أما وقد بشر الجميع بالاتفاق فالسؤال الـمهم هو: على ماذا اتفقت فتح وحماس؟ حتى الآن يقال كل شيء من اسم رئيس الوزراء الى نسبة كل فصيل في الحكومة القادمة الى اسم مرافق وزير شؤون الفلك، والوزير الـمسؤول عن رفع الحصار.. لكننا لا نسمع شيئا عن برنامج الحكومة القادمة السياسي وكيف سيسمح هذا البرنامج برفع الحصار، والأهم من رفع الحصار، ما هو هدف الحكومة القادمة السياسي وكيف ستدير الصراع مع اسرائيل؟ لـم تكن هنالك مشكلة مع شخص رئيس الوزراء اسماعيل هنية، فالرجل دمث الخلق، حلو اللسان، شديد التواضع، غيور على شعبه ومصالحه، ويكفيه فخراً أنه لـم يغادر مخيم الشاطئ بعد أن أصبح رئيساً للوزراء.. ولـم تكن هنالك مشكلة مع شخص وزير الخارجية الدكتور محمود الزهار، فالرجل تعرض لـمحاولات اغتيال، وفقد ابنه وزوج ابنته وتحمل ذلك بعزيمة الرجال الاقوياء الاوفياء لقناعاتهم.. ولـم تكن هنالك مشكلة مع شخص سعيد صيام وزير الداخلية فالرجل لا يمكن تسجيل ملاحظات شخصية عليه.. ولو وافق هؤلاء على شروط الرباعية لفتح لهم البيت الابيض قبل ان تفتح لهم عواصم بعض الدول العربية.. مع قادة حماس ورموزها لا توجد ملاحظات شخصية عليهم، فهم قادة منتخبون من شعبهم ويحق لهم أن يحكموا.. لكن مع هؤلاء جميعا توجد مشكلة كبيرة: معهم لا يمكن الاتفاق على الهدف من نضال الشعب الفلسطيني، وبالتالي لا يمكن الحديث عن وسائل تحقيق هذا الهدف.. واذا كان هذا هو بيت القصيد، فما الذي يجري الحديث عنه الآن.. وللتوضيح لو لـم يجرِ تعطيل اتفاق هنية مع عباس من قبل التيار الـمتشدد في حماس لـما كانت هنالك مشكلة أصلاً.. أما وقد رفضت قيادة حماس الاتفاق السابق، فما هو مضمون الاتفاق الحالي الذي اصبح مقبولاً على قيادة حماس؟ حتى لا نخطئ في الحساب فإن اية حكومة قادمة ستكون مضطرة للاجابة على تساؤلات الرباعية إن كان هدف الاتفاق هو رفع الحصار، وإن كانت الاجابة (لا) على هذه الشروط كما أوضح الزهار والناطق باسم حماس فوزي برهوم فالحصار قد يستمر، اللهم الا إذا كان هنالك اتفاق سري مع الرباعية مضمونه أن مغادرة قادة حماس لحكومة الوحدة الوطنية كافية لرفع الحصار وأن هذا ما تعهدوا به لعباس.. لكن تصريحات الرئيس لصحيفة الشرق الاوسط يوم السابع من تشرين الثاني تقول العكس، "اذا لـم تقبل الرباعية برنامج الحكومة الجديدة فعلى الحكومة أن تغير برنامجها"، وبالتالي ما هي الحكمة من كل هذه الـمفاوضات الـماراثونية لتشكيل حكومة وحدة وطنية إن كانت الضمانات غير موجودة.. دعونا لا نخدع انفسنا.. الخلاف مع حماس هو حول محاربة اسرائيل لعشر سنوات قادمة في حال فشل الـمفاوضات وإجبارها على تسوية سياسية تعيد الضفة والقطاع والقدس الشرقية للفلسطينيين مقابل سلام دائم وعلاقات مبنية على الاحترام والاعتراف بالحدود بين الدولتين وبين محاربة اسرائيل الى أن تجري تصفيتها كدولة واستعادة فلسطين التاريخية ما قبل قيام الدولة العبرية حتى لو تطلب ذلك ألف عام. ما يحرك حماس هو الحتمية الدينية بحسب تفسيرها الخاص للقرآن الكريـم .. لكن بعد عشرات السنين أو مئاتها لا حاجة للاستدلال بالقرآن الكريـم لتأكيد زوال الدولة العبرية لأن الحقيقة الثابتة التي يمكن قراءتها من التاريخ بأن الثابت الوحيد هو أن كل شيء متحرك ومتغير، وأن دولا عديدة انهارت بفعل الحروب، واخرى بسبب حكامها الـمجانين، وأخرى بفعل حروب اهلية او بفعل كوارث طبيعية الى آخره من الاسباب.. أَوَلَـم تنهَـر الامبراطورية الاسلامية الـممتدة من اقصى شرق الارض الى اقصى مغربها، أَوَلَـم نخرج من "الاندلس" بعد مئات السنين على حكمها، أَوَلَـم تنهَر الامبراطورية الرومانية، أَوَلَـم يتفتت الاتحاد السوفييتي.. وبالتالي فإن استخدام القرآن الكريـم لتأبيد الحرب مع اسرائيل هو نوع من الترف الفكري الذي يكلف الفلسطينيين شلالاً من الدم لا يمكن قبوله او التعايش معه، وهو نوع من اللهاث وراء الأسطورة بدلاً من ان يترك كل شيء للسياق التاريخي الذي سيقرر مصير الجميع على هذه الارض. وحتى لا يقال إن احداً يرغب في فرض شروط الرباعية على حماس فإن البرنامج السياسي للحكومة القادمة يجب ان يتضمن نصاً صريحاً يعكس قبول حماس بالـمبادرة العربية مثلـما جرى الاتفاق علية سابقا في منتصف شهر أيلول مع هنية وبخلاف ذلك لا يمكن الاتفاق فلسطينياً على اللغة التي يمكن من خلالها مواجهة اسرائيل والعمل على إقامة الدولة الفلسطينية الـمستقلة.. الحصار أحـد اعراض الصراع، ورفعه او بقاؤه مرتبط بالهدف السياسي الذي نسعى اليه وبآليات الوصول لهذا الهدف.. الحصار قد يستمر حتى لو قبلت حماس بالـمبادرة العربية، وقد يفرض على الرئيس عباس السجن في مقاطعة رام الله كما فرض على عرفات، وقد يعتقل وزراء الحكومة القادمة، رغم موافقتهم على برنامج سياسي مقبول عالـمياً في حالة التصميم على الاستمرار بوسائل الـمقاومة الـمسلحة لتحقيق الهدف، لكن هذا الثمن محتمل لأنه في سياق تحقيق هدف سياسي واقعي.. أما دفع ثمن الجري وراء السراب السياسي بالسعي لتحويل النصوص الدينية الى حقيقة تاريخية فهو ليس محل إجماع ويجب ألاّ يكون محل إجماع ولا يمكن الاتفاق بشأنه. الاتفاق مع حماس على برنامج سياسي واضح يجب ان يأتي سابقا لأي اتفاق على شخوص الحكومة.. ومرة أخرى اذا كان البرنامج السياسي قائماً على قبول حماس بمبدأ الدولتين فلـماذا على هنية ان يغادر الـمسرح السياسي؟ فبقاؤه في موقع رئيس الوزراء هو ضمانة لـمخاطبة العالـم بلغة واحدة وتكريس لحقيقة أن الشعب الفلسطيني موحـد خلف هدفه.. لكن رحيل هنية الـمتوقع يعكس حقيقه غياب الاتفاق على الهدف السياسي، ويعكس محاولة لـمقايضة كبرى قائمة على مبدأ: الحكومة لعباس والبرنامج السياسي لحماس.. حماس زاهدة بالحكم لكنها ليست زاهدة في برنامجها السياسي.. هذه الـمقايضة ستعيدنا إلى نفس القارب الذي يُـقـاد بأكثر من قبطان والى اكثر من شاطئ الى أن يغرق في عرض البحر. - الأيام 18/11/2006 - اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|