والكلمة تستمد وزنها من وزن قائلها، الذي يستمد وزنه من وزن "القوى" التي يستطيع استعمالها، توصُّلا إلى تحويل "الفكرة" إلى "واقع". أذْكُر شخصا كان يحاول أنْ يشق لآرائه طريقا إلى النشر في إحدى الصحف اليومية؛ ولكن محاولاته باءت بالفشل على رغم أنَّ مقالاته كانت جيدة؛ بل كانت تفوق جودة مقالات عديدة تُنشر في تلك الصحيفة. صاحبنا ظنَّ أنَّ مشكلته لا تكمن في المقالة التي يرسلها؛ وإنَّما في "اسمه" غير المعروف أو غير المشهور في الوسط الصحافي في بلده، فتفتَّق ذهنه عن حيلة قد تأتي بالنتيجة التي يطمئن بها قلبه. لقد انتحل مقالة لكاتب واسع الشهرة، وبعث بها إلى الصحيفة ذاتها؛ ولكنَّ المقالة لقيت المصير ذاته، فتأكد ظنه. الذي يحدث هو أنَّ المقالة الجيدة تُشْهِر اسم كاتبها الذي ما أنْ يشتهر اسمه في عالم الصحافة حتى يتحوَّل "الاسم الشهير"، إلى مسوِّق حتى للرديء من المقالات، فالكلمة الضئيلة في وزنها المعرفي أو الفكري تعظم وزنا بفضل ما تستمده من وزن قائلها. وهذا التناقض نراه واضحا في "الأقوال العظيمة" للعظماء والمشاهير، فبعضها تقرأه، غير مرَّة، لعلَّكَ تكتشف فيه ما يبرر القول بعظمته، فلا ترى فيه من العظمة سوى عظمة قائله، الذي لو لم يكن قد بلغ العظمة لظهرت أقواله "العظيمة" تلك على أنَّها غير جديرة بهذا التعظيم. عالمنا العربي يحفل بما يسمَّى "الحكَّام الشموليين"، أي الذين يملكون من السلطة ما يسمح لهم بتقرير كل شيء، وبالهيمنة على كل شيء؛ ولكن مفهوم "الحاكم الشمولي" اغتنت معانيه وتوسَّعت إذ قرر بعض "الحكَّام الشموليين" أنْ يكون فيلسوفا ومفكِّرا وعالما أيضا، وكأنَّ مجده وتمجيده يحب أنْ يكونا في كل مجال. لقد زارته صحافية أجنبية مشهورة لتجري معه حوارا فكريا شاملا، فتحدَّث إليها في كل شيء حتى كاد أنْ ينسب إليه كل "المآثر الفكرية"، مظهرا نفسه على أنَّه أعظم العظماء. الصحافية صمتت حيرة ودهشة، وتركته يسترسل في كلامه حتى فاجأته بسؤالها الأخير، وهو "هل تؤمن بوجود الله؟"، فأجاب مستغربا: "ولِمَ تسألينني هذا السؤال؟!"، فقالت: "لأنني خِلْتُ أنَّك الله!". "الحاكم الشمولي" عندنا يستسهل العظمة في كل شيء، فغرور السلطة المطلقة التي يملك يسوِّل له ادِّعاء "العظمة" حتى في مجالات من المعرفة يجهل أبجديتها جهلا مطبقا. ويشجعه على ذلك ما يلقاه في وسائل إعلامه من تمجيد لكل كلمة يقولها حتى أنَّ إحدى صحفه قالت في خبر طبِّي إنَّ عملية جراحية صعبة أجريت بنجاح بفضل تعاليمه! عندما نسمع "الكلمة" يجب، أوَّلا، أنْ نزنها بميزان قائلها، فوزنها من وزنه؛ ثم يجب أنْ نزن قائلها بميزان القوة التي يمثِّل أو يملك، فوزنه من وزنها. وأحسب أنَّ هذا الميزان يعصمنا عن الوقوع في وهم "القائد الأعظم"، الذي له أفق يسع كل شيء ولا يسعه شيء، فهذا القائد مهما عظَّم نفسه وعظَّمْناه لن يبلغ وزنا يفوق وزن بلده ودولته؛ ويكفي أنْ ندرك هذه الحقيقة حتى ننبذ وهما من قبيل أنَّ نابليون يمكن أنْ يظهر في بلد غير فرنسا، وفي زمن غير زمنه. - مفتاح 5/10/2006 - اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|