لم نغادر النقطة الحرجة التي قد يؤدي تجاوزها الى العصف بحاضر ومستقبل الشعب وبقضيته الوطنية، تلك النقطة التي تسلقنا اليها على سلالم فقدان الثقة المتبادلة. لقد قدمت حكومة حماس نفسها كمن تملك الحقيقة المطلقة ومن يملك الحقيقة الكاملة لا يخطئ ولا يُناقش ولا يُصد ولا يُرد. والحكومة التي "تستمد قوتها من السماء" والارض معا، هي حكومة البديل الكامل والنفي الخالص للتجربة السابقة، وهي حكومة الحزب الواحد القائد. وبناء على تلك القناعات الحكومية فإن وحدة حماس أهم من وحدة الشعب، ومعاناة السواد الأعظم من الشعب تصبح قضية ثانوية لطالما أن الحكومة باقية في سدة الحكم، فلم والحال على هذا المنوال لم تحي الحكومة، عاشت الحكومة! قضية الخلاف الأساسية التي فاقمت تناقضات الحكومة من وجهة نظر حماس هي "إقدام" فتح ومؤسسة الرئاسة "على التحالف مع الحصار الخارجي والمسعى الدولي الإقليمي لاسقاط حكومة حماس أو استيعابها". وباللغة غير الدبلوماسية، تتهم حماس حركة فتح "بالمشاركة في مؤامرة لاسقاطها"، وتعتمد في ذلك على بعض التصريحات الفتحاوية البلهاء، وعلى ما نشر في وسائل الاعلام حول "اجتماع العقبة واجتماعات تنسيقية أخرى كان هدفها إحكام الحصار وتشديده من اجل إسقاط الحكومة وإفشال تجربة حماس"، وتقديم فشلها كنموذج لا يحتذى للإسلام السياسي في عموم المنطقة. ولا تنفرد حماس في اتهام فتح ومؤسسة الرئاسة بل يشاركها في ذلك سورية والمنظمات "المتحالفة" معها وبعض النخب وشخصيات فلسطينية وعربية مهمة. ومن اللافت للانتباه أن اي تعاط مع فكرة المؤامرة يدفع معتنقوها تلقائيا للاصطفاف ضد أصحابها، فيكفي وجود اسرائيل وأميركا المبدعتين في العداء للشعوب في أية جهة للاصطفاف السريع ضد تحالفاتهما. كان الاتهام الأخف الموجه لقيادة فتح والرئاسة هو التحالف الموضوعي مع حصار استعماري، لكن هذا التخفيف لا يغير من طبيعة التهمة. لا أحد يختلف حول وجود قرار أميركي اسرائيلي رباعي دولي يقضي بفرض حصار شامل وخانق على الحكومة والشعب الفلسطيني، ذلك الحصار الذي سرعان ما استجاب له النظام العربي وطبقه بشكل وبآخر. وأن الازمة الطاحنة التي يعيشها الشعب الفلسطيني هي بفعل هذا الحصار الظالم. قد لا يختلف كثيرون حول افتقاد الحصار لمبرراته القانونية المعلنة، فلا يجوز استخدام عقوبات جماعية تمس جوانب حيوية وانسانية لشعب بأكمله، وخاصة انها مترافقة مع استباحة سلطات الاحتلال الاسرائيلي لمقومات الحياة ولابسط الحريات والحقوق الوطنية والإنسانية المشمولة بالقانون الدولي. إن الحصار يجسد ابشع أشكال التدخل في حياة الشعب ويعبر عن افلاس اصحابه سياسيا وأخلاقيا، وهو مرفوض ومدان وينبغي التشهير به ومقاومته فلسطينيا وعربيا ودوليا. رغم عدم الاختلاف في تشخيص الحصار وأهدافه، لكن التعامل معه والاعتراض عليه تفاوت من طرف لآخر، وجرى في هذا السياق أشكال من الاختلاط والتعويم. والسبب في ذلك يعود للاختلاف حول دور العامل الفلسطيني في اصطفاف المجتمع الدولي لاول مرة مع قرار الحصار الذي بادرت اليه حكومة الاحتلال الاسرائيلي. لقد استخدمت اسرائيل وأميركا ذرائع فلسطينية لفرض الحصار. والسؤال هل كان بالإمكان عدم تقديم تلك الذرائع؟ هذا ما تفعله بالعادة القوى السياسية النبيهة، فهي دائما تخضع تكتيكها للدراسة ولا تضع نفسها في موقع يجلب لها المتاعب والضغوط ويضعها في موقع دفاعي هش. حماس لم تفعل ذلك، فقد دخلت بنية سلطوية مصممة باتفاقات وقرارات وقواعد دولية، وكان دخولها شرعيا لانه جاء بأسلوب الانتخاب الديمقراطي الحر، لكنها لم تلتزم بالقواعد الدولية للسلطة، وكان تمردها على تلك القواعد مشروعا من الزاوية الوطنية الفلسطينية لان تلك القواعد مجحفة بالحق الفلسطيني اولاً ولأن سلطة الاحتلال انتهكت تلك القواعد شر انتهاك وجعلتها بلا مضمون ثانيا. لكن التمرد كان يحتاج لحماية وتأييد وتفهم وإلا انقلب على أصحابه، هذا ما يقوله علم السياسة. ولانه افتقد فعلا لمقومات التغيير انقلب على حماس والسلطة والشعب الفلسطيني، وجاء الرد بصيغة عقوبات وحصار علما أن اسرائيل التي انتهكت تلك القواعد وأفرغتها من مضمونها الهش لم تتعرض حتى للمساءلة. في كل التجارب الثورية جرى نقد التكتيكات غير المدروسة التي تلحق الاضرار بالثورة وشعبها ليس لانها غير محقة وليس لان الجهة التي قامت بها غير ثورية بل لانها جلبت مصائب وخسائر غير اضطرارية وكان يمكن تفاديها. يجب أن نعترف بوجود دور لحماس في الحصار الظالم وهو يندرج في إطار السياسة غير المدروسة، وباستنكاف وتردد حماس في تصويب هذا الخطأ. وإذا تم الاكتفاء بوجود حصار وعدوان خارجي فقط بمعزل عن تقييم الأداء والاستجابة والاخطاء وعلاقتها بالعامل الخارجي، فسيبقى العامل الذاتي على حاله ولا اهمية بعدئذ لوجود اصلاح وتغيير، فيكفي وجود اكثرية ساحقة من القوى السياسية ضد العدوان الخارجي وكفى الله الساسة شر النقد. مقابل ذلك لا يقود وجود خطأ من هذا النوع "الى عدم مقاومة الحصار الخارجي وتسليط الضغط فقط على الذين قدموا الذريعة. لقد اكتفت مؤسسة الرئاسة وقيادة فتح بمطالبة ومناشدة الاطراف الخارجية لفك الحصار، ولم ترتبط تلك المطالبة بمواقف احتجاجية وبمحاولات جدية وبتحريض مستمر لكسر الحصار، ولم يتم ربط النضال المطلبي المشروع ضد الحكومة بنضال اشد ضد أقطاب الحصار الخارجي. كان ينبغي توجيه مركز الثقل في النضال الجماهيري ضد الذين فرضوا الحصار وتوجيه نضال مطلبي ديمقراطي ضد الطرف الداخلي الذي قدم الذريعة، وساهم في قذف جيش من الموظفين وعائلاتهم الى قارعة الطريق وفي شروط غير انسانية. ان هذا الاختلال قابل للتصويب، فالاتفاق على وثيقة الوفاق الوطني وبنود المحددات السياسية التي اعتمدها الرئيس عباس ورئيس الحكومة يؤكد أن قضايا الخلاف السياسي قابلة للحل ولا تضع قطبي الصراع في خندقين متقابلين ومتحاربين، "فتحماس" في خندق واحد. - الأيام 10/10/2006 - اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|