مفتاح
2025 . الأحد 8 ، حزيران
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 


لم تتوقف أخطاء الثورة الفلسطينية في حقبة لجوئها الاضطراري إلى الجوار العربي لفلسطين- أي بين العامين 67 و82 من القرن الماضي- عند حدود انزلاقها إلى خيار المرحلية وخيار التسوية فقط، فقد كان يمكن لذلك الانزلاق- على فداحة النتائج التي ترتبت عليه- أن يبقى ضمن نطاق ما يمكن تسميته بالتوجهات غير المحسوبة في التخطيط الاستراتيجي، ولكن القابلة- في الوقت نفسه- لمراجعة تتدارك بها نفسها وتصحح بها ما عرض من انحراف أو سوء تقدير. غير أن مسلسل الأخطاء الذي ارتكبته قيادة الثورة الفلسطينية (قيادة المنظمة وقيادات الفصائل) اتصلت حلقاته على نحو تعاظمت فيه تأثيراته السلبية في مجمل العمل الوطني الفلسطيني، وأدخلته في تناقضات كان في غنى عنها، أو أفقدته موارد قوة كان في أمس الحاجة إليها.

ولنقف سريعاً أمام ثلاثة من أكبر تلك الأخطاء وأكثرها تأثيراً سلبياً في تجربة الحركة الوطنية الفلسطينية:

* أول تلك الأخطاء دخول الثورة في تناقضات الوضع العربي وصيرورتها قوة في الصراع السياسي الداخلي في البلدان التي كانت لها فيها قواعد ومؤسسات مثل الأردن ولبنان. من نافل القول إنها دفعت ثمن وجودها خارج أرضها، وفي جوار عربي ما كان يمكنه أن يفتح أمامها هوامش واسعة للحركة مخافة ذهابها إلى حد إسقاط الهدنة واستدراج “إسرائيل” إلى مواجهة لا يريدها أي نظام عربي. ومع ذلك، كان في وسع الثورة أن تحسن إدراك هذا الوضع الحرج الذي انوضعت فيه منذ عملية الاقتلاع الصهيونية في حرب 67 واضطرارها إلى العمل من خارج الأرض المحتلة، وفي جملة ما كان عليها أن تحسن ادراكه حاجتها إلى أن تحول البلد المضيف إلى حاضنة - شعبية ورسمية- للثورة لا أن تخاصمه وتستعديه، فتدفعه إلى مواجهتها أو عزلها.

إن شعاراتها الذاهبة إلى “وحدة الضفتين” والى المطالبة ب”كل السلطة للمقاومة” وسياسات الأمر الواقع التي فرضتها في عمّان والزرقاء وإربد وعجلون حولتها إلى سلطة موازية للسلطة الرسمية، رفعت من معدل مخاوف النظام الأردني على استقراره ووجوده وعجلت بالصدام بينه وبين الثورة، وبسحق قواها وقواعدها. والخطأ نفسه تكرر في لبنان: مع النظام، وخاصة مع فريق سياسي (الجبهة اللبنانية) رأى في الثورة إخلالاً بالتوازن السياسي (والطائفي) في البلاد، فكان انزلاق الثورة إلى الحرب الأهلية اللبنانية، من خلال محالفة فريق (الحركة الوطنية بقيادة كمال جنبلاط) واستعداء آخر (قوى “المارونية السياسية”)، أقصر الطرق إلى الإضرار بمركزها في لبنان. وفي الحالين: في حال الأردن وفي حال لبنان، وجدت الثورة نفسها منغمسة في حروب لم تنشأ من أجلها، ولم تكن على جدول حلمها الوطني حين انطلقت، ولم تكن لها من وظيفة سوى استنزافها وصرف وجهة بندقيتها: من مقاتلة العدو إلى قتال الأهل (حتى وإن كان في جملة الأهل خصوم ارتضوا ضرب الثورة عسكرياً).

وثاني الأخطاء جنوح قيادة الثورة المتزايد نحو سياسة انعزالية تجاه المحيط العربي. بدأ التعبير عن هذه الانعزالية في صورة شعار وطني نظيف لا يملك أحد أن يشكك في هويته أو يطعن في شرعيته، وهو شعار: استقلالية القرار الوطني الفلسطيني. ولقد برره بداءة أن الثورة كانت تخشى مما سمته سياسات الوصاية الأردنية على الشعب الفلسطيني وقضيته، وخاصة مع إعلان مشروع “المملكة المتحدة” مثلما برره إصرار سوريا على الامساك بالتمثيل الفلسطيني عقب الصدام السوري- الفلسطيني في لبنان عام ،1976 ومحاولاتها مصادرة قرار منظمة التحرير. لكن شعار استقلالية القرار سرعان ما أسفر- في ما بعد- عن مضمون انعزالي أتت نتائج الغزو “الإسرائيلي” للبنان وحصار بيروت وخروج قوات المقاومة الفلسطينية (1982) تكرسه وتحوله إلى ما يشبه السياسة الرسمية: السياسة عينها التي قادت إلى الانشقاق التفاوضي وفتح قناة “أوسلو” ومحاصرة القضية الفلسطينية فيها منذ ذلك اليوم حتى الآن!

ووجه المفارقة في هذه الانعزالية الفلسطينية تجاه المحيط العربي وتجاه السياسة العربية أنها أتت كذلك- أي الانعزالية- تجاه فريق من النظام الرسمي العربي، بينما استمرت السياسة الفلسطينية مفتوحة على عواصم عربية أخرى، ومتناغمة أشد ما يكون التناغم مع حدها الأدنى منذ قمة فاس الثانية (1982) حتى اليوم، الأمر الذي يعني أن تلك الانعزالية كانت وجهاً آخر لسياسة انحياز الفلسطينيين لمحور عربي ضد محور آخر. وهكذا مثلما دخلت الثورة فريقاً في تناقضات البلد العربي الواحد فانحازت إلى طرف على حساب آخر، كذلك دخلت فريقا في تناقضات العلاقات العربية- العربية لتصطف مع جهة ضد أخرى. وفي الحالين لم تنجح في إنتاج حاضنة عربية- شعبية ورسمية لها، أو على الأقل لم تعمل بما يكفي لتوسعة نطاق حلفائها في الوطن العربي.

أما ثالث تلك الأخطاء فعدم إقامة الحياة السياسية الفلسطينية الداخلية على قواعد العلاقات الديمقراطية. ويستطيع القارئ في تجربة الثورة ومنظمة التحرير أن يقف على صور مختلفة من انعدام العلاقات الديمقراطية فيها. لقد غابت في العلاقة بين فصائل الثورة وداخل كل فصيل، وتضاءلت نسبتها داخل مؤسسات منظمة التحرير على نحو ما كشفت عن ذلك أشكال التمثيل في أجهزة المنظمة (المجلس الوطني، المجلس المركزي، اللجنة التنفيذية) وفي مؤسساتها (الاجتماعية والإعلامية)، وغابت في صورة غياب للمؤسسات بالمعنى الحديث (أي من حيث تكون محكومة بروح مؤسسية). أما أعلى صور التعبير عن انعدامها، فكانت- من دون جدال- ذلك الطغيان الكبير لأسلوب احتكار القرار وتهميش الأجهزة.

وكانت النتائج فادحة: جدل سياسي محتدم بين الفصيل الأكبر وسائر الفصائل استنزف الحياة الوطنية طويلاً، وفقدان الثقة بين الجميع والاقصاء المتبادل، والتحريض على القيادة، وتوهين الوحدة الوطنية، والانشقاقات، وقد بلغ ذلك كله ذروته في الحرب الأهلية الطاحنة التي اندلعت بداءة داخل “فتح” ثم تعممت على فصائل أخرى في صيف عام 1983 في البقاع والهرمل ومخيمات “البداوي” و”نهر البارد” في شمال لبنان.

لم تحصد الثورة من هذه الأخطاء سوى خسارات فادحة أضافتها إلى رصيد الخسارات لديها: فقدان الحاضنة العربية- الشعبية والرسمية- للثورة، وتنظيم البيئة الاجتماعية والوطنية الداخلية للثورة. وفي الحالين أضاعت على نفسها بهذه الأخطاء -وبغيرها- موارد قوة كانت دائماً في حاجة إليها. - مفتاح 21/10/2006 -

 
 
اقرأ المزيد...
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required