مفتاح
2025 . السبت 7 ، حزيران
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 


يوجد الكثير من التعقيدات لمفهوم حقوق الإنسان و تطبيقاته ناتجة عن كثرة المواثيق و عالميتها و تعدد الجهات التي تتفاعل مع هذه المواثيق و مع بعضها. قد ينشأ عن هذا التعقيد تشويش لدي الراغبين في معرفة أبعاد هذا المفهوم. يحاول هذا المدخل حلحلة هذا التعقيد. يبدأ المدخل بشرح موجز عن طبيعة حقوق الإنسان ثم ينتقل إلى محطات تاريخية في اشارة الى تطور هذه الحقوق و يلي ذلك توضيح بعض مفاهيم حقوق الإنسان. بعدها, يغطي المدخل تعزيز حقوق الإنسان من خلال استعراض موجز لأهم الصكوك الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان و الجهات الخمس التي تتفاعل مع هذه الصكوك و مع بعضها البعض. و يختتم بنبذه عن كيفية بدء أي منا بتبني مفهوم حقوق الانسان.

طبيعة حقوق الإنسان

"حقوق الإنسان" تتعلق بكل ما يؤدي الى تعزيز و حماية كرامة الانسان

هذه الحقوق هي لجميع البشر من رجال و نساء و اطفال و هي صالحة لكل زمان و مكان. يستحق البشر هذه الحقوق منذ ولادتهم بحكم انسانيتهم المشتركة، فهي ليست منحة لهم من اشخاص اخرين او من أي حكومة. لكون كرامة الانسان هي قيمة اصيلة لكل كائن بشري، فلا يحق لأحد ان يتنازل عن هذا الحق كما و لا يجوز لأي احد ان يصادره منه. تفرض "حقوق الانسان" على الحكومات و المؤسسات و الافراد مسئولية احترام و حماية حقوق الاخرين.

محطات تاريخية

حقوق الإنسان في شكلها الحالي، ليست وليدة لحظة معينة في تاريخ البشرية أو نتاج حضارة واحدة، انما هي نتاج التفاعل البشري عبر آلاف السنين التي مرت على المجتمع البشري. فمنذ تدوين التاريخ البشري، و حقوق البشر كانت همّاً للأديان السماوية و الفلاسفة و المبادئ و القوانين الوضعية. سيوضح سرد بعض المحطات التاريخية تطور مفهوم حقوق الانسان و سيظهر اشتراك المجتمع البشري في تطوير هذا المفهوم حتى وصل الى صورته الحالية:

 شريعة حمورابي - 1750 قبل الميلاد : كان حمورابي حاكماً لبابل، و قد اصدر شريعة عرفت باسمه و هي من أولى الوثائق القانونية في العالم. غطت هذه الشريعة جوانب عملية كثيرة مثل التجارة و العمل و الملكية و شئون الأسرة و العبودية و قوانين العقوبات من خلال موادها الـ 282. حمت هذه الشريعة رغم بدائيتها الناس من الأحكام و العقوبات العشوائية.

 اليهودية العهد القديم (التوراة) - 1200 قبل الميلاد : لدي اليهود العديد من الكتب المقدسة يطلق عليها مجتمعة "العهد القديم". تحوي هذه الكتب على الوصايا العشر التي أعطاها الله لنبيه موسى عليه السلام على جبل سيناء و التي أمرت بني إسرائيل باحترام الحياة و الملك الخاص و الغريب و الجار من خلال فرض واجبات مثل عدم القتل و إعطاء الأمان لمن التجأ بالكنيس و براءة المتهم حتى تثبت إدانته.

 البوذية في الهند - 563 قبل الميلاد : آمن بوذا بان الحياة تحوي الكثير من الآلام منذ الولادة و حتى الوفاة و أن الآلام لا تنتهي بوفاة الإنسان حيث كان يؤمن بتناسخ الأرواح و بان الموت يؤدي إلى حياة جديدة. و آمن بمجموعة من الأخلاقيات التي تؤدي إلى كبت هذه الآلام، و عكسها في مجموعة مبادئ مثل "لا تؤلم الآخرين بطرق تجدها مؤلمة لذاتك".

 كونفيشوس في الصين - 551-479 قبل الميلاد : عاش كونفيشوس في أوقات اضطراب اجتماعي و كان فيلسوفاً لديه رسالة للحكومة و الإصلاح الاجتماعي. تمحورت فلسفته حول "جن" أو فعل الخير و الذي ربطه بثنائيات مثل "لا تفعل للآخرين ما لا تود أن يُفعل لك" و "افعل للآخرين ما تود أن يُفعل لك". و كان يؤمن بان الناس يجب أن يمارسوا مبادئ "جن" على من هم تحتهم و أن الحكومة يجب أن تتبع مبادئ جن بدل استخدام القوة.

 المسيحية العهد الجديد (الإنجيل) : أتي السيد المسيح عليه السلام بمجموعة مبادئ إنسانية شملت "تحرير السجناء و تخليص المقموعين". و تعامل السيد المسيح مع النساء و الغرباء و الفقراء بشكل يحفظ كرامتهم، و بيّن أن الصلاحيات تأتي معها المسئوليات، و أوصى مريديه بأن يوفروا الطعام للجائعين و يكسوا العريانين و يتسامحوا مع الأعداء.

 الإسلام - 644 بعد الميلاد : أتى الإسلام و نبي الرحمة عليه و على اله الصلاة و السلام بالكثير من المبادئ الإنسانية و التي يصعب الإحاطة بها في هذه العجالة. سوف يتم الاكتفاء باستعراض بعض ما جاء في القران الكريم و السنة النبوية الشريفة و سير بعض الخلفاء الراشدين مما يشير و بوضوح الى اهتمام الاسلام بحقوق الانسان و كرامته :

o قال تعالى : • كرامة الانسان : ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾ الإسراء 70

• حرية التعبير : ﴿ ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ النحل 125. • حرية الاعتقاد : ﴿ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ﴾ البقرة 256.

• حق الحياة : ﴿ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أو فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ المائدة 32. • حق العدالة : ﴿ َإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ ﴾ النساء 58 • التسامح : ﴿ لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ الممتحنة 8

• حق الخصوصية : ﴿ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ﴾ الحجرات 12 O من اقوال الرسول الكريم صلى الله عليه و اله و سلم : • حق الحياة و الامان : ((إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا)) • عدم التمييز : ((لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى)) • حقوق العمال : ((أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه))

o حق المشاركة في الشئون العامة : عندما بويع الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه قال (أيها الناس قد وليت عليكم و لست بخيركم إن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني). o حرية التعبد : عندما فُتح بيت المقدس، عاهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أهله على حرية التعبد بالدين المسيحي و الإبقاء على الكنائس. o حق المحاكمة العادلة : عن الامام علي بن ابي طالب عليه السلام :

• (ان الحدود لا تستقيم إلا على المحاجة والمقاضاة وإحضار البينة ). • ( من اقرّ عن تجريد او حبس او تخويف او تهديد فلا حد عليه ).

 الماجنا كارتا في انجلترا - 1215 م : أساء الملك الانجليزي جون الأول استخدام السلطة فبالغ في فرض الضرائب و كان باذخاً في مصاريفه و تورط في حروب فاشلة و لم يحترم سلطة البابا. تكاتف النبلاء و رجال الدين و فرضوا عليه سلطة القانون من خلال "الميثاق العظيم للحريات" أو ما عرف "بالماجنا كارتا". برغم ان "الماجنا كارتا" ضمنت حقوق البارونات فقط و ليس سائر الناس كما أن الملك نقضها سريعاً، إلا إنها اعتبرت في حينها و على نطاق عالمي الملهم للكثير من المواثيق التي تلتها. من بين قوانين الماجنا كارتا : تحرر الكنيسة من تدخل الحكومة، و حق المواطنين الأحرار في التملك و توارث الأملاك و حمايتهم من الضرائب المجحفة و مساواتهم امام القانون، و حظر الرشوة و الفساد الإداري.

 ظهور فلاسفة "الحقوق و القوانين الطبيعية" - 1600 – 1700 : قبل هذه الفترة، كان ينظر إلى الفرد على أساس مسئولياته تجاه مجتمعه و تجاه الناس الآخرين و لم يكن هناك تعريف واضح لحقوقه الشخصية. ظهر في هذه الفترة فلاسفة مثل جروتيوس و هوبس و روسو و لوك و كتبوا فيما أطلق عليه "الحقوق و القوانين الطبيعية للبشر" و التي تحدثت عن حق الانسان في حماية روحه و حريته و املاكه. ترى هذه الفلسفات ان هذه الحقوق تحتاج لحكومة لحمايتها و أن الحكومات تؤَسس على عقد اجتماعي يكون المواطن بموجبه مجبر على طاعة الحكومة عندما تلتزم الحكومة بحماية حقوقه الطبيعية.

 "وثيقة الحقوق" في انجلترا - 1689 : اعتقد الملك "جيمس الثاني" كما اعتقد كثير من الملوك قبله أن القوانين غير مريحة و عادة ما أعفى نفسه من الالتزام بها. قاد ذلك إلى الإطاحة به و اصدار البرلمان "وثيقة الحقوق”. جعلت هذه الوثيقة الملك يلتزم بالقوانين مثل أي مواطن آخر و طالبته باحترام قوة البرلمان المنتخب و صلاحيته في التحكم في أموال الدولة و أملاكها، و عالجت المواضيع المتعلقة بالعدالة و الكفالات و الغرامات المبالغ فيها و العقوبات العنيفة و الغير اعتيادية و المحاكمات غير العادلة و نزاهة و استقلال القضاء و حرية التعبير في البرلمان.

 ظهور مصطلح "حقوق الانسان" 1700-1800 : سقط التأييد لمصطلح الحقوق الطبيعية و لكن مفهوم عالمية الحقوق تجذر. فقد وسع الفلاسفة مفهوم حقوق الانسان في بحوثهم. و من البحوث المهمة ”حقوق الرجل“ لتومس بين و ”مقالة عن الحرية“ لجون ستيورت مل و ”التمرد المدني“ لهنري ديفيد ثورو و الذي كان اول من استخدم مصطلح ”حقوق الانسان“. صار لهذه البحوث اثر كبير على عدد من النشطاء مثل مهاتما غاندي و مارتن لوثر كنج الذَين طورا أفكارهما للمقاومة السلمية ضد التصرفات الحكومية اللا أخلاقية.

 "اعلان الاستقلال"، الولايات المتحدة – 1776 : ثار الناس في المستعمرات الأمريكية ضد الملك البريطاني الذي أنكر عليهم التمثيل في مجلس العموم و بالغ في فرض الضرائب، فحاربوه على اسس مبادئ حقوق الإنسان، و نتج عن هذه الثورة تأسيس الولايات المتحدة الامريكية على أساس ممثليه الشعب الامريكي و توافقوا على وثيقة مدنية عرفت باسم ”اعلان الاستقلال“.

 "اعلان حقوق الانسان"، فرنسا – 1789 : ثار الفرنسيون ضد حكم الملك لويس السادس عشر الاستبدادي صاحب العبارة الشهيرة (أنا الدولة والدولة أنا). اجبر الثوار الملك على توقيع "اعلان حقوق الانسان" و الذي ضمن الحقوق الأساسية المتعلقة بالحرية و الملكية و المساواة و الامن.

 اتفاقيات جنيف، الصليب الاحمر الدولي - 1864، 1949 : حدثت معركة في عام 1859 بين الايطاليين و الفرنسيين عرفت بمعركة سلفرينوا و راح ضحيتها 40،000 شخص بين قتيل و جريح. و على اثرها، نشر الكاتب السويسري جين جونانت كتابه "ذكرى سلفرينو" و الذي وصف فيه معاناة الجنود الجرحي. كان الكتاب مؤثر و نتج عنه حملة انسانية اسست الصليب الاحمر الدولي و تلاها اعتماد اتفاقيات جنيف التي اهتمت بالتعامل مع الجرحى و الاسرى و المدنيين في أوقات الحروب. كانت هذه الاتفاقيات هي أولى القوانين الدولية التي تحكم تصرفات الدول و تحمي كرامة الانسان في أوقات الحروب.

 اتفاقيات منظمة العمل الدولية 1919 : اسست منظمة العمل الدولية بعد الحرب العالمية الأولى كجزء من اتفاقيات فرساي للسلام لعصبة الامم. تهدف المنظمة تحسين ظروف العمل و تعزيز العدالة الاجتماعية و مراقبة حماية الاتفاقيات الخاصة بالعمال و حماية حقوقهم بما في ذلك صحتهم و سلامتهم. في عام 1946 اصبحت المنظمة احدى الهيئات المتخصصة في الامم المتحدة.

 تأسيس الامم المتحدة ، سان فرانسيسكو – 1945 : هال الناس كمية الدمار و القتل الذي حدث اثناء الحرب العالمية الثانية. فقد أودت مجازر الهوليكوست النازية بحياة ستة ملايين من البشر لكونهم يهود أو غجر أو معاقين جسمياً أو عقلياً أو لأنهم معارضين للنازية. كما و تم التعامل بوحشية مع اسرى الحرب في اسيا و أوربا و تمت الكثير من المذابح الجماعية على المدنيين. و ضربت القنبلتين النوويتين اللتين أوديتا بحياة آلاف البشر و دمرتا مدنهم. حل كل هذه الدمار بسبب انتماء الإنسان لعرق أو دين أو منطقة أو دولة معينة. كان عدد من تعرضوا للانتهاك كارثي مما ادى إلى تجمّع خمسة و اربعين دولة و تأسيس الامم المتحدة التي تعهدت في ميثاقها بتعزيز "الاحترام الدولي لحقوق الإنسان و احترام حريات الإنسان الأساسية".

 الاعلان العالمي لحقوق الإنسان - 1948 : كانت البنود المتعلقة بحقوق الإنسان في ميثاق الامم المتحدة غامضة، فتقرر تشكيل لجنة لتوضيح مقاصد هذه الحقوق. شملت اللجنة ثمان اشخاص من ثمان دول و منها لبنان (السيد / شارل مالك). عملت اللجنة لسنتين و صاغت اعلان عالمي احترم الحقوق و الحريات الأساسية للإنسان. تم التصويت على الاعلان و اقراره عام 1948. كان عدد اعضاء الامم المتحدة حين التصويت 58 دولة. صوتت 48 دولة بالموافقة و امتنعت 8 دول عن التصويت و غابت دولتان و لم تعترض أي دولة. الدول الاسلامية التي صوتت لصالح الاعلان هي افغانستان و مصر و ايران و العراق و لبنان و باكستان و سورية و تركيا و امتنعت السعودية عن التصويت.

 تأسيس أول منظمة غير حكومية – 1961 : حُكم على طالبين جامعيين من البرتغال بالسجن لمدة 20 عام نتيجة رفع نخب "للحرية" في حانة. تشكل على اثر هذه الحادثة تجمع من الكتّاب و الصحفيين و المحامين و غيرهم و اصدروا نداء عفو. شمل النداء ستة سجناء ضمير من خلفيات سياسية و دينية مختلفة حول العالم حاولوا التعبير عن اراءهم بشكل سلمي. نما النداء بشكل غير متوقع و نتج عنه تكوين "منظمة العفو الدولية". و بذلك ولدت حركة حقوق الإنسان الحديثة و المنظمات غير الحكومية.

 المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان في فيينا – 1993 : حضر هذا المؤتمر اكثر من 170 دولة و تم فيه اقرار التزام الدول بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان و عالمية هذه الحقوق و عدم قابليتها للتجزئة و تم اعتماد برنامج عمل لتعزيز هذه الحقوق. الدول الاسلامية التي حضرت هذا المؤتمر هي افغانستان و الجزائر و البحرين و بنجلادش و مصر و اندونيسيا و ايران و العراق و الاردن و الكويت و لبنان و ليبيا و ماليزيا و المغرب و عُمان و باكستان و قطر و السعودية و الصومال و السودان و سوريا و تونس و تركيا و الامارات العربية المتحدة و اليمن و كازاخستان.

مبادئ و مفاهيم أساسية متعلقة بحقوق الإنسان هناك مجموعة من المبادئ و المفاهيم المتعلقة بحقوق الإنسان و التي يؤدي فهمها إلى تحسين استيعاب مقاصد هذه الحقوق.

 الاستحقاق العام لحقوق الإنسان: حقوق الإنسان يستحقها كل المجتمع البشري. فنحن كبني بشر، نشترك في حقوق المساواة و عدم التمييز على قواعد غير مقبولة، و كلنا لنا حقوق الحياة و الحرية و عدم التعذيب و ممارسة الشعائر الدينية و الخصوصية و تكوين الاسرة و حرية التعبير و الحق في التعليم و الوصول إلى الماء و الغذاء و استحقاق العناية الصحية و البيئة النظيفة و المحافظة على كرامتنا الإنسانية. وجود و تعزيز حقوق الإنسان تجعل منا مجتمع انساني حقيقي و تجعل من مجتمعاتنا مكان مناسب للعيش فيها.

 حقوق الإنسان الخاصة : كون حقوق الإنسان الأساسية مستحقة للجميع، لا ينفى ان تكون هناك بعض الظروف التي تستدعي التركيز على جوانب معينة لهذه الحقوق لبعض الجماعات و الافراد مثل المعاقين و الاطفال و اللاجئين و النساء و الاقليات العرقية بصياغة اتفاقيات خاصة بهم.

 حقوق الانسان و العرف الدولي : اصبحت مفاهيم حقوق الإنسان و من ثم الصكوك الدولية المتعلقة بها في وقتنا الحاضر، جزء من الاعراف الدولية. و بذلك، فجميع دول العالم يقع عليها التزام غير رسمي باحترام جميع هذه الاعلانات و الاتفاقيات حتى و لو لم تصادق عليها.

 مسئوليات الحكومات : جاء في المادة الأولى من اعلان فيينا عام 1993 "... حماية و تعزيز حقوق الإنسان و حرياته الأساسية و التي يكتسبها البشر منذ ولادتهم هي المسئولية الأولى الملقاة على عاتق الحكومات. ". فالحكومات مسئولة ان لا تنتهك هي حقوق الانسان و ان لا تسمح بانتهاك حقوق الانسان على اراضيها، و ذلك يستدعي من الحكومة ان تؤسس لنظام قانوني لحماية و تعزيز حقوق الإنسان.

 السيادة الوطنية : جاء في اعلان فيينا " تعزيز و حماية حقوق الإنسان هو مسألة ذات أولوية للمجتمع الدولي". رغم ان جميع دول العالم تسعى إلى تجنب التدخل في شانها الداخلي، إلا ان التدخل الدولي لحماية حقوق الإنسان اصبح اليوم حقيقة لا يمكن الفرار منها سواء صادقت الدولة على مواثيق حقوق الانسان ام لم تفعل. يستند هذا التدخل الى الاعراف الدولية المتعلقة بحقوق الانسان.

 مسئوليات البشر : عند مطالبتنا بحقوقنا، فكل واحد منا تقع عليه مسئولية اخلاقية بعدم التعدي على حقوق الآخرين و دعم حقوق الاشخاص المنكرة أو المنتهكة حقوقهم. من الاقوال المأثورة في هذا المجال :

o ((الساكت عن الحق شيطان اخرس)) رسول الله صلى الله عليه و اله و سلم. o "في المانيا، اتى النازيون على الشيوعيين و انا لم ادافع عنهم لأنني لم اكن شيوعياً. ثم اتوا على اليهود و لم ادافع عنهم لأنني لم اكن يهودياً. ثم اتوا على النقابات التجارية و لم ادافع عنهم لأنني لم اكن نقابياً. ثم اتوا على الكاثوليك و لم ادافع عنهم لأنني لم اكن كاثوليكيا. ثم اتوا علي، و حينها، لم يبقى احد ليدافع عني." المفكر و القس مارتن نيمولر من الكنيسة الالمانية الانجيلية (اللوثرية)

o " ان الظلم اينما كان يهدد العدل في كل مكان" مارتن لوثر كنج  الحقوق و المسئوليات : كقاعدة عامة، عندما يطلب صاحب حق حقه، ينتج عن ذلك التزام على طرف اخر. حق ان يستمع اليك احد يؤدي إلى التزام احدهم بالإنصات. حق ان تكون لك خصوصية ينتج عنه التزام احدهم بعدم التدخل في خصوصياتك. الحق في ان تعامل بالتساوي يعني التزام من قبل مسئول بعدم التمييز على أساس الجنس أو العنصر أو الاعاقة. و بذلك، كلما تزايدت مطالبات المجتمع لحقوقه، يجب على افراد المجتمع و مؤسساته ان يكونوا جاهزين لتحمل الالتزامات الناتجة عن هذه المطالبات.

 عالمية حقوق الإنسان : يعني هذا المفهوم ان حقوق الإنسان هي حق لجميع البشر و لكل المجتمعات، و بذلك، فكل انسان يمتلك نفس الحقوق الأساسية. o تحتج بعض المجتمعات على حقيقة كون حقوق الإنسان عالمية. فأصحاب هذا الرأي بنوه على أساس الخصوصية الثقافية و ان قوانين حقوق الإنسان هي نتاج فكري غربي صالح للتطبيق في المجتمع الأوربي و انه يتضادد مع القيم والثقافة الشرقية. اما اصحاب رأي العالمية، فيرون ان حقوق الإنسان اتت نتيجة للتجربة الإنسانية لجميع ألأديان و الثقافات و الحضارات و ان صياغة الاتفاقيات و تعزيزها تم باشتراك معظم دول العالم و اصبحت مفاهيم هذه الحقوق تشكل اعراف دولية لا يمكن لأحد ان يتنكر لأسسها.

o "انه لمن المخجل ان نجتهد لاستخدام القيم الاسيوية لتبرير ممارسة الاستبداد و لنكران الحقوق الأساسية و الحريات المدنية للإنسان. قولنا بان حريات الإنسان هي ثقافة غربية أو غير اسيوية هو انتهاك لتقاليدنا و لأسلافنا الذين ضحوا بحياتهم لمقاومة الاستبداد و الظلم." انور ابراهيم، رئيس الوزراء السابق لماليزيا

 الفروق الثقافية و حقوق الإنسان: الحقوق الثقافية هي احدى حقوق الإنسان الأساسية. إلا انه، لا يمكن ان تفسر هذه الحقوق على أساس انها مبرر لانتهاك حقوق الإنسان و حرياته الأساسية. فلا يمكن لأي ثقافة ان تمارس العبودية رغم ممارسة الكثير من الحضارات تلك العبودية عبر التاريخ. كما لا يمكن ان تبرر الحقوق الثقافية التمييز على أساس الجنس أو العرق أو اللغة أو الدين. تبرير هذه الانتهاكات بناءً على الحقوق الثقافية يعتبر سؤ استخدام لهذه الحقوق.

 حقوق الإنسان غير قابلة للتحويل : تعني ان حقوق الإنسان هي ملك لجميع الناس و لا يمكن ان تؤخذ منهم أو ان يتنازلوا عنها تحت أي ظرف كان.  حقوق الإنسان و الترابط و عدم التجزئة : تعني ان كل قوانين و بنود حقوق الإنسان مهمة. فلا يمكن لأحد ان ينكر حق للإنسان بحجة ان هذا الحق غير مهم أو غير ضروري. فحق المشاركة في الحكومة مرتبط بشكل مباشر بحق حرية التعبير، و يؤثر ذلك بشكل مباشر على الحصول على حق التعليم و حتى على الحصول على ضروريات الحياة.

 التعارض و التصادم بين حقوق الإنسان المختلفة : لا يمكن عزل الحقوق المختلفة للإنسان عن بعضها البعض. فهي في بعض الاحيان تتكامل و في احيان اخرى تتنافس. فالحق في حرية التعبير أو في محاكمة علنية قد يصطدم مع الحق في الخصوصية. و الحق الثقافي و الديني قد يصطدم مع الحق في عدم التمييز على بعض الاسس. بسبب هذا التعارض، تركت بعض درجات المرونة للدول لمعالجة مدى حماية هذه الحقوق.

احترام و تعزيز حقوق الإنسان

الهدف الرئيسي من النشاط الحقوقي هو السعي إلى تغيير القوانين والممارسات الوطنيه بحيث يتم احترام و تعزز حقوق الإنسان. تغيير القوانين الوطنية يتم في ضوء صكوك حقوق الانسان. كما ان هناك عدة جهات تتفاعل مع بعضها البعض لدعم الحكومات او الضغط عليها لتبني التغييرات في القوانين المحلية و لتغيير الممارسات على اراضيها لاحترام و تعزيز حقوق الانسان.

صكوك حقوق الإنسان

لعبت الصكوك الدولية دوراً محورياً في تطور مفهوم حقوق الإنسان حيث وحدت الرؤى العالمية لمفاهيم حقوق الإنسان و جعلت البشر في شبه اتفاق حول هذه المفاهيم. كما و أسست لمشاريع الدفاع عن حقوق الإنسان العابرة لحدود الدول من خلال التحرك الدولي او بتحرك المنظمات غير الحكومية.

و هناك عدة تقسيمات لصكوك حقوق الإنسان:

بحسب الالزامية :

1. صكوك ملزمة : هذه الصكوك لها قوة قانونية ملزمة على الدول المصادقة عليها امام المجتمع الدولي و تسمى عهود او مواثيق. 2. صكوك ملهمة : هذه الصكوك ملهمة للدول الموقعة عليها و تسمى اعلانات او مبادئ او قواعد. رغم افتقار هذه الصكوك للقوة القانونية إلا انها بدأت تأخذ قوة جديدة من خلال تحولها إلى عرف دولي.

بحسب التغطية الدولية:

1. صكوك دولية: و هي التي تصدر عن الامم المتحدة و يمكن لجميع اعضاء الامم المتحدة الانضمام لها. 2. صكوك اقليمية: و هي التي تصدر عن منظمات اقليمية مثل ”الاعلان الاسلامي لحقوق الإنسان“ و ”الميثاق الافريقي لحقوق الإنسان و الشعوب“ و ”الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان“ و يمكن لأعضاء المنظمة الاقليمية فقط الانضمام لها.

التوقيع و المصادقة على الاتفاقيات

توقيع الدوله او انضمامها الى صك دولي يعني موافقة الحكومة من حيث المبدأ على مضمونه دون التزام قانوني عليها. اما المصادقة فتعني التزام الدولة القانوني امام المجتمع الدولي بتطبيق بنود الاتفاقية، و قد يشمل ذلك موافقة الجهات التشريعية مثل البرلمان على الاتفاقية و مراجعة و تعديل القوانين المحلية للدولة للتماشى مع بنود الاتفاقية.

التحفظ على الاتفاقيات

التحفظ على بند هو ان لا تقر الدولة الالتزام بهذا البند، على ان لا يلغي هذا التحفظ روح الاتفاقية.

اشهر الصكوك الدولية

اشهر الصكوك الدولية هي تلك الصادرة عن هيئات الامم المتحدة المختلفة. سوف يتم فيما يلي سرد موجز لبعض هذه الصكوك :

1) الصكوك الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة. أ‌- الاعلان العالمي لحقوق الإنسان (اقر في 10 ديسمبر 1948): هو اول اعلان عالمي متعلق بحقوق الإنسان و هو الملهم لجميع الصكوك التالية له و الصادرة من الامم المتحدة أو من المنظمات الاقليمية. رغم عدم الزاميته، إلا ان كثير من بنوده اصبحت شبه الزامية اما من خلال تحولها إلى عرف دولي أو بسبب تبنيها في دساتير كثير من دول العالم. اهتم في مواده الثلاثين، بالحقوق و الحريات الأساسية التي يتمتع بها كل انسان بغض النظر عن عنصره أو لونه أو جنسه أو دينه أو رأيه السياسي أو أصله الوطني أو الاجتماعي أو أي وضع آخر. من الحقوق التي شملها، حق الحياة و الحرية و حرية الفكر و الوجدان و الدين و الحق في العمل و التعليم و التحرر من الاضطهاد.

ب‌- العهد الدولي للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية (اقر عام 1966، و دخل حيز التنفيذ عام 1976): يشمل هذا العهد حق تقرير المصير، و حق العمل، و الحق في تكوين و الانضمام إلى نقابات مهنية، و الحق في الضمان الاجتماعي، و الحق في حماية و مساعدة الاسرة، و الحق في مستوى معيشي مناسب بما في ذلك توفر الطعام و الملبس و المسكن، و الحق في توفر اعلا مستوى ممكن من الصحة الجسمية و العقلية، و الحق في التعليم، و الحق في المشاركة في الحياة الثقافية و العلمية. تراقب تنفيذ هذه الاتفاقية لجنة الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية.

ت‌- العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية (اقر عام 1966 و دخل حيز التنفيذ عام 1976): يشمل هذا العهد الحق في الحياة و حظر التعذيب، و حظر العبودية و عمال السخرة، و حظر الاعتقال أو الحجز التعسفي ، و حق الاشخاص المنتزعة حرياتهم في معاملة انسانية، و حق حرية التنقل، و حق تساوي الجميع امام القضاء و حظر التشريعات الجنائية بأثر رجعي، و حظر التدخل التعسفي في خصوصية الافراد، و حق حرية الفكر و الوجدان و الدين و الرأي و التعبير و تكوين الجمعيات السلمية، و حق حماية الاسرة و حق المشاركة في الشئون العامة، و حق تمتع الاقليات بثقافتهم و ممارسة ديانتهم و استخدام لغتهم. يراقب تنفيذ هذه الاتفاقية مجلس حقوق الإنسان.

الصكوك الثلاثة السابقة يطلق عليها، مجتمعة، الشرعة الدولية لحقوق الإنسان. ث‌- الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع اشكال التمييز العنصري (اقرت عام 1965 و دخلت حيز التنفيذ عام 1969): تحظر هذه الاتفاقية التمييز العنصري. و يعرّف التمييز العنصري بأنه ”أي تمييز أو اقصاء أو تقييد أو تفضيل يقوم على أساس من العنصر أو اللون أو النسب أو الاصل القومي أو الاصل العرقي“. و تطالب هذه الاتفاقية الدول بان تقضي على جميع اشكال التمييز العنصري و ان تعزز التفاهم بين جميع الطوائف الذين يقعون ضمن مسئوليتها. يقوم بمراقبة تطبيق هذه الاتفاقية لجنة القضاء على التمييز العنصري.

ج‌- اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة (اقرت عام 1979 و دخلت حيز التنفيذ عام 1981): تُدين و تحظر هذه الاتفاقية التمييز ضد المرأة. و يعرّف التمييز ضد المرأة بأنه "كل تمييز و اقصاء و تقييد مبني على أساس الجنس" و الذي يقيد استمتاع المرأة بحقوقها كإنسانة و حرياتها الأساسية. يقوم بمراقبة هذه الاتفاقية لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة.

ح‌- اتفاقيه مناهضه التعذيب وغيره من ضروب المعامله القاسية أو اللا انسانية أو العقوبة أو المعامله المهينة (اقرت عام 1984 و دخلت حيز التنفيذ عام 1987): تضع هذه الاتفاقية حظر رسمي و بدون تحفظ على ممارسه التعذيب. و يعرّف التعذيب على انه "اي عمل ينتج عنه الم أو عذاب شديد، جسديا كان أو عقليا و يلحق عمداً بشخص ما". اللجنة المراقبة لهذه الاتفاقية هي لجنة مناهضه التعذيب.

خ‌- اتفاقية حقوق الطفل (اقرت عام 1989 و دخلت حيز التنفيذ عام 1990): بمصادقة 195 دولة عليها اصبحت هذه الاتفاقية هي الاكثر مصادقةً عليها. تغطي هذه الاتفاقية حق الطفل في الحياة و الهوية و الصحة و التعليم و التربية و الترفيه و العائلة و حرية التعبير و حمايته من كل أشكال التمييز و دعم نموه ونمائه و حمايته من كافة أشكال العنف والإيذاء البدني والعقلي والاستغلال الجنسي. اللجنة المراقبة لتطبيق هذه الاتفاقية هي لجنة حقوق الطفل.

2) الاتفاقيات الصادرة من منظمة العمل الدولية : تنص هذه الاتفاقيات على التزام الدول التي صادقت عليها بحقوق العمال وحمايتهم. تراقب ”لجنه الخبراء“ و ”لجنه مؤتمر تطبيق الاتفاقيات والتوصيات“ تنفيذ هذه الاتفاقيات. و اتفاقيات منظمة العمل الدولية تشمل :

أ‌- اتفاقية الحرية النقابية وحماية حق التنظيم النقابي. ب‌- حق التنظيم و التفاوض الجماعي. ت‌- اتفاقية التمييز في التوظيف والمهن. ث‌- اتفاقية الغاء عمال السخرة. ج‌- اتفاقيه مساواة الاجور. ح‌- اتفاقيه حد السن الأدنى.

3) اتفاقيات جنيف : هي مجموعة القوانين الدولية التي تحكم تصرفات الدول في أوقات الحرب. و هي تعرف ايضاً باتفاقيات ”الحقوق الانسانية“ و تشمل: أ‌- اتفاقيات جنيف لعام 1949 والبروتوكولين الاضافيين لعام 1977. ب‌- اتفاقيه جنيف لتحسين حال الجرحي والمرضي في القوات المسلحه. ت‌- اتفاقيه جنيف الخاصة بمعامله اسري الحرب. ث‌- اتفاقيه جنيف الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب.

الجهات الفاعلة

هناك عدة جهات تتفاعل مع صكوك حقوق الانسان و تتفاعل مع بعضها لتحقيق اهداف حماية و تعزيز حقوق الانسان و هي :

المجتمع

المجتمع هو المستفيد الأول من احترام و تعزيز حقوق الإنسان و هو في نفس الوقت، الخاسر الاكبر من انتهاك هذه الحقوق. نشر ثقافة حقوق الإنسان بين الناس تجعل المجتمع يطالب و يدافع عن كرامته و كرامة الآخرين و يؤثر على المشرعين لتبني القوانين الحامية لهذه الحقوق. حتى لو كان هناك نظام قانوني يضمن حقوق الإنسان، فان اثره يصبح ضئيلاً حين لا تكون هناك ثقافة و ايمان بهذه الحقوق في أوساط المجتمع.

حكومات الدول

الحكومات هي المنتهك الرئيسي لحقوق الإنسان، فممارسات الحكومات تحكمها طائفة واسعة و متشابكة من المصالح الجماعية و الفردية و التي قد لا يتطابق بعضها و مبادئ حقوق الإنسان. كما ان الحكومات هي الجهة الاقدر على حماية حقوق الإنسان، فهي التي تمتلك الموارد اللازمة للقيام بذلك من قدرات تشريعية و قضائية و تنفيذية و اعلامية و مادية.

الوضع المثالي لأي دولة لاحترام و تعزيز حقوق الإنسان هو ان تقوم بالمصادقة على جميع الصكوك الدولية و الاقليمية المتعلقة بحقوق الإنسان و ان تتبنى بنود تلك الصكوك في تشريعاتها و قوانينها المحلية و ان تحمي تلك التشريعات و القوانين من خلال سلطتها القضائية و التنفيذية.

لحماية و تعزيز حقوق الإنسان، يعمل النشطاء الحقوقيون على المستوى الدولي و الاقليمي و الوطني اما بالتعاون مع الحكومات أو باستخدام شبكات الضغط لجعل الحكومات تصادق على صكوك حقوق الإنسان و تلتزم بها. شبكات الضغط تعتمد أساساً على قوه الاعلام و نشر الانتهاكات و محاوله احراج الحكومات و اجبارها على تحسين اوضاع حقوق الانسان على اراضيها لتجنب تشويه صورتها على المستوى الدولي.

الامم المتحدة

تضطلع هيئات الامم المتحدة الكثيرة و بموظفيها الذين يزيد عددهم عن 50،000 شخص بالعديد من المهام التي تهدف الى تعزيز و حماية حقوق الانسان. تنقسم هيئات الامم المتحدة الى عدة فئات بحسب طبيعة مهامها:

 هيئات الميثاق و هي الهيئات التي اُنشأت لرعاية ميثاق الامم المتحدة و تشمل الجمعية العامة و مجلس الامن و محكمة العدل الدولية و المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و الامانة العامة و مجلس الوصاية.

 هيئات المعاهدات و التي أوجدت لرعاية و حماية معاهدات الامم المتحدة و قد تم التطرق لها حين الكلام عن الصكوك.

 المحاكم الخاصة بجرائم الحرب و هي محاكم تُنشأ في حال وجود حاجة لها و تنتهي بمجرد انهاء مهامها مثل محكمة يوغسلافيا و محكمة راوندا.

 الهيئات المتخصصة و منها : منظمة العمل الدولية و اليونسكو و منظمة الصحة العالمية و منظمه الاغذية والزراعة و البنك الدولي. و تتعدد مهام هيئات الامم المتحدة المتعلقة بحماية و تعزيز حقوق الانسان لتشمل:

 صياغة الصكوك.  مراقبة تنفيذ الصكوك.  مساعدة الدول على تطبيق بنود الاتفاقيات.  الضغط على الحكومات المنتهكة لحقوق الانسان.  التدخل في الدول لإيقاف الانتهاكات الصارخة.  عقد المؤتمرات و الندوات المتعلقة بحقوق الانسان.  محاكمة مجرمي الحرب و الابادة الجماعية.  تهيئة الظروف المناسبة لحياة كريمة.

منظمات حقوق الانسان

المنظمات غير الحكومية هي منظمات تتكون من اشخاص من خارج الحكومة و هي غير ربحية و تعتمد في تمويلها على الاشتراكات و التبرعات. يقوم على هذه المنظمات مجموعة من المتطوعين من ذوي الاهتمامات المشتركة بهدف تقديم خدمات و وظائف انسانية للمجتمع. تتمحور هذه المنظمات حول مواضيع محددة مثل حقوق الإنسان أو الشئون البيئية أو الشئون الصحية او الرياضة او الاعمال الخيرية. منظمات حقوق الانسان الاهلية هي من المنظمات غير الحكومية.

لتعزيز حقوق الإنسان، تتبع منظمات حقوق الإنسان عدد من الاليات منها:

 العمل على جعل الحكومات تتبنى تشريعات وطنية تحترم حقوق الانسان و ان تدعم الحكومات هذه التشريعات قضائياً لملاحقة المنتهكين لهذه الحقوق.  مراقبة و رصد التشريعات و الممارسات التي تنتهك حقوق الإنسان.

 ممارسة النشاط الاعلامي و التدريب و التعليم لخلق وعي جماهيري بحقوق الإنسان في المجتمعات.  عمل البحوث التي تساعد على تعزيز حقوق الإنسان.  المشاركة في المؤتمرات و الندوات لتنمية مفاهيم جديدة و انشاء مواثيق و اعلانات و برامج عمل تعزز حقوق الإنسان.  رفع تقارير عن أوضاع حقوق الإنسان في بعض الدول لهيئات المعاهدات في الامم المتحدة لتكون تقارير موازية لتلك التي ترفعها الحكومات.

 التعاون مع جهات حقوقية و اعلامية داخل و خارج أوطانها للضغط على الحكومات لتحسين أوضاع حقوق الإنسان لديها.

تحترم منظمات حقوق الإنسان جميع المواثيق الدولية و تحترم حقوق الإنسان اينما كان. لكن، و بسبب سعة الانشطة الحقوقية و محدودية امكانات المنظمات، تقوم هذه المنظمات بتحديد نشاطها على مواضيع و منطقة جغرافية محدودة تسمى "الولاية". و كمثال على ذلك، ان تكون ولاية منظمة معينة "العنف ضد المرأة في مدينة معينة" أو ان تكون ولاية منظمة اخرى "الدفاع عن سجناء الرأي و الضمير في كل العالم".

حين تكتشف المنظمات الحقوقية و تفضح انتهاكات الحكومات أو الافراد من ذوي السلطة أو المصالح، قد يتعرض اعضائها للمخاطر الشخصية. و قد تنبه المجتمع الدولي لذلك و اكد على وجوب و اهمية تامين الحماية لهم. فقد جاء في اعلان مؤتمر فيينا "يجب ان تحظى المنظمات غير الحكوميه و اعضاءها الملتزمين بتعزيز حقوق الإنسان بالحقوق والحريات المعترف بها في الاعلان العالمي لحقوق الإنسان و بحماية القانون الوطني".

تؤثر منظمات حقوق الانسان بشكل كبير على وضع سياسات الامم المتحدة وبرامجها من خلال التشاور و الابحاث التي تعدها المنظمات الحقوقية. حيث تدعى المنظمات الحقوقية بشكل دائم للاضطلاع بدور رائد في مؤتمرات الامم المتحدة. و تعتمد الامم المتحدة على المنظمات الحقوقية للمساعدة في مجال المعلومات في شئون تهم الامم المتحدة و منها التقارير الموازية التي ترفع إلى هيئات المعاهدات.

من الامثلة على منظمات حقوق الانسان :

 منظمه العفو الدوليه (Amnesty International).  مراقبة حقوق الانسان (Human Rights Watch).

دول العالم

نتحدث هنا عن دول العالم منفردة أو تجمعاتها الاقليمية و الدولية. تساهم دول العالم بفعالية في تعزيز حقوق الإنسان لدوافع تشمل:

 مصادقة كثير من دول العالم على صكوك حقوق الانسان جعل بنود هذه الصكوك تتحول الى عرف دولي يشاء المجتمع الدولي ان يتم احترامها.  ضغوط منظمات المجتمع المدني على الحكومة للمساهمة في تعزيز حقوق الإنسان داخل و خارج حدودها كما هو حال الكونجرس الامريكي مع الحكومة الامريكية.

 الاتفاقيات الاقليمية التي تفرض الالتزام بمعايير حقوق انسان معينة لمن يريد الانضمام لهذا التجمع كما هو حال تركيا مع الاتحاد الأوربي.

 مراعاة الدول لمصالحها في دول اخرى. فانتهاك صارخ لحقوق الإنسان في دولة معينة قد يؤدي إلى هجرة جماعية إلى دول الجوار و تضرر مصالح هذه الدول. مثال على ذلك، تدخل الاتحاد الافريقي في قضية دارفور في السودان.

اكبر تجمع دولي هو الامم المتحدة و ما تقوم به عبارة عن مشاركات و ارادات الدول اما بشكل اجماعي أو بشكل ارادة الاغلبية. و لكن هناك ايضاً فعاليات متعلقة بحقوق الإنسان على مستوى الدول منفردة كما هي حال الولايات المتحدة الامريكية أو من خلال تجمعات اقليمية مثل الاتحاد الافريقي و الاتحاد الأوربي.

من اين نبدأ ؟

بعد هذا الاستعراض، قد يتصور البعض انه على احدنا ان ينتمي الى تنظيم حقوقي او دولي او عليه ان يكون خبيراً في مواثيق حقوق الانسان لكي يمكنه الاستفادة من او المساهمة في ثقافة حقوق الانسان و تعزيزها في المجتمع. واقع الامر ان حقوق الانسان ثقافة يمكن لأي منا ان يتفاعل معها بغض النظر عن مدى تعمقه او تخصصه فيها. فالإعلان العالمي لحقوق الانسان ببنوده الثلاثين قد صيغ بلغة مبسطة و بشكل شمولي، كما و صيغت باقي الصكوك الحقوقية بشكل ميسر يسهل فهمها و استيعابها من قبل الفرد العادي. قراءة بعض هذه الصكوك و الاطلاع على الكتابات الحقوقية المنشورة بشكل مطبوع او على الشبكة العنكبوتية، يمكن له ان يلهم أي فرد من افراد المجتمع بتبنى تطبيقات حقوقية يكون لها اثر ايجابي في مطالبته بحقوقه و المساهمة في تعزيز و الدفاع عن حقوق الاخرين ممن هم حوله من زملاء عمل او مرؤوسين او افراد اسرة او طلاب. كما و يمكن لبعضنا المساهمة بنشر هذه الثقافة في المجتمع من خلال الكثير من القنوات ابتداءً من الاحاديث العابرة و حتى الكتابة في وسائل نشر مثل الشبكة العنكبوتية و الصحف و المجلات و الدوريات.

 
 
اقرأ المزيد...
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required