مفتاح
2025 . السبت 7 ، حزيران
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 


الحكومة على الأبواب، قاب قوسين أو أدنى، الحكومة جاهزة وبقيت الأسماء، ما زال الموضوع شائكاً. الحكومة قبل نهاية الشهر. الحكومة تتعثر. وصلنا إلى طريق مسدود. ولو عدنا قليلاً الى الوراء لاكتشفنا بسهولة ويسر ان هذا "الصعود" وهذا "الهبوط" قد تكرر في الاشهر الاربعة الماضية ثلاث مرات على الاقل. مرة قبل وثيقة الاتفاق ومرة بعدها ومرة هذه الايام وقد تم حرق أعصاب المواطنين الغلابا (من أمثالنا) في المرات الثلاث، ليس لذنب اقترفناه غير اننا صدقنا أن فصائلنا مهتمة بنا وبمصيرنا وبقوت عيالنا وبتضحياتنا وصمودنا. أما وأن المؤمن لا يلدغ من جحر واحد مرتين وليس أربعاً فقد اتى وقت المصارحة وجاء وقت التلخيص دون مجاملات ولا حسابات. ان حصيلة اكثر من اربعة شهور من "الحوارات الوطنية" ومن الوساطات العربية والاقليمية ومن التدخلات والمواقف والمناشدات لكل قوى المجتمع السياسية والثقافية والاقتصادية، تفيد بأن وثيقة الوفاق الوطني كانت وما زالت قاعدة للحل ولكنها قاعدة للاختلاف في الوقت نفسه، حيث يتبين بوضوح ان ما لم تحدده الوثيقة هو بالضبط ما نختلف بشأنه اليوم، وان ما حددته الوثيقة هو ما نتفق عموماً عليه. من هنا فإن الخلاف ليس على كون الوثيقة قاعدة عامة للحل وانما على منهاج التعامل معها والنظرة اليها. فالوثيقة لم تحدد إن كنا على المدى المباشر بصدد البحث عن شراكة معينة وبنسب معينة وبشروط معينة من اجل تشكيل حكومة "وحدة" أم اننا كنا بصدد عملية انقاذ وطني للأزمة التي تفاقمت في ضوء الحصار الخانق. ذلك ان منهاج التعامل مع المسألتين مختلف الى ابعد درجات الاختلاف وهو اختلاف يطال النظرة والمدخل والفلسفة والنتائج المتوقعة.

ان الشراكة الوطنية الكاملة والشاملة أمر مهم وحيوي ومحق وهي في حالة انجازها ستضع النظام السياسي الفلسطيني أمام مرحلة تاريخية جديدة وسنكون أمام انطلاقة نوعية جديدة في مسيرة هذا النظام. وحينها سنكون النظام السياسي العربي الاول من حيث العمق الديمقراطي (الوسائل والآليات وحجم المشاركة) وسيكون لبنان هو النظام السياسي الثاني (في ضوء تعثر الاتفاق هناك) ومن حق حركة حماس ان تناضل بكل الوسائل "الإقناعية" وكذلك "التوافقية" اضافة الى الديمقراطية للوصول الى اعلى درجة ممكنة من المساهمة والدور والمكانة التي تراها لنفسها في هذا النظام في اطار من المعقولية السياسية والوطنية. ولكن هذا الطموح المشروع والمقدس (وفق المعايير الديمقراطية) يستحيل تحقيقه بالإقناع ويستحيل تحقيقه بالمحاصصة والتقاسم (لأن ذلك لن يكون مرضياً لأطراف كثيرة)، والأهم انه يستحيل تحقيقه في فترة وجيزة كالتي نتحدث عنها لإنجاز الحكومة المرتقبة، والتي بشرت كافة القوى السياسية بقرب انجازها بما في ذلك حركة حماس نفسها وأغلب الظن هنا ان "حصة" حركة حماس لن تحسم الا في اطار زمني طويل نسبياً وفي اطار استكمال الكثير من الحلقات الديمقراطية الفلسطينية لاحقاً إن كان على مستوى المجلس الوطني او الأطر القيادية للمنظمة، ولهذا فإن ربط تشكيل الحكومة في الاطار الزمني المحدد (تذكروا هنا وعد الرئيس) قد تحول موضوعياً الى أمر معرقل بدلاً من ان يكون أمراً مسهلاً لهذا التشكيل. فلو تعلق الامر بأن يكون الاتفاق على تشكيل الحكومة هو بداية مرحلة من التعايش الوطني لإنضاج أسس هذه الشراكة على المدى المنظور لكان ذلك هو المحفّز الاكبر لتشكيل الحكومة، أما حين ترتهن الحكومة بحصص هذه الشراكة الوطنية الشاملة والكاملة وحين توضع هذه الشراكة باعتبارها من "بديهيات تشكيل" الحكومة فالأمر اوضح من الواضح. القضية الثانية التي لم تستطع وثيقة الاتفاق الوطني حلها هي قضية "الالتزامات"، لأن "الالتزامات" بما تنطوي عليه من استحقاقات برنامجية بالنسبة لحركة حماس ليست مسألة قابلة للحل في الاطار الزمني الذي يجري الحديث عنه طالما ان حركة حماس تعتبر نفسها مسؤولة من الألف الى الياء عن سياسة هذه الحكومة، ومن هنا فإن الوصول الى حل حول موضوع "الالتزامات" أمر متعذر ولا يشكل ما ورد في وثيقة الوفاق حلاً لهذا المشكل، ولم يكن صدفة ابدا من هذه الزاوية كل الخلاف الذي دار حول الشرعية العربية والدولية والمبادرة (مبادرة السلام العربية) ولم يكن صدفة وليس هو صدفة ما يجري الحديث عنه من رفض الشروط او التكيف معها او ايجاد قراءة فلسطينية لها. المهم في الامر كله هنا ان النصوص لا تسعف النفوس. ثم إذا كانت هذه الالتزامات مطلوبة للخارج فلماذا لا تبادر حماس للتفاعل مع هذا الخارج لمعرفة مدى جديتها ولماذا تقدم حماس هذا "التنازل" قبل التشكيل ولماذا لا تستخدمها حماس لفك الحصار عنها؟ أما النقطة الثالثة في هذا التلخيص فهي قضية المقاومة. تبدو هذه النقطة وكأنها الاسهل اذ ان معظم الفصائل الوطنية والاسلامية باتت على قناعة بأن التهدئة المتبادلة، ربما تكون مدخلا ضروريا "لاستراحة المحارب" ومن اجل التخفيف من الضائقة الاقتصادية والاحتقان الاجتماعي واعطاء فرصة للمفاوضات السياسية وتمتين الاوضاع الداخلية وخلق جو معين من الاستقرار المطلوب، وقد جاء قرار "التهدئة" ليؤكد صحة هذا الأمر. إن قضية المقاومة كما جاء في وثيقة الوفاق الوطني باتت محكومة بجملة من الضوابط والمعايير والاعتبارات، والوثيقة لم تحدد التخوم بين الفلتان الامني وانتشار السلاح والتحشيد والتجييش من جهة وبين سلاح المقاومة من جهة اخرى وبالتالي لم تحدد اين هي صلاحيات السلطة التنفيذية في فصل قضية المقاومة كلياً عن ظاهرة الفلتان الامني وفوضى السلاح.

الساحة الفلسطينية لم تتقدم رغم مرور كل هذا الوقت ورغم كل هذه اللجان والأطر والحوارات والندوات والمناشدات والتدخلات الا في نقطة واحدة، وهي نقطة الاعتراف بأولوية فك الحصار، حيث ان حركة حماس والى فترة قريبة ماضية لم تكن تعترف بخطر هذا الحصار على تماسك المجتمع والقدرة على صموده وكانت تعتقد ان الحصار سيفشل فشلا ذريعا وان هناك ارادة فلسطينية وعربية واسلامية قادرة على كسر الحصار وإجبار القوى الدولية على التسليم بالأمر الواقع وهذا التقدم هو تقدم كبير على كل حال وهو من الناحية الموضوعية الارضية الأهم والأكبر للوصول الى القواسم المشتركة لفك هذا الحصار واختراقه، لكن هذا التقدم ما زال اولياً لأنه يربط (بطريقة خاطئة) مع الالتزامات ومع الشراكة ومع الحصص ومع كل شيء وهو الذي يؤدي بنا الى الابتعاد عن مفهوم الإنقاذ الوطني كلما اقتربنا من التوصل الى نتائج ملموسة. لهذا فقد قلنا في الاسبوع الماضي ان الاتفاق صعب وصعب للغاية وقلنا ان تشكيل الحكومة حتى وإن رأى النور لن ينجح ولن يدوم طويلا وان حكومة لا تملك رؤية عن السبب الحقيقي لوجودها وعن الهدف المباشر لتشكيلها لا يمكن لها ان تعمر طويلا ولا يمكن ان تحل الازمة التي فرضتها وأوجبت الحوار على ضرورتها، وقلنا قبل ذلك بعدة اسابيع ان المخرج هو الانقاذ الوطني والحل هو حكومة الكفاءات وليس حكومة الفصائل لأن حكومة الكفاءات هي التي تفك الارتباط بين الاستحقاقات المشروعة للشراكة الوطنية الشاملة وبين فك الحصار كحالة ازمة وطنية شاملة ومباشرة وهي (حكومة الكفاءات) التي تخلص حركة حماس من عبء الاستحقاق البرنامجي وتخلص حركة فتح من عبء اشتراط الاتفاق البرنامجي قبل الموافقة على الشراكة الوطنية وهي التي تعطي لكافة الفصائل والقوى الفرصة الكافية لمناقشة الهموم الوطنية بروية وحكمة وتعقل ودون الخضوع لابتزاز عامل الوقت والاستقواء بالحصار لتحقيق مكاسب سياسية او فئوية.

كل شيء يدعو الى التشاؤم وكل المؤشرات تمنع عنا حتى الأمل والحلم، لكن الشيء المشرق في هذا كله ان الامور اصبحت اكثر وضوحا وأكثر قسوة. ولغة الشعارات باتت اقل قدرة على خداعنا والمؤتمرات الصحافية والمؤتمرات الصحافية المضادة لم تعد تثيرنا وأغلب الظن اننا قد فهمنا الآن هذا الذي يحدث لنا والأمل يظل معقوداً ان لا نلدغ من جحر واحدللمرة الرابعة على التوالي، ثلاث منها بنجاح منقطع النظير.

جريدة الأيام (30/11/2006).

 
 
اقرأ المزيد...
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required