باستعارة مكنيّة من شطارة الشوفير المجرب، يمكن فهم موضع التهدئة الجديدة من طبخة الحكومة الائتلافية الموعودة. حتى مفاجأة ليلة السبت - صباح الأحد، كان يبدو أن الحوار الناري (بين بلدتي بيت حانون - سديروت) مرشح للاستعار، ومعه كانت تبدو مشاورات الحوار الائتلافي للحكومة العتيدة وصلت درجة النضج. مسألة أيام، ساعات. اتفقتا بنسبة 95% ..إلخ! زميلي هاني حبيب مثل شوفير مجرب وإن في المقالة الصحافية. وهكذا، خرجت مقالته اللاذعة في عدد أيام - الأحد، بمثابة دفاع مجيد عن حذر >كتّاب الرأي< في تصديق مخادعة ألسنة الساسة عن الحكومة القريبة، والوشيكة. سيكون على زميلي حبيب، وباقي كتّاب الرأي، أن يواصلوا كتابة مقالاتهم بحذر، بينما التهدئة - وليس مشاورات حكومة الائتلاف - ستجتاز منحنيات وعرة وخطرة، وذات مطبات. فيما يخصني قد أكون سبّاقاً (أو متقاعساً!) عندما عزفت، طيلة شهرين، عن الخوض في تفاصيل طبخة الحكومة الائتلافية. هل عن تعفف؟ كلا. عن خوف؟ مطلقاً.. لكن عن شيء من >القرف<. ألاعيب ساسة صغار. عندما تكون معلقاً شاباً، في الثلاثين مثلاً، تتعامل، بحرارة وجدية واندفاع، مع مناورات ساسة أكبر منك عمراً، وبالتالي اطلاعاً وتجربة. لكن، عندما تدق أبواب الستين، وإزاء مخادعات ساسة أصغر منك عمراً وتجربة بالتالي، فإنك تتعامل مع >الدراما السياسية< الركيكة بفتور وتروٍّ. نحن لا نصدقكم يا إخوان! تغيرت الدنيا، فلم تعد مقالات (أو أعمدة) الزميل الراحل ميشال أبو جودة تهز لبنان، وحتى حكومات عربية. كان عبد الناصر يقرأ الصحف اللبنانية، وكانت مشاورات تأليف الحكومات اللبنانية تتم في مكتب أبو جودة بجريدة >النهار<.. بل اختارت السعودية وم.ت.ف صاحب عمود >من حقيبة النهار< للتمهيد لمشروع الأمير فهد الشهير 1981، وهو أساس مشروع السلام العربي (السعودي) في قمة بيروت بعد ذلك بعشرين عاماً.. بمبادرة الملك عبد الله. في مثال آخر عربي، كانت مقالات الزميل الكبير محمد حسنين هيكل تهز السياسة والساسة العرب. في مثال ثالث أميركي، كان ساسة أوروبا وسيناتورات أميركا، بل ورؤساء البيت الأبيض، يتابعون مقالات عميد المعلقين الأميركيين وولتر ليبمان في عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم. تأملوا كيف استثمر جون. ف. كنيدي، أحد أصغر الرؤساء الأميركيين في القرن العشرين سناً، وأحدّهم ذكاءً، خبرة المعلق المحنك وولتر ليبمان، إبان أزمة صواريخ روسية في كوبا سنة 1963، وكانت من أخطر أزمات حقبة الحرب الباردة. لقد كلّفه بكتابة مقالة من وحي أفكار الرئيس كنيدي، موجزها: سحب الصواريخ الروسية (الحديثة) من كوبا، مقابل سحب الصواريخ الأميركية (القديمة) من تركيا. كانت هذه المقالة، التي اهتم بها المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفياتي، وأمين عام الحزب السيد نكيتا خروتشوف وتجاوب معها، سبباً في تبريد الأزمة.. وإطفاء فتيل انفجار حرب عالمية ثالثة. يومها قال كنيدي لمساعديه: تحققوا ثلاث مرات من تقديرات جنرالات هيئة الأركان. الآن، لا يهتم رؤساء البيت الأبيض بمقالة توماس فريدمان مثلاً، وربما يهتم رؤساء الأليزيه قليلاً بمقالات كبار كتّاب >لوموند< الفرنسية. غير أن بعض السيناتورات المتنورين يواظبون على الاهتمام بمقالات استراتيجية في مجلة >الشؤون الخارجية< (فورين أفيرز) الأميركية، ونوقشت مقالات معينة في جلسات الكونغرس، وبعضها حذّر، مبكراً، من أوهام الجنرالات في حرب سهلة في أفغانستان والعراق. سيتعامل كتّاب الرأي الفلسطينيون بهدوء مع احتمالات التهدئة الجديدة، كما فعلوا إزاء تضليلات الساسة بصدد حكومة الائتلاف الفلسطينية.. التي وضعت على نار هادئة جداً (بعد التهدئة الأمنية الجديدة). ليست مسألة أيام، ولا ساعات.. ولم تتراجع إلى مسألة أسابيع، بل تمطمطت إلى مسألة شهور. من الآن وحتى مطلع العام المقبل وقت كاف لتسويق التهدئة الأمنية والجولة السياسية، وحجة بيت الله الحرام. خذوا نفساً.. قودوا على الغيار الثاني! جريدة الأيام (29/11/2006).
اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|