ حوالي 34 مليون دولار. ** بتقديرك، ما هي الفئات الأكثر تضرراً؟ وكيف تسعى الوزارة لتلبية احتياجاتها وتحديداً النساء كفئات أكثر تهميشاً والقيام بدورها بشكل عام في ظل الوضع المعقد؟ طبعا الوزارة تولي اهتمام بالأسر التي ترأسها نساء. أكثر من 40% من الاسر المستفيدة من برنامج التحويلات النقدية هي أسر ترأسها نساء. وبالتالي نحن طورنا خطة استجابة طارئة لمواجهة أثار كورونا وتحديدا للفئات الفقيرة والضعيفة تبلغ تكلفتها 34 مليون دولار. ونعمل على حشد تمويل لها. في حين، تولي الخطة اهتماماً بالنساء كالعاملات في الحضانات ورياض الأطفال والنساء اللواتي يرأسن أسراً وكبيرات السن والنساء من ذوات الاعاقة. بصري صالح، وكيل وزارة التربية والتعليم ل"ضيافة مفتاح": خطة طواريء وخطوات إجرائية في حوار معه ضمن زاوية "في ضيافة مفتاح"، حول أهم الخطوات والإجراءات التي قامت بها وزارة التربية والتعليم لمواجهة جائحة كورونا، لخّص بصري صالح، وكيل وزارة التربية والتعليم هذه الإجراءات بالقول: "ملخصاً لما قامت به الوزارة في ظل أزمة الكورونا ، والتي أدّت إلى تعطل التعليم في المدارس في محافظات الوطن جميعها، فقد عملت على تفعيل خطة الطوارئ، واتخذت خطوات إجرائية، لضمان استمرارية التواصل ما بين الطلبة ومعلميهم ضمن مخرجات المقررات الدراسية، وكذلك استثمار الوقت بفاعلية أثناء هذه الفترة وذلك من حيث:
والمطلوب دوماً هو توثيق اواصر التعاون والعمل مع كافة الشركاء الوطنيين لدعم هذه التوجهات وترسيخها املا في سد الفجوات التعليمية التي تنتج نتيجة توقف التعليم في المدارس، وهناك تواصل مهم مع كافة الشركاء بهذا الصدد
×
مازن الجعبري، مدير مؤسسة تنمية الشباب في جمعية الدراسات العربية - القدس:
مقدمة حذر مسؤول فلسطيني مختص في متابعة نشاطات المؤسسة الإسرائيلية في القدس من توجه احتلالي جديد ضد الوجود الفلسطيني في القدس من خلال تعزيز عمل المراكز الجماهيرية التابعة لبلدية الاحتلال، ورصد ملايين الشواقل لتحقيق الاندماج بين داخل المجتمع المقدسي للقبول بالاحتلال وقوانينه، فيما تقف السلطة الفلسطينية عاجزة عن القيام بدور فعال ومؤثر في هذا الاتجاه، مشيرا مع ذلك إلى أن كل سياسات الاحتلال فشلت في إخضاع الجانب الفلسطيني. بداية، من أين نشأت المراكز الجماهيرية؟ وما فكرتها الأساسية؟ وإلى أي الجهات تتبع؟ وما عددها؟ ** نشأت هذه المراكز منذ أكثر من عشر سنوات في بعض المناطق والأحياء في القدس المحتلة، وكانت في بدايات نشأتها تقدم بعض الخدمات للسكان في مناطق تواجدها، مثل بيت حنينا شمالي القدس المحتلة. ونشأت في حينه بفكرة متواضعة جدا، ولهذا كان عددها قليل جدا، وتحددت في بيت حنينا، وبعدد قليل من الموظفين، ولم يكن لها تأثير وفعالية كبيرة في مناطق عملها. ولكن بعد عام 2015، حدث هناك تغيير دفع بالإسرائيليين إلى القيام بمراجعة تدخلاتهم من خلال هذه المراكز، خاصة بعد الهبّات المتتالية التي شهدتها القدس في تلك الفترة ابتداء من استشهاد الفتى محمد أبو خضير، ومعركة البوابات الإلكترونية، حيث شعر الإسرائيليون بأنهم على وشك فقدان السيطرة على الأمور في القدس، وهو أمر لم يتوقعوا حدوثه على مدى سنوات احتلالهم منذ العام 67 ولغاية السنتين الأخيرتين، لذلك عملوا على القيام بمراجعة شاملة لمعظم سياساتهم في القدس تمكنهم من إحكام القبضة على المدينة وعلى سكانها، علما بأن معظم سياساتهم المتبعة لتطويع المقدسيين من خلال السياسة المعادية لهم سواء بإخراجهم من القدس في سياق الصراع الديمغرافي المستمر، وهي سياسة لم تفلح في تحقيق أهدافهم على هذا الصعيد، حيث فشلوا في ذلك، ولم يتمكنوا من إخراج أعداد كبيرة من السكان المقدسيين كما كانوا يطمحون، وذلك لتمسك المقدسيين بهويتهم الوطنية، ومن هنا تبنوا استراتيجية جديدة بعد العام 2017 في التعامل مع المقدسيين من خلال استراتيجية الاحتواء، أي التعامل معهم بإدخالهم ودمجهم في قوانين لاحتلال بحيث يقبل السكان ما هو قائم وموجود، ويقبلوا في النهاية بسيادة دولة الاحتلال على القدس. ما طبيعة الإجراءات والتدابير التي قاموا بها للوصول إلى غاياتهم وأهدافهم تلك؟ ** لبلوغ تلك الغاية، كان لا بد من إحداث تغييرات غير سهلة، وتخصيص ميزانيات ضخمة، والعمل بنفس طويل واستراتيجية متواصلة وثابتة كما يفعلون في مناطق احتلالهم الأخرى على امتداد الأرض الفلسطينية، وهي ذات الاستراتيجية التي بدأوا بتطبيقها في القدس. ومن أجل القيام بعملية الاحتواء، والتي نسميها في النظريات الاجتماعية ب"عملية الاندماج" في ثقافة المجتمع الأقوى، أي الاحتلال، فإن الأخير، هو الذي سيقوم بعملية دمج المجتمع المقدسي الأضعف ضمن تلك المعادلة. وحتى يتحقق ذلك، عليه أن يحدث تغييرات في الوسط والأطراف داخل المجتمع المقدسي من خلال تخصيص مجموعة كبيرة من الأموال حوّل جزء هام منها للمراكز الجماهيرية التي أقيمت داخل الأحياء الفلسطينية وبإدارة فلسطينية من داخل تلك المناطق التي أقيمت فيها المراكز، وكان الهدف من ذلك مساعدة السكان على الشعور بالاطمئنان فيتواصلوا معها، ويقبلوا بما تقدمه تلك المراكز من خدمات، وبالفعل نجحت في إنشاء تسعة مراكز في أحياء وبلدات: صور باهر، العيسوية، بيت حنينا، شعفاط، ومناطق أخرى مختلفة. وحتى تستطيع هذه المراكز أن تعمل بما يحقق الهدف من إنشائها، رسمت دولة الاحتلال لها خططاً وسياسات جديدة. فبعد أن كانت هذه المراكز تقدم بعض الخدمات المتواضعة ذات الصلة بعلاقة المواطنين سكان تلك الأحياء مع البلدية الإسرائيلية للقدس باعتبارها عناوين لهذه البلدية التي تشكل ذراعاً تنفيذياً للاحتلال ونافذة البلدية وسط الأحياء المستهدفة، قام الاحتلال بفتح مجال أوسع للتواصل مع البلدية في كثير من المشكلات التي يعاني منها المقدسيون كالأرنونا، ومخالفات البناء، لذلك صار الإقبال على هذه المراكز أكبر، حيث باتت تقدم لهم حلولاً لبعض قضاياهم، فلجأ المواطنون إليها، ثم جرى بعد ذلك تطوير دور المراكز الجماهيرية ، خاصة في مجال التعليم، بحيث أن بعض المدارس باتت تحول طلابها لتلك المراكز من أجل تلقي خدمات في التعليم المساند، والقيام ببعض النشاطات اللامنهجية فيها ، في حين توجه جزء من المدارس وتلاميذها إلى الطرف الآخر، مستهدفة بالأساس تطبيعهم، وهذه بالضبط الاستراتيجية الكبيرة لدولة الاحتلال، أي القبول باحتلالها والاعتراف به والخضوع لقوانينه، ، وهذا هو التطبيع، وهو أخطر من التطبيع الذي بموجبه يلتقي فلسطينيون بإسرائيليين، لأن الهدف هو إحداث تغيير في العامل الثقافي والنفسي والاجتماعي، بحيث يصبح مقبولاً على الفلسطيني الموجود فيه. وبعد أن نجحوا في هذا التوجه، أدخلوا هذا النوع من البرامج على المراكز الجماهيرية وأعطوا للقائمين عليه عليها صلاحيات العمل مع البلدية بحيث تكون فعليا قناة التعامل الرئيسية مع السكان لحل مشاكلهم مع البلدية، وبالتالي كانت المراكز الجماهيرية هذه جزء من برنامج أشمل، حيث عملت سلطات الاحتلال بعد العام 2017 على إنشاء مكاتب إضافية للشؤون الاجتماعية تابعة لها، ووسعت خدماتها بحيث تمكنها من التعامل مع الأسرة الفلسطينية مستغلة طبيعة المجتمع الفلسطيني باعتباره مجتمعاً عربياً مسلماً ومحافظاً، ويحتكم لكثير من العادات والتقاليد، وبالتالي كان هدفهم من ذلك اختراق هذا المجتمع وإحداث التغيير المطلوب فيه من الداخل، ومن خلال تحطيم مسلمات هذا المجتمع عبر توسيع صلاحيات مكاتب الشؤون الاجتماعية حتى تتدخل أكثر في شؤون الأسرة الفلسطينية، وبالفعل تمكنت هذه المكاتب من أن تتدخل كثيراً، وإذا راجعت مكاتبهم ومراكزهم تجد أنها تمتلك ملفات غير عادية عن الأسرة الفلسطينية، وكثير من هذه الملفات مرتبطة في قضاياها ومشاكلها مع الشرطة الإسرائيلية ، كون الشؤون الاجتماعية ملزمة حسب قوانينهم بالتواصل مع الشرطة، من خلال ما يعرف بالشرطة الجماهيرية تلطيفاً لدور هذه الشرطة وما خبره المقدسيون من تعامل شرطة الاحتلال معهم، فضمت تلك الشرطة الجديدة عناصر يتكلمون اللغة العربية، ومهمتهم حل مشاكل الأسر الفلسطينية، واستطاعوا ربطهم مع هذه الشرطة في متابعة قضاياهم ومشاكلهم، وفق استراٍتيجية محكمة مع المراكز الجماهيرية ومكاتب الشؤون الاجتماعية، وتمكنوا من إنشاء شبكة داخل المجتمع المحلي تتواصل مع المدرسة، ومع المؤسسة الإسرائيلية، وبهذا تمكنوا من إحداث تغيير ما في طريقة وأساليب تدخلاتهم مع المجتمع الفلسطيني حتى يكون مقبولاً عليه، أي أنّ ما لم يتمكنوا من فرضه بالقوة والاستبداد، تمكنوا من تحقيقه بأساليبهم الناعمة، بما في ذلك أسلوب الاحتواء، ومن خلال هذه الأساليب كانوا يسعون للوصول إلى نتيجة مفادها عدم حدوث مواجهات بين المقدسيين والاحتلال، وهو هدف يؤكده معدّو الخطة الذين لا يخفون رغبتهم في الوصول إلى مجتمع مقدسي خال من أي توجه ضد الاحتلال، وبالتالي وسعوا خلال السنوات الأخيرة من برامجهم المتعلقة بالتعامل مع فئة الشباب والفتية، ونراهم على سبيل المثال يقومون بتوزيع موظفيهم في بعض المناطق مثل جبل المكبر والطور في الشوارع، لرصد الفتية الذين تتراوح أعمارهم ما بين 14 – 16 عاما، والاستفسار منهم عن أسباب عدم التحاقهم بمقاعد الدراسة، ليتم لهم التواصل لاحقاُ مع عائلات هؤلاء الفتية لمساعدتها في حل مشكلات أبنائها على هذا الصعيد، بينما تتولى الشرطة التي تعتقل فتية بعمر هؤلاء متهمون برشق الحجارة مثلا بتحويل ملفاتهم إلى الشرطة الجماهيرية وإلى مكاتب الشؤون الاجتماعية حيث تعرض على هؤلاء الفتية وعائلاتهم المساعدة لتغيير سلوك أبنائهم. إلى جانب هذه المراكز الجماهيرية. هل عمل الاحتلال على مسارات أخرى مستهدفة قطاعات المقدسيين المختلفة؟ *** نعم صحيح. فإلى جانب مسار المراكز الجماهيرية تم أيضاً العمل بنشاط كبير في مسار التعليم. لكن الجانب الأهم هنا، هو في مجال ما يسمى بالخدمة المدنية، المرتبط أساساُ بعمل المراكز الجماهيرية وبالهدف الاستراتيجي منها. وكما تعلم، فإن الخدمة المدنية جزء من الخدمات التي تمنح للأفراد الذين لا يتمكنون من الالتحاق بالجيش، وبالتالي أدخلوا هذه الخدمة إلى القدس بطريقتين. الأولى عن طريق الجامعات الإسرائيلية، حيث فتحوا المجال أمام الطلبة المقدسيين للالتحاق بهذه الجامعات، وفتحوا لهم كثيراً من المجالات وأبرزها الاعتراف بشهادة التوجيهي، والسماح بالتحاق العديد منهم في تلك الجامعات، وتحفيزهم من خلال إعفائهم في السنة الأولى من الأقساط الجامعة، ووضعوا كثيراً من السياسات في هذا الاتجاه، بما في في ذلك تمكين الطلاب في السنتين الثانية والثالثة من أداء الخدمة المدنية مقابل عدم دفع الأقساط والتي تصل في معدلاتها إلى 15 ألف شيكل. أما الطريقة الثانية، فمن خلال المراكز الجماهيرية وتخصيص الموازنات الضخمة لها والتي باتت مراكز للتجند في هذا النوع من الخدمة، وصولاّ إلى القناعة بأن هذه المراكز ومن خلال البلدية تقدم المساعدة للشباب وبأنها يستفيدون من خدماتها، في حين، أن منفعة تلك المراكز تتمثل في ردات الفعل مما تقدمه للمقدسيين من خدمات، تشير المعلومات إلى أن ما يتم رصده من أموال لهذه المراكز يتراوح ما بين 12- 15 مليون شيكل تنفق على كثير من الأنشطة بما في ذلك أنشطة فنية وثقافية، وأنشطة أخرى تنفذ عبر المدارس.ٍ هل هذا يفسر الحملة التي طالت مؤسسات القدس منذ العام 2000، وإغلاق عشرات المؤسسات المقدسية، لتكون المراكز الجماهيرية بديلاً عنها؟ ** إسرائيل لديها رؤية تمكنها من تغيير الأوضاع في القدس. وبالنسبة للاحتلال، فإن المقدسيين كانوا على الدوام مشكلة كبرى ومستعصية، طالما أنهم يقومون بأعمال لا يمكن للاحتلال توقعها كما حدث في معركة البوابات الإلكترونية، وما سبقها من مواجهات أعقبت استشهاد الفتى محمد أبو خضيرٍ، وفشل كل ما تقوم به من إجراءات في النيل من صمودهم وثباتهم. وأعتقد أنه بعد العام 2000 وقيام الاحتلال بإغلاق بيت الشرق وعدد كبير من المؤسسات ظلت مستمرة في سياسة التهويد والأسرلة، ولكن بين مدّ وجزر، ومع ذلك، فإن عدد إغلاق المؤسسات بات أقل، لكن زادت تدخلات الاحتلال أكثر في الأنشطة ونوعية تلك الأنشطة التي لا تتوقع أن يتدخل فيها الاحتلال. فبعد أن كانت تتدخل ضد أنشطة سياسية وضد مؤسسات تتهمها بأنها مرتبطة بمنظمة التحرير الفلسطينية أو السلطة الوطنية، باتت اليوم تتدخل في أغلب الأنشطة حتى ولو كانت رياضية أو فنية، وتمنع الإفطارات الرمضانية، وفي مناسبات اجتماعية منها على سبيل المثال إحياء الذكرى الأربعين لوفاة المناضل الفلسطيني د. صبحي غوشه. وبالتالي هم طوّروا من تدخلاتهم بحيث حدّوا من جميع الأنشطة الفلسطينية في القدس، وبالنسبة إليهم، لا ليس مهما وجودك كفلسطيني، لكن مشكلتهم الأساسية مع هويتك الوطنية والثقافية، ولهذا حرصوا على أن لا يعكس أي نشاط تقوم به هذه الهوية، وبأن لديك رموزاُ وطنية وهوية فلسطينية، لأن هذا بالنسبة إليهم جنون يفقدهم صوابهم، ولأن ما حدث خلال السنوات الأخيرة من مواجهات معهم أصابهم بنوع من الإرباك، وبأنهم فشلوا على مدى سنوات احتلالهم من أن يفرضوا سيادتهم وسيطرتهم على القدس، وهذه مشكلة كبيرة بالنسبة للسياسيين والأمنيين في دولة الاحتلال، وبالتالي صعّدوا في الآونة الأخيرة من نشاطاتهم وخطواتهم ضد أي نشاط فلسطيني، وباتوا يلاحقون أي شخص يعمل مع السلطة سواء كان الوزير أو المحافظ ، بل شملت ملاحقاتهم موظفين عاديين، وبالتالي هي معركة مستمرة لم تتوقف، كما أنها لن تتوقف، وأعتقد أنه بعد صفقة القرن واعتراف ترامب بالقدس عاصمة لهم، فإنهم بصدد خطوات أوسع وأكثر صرامة، بحيث يتم القضاء على أية رموز فلسطينية في القدس. هم الآن يحاولون إيقاف أي تدفق مالي للأفراد والمؤسسات في القدس، وهم يعكفون بقوة عل تحقيق مسعاهم هذا بالتعاون مع دول أوروبية، وصولاً إلى هدف أشمل وهو تحقيق عملية الاندماج ما بين المجتمع المقدسي ومؤسسات دولة الاحتلال ، وبالتالي أعتقد أن هذه الخطوات ستتصاعد أكثر بحيث نواجه صعوبة كبيرة جدا في التعبير عن هويتنا وثقافتنا الوطنية ووجودنا في مدينة القدس كفلسطينيين. هل تعتقد بأن هذه الاستهداف المركّز للمؤسسات المقدسية يرتبط أيضا بتصعيد الصراع الديمغرافي في القدس من خلال تكثيف الاستيطان حتى في قلب الأحياء المقدسية؟ *** بالنسبة إليهم هذه مسألة أساسية منذ عهد رئيس بلدية الاحتلال الأسبق تيدي كوليك. وكانت المسألة الديمغرافية مشكلة أساسية بالنسبة إليهم عليهم مواجهتها وإيجاد الحلول المناسبة لها. لذا وسّعوا حدود مدينة القدس، وكثّفوا من الاستيطان فيها باعتبارها عاصمتهم وملأوها بالمستوطنات، ولحسم العامل الديمغرافي في المدينة المقدسة انتقلوا لتكثيف استيطانهم في قلب الأحياء المقدسية، وفي السيطرة على البيوت والعقارات فيها، والقيام بعمليات طرد ناعمة للمقدسيين حتى يصلوا بالمجتمع المقدسي إلى قبول بهذا الوجود الاستيطاني باعتباره طبيعيا، ولهذا هم رصدوا عشرات الملايين من الشواقل لتحقيق هذا الغرض، ويكفي أن نشير هنا إلى أن حراسة المستوطنين فقط تكلفهم في القدس سنويا أكثر من 30 مليون شيكل. أعتقد بأنهم يريدون أن يروا القدس بطابع يهودي بحت، ولذلك هم يتحدثون عن العامل الديمغرافي باستمرار، ويعترفون بفشلهم من الحد من هذا العامل وحسمه لصالحهم. فنحن نتحدث الآن عن نسبة سكانية من المقدسيين تزيد عن 38% من سكان القدس بشطريها، وهذه النسبة تشكل معضلة كبيرة لهم، ولهذا يسعون إلى تقليصها بكل السبل والوسائل، ولربما تتيح لهم صفقة القرن تحقيق بعض النجاح بحيث يخفضون هذه النسبة إلى النصف تقريبا، وهذا متوقع وهو خطر جداً. هل تلتقي فكرة المركز الجماهيرية مع لجان الأحياء التي سعى الاحتلال لتشكيلها في القدس قبل ذلك؟ *** فيما يتعلق بهذه اللجان، فقد اشتغل الإسرائيليون على المخاتير، باعتبارهم عناوين للمجتمع الفلسطيني، لذا منحوهم بعض الصلاحيات مع الشرطة ، وكانوا منحوهم قبل ذلك صلاحيات فيما يتعلق بملكية الأراضي، وبالتالي هم يحاولون إعطاء قوة لهذه اللجان من خلال بعض رموز العشائر المنتشرة في مدينة القدس، حيث تعطى لهم صلاحيات لحل بعض المشكلات، لكن عمل هذه اللجان بات مقلصاً، وتقلّص معها دور المخاتير لصالح المراكز الجماهيرية ، وقد نجحوا في صور باهر على سبيل المثال من خلال هذه المراكز. بعد أن أقاموا مجمعا كبيراً كاملاً ومتكاملاً، والآن يحاولون اختراق العيسوية من خلال اتصالات يجرونها مع مجموعة من ممثلي العائلات هناك. كيف واجه المقدسيين محاولة الاحتلال عبر المراكز الجماهيرية أسرلة التعليم وتهويده من خلال توجه قطاعات الى تعليم أبنائهم في مدارس تتبع مناهج دولية باعتبار ذلك احد الوسائل لحماية أبنائهم من الاسرلة؟ ** اعتقد ان بعض الفلسطينيين طول الوقت يختارون تعليم ابنائهم برامج دولية سواءا بريطانية أمريكية وألمانية وذلك بدافع تعليمهم في جامعات الدول المذكورة ، العديد من المدارس الاهلية تقدم هذا النوع من البرامج والامتحانات. ولكن السؤال عدد الطلاب الذين يدرسون وفقا للمنهاج الاسرائيلي؟ اعتقد ان النسبة الإجمالية اقل من ١٠٪ ولكن هذا مؤشر اجمالي ولكن خلال السنوات الأخيرة يوجد زيادة كبيرة في الأعداد التي تلتحق بالتعليم الاسرائيلي وهذا خطير إذا استمر بالتصاعد خلال السنوات القادمة، اسرائيل تملك السيطرة والمال وتعمل حاليا على تطوير مدارسها بمستوى أفضل من المدارس الأخرى وهذا ما سيحفز مزيد من الأهل للموافقة والطلب بإلحاق اولادهم بالمنهاج الاسرائيلي. هل تتوقع أن تتحول قطاعات اكبر من التلاميذ المقدسيين للدراسة في هذه المدارس حتى تتلافى الأسئلة الاسرائيلية؟ وهل يكون هذا بديلا مناسبا؟ ** اعتقد ان قدرة هذه المدارس محدودة ولن تستطيع استيعاب آلاف الطلاب بإلاضافة الى مناهج 2التدريس ونوعية الطلاب ومستواهم التعليمي بإلاضافة الى الكلفة العالية على الأسر الفلسطينية، لذلك وضع التعليم الحالي ومستوى القدرات الفلسطينية لن تستطيع وقف اسرلة التعليم في الظروف الحالية. ما هو المطلوب فلسطينيا وعلى المستويين الرسمي والاهلي لوقف الأسرلة الاسرائيلية للتعليم..هل من خيارات متاحة؟ ** اعتقد ان الفرص صعبة لاستعادة ما كان، ولكن يمكن التعامل مع الوضع بهدف تقليص الأضرار قدر الإمكان ومنع الابتلاع الكامل لقطاع التعليم، أولا يجب ان نعمل مراجعة ونقف على أهداف واقعية تكون ارضيتها الحفاظ على ما تبقى من التعليم الفلسطيني والدفاع عن المنهاج الفلسطيني سائدا في المدارس كما هو الوضع حاليا، ثانيا احداث تغيير في طريقة وأسلوب إدارة التعليم وخاصة بعد ان تم إغلاق مديرية التربية والتعليم واقصد وجود جسم اهلي من الخبراء وممثلي الأهل والطلاب ومدراء المدارس لرعاية وحماية التعليم الفلسطيني في القدس وثالثا المعلم هو البعد الاستراتيجي في الخطة وهو صمام الأمان الذي يجب ان نحافظ عليه ليكون خط الدفاع الأول أمام تغييب الوعي الفلسطيني. برأيك، ما هي البدائل والخيارات فلسطينيا لمواجهة كل هذه التوجهات الإسرائيلية؟ *** بصراحة، هذا صعب جدا لعدة أسباب. السبب السياسي الرئيس يتمثل في عدم توفر الرغبة لدى الجهات الرسمية الفلسطينية لمواجهة هذه الإجراءات الإسرائيلية في القدس. ولهذا، فكل ما يجري من عمل هنا، هو غير منظم وغير فعّال، وحتى من يتم تعيينهم، فهم مجرد مراسلين ، والمقصود بالمراسل هنا هو عدم امتلاكه أية صلاحيات أو قدرة على المواجهة، وعمله يقتصر فقط على نقل الرسالة إلى المستوى السياسي الأعلى، لأن المواجهة تتطلب صلاحيات وموازنات مالية تمكنهم من مواجهة الإجراءات الإسرائيلية، وهذه إحدى أخطائنا الاستراتيجية في مدينة القدس. فعلى مدى الفترة الماضية كنا نعتقد أن المشكلة في تعدد المرجعيات. برأيي هذا كان غير صحيح. وكان لا بد من تعدد المرجعيات طوال الوقت. المشكلة الأخرى، هي أنك في القدس لا تستطيع أن تواجه الاحتلال وسياساته بنحو عشرين مليون شيكل فقط، وفي أحيان كثيرة لا تحصل عليها بالكامل كمسؤول عن شؤون القدس، في الغالب تتوسل لمائة مؤسسة ومائة مسؤول كي تحصل على موازنتك. هذه مشكلة كبيرة جدا. نحن أثبتنا بأننا لا نريد أن نواجه في القدس. ولا نعمل من أجل تغيير أو وقف إجراءات الاحتلال في المدينة. ما يحدث في القدس الآن، هو أن الفلسطينيين العاديين هم من يواجهون هذه السياسات الاحتلالية الكبيرة، وهم لم يفقدوا هويتهم الوطنية والثقافية، وقد رأينا ذلك في المواجهات الأخيرة مع الاحتلال. إذن، لم تنجح المركز الجماهيرية في تقويض الرواية الفلسطينية على رغم ما تتمتع به من إمكانيات هائلة من قبل الاحتلال؟ *** بالقطع لا. هم الآن منشغلون في ترغيب الفلسطينيين في القدس وتشجيعهم على القبول بالإسرائيلي المحتل والاعتراف بقوانينه وخضوعهم لهذه القوانين، ورغم أن هذه المراكز نجحت في التوسع والتمدد، إلا أنها لم تحقق غايتها جميعاً. توقعاتي في غضون السنتين القادمتين ستحاول هذه المراكز أن تحقق عملية دمج المجتمع المحلي في قوانين الاحتلال من خلال نشاطات مشتركة مع مراكز إسرائيلية تحت مسمّيات التعايش، وهذا هو الأخطر، وفي حال نجحوا في برامجهم هذه فسيحدثون ما فشلوا من تحقيقه حتى الآن في قبول المقدسيين بالاحتلال والاندماج فيه. الاحتلال يحاول خلخلة وفك ارتباطنا في القدس، وهو يريدك مقيم في وطنك، ولكن بلا أي ارتباط أو هوية وطنية تماما كما فعلوا مع فلسطينيي عام 48، وحصر قضيتك بقضايا اجتماعية واقتصادية ومساواة، لكنهم لا يريدونك مرتبطا بشعب آخر. قالوا في المراكز الجماهيرية ودورها الروائي المقدسي جميل السلحوت معروف للجميع، أن الحكومات الإسرائيليّة المتعاقبة، والمجلس البلدي وجميع المؤسسات الإسرائيليّة لم تدّخر جهدا في تهويد القدس العربيّة التي وقعت تحت الاحتلال في حرب حزيران 1967 العدوانية. وقد شمل التّهويد الجغرافيا والتّاريخ والثّقافة. ورغم مقاطعة الغالبيّة العظمي من المقدسيّين الفلسطينيّين للانتخابات البلدية الإسرائيليّة، إلا أنّ البلدية تسعى إلى دمج المقدسيّين في مؤسّسات البلديّة، مع أنّ البلديّة تجبي ضريبة السّكن -الأرنونا- وغيرها من الضّرائب من مواطني المدينة الفلسطينيين، والتي تصل الى حوالي 35% من ميزانيّة البلديّة، إلا أنّ ما تنفقه على الخدمات في القدس الشرقية يتراوح بين 6-7%. >p? ومن ضمن سياسة التّهويد المستمرّة والمتسارعة لجأت البلديّة إلى تشكيل ما يسمى "المراكز الجماهيريّة" في بعض أحياء المدينة، تحت شعار تحسين الخدمات، وذلك في محاولة منها إلى جرّ المقدسيين إلى الاعتراف بضمّ القدس لتكون "عاصمة إسرائيل الموحدة." غير أنّ المقدسيين يدركون تماما أنّ مشكلة القدس الشّرقيّة - جوهرة الأراضي الفلسطينية المحتلة- هي مشكلة سياسيّة وليست خدماتيّة. راسم عبيدات – محلل إعلامي وسياسي المرحلة القادمة التي سيعمد اليها الاحتلال ستسير وفق عدة اتجاهات وسيناريوهات، لإزاحة أي قوى او فعاليات أو مؤسسات تقف في طريق تنفيذ مشاريع ومخططات الاحتلال في المدينة، وفي مقدمتها العمل على تحويل الأحياء والبلدات المقدسية الى وحدات اجتماعية منفصلة عن بعضها البعض، بحيث يجري ضرب الرابط الوطني بينها، وحصر الاهتمام في همومها اليومية الاقتصادية والاجتماعية، والعمل على ايجاد قيادات محلية بديلة للقيادات والرموز والشخصيات الوطنية في كل قرية، بحيث يجري العمل على تنفيذ ذلك من خلال إعطاء تلك الشخصيات البديلة صلاحيات مجالس محلية مرتبطة ببلدية الاحتلال على غرار القرى المقدسية الواقعة في غرب المدينة مثل أبو غوش وعين رافه وبيت نقوبا، وهذا يتطلب العمل على ايجاد مراكز شرطية في كل القرى والبلدات المقدسية في القسم الشرقي من المدينة، تضم أبنيتها بالإضافة للمهام الشرطية التي يناط بها عبر ما يسمى بالشرطة الجماهيرية، الدخول إلى المدارس وإعطاء ندوات ومحاضرات والتدخل في المشاكل التي تحدث داخل تلك المدارس، وكذلك تعمل على مساعدة اللجان العشائرية المرتبطة معها لكي تكون العنوان في المشاكل العشائرية "الطوش" والاجتماعية وغيرها، وتعمل هي كشرطة على تفكيك وتفتيت الأسر المقدسية وهتك نسيجها المجتمعي بالدخول إلى حرمات بيوتها والتدخل في أدق خصوصياتها ... وهنا ستضم المراكز الشرطية مبان أو غرف تابعة للمراكز الجماهيرية والتي ستكون رأس الحربة الى جانب الشرطة في أن تكون البديل للأندية والمراكز المجتمعية الفلسطينية في الاختراق الشعبي للمجتمع المقدسي، بحيث يجري تخصيص ميزانيات ضخمة لها، لكي تنفذ انشطة وفعاليات في الأحياء والبلدات المقدسية وداخل المدارس، وستعمل البلدية على خلق وكلاء ومتعهدين محليين، تصرف لهم ميزانيات ضخمة، لكي ينفذوا أنشطة وفعاليات داخل المدارس والقرى والبلدات المقدسية، وسيتم ربط الأمور الحياتية للمواطنين من خلالها القضايا المتعلقة بالترخيص للبناء وإقرار المخططات الهيكلية وغيرها. وفيما يتعلق بطرق وآليات المواجهة يجب أن تركز على رسم استراتيجية موحدة تتشارك فيها السلطة والقطاع الخاص والمؤسسات المقدسية وبالتحديد الأندية الرياضية، بحيث يجري العمل على بناء وإقامة وتفعيل الأندية والمؤسسات المقدسية، لكي تملأ الفراغ وتكون بديلاً مقنعاً للجماهير والأهالي في تقديم الخدمة، من حيث نوعية الأنشطة والفعاليات وجودتها وثمنها، وتوفير ذلك من شأنه أن يمنع المراكز الجماهيرية في أن تكون البديل لطلابنا وأطفالنا والفئات المهمشة من شعبنا، والاستراتيجية يجب أن تقوم على ضخ ميزانيات حقيقية لهذه المراكز الشبابية، لكي تنجح في استقطاب الشباب والأطفال وغيرهم.
جورج جقمان: أستاذ في جامعة بيرزيت وكاتب سياسي، وعضو مجلس إدارة معهد مواطن للديمقراطية وحقوق الإنسان:
×
جورج جقمان: أستاذ في جامعة بيرزيت وكاتب سياسي، وعضو مجلس إدارة معهد مواطن للديمقراطية وحقوق الإنسان:
مقدمة: قال د. جورج جقمان، الكاتب السياسي والأستاذ في جامعة بيرزيت، أن إسرائيل ألغت عملياً حل الدولتين منذ مدة، من خلال سياساتها الاستيطانية التوسعية في الأراضي الفلسطينية، وأنه ليس في وارد اليمين الإسرائيلي الذي يهيمن على السلطة هناك أي قبول بقيام دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 67. وفي حوار معه، ضمن زاوية "في ضيافة "مفتاح"، أكد جقمان أن أحد أهداف صفقة القرن من منظور صهيوني "عقلاني" هو إنقاذ اليمين وإنقاذ إسرائيل من نفسها، أي فصل الفلسطينيين عن إسرائيل من خلال كيان سياسي ما، يمكن أن يسمى دولة، وتحت الوصاية الإسرائيلية، لغرض إبقاء إسرائيل دول يهودية ومنع حل الدولة الواحدة، محذراً من قيام الولايات المتحدة بإجراء يتعلق بالرئيس محمود عباس على خلفية معارضته الشديدة للصفقة، من نوع إحداث تغيير سياسي، كما فعلت في دول عدة في السابق، لكنه لن يكون بذات الطريقة التي تم فيها التغيير مع الرئيس الراحل أبو عمار. وفيما يتعلق بمنظمة التحرير الفلسطينية، قال د. جقمان، إن المنظمة غير موجودة في الواقع، في حين، أن السلطة أصيبت بحالة من الهوس مما يمكن أن يسمى ب"الخطاب الدولاني" طيلة مسار أوسلو بما في ذلك عند حل المجلس التشريعي، إذ قال البعض في نوع من الهذيان السياسي، أن هذه خطوة نحو الدولة. وحول اللقاءات التي تمت مؤخراً بين إسرائيليين وفلسطينيين، بمبادرة من لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي، استبعد جقمان، أن يتمكن الجانب الفلسطيني من التأثير كثيراً على الرأي العام الإسرائيلي للتوصل إلى تسوية سياسية، داعياً إلى إعادة بناء القوة التنظيمية في المجتمع الفلسطيني، في حين استبعد إجراء انتخابات بالنظر إلى عدم توافر شروط إجرائها في هذه المرحلة. وفيما يلي نصّ الحوار: - ما قراءتكم للتطورات الأخيرة التي أعقبت الإعلان رسمياً عن صفقة القرن خلال المؤتمر الصحفي الذي جمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؟ *** كما هو معروف، فقد جرى تأجيل الإعلان عن صفقة القرن عدة مرات، وهناك نص مكتوب موجود على الانترنت لمن يريد أن يقرأ المزيد عن هذه الصفقة. لكن من المهم الإشارة إلى أنه سبق الإعلان عن الصفقة اعتراف الولايات المتحدة بالقدس غربيّها وشرقيّها كعاصمة لإسرائيل، وربما "زيادة البيّاع" - كما يقال - اعترافها أيضاً بضم إسرائيل للجولان، ومن غير الواضح تماماً ما إذا كان هذا الجانب من الاعتراف بالجولان، ضمن صفقة القرن أم لا. وقد قيل الكثير عن أهداف الخطة، مثلا أنها صممت لكي تُرفض، وكان هذا عنوانا لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في حينه. وقيل أيضاً أن الهدف منها مساعدة نتنياهو في الانتخابات، كما قيل أنها ستساعد ترامب نفسه في بعض الأوساط اليمينية في الولايات المتحدة الأميركية، وأنها تهدف لتصفية القضية الفلسطينية. وجميع ما ذكر قد يكون من أهدافها، لكن لدي قراءة أخرى للأسباب ، أي أن الخطة بالإضافة إلى مجمل الأهداف المشار إليها، فهي تهدف من منظور صهيوني "عقلاني" – إن جاز التعبير – إلى إنقاذ اليمين وإنقاذ إسرائيل من نفسها. فكما هو معروف، فإن بعض الأوساط داخل إسرائيل خاصة من الكتّاب ممن يروْن في حل الدولتين حلاً مناسباً للقضية، كانوا قد حذّروا في الماضي من أن نهاية الطريق التي قد يقود إليها الضم، هو أن تنتهي إسرائيل كدولة واحدة فيها أغلبية فلسطينية. وأعتقد أن أحد الأهداف هو فصل الفلسطينيين عن الإسرائيليين تفادياً لهكذا نتيجة. ولكن في البداية لم يكن هناك تفكير بأن هذا الفصل سيتم من خلال شيء اسمه دولة فلسطينية. فمثلاً في مقابلة مع صحيفة "القدس" في حزيران من العام 2018، تحدث كوشنير نفسه عن حكم ذاتي ولم يشر إلى شيء اسمه دولة. ولكن فكرة الفصل كانت موجودة ضمن إطار الحكم الذاتي. أعتقد أنه بسبب الرفض الفلسطيني ولتيسير أي ضغط عربي ممكن على الجانب الفلسطيني جرى استبدال هذه العبارة بعبارة "الدولة الفلسطينية"، ولكن بقي جوهر الموضوع واحداً سواء من ناحية ضمّ الأرض، أو من ناحية الفصل مع إسرائيل، وإيجاد إطار من منظور صهيوني يلبي ما يرون بإمكانه أن يلبي بعض "الطموحات" السياسية الفلسطينية كما يسمونها، أي أنها ليست حقوقاً وإنما "تطلعات وطموحات". هم لا يستخدمون عبارات أخرى. والآن في هذا التاريخ الذي نتحدث فيه توجد لجنة إسرائيلية أميركية لبحث موضوع ما سيتم ضمه من أراضي الضفة الغربية، وأعتقد أن الموقف لدى الأميركيين هو أن لا يترك موضوع الضم كلياً لنتنياهو أو أية حكومة إسرائيلية قادمة، لأن هذا يخلق إشكالية للخطة. وهذه الخطة لا تتعارض مع ضمّ الأجزاء المقرر أن تكون في إسرائيل حسب تلك الخطة، لكن ليس أكثر من ذلك الآن لغرض ترك مجال للمفاوضات حسب تصور الخطة. وأنا أتحدث تقريباً عن حوالي 30% من أراضي الضفة الغربية، وهذا ما هم موافقون عليه، ولكنهم غير موافقين على الأٌقل خلال فترة السنوات الأربع التي تتضمنها الخطة أن يتم ضم نسبة أكبر من الأراضي. نحن الآن في هذا الظرف، وهنا تنشأ أسئلة كثيرة. - فلسطينياً، هل كان التعامل مع ما طرحته الخطة بمستوى الخطورة التي تمثلها الصفقة؟ ** أعتقد أن تفاؤل مجموعة كوشنير وفريقه الذي كان موجوداً في عام 2017، - وأشير تحديدا إلى هذا العام، لأن خطة صفقة القرن كانت جزءا من خطة أكبر جرى التباحث فيها مع عدد من الأنظمة العربية، بما في ذلك السعودية والإمارات. وعندما زار ترامب السعودية في العام 2017 كانت الخطة جاهزة، وقد تضمنت صفقة القرن ومسعى لآخر للتطبيع بين الطرفين -، أعتقد أنه في هذه الفترة كان تفاؤل فريق ترامب أكبر مما بان لاحقاً بالنسبة لإمكانية الدول العربية في الضغط على الجانب الفلسطيني. أعتقد أن الموقف الفلسطيني الذي كان قوياً وصلباً برئاسة الرئيس محمود عباس صّعب الأمر على عدة دول عربية في الضغط على الجانب الفلسطيني، بدليل أن الموقف السعودي الرسمي ما زال حتى الآن وحسب تصريح قبل أسبوعين لوزير خارجية السعودية هو أن الحل السياسي يجب أن يسبق التطبيع، وهذا هو الموقف الرسمي. أما الموقف غير الرسمي، فهذا موضوع آخر. والموقف السعودي هذا كرره الملك سلمان خادم الحرمين الشريفين في مؤتمر جامعة الدول العربية الذي انعقد في الأردن في شهر آذار من العام الماضي. وبالتالي، فإن الجانب الفلسطيني استخدم كل الأدوات التي بيده، ونقطة القوة الرئيسية هي أن خطة صفقة القرن ك "حل سياسي" للصراع يلزمه طرف فلسطيني، وإذا كان هذا الطرف رافضاً فلن يوجد حل، وهذه طبعاً معضلة صفقة القرن الآن. قد يوجد ضمّ، أراض ولكن ليس حلاً سياسياً ينهي الصراع كما كانوا يأملون . - هل تعتقد أن الأميركيين سيعودون لاحقاً لفرض خطتهم؟ وماذا يفهم من تصريحات السفير الإسرائيلي الأخيرة في مجلس الأمن حول الرئيس محمود عباس؟ ** ليس من المستبعد أنهم سيسعون في فترة لاحقة للعودة إلى ذات الموضوع، وهناك مؤشرات لا يمكن الركون إليها تماماً، ولكن أعتقد أن ما قاله سفير إسرائيل في الولايات المتحدة في خطابه أمام مجلس الأمن، والذي تلا خطاب الرئيس أبو مازن في 8 شباط 2020، إذ قال أن السلام لن يحل بوجود أبو مازن. أعتقد أنه ليس كلياً مستبعداً، أن يعمل الجانب الأميركي على إجراء نوع من التغيير السياسي كما فعلت الولايات المتحدة في الكثير من الدول سابقا. لا أقصد أن التغيير سيحصل بذات الطريقة التي تم فيها التغيير مع الرئيس الراحل أبو عمار. لا أقصد هذا. ولا أقصد أن هناك مشروعاً "للتخلص" من الرئيس أبو مازن، بالرغم من أن وسائل الإعلام الفلسطينية اعتبرت كلام السفير الإسرائيلي على أنه تهديد لحياة الرئيس. أعتقد أن هذا الأمر مبالغ فيه، ولكن كما تعلم، في فترة سابقة ظهرت بعض الأصوات الداخلية توصي ب"التعامل" مع الخطة، وقد هاجمتها وسائل الإعلام الفلسطينية. ربما يأمل الأميركيون أن يعودوا لهذا الموضوع خلال فترة السنوات الأربع القادمة إن أعيد انتخاب ترامب، ربما بعد مرحلة أبو مازن أطال الله في عمره. - أين تقف أوروبا من مجمل هذه التطورات السياسية ؟ ** إن كان الحديث عن الاتحاد الأوروبي، يوجد فرق بين دوله. وهناك مواقف واضحة ونسبياً قوية لعدد من هذه الدول. لكن مشكلة الاتحاد الأوروبي معروفة. ففي الاجتماع الأخير في بداية شهر شباط لم يتمكن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي من الاتفاق على رفض صفقة القرن، أو أي مبادرة سياسية لأنه يلزم أن يكون القرار بالإجماع. وكما هو معروف إسرائيل لديها اختراق لعدد من الدول خصيصاً دول أوروبا الشرقية. فالمجر وجمهورية التشيك، وإيطاليا أيضا، رفضوا وجرى تأجيل الموضوع. هذه مشكلة الاتحاد الأوروبي كاتحاد، ولكن هناك مواقف دول أخرى مشجعة على الأٌقل في بعض النواحي وليس في جميع النواحي. فمثلاً موقف الحكومة الألمانية في موضوع المحكمة الجنائية الدولية مساند لإسرائيل تماماً. - ماذا عن موقف النظام الرسمي العربي من هذه الصفقة، وقد شاهدنا وفوداً عربية تشارك في مؤتمر الإعلان عنها بواشنطن؟ ألا يضعف هذا الموقف الفلسطيني برفض الصفقة؟ ** الوفود العربية التي شاركت في المؤتمر الصحفي لترامب ونتنياهو معروفة. وسفير الإمارات على وجه التحديد وأشير إليه بشكل خاص، لأنه هو من النشيطين في بناء علاقات مع المنظمات الصهيونية في الولايات المتحدة، وكذلك في مسار التطبيع مع إسرائيل. هم يعكسون مواقف حكوماتهم، ولكن أغلبية من السفراء العرب لم يكونوا موجودين. وبالتالي هناك انقسام واضح. ولكن أغلب المتحمسين للتطبيع من الدول العربية معروفون. - ألا ترى أنّ هناك اختراقاً إسرائيلياً على أكثر من ساحة عربية وإسلامية فيما يتعلق بالتطبيع مع إسرائيل ؟ ** هذا صحيح. فعلى سبيل المثال هناك السودان ولقاء نتنياهو مع عبد الفتاح البرهان. ولكن نفوذ الإمارات، والسعودية بدرجة أقل، في السودان موجود منذ فترة. فمثلاً الإمارات تلعب دوراً في إرسال جنود سودانيين للقتال في اليمن وليبيا. من الواضح أنّ هناك انقساماً عربياً، وأن مسألة التطبيع يقوده تيّار عدد من دول الخليج، لكن ليس جميع هذه الدول. أنظر مثلاً إلى موقف الكويت، وهو موقف مختلف تماماً، وقد رأينا موقف رئيس مجلس النواب الكويتي الذي مزّق خطة صفقة القرن. صحيح أنه موقف دراميّ، ولكن له أبعاد سياسية. أنا أضع الأمر في سياق أوسع. فإذا نظرنا إلى الانتفاضات العربية، من هو المناهض للتغيير الذي تطالب به الشعوب العربية ابتداء بتونس، ولكن خصيصاً مصر، وبعد ذلك في الجزائر والعراق والسودان ولبنان، رغم أن الأخير حالة خاصة ؟ صحيح أنه توجد أطراف داخلية مناهضة للتغيير، أو ما يسمى ب"الدولة العميقة"، لكن أيضا توجد أطراف عربية مناهضة للتغيير خشية أن تصلها هذه الموجة، وفي نفس الوقت هذه هي نفس الأطراف التي تسعى للتطبيع مع إسرائيل. هذه هي الصورة الآن. فالأنظمة العربية التي هي ضد الثورات العربية، وضد التغيير إلى أنظمة حكم تسعى للعمل لصالح شعوبها، هي أيضاً مع التطبيع. - بماذا تفسر قرار المحكمة الجنائية الدولية بفتح تحقيق في جرائم الحرب الإسرائيلية، ثم تراجعها لاحقاً عن هذا القرار ؟ ** للدقة، فإن وسائل الاعلام الفلسطينية تحدثت كثيراً عن فتح تحقيق. وفي الواقع لم يكن هناك قرار بفتح تحقيق تماماً. القرار كان هو بتشكيل لجنة للنظر فيما إذا كان هناك ولاية قانونية للنظر في المحكمة الجنائية على فلسطين. والسبب في ذلك، هو أن إسرائيل قدمت مداخلة مدروسة قانونية تدّعي أن لا ولاية قانونية للمحكمة على فلسطين، لأن فلسطين ليست دولة. وبعد المدة المقرر فيها أن تقدم لهذه اللجنة تقريرها عندئذ سيتخذ القرار. لا يوجد قرار بفتح تحقيق. ما حصل هو أن رئيسة المحكمة أعلنت أنه توجد أدلة تبين أنه جرى ارتكاب جرائم حرب، وأن هناك إمكانية لفتح تحقيق، ولكن يسبق هذا قرار اللجنة، والتي شكلت كما أشرت، لرؤية ما إذا كان هناك ولاية قانونية للمحكمة، وبالتالي لم يكن هناك قرار بفتح تحقيق، وهذه نقطة مهمة. لكن وسائل الاعلام الفلسطينية تحدثت عن فتح تحقيق وهذا غير صحيح. الآن نحن أمام معركة، لأن الضغوطات مستمرة، ليس فقط من قبل إسرائيل، وإنما من الولايات المتحدة، وهو ما عبر عنه موقفها الأخير من أنه لا توجد ولاية قانونية للمحكمة على فلسطين، وبالتالي ما هو مطلوب هو استمرار العمل الفلسطيني الدبلوماسي الدؤوب للضغط بالاتجاه المعاكس لضغط إسرائيل. نحن أمام معركة دبلوماسية وسنرى نتيجتها. وإسرائيل تخشى كل الخشية من موضوع المحكمة، لأنه سيخلق مشكلة لها ولكثير من رجال السياسة والضباط الذين هم مسؤولون عن جرائم الحرب الإسرائيلية. الأمر الآخر وما هو ضروري، هو أن تصمد السلطة الفلسطينية أمام الضغوطات، لأنه في الماضي كان هناك مناسبات رضخت فيها السلطة للضغوطات، كما كان عليه الحال في عدم متابعة تقرير غولدستون. أعتقد أن الوضع مختلف الآن. ربما لأنّ السلطة وتحديداً الرئيس أبو مازن بعد صفقة القرن، وصلا إلى نهاية الطريق مع الولايات المتحدة وإسرائيل، فيما يتعلق بأية إمكانية لأي مسار سياسي. أي أنه لا يوجد ما يتم خسارته من قبل الجانب الفلسطيني. - كيف يؤثر الانقسام الداخلي الفلسطيني على مواجهة مجمل هذه التطورات. وقد لوحظ أنه بعد خطاب الرئيس الأخير في مجلس الأمن، كان متوقعاً أن تتجه البوصلة نحو الوضع الداخلي، لكن شهدنا توجهاً آخر نحو الساحة الإسرائيلية في محاولة لما قيل للتأثير على الرأي العام الإسرائيلي؟ ** موضوع الانقسام لا شك أنه موضوع هام، ولكن في رأيي الشخصي ليس على نفس الدرجة من الأهمية التي تضفيه على الموضوع وسائل الإعلام. والسؤال لدى الحديث عن إنهاء الانقسام، ما هو المقصود بهذا الإنهاء، ما هو المقصود تحديداً برأب الصدع؟ المقصود هو تطبيق وثائق موقعة وهي اتفاقيات القاهرة التي كان أولها اتفاقية القاهرة في آذار من العام 2005 وآخرها اتفاقية القاهرة في العام 2011. ما تلاها هو شيء واحد سمي في حينه ب"تفاهمات 2017"، وهي مبنية جزئياً على اتفاقية 2011. بالتالي، إذا نظرت إلى اتفاقية القاهرة للعام 2011 تجد أن بنوداً رئيسية فيها غير قابلة للتطبيق والطرفان - أقصد فتح وحماس - يعرفان ذلك. مثلاً دعني أشير إلى ثلاثة بنود، أولاها: بند دمج الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية وقطاع غزة، هذا غير ممكن في الظرف الحالي. أما ثاني البنود، أي إجراء الانتخابات، فقد جرت محاولة، ولكن أعتقد أن الطرفان لا يريدان هذه الانتخابات. وحتى لو جرت وتمت سيتم العودة إلى ما كان سابقاً. أي أنه ستجري مقاطعة حماس ولن يسمح لها بتشكيل حكومة حتى لو فازت، بمعنى أنه لن يتم التعامل معها من قبل الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية بما في ذلك إسرائيل، وستخلق أزمة جديدة. ثم أن البند الثالث وهو مهم جدا ويتعلق بانضمام حماس لمنظمة التحرير. فماذا تعتقد بأنه ستكون النتيجة لو انضمت؟ ستعلن إسرائيل والولايات المتحدة بأن م. ت. ف عادت لتكون منظمة إرهابية وهذا غير مقبول للسلطة الفلسطينية، وهو أمر واضح. فهذه الاتفاقية بمجملها غير قابلة للتنفيذ، وأنا أدّعي بأنّ الطرفين لا يريدان فعلاً المصالحة، بما أن الوضع الحالي من منظور كل طرف بغضّ النظر عما هو معلن، ليس هو الوضع الأمثل، ولكنه الوضع الأكثر راحة من إجراء المصالحة. إذا أردت المصالحة يوجد شيء يسبق ذلك منطقيّاً، وهو نقطة البداية، ويتمثل في ماهيّة برنامج العمل في الظرف الحالي سواء قبل أو بعد صفقة القرن. أعتقد أنّ المصالحة إن كانت ستتم، فستتم على برنامج نضالي جديد، وليس على أساس تقاسم الحصص كما يسعى الطرفان المتخاصمان. - ما طبيعة هذا البرنامج برأيك؟ ** هذا هو السؤال المفتوح الآن بعد صفقة القرن، خاصة إذا قامت إسرائيل بضمّ أجزاء من الضفة الغربية. وإن جاز التعبير، فإن من "إيجابيات" صفقة القرن، هو أنها ربما أقنعت العديد بأن حل الدولتين قد انتهى بالفهم الفلسطيني له، خاصة مع استمرار الاستيطان وإمكانية ضم أجزاء من الضفة الغربية. وإذا كان هناك طرف فلسطيني في المستقبل سيقبل بشيء شبيه بحكم ذاتي أسمه دولة، فهذا أمر آخر. وإذا كان حل الدولتين هو المشروع الوطني، فيلزم وجود مشروع وطني جديد أو متجدد. هذا هو السؤال المفتوح. وهذا هو الموضوع الغائب من النقاش العام. أنا أدّعي أن هذا الوضع ليس بجديد. فإسرائيل عملياً ألغت حل الدولتين منذ سنوات. واليمين الإسرائيلي ليس في وارد قبول دولة فلسطينية، حتى أنه كان لديهم اعتراض على ما ورد في خطة صفقة القرن، وليس في وارد تخليهم عما يطمحون لسرقته من الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية. هذا أمر واضح. لذلك أقول أنه بعد انتهاء مفاوضات كامب ديفيد في تموز من العام 2000، وتحديداً بعد مفاوضات طابا في مصر في شهر كانون أول من عام 2001، عندما كان إيهود باراك رئيسا للحكومة الإسرائيلية كان من الواضح أنه حتى لو جرى اتفاق لن يكون باراك في وضع تمرير هذا الاتفاق في الكنيست الإسرائيلي، لأن أغلبية يمينية سيكون لها نصيب الأٍسد من المقاعد بعد الانتخابات التي كانت على وشك الحصول، وهذا ما تم فعلاً. كانت هناك محاولة في عهد أولمرت في عام 2007، ومحاولات وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري في عام 2013 و2014 للتوصل لاتفاق. وكان كيري صريحا بهذا الشأن، حين وضع اللوم للفشل على الجانب الإسرائيلي. - أين منظمة التحرير الفلسطينية من هذه التطورات، وقد برزت أصوات تطالب بحل السلطة، وأخرى تنادي بإعادة تعريف وظيفتها، وتعزيز مكانة المنظمة التي تآكلت خلال السنوات الأخيرة لصالح السلطة؟ ** عملياً منظمة التحرير غير موجودة في الواقع. غير موجودة بتاتاً. موضوع المنظمة موضوع هام جداً، والسبب أنه لا يجب التخلّي عن الإطار التمثيلي للشعب الفلسطيني ككل في الداخل والخارج، وقد كان هذا من أهم إنجازات المنظمة. ما حصل هو تماهي م. ت. ف بالسلطة الفلسطينية، وبالتالي توجد حاجة لإعادة بناء المنظمة، ولكن ليس هذا فقط، وإنما في إطار تصور أهم عن ماهيّة المشروع الوطني الجديد. وضمن هذا التصور يجب أن نسأل السؤال المتعلق باستمرار السلطة الفلسطينية كما هي أو عدمه. ما حصل إبان فترة أوسلو هو أن السلطة الفلسطينية أصابها نوع من الهوس مما يمكن أن يسمى ب"الخطاب الدولاني"؛ وزارات، ومناصب، وتسميات مختلفة توحي بوجود دولة مستقلة فعلاً، والسلطة في الواقع حكم ذاتي محدود الصلاحيات مثل بلدية كبرى لإدارة شؤون السكان، وهذا كله ينبغي إعادة النظر فيها باتجاه المشروع المتجدد. أي أنّ السؤال حول حلّ السلطة أو عدمه، يجب أن ينظر إليه في إطار تصوّر أعمّ عن الدور المرجوّ في هذه المرحلة للسلطة الفلسطينية وطبيعة تشكيلها. وقد أشار الرئيس أبو مازن في حديث له مؤخراً إلى أنه قد يعاد النظر في عمل السلطة الفلسطينية، ولكن لم يفصح ما هو المقصود، ولا أعتقد أنه يوجد تفكير تفصيلي بهذا الاتجاه. أعتقد أن هذا هو السؤال الغائب منذ فترة وليس فقط الآن. - هل تعتقد أن هناك جدوى من عمل لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي؟ ومن القدرة على التأثير في الرأي العام الإسرائيلي لصالح تسوية مع الفلسطينيين؟ ** يوجد فارق بين ما هو صحيح من ناحية المبدأ، وبين ما هو في الواقع. فمن ناحية المبدأ، وحتى يمكن التوصل إلى حل، يجب أن يكون هناك طرفاً إسرائيلياً يشترك في التصور عن ماهية الحل مع الجانب الفلسطيني. ولكن في نفس الوقت ما كان يعرف باليسار الإسرائيلي ضعف إلى درجة كبيرة ولا يوجد أية فعالية سياسية له. ولا أعتقد أن بمقدور الجانب الفلسطيني إحياء هذا الجانب. فضعف ما عرف باليسار الإسرائيلي أسبابه داخلية، وأعتقد أن السبب الرئيس هو نجاح دولة إسرائيل في تحييدها لأية ضغوطات خارجية عليها بسبب نفوذها داخل الولايات المتحدة ومن ثم دول أخرى. وبالتالي من منظور اليمين الإسرائيلي، فإن المشروع الصهيوني فيما يتعلق بالأرض في الضفة الغربية مشروع يسير على قدم وساق، ولا يوجد سبب لهم بعدم الاستمرار في هذا الطريق، وهذا طبعاً أضعف اليسار الإسرائيلي خاصة في مسألة التطبيع عندما يعتقدون بأنهم يحققون إنجازات. وبالتالي لا أعتقد أن بإمكان الجانب الفلسطيني التأثير كثيراً في هذا الصدد. لكن، هذا لا يعني أنّه يجب التخلي عن المبدأ، وهو الحاجة لوجود طرف إسرائيلي، ولكن السؤال الأساسي بالنسبة للمستقبل ليس هذا. بل أن السؤال المركزي هو: ما هو المشروع الوطني الجديد؟ هذا هو السؤال الغائب في النقاش العام، ربما أن الإجابة ليست يسيرة. لكن بالرغم من هذا يجب أن نفكر بطريقة جديدة، طريقة خلاّقة على أكثر من صعيد، على الصعيد التنظيمي، وعلى صعيد الخطط، وما يمكن عمله. للأسف نحن أمام فترة جديدة، وأعتقد أنها ستكون طويلة، ولكن يجب أن نسأل: ما هي مصادر القوة الفلسطينية وكيف يمكن استغلالها والإفادة منها؟ وفي هذا يجب أن ينصبّ التفكير. - كيف ترى دور المجتمع المدني ومؤسساته في المرحلة الحالية؟ وما المطلوب منها في إطار المشروع الوطني؟ ** يعتقد كثيرون أن المجتمع المدني هو المؤسسات الأهلية، وهذا خطأ فادح. فالمقصود بمؤسسات المجتمع المدني هو التنظيمات التي ليست من الدولة، أي المستقلة نسبياً عن الدولة، وهي ليست خارج الدولة، ولكنها مستقلة، وأهمها المؤسسات التي لها قاعدة جماهيرية وشعبية مثل الأحزاب والنقابات باختلاف أنواعها، وليس المؤسسات الأهلية التي في الواقع ستقوى بوجود مؤسسات شعبية، وتضعف في غيابها من ناحية الفعالية والتأثير. أعتقد أنه يجب مستقبلاً العمل على إعادة بناء هذه المؤسسات سواء كانت نقابات باختلاف أنواعها عمالية أو مهنية أو أحزاب سياسية، أو قد تأخذ أشكالاً مختلفة ليس بالضرورة أن تكون أشكالاً هرمية. ولكن المطلوب إعادة بناء القوة التنظيمية في المجتمع التي هي بمجملها مؤسسات المجتمع، والتي أضعفها المؤسسات الأهلية أو ما يعرف بال NGO’S، كما اشرت، لأنه في الغالب ليس لها قوة جماهيرية. ولكن عندما تكون هناك قوى منظمة من نقابات وأحزاب، يمكن للمؤسسات الأهلية أن ترفد عمل هذه المؤسسات، وستجد البوصلة لعملها في إطار مشروع وطني. أعتقد أن هذه هي المهمة الأساسية. - هل ترى ضرورة فعلية لإجراء انتخابات في هذه المرحلة؟ وماذا يمكن أن تفضي إليه فيما لو جرت؟ ** الانتخابات مهمة، ولكن في ظروف معيّنة. أولا، أن تكون ممكنة دون وجود عوائق تمنع من أن تكون نزيهة أو ممثلة. ثانيا، وجود نظام سياسي مستقر نسبياً، وليس في حالة صراع وجودي كما هو الحال الآن. وكلا الشرطين غير متوفّرين في هذه المرحلة. لا شك أن الانتخابات أحد مصادر الشرعية في الأنظمة السياسية المستقلة. ولكن في إطار عملية تحرير، فإن م. ت .ف اكتسبت شرعيتها ليس من الانتخابات، وإنما من العمل المقاوم، وهذه الطريق سلكتها حركة حماس أيضاً. السؤال هو: في أي مرحلة نحن الآن؟ سيكتسب شرعية من يوفر بعض الإجابات للأسئلة الأساسية المطروحة، ويسعى للعمل بهذا الاتجاه. وأقصد إجابات حول ماهيّة المشروع الوطني الآن، والعمل من أجله، سيكون أساس الشرعية الجديدة. وفي كلّ الأحوال الانتخابات متعذرة الآن، إذْ أنّ إسرائيل لم تسمح لفلسطينيي القدس بالمشاركة، ومن غير الممكن عقد انتخابات بدون القدس، لأنّه سيعتبر تخلّي عن القدس. - في أي سياق تندرج شروط التمويل الأخيرة التي يحاول الاتحاد الأوروبي فرضها على المؤسسات الأهلية؟ وما قراءتكم لهذه الشروط؟ ** هي تندرج في سياق ضغوط تقوم بها إسرائيل لغرض تحييد مقاومة مسعى مقاطعتها وسحب الاستثمارات الأجنبية منها، وهو نشاط تقوم بها أل BDS، والتي تخشى منها إسرائيل، وهي تقوم بمحاربة هذا المشروع في كل مكان تتمكن من الوصول إليه بما في ذلك مسعى لإيقاف الدعم عن المؤسسات الأهلية الفلسطينية التي تناصر أل BDS، وأولها دور هذه المؤسسات في رفد المحكمة الجنائية الدولية بمعلومات تساعد في فتح تحقيق، أو محاكمة مجرمي الحرب. بالطبع الاتحاد الأوروبي يخضع لضغوطات، ولكن كما شاهدنا، فإنّ المؤسسات الفلسطينية اتخذت موقفاً قوياً ضد الشروط السياسية، ويجب أن يتابع، وهو غير كاف لعكس سياسة الاتحاد الأوروبي حتى الآن وبعد إقرارها. لكن بوجود مسعى ضاغط متواصل ومثابر ليس من المستحيل تغيير هذه السياسة في المستقبل. هذه معركة يجب أن تخاض وللممثليات الفلسطينية في الدول الأوروبية دور هنا، لكنّه ضعيف حتى الآن.
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647 القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14 حي المصايف، رام الله الرمز البريدي W607
للانضمام الى القائمة البريدية
|