مفتاح
2025 . السبت 7 ، حزيران
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 


الآن وقد بدا أن الحرب الأهلية الفلسطينية التي سعت إليها إسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منذ زمن بعيد قريبة من الاندلاع، فقد يكون الوقت مناسبا لتفحص التبرير الذي قدمته إسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لعقابهم الجماعي للشعب الفلسطيني، انتقاما من اتخاذهم الخيار «الخاطئ» في الانتخابات الديمقراطية التي جرت في يناير الماضي، متمثلا في رفض حماس «الاعتراف بإسرائيل» أو «الاعتراف بوجود إسرائيل» أو «الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود».

وهذه الصيغ الثلاث استخدمت من جانب وسائل الإعلام والسياسيين، بل والدبلوماسيين على نحو قابل للتبادل، وكأنها تعني الشيء ذاته. الأمر ليس كذلك.

فـ«الاعتراف بإسرائيل» أو أية دولة أخرى هو عمل قانوني/ دبلوماسي رسمي تقوم به دولة تجاه دولة أخرى. ومن غير المناسب الحديث عن حزب أو حركة سياسية، حتى في دولة ذات سيادة، يعرض الاعتراف الدبلوماسي بدولة. والحديث عن «الاعتراف بإسرائيل» من جانب حماس، هو اختزال مربك ومضلل للحاجة الحقيقية.

و«الاعتراف بوجود إسرائيل» ليس هراء منطقيا ويبدو للوهلة الأولى يرتبط باعتراف مباشر نسبيا بحقيقة من حقائق الحياة، شأن الموت والضرائب مثلا. غير أن هناك مشكلات عملية جديدة ترتبط بهذه الصيغة. فأية إسرائيل وفي إطار أية حدود هي المعنية؟ الـ55 في المائة من فلسطين التاريخية التي وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على إقامة الدولة اليهودية عليها في قرارها عام 1947؟ الـ78 في المائة من فلسطين التاريخية التي احتلتها إسرائيل عام 1948 والتي ينظر إليها من قبل معظم دول العالم باعتبارها «إسرائيل»؟ آلت 100 في المائة من فلسطين التاريخية التي احتلتها إسرائيل منذ يونيو 1967 والتي تظهر باعتبارها «إسرائيل» على الخرائط في الكتب المدرسية الإسرائيلية؟ غير انه إذا كان هذا هو كل ما مطلوب من حماس، فإنه قد يكون من المحتمل بالنسبة لها ان تعترف، كحقيقة من حقائق الحياة، بأن دولة إسرائيل تقوم اليوم في إطار حدود معينة، فيما و«الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود»، وهو المطلب الواقعي، يصبح قضية مختلفة تماما. فهذه الصيغة لا تعالج الرسميات الدبلوماسية أو القبول البسيط بالحقائق الراهنة. إنها تدعو إلى حكم أخلاقي.

وهناك فارق هائل بين «الاعتراف بوجود إسرائيل» و«الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود». ومن وجهة نظر فلسطينية فإن الفارق هو في الصيغة ذاتها، كما هو الفارق عندما تطلب من يهودي الاعتراف بحدوث الهولوكوست، وتطلب منه الاعتراف بأن حدوث الهولوكوست كان «صحيحا»، وأن الهولوكوست (وفي الحالة الفلسطينية النكبة) كان مبررا أخلاقيا.

ومطالبة الفلسطينيين بالاعتراف بـ«حق إسرائيل في الوجود» تعني مطالبة الشعب الذي عومل لما يقرب من 60 عاما، وما يزال باعتباره من أشباه البشر، وأنهم يستحقون ما جرى ويجري لهم. بل حتى الحكومات الأميركية خلال القرن التاسع عشر، لم تطلب من الأميركيين الأصليين كي يعلنوا عن «أحقية» التصفية العرقية التي جرت ضدهم على يد أصحاب «الوجوه الشاحبة»، كشرط أولي يسبق حتى مناقشة أي من المحميات تُخصَّص لهم ـ تحت حصار اقتصادي وتهديد بالمجاعة، حتى يتخلوا عن أي قدر من الكرامة تبقت في حوزتهم والتسليم بهذه النقطة.

يرى البعض أن ياسر عرفات لم يتنازل عن هذه النقطة مقابل شراء تذكرة تخرجه من عزلة الطعن فيه باعتباره ممثلا للشر، وامتلاك الحق كي تلقى عليه المحاضرات التوجيهية مباشرة من قبل الأميركيين. في الحقيقة، كان بيانه في استوكهولم في أواخر عام 1988 حينما قبل «بحق إسرائيل بالوجود في سلام وأمن». وهذه الصيغة تعالج شروط وجود دولة، هي في حقيقة الأمر، موجودة. لذلك، فإن البيان لا يعالج السؤال المتعلق بـ«أحقية» نزع ملكية الشعب الفلسطيني وطرده من دياره لفتح الطريق أمام شعب آخر يأتي من الخارج ليحل محله.

كان أصل التصور المتعلق بصيغة «حق إسرائيل في الوجود» واستخدامه كمبرر لعدم التحدث إلى القيادة الفلسطينية، التي ما زالت تقف من أجل الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، يعود إلى هنري كيسنجر، الأستاذ الكبير في مجال الخبث الدبلوماسي. ليس هناك شك بأن تلك الدول التي تستخدم هذه الصيغة حتى الآن تقوم بها عن وعي، بما يترتب عليها من تبعات أخلاقية وسيكولوجية على الشعب الفلسطيني، وللأغراض المشبعة خبثا نفسها، باعتبار هذه الصيغة هي عقبة طريق ضد أي تقدم يتحقق صوب السلام والعدالة في إسرائيل وفلسطين، وكطريقة لكسب وقت إضافي لصالح إسرائيل، لخلق «حقائق أكثر على الأرض» بينما يستمر لوم الفلسطينيين على معاناتهم.

مع ذلك، لم ينخدع كثير من الأفراد ذوي النوايا الحسنة وأصحاب القيم الرفيعة، بالبساطة التي تحملها كلمات «حق إسرائيل في الوجود»، كي يؤمنوا بأن رفض هذه الصيغة من أي طرف، يعني أنه خاضع لأيديولوجية إرهابية، بدلا من الحاجة إلى الالتزام إلى احترام الذات والكرامة باعتبارهما قيمتين إنسانيتين شاملتين، وهذا الموقف تم تلمسه قلبا وعقلا من أكثر الشعوب تعرضا للإساءة، وأكثر الشعوب فقدانا للشروط الأولية لأي حياة تستحق العيش. وهذا تم التدليل عنه من خلال النسبة العالية من الفلسطينيين الذين صوتوا لحماس، بسبب موقفها المبدئي من رفض الطلب المذل، والخضوع له، والذي يفرضه أعداؤهم عليهم. وعلى الرغم من كثافة الألم الاقتصادي والمعاناة التي فرضت عليهم من قبل الحصار الإسرائيلي والغربي، فقد زاد ذلك من نسبة الذين صوتوا لحماس في انتخابات يناير الماضي.

وأخيرا: فقد لا يكون الأوان قد فات كي تركز العقول الرفيعة في عالمنا على هذا المطلب غير الأخلاقي والذي أدت إساءة استخدامه إلى قدر أكبر من البؤس والمظالم التي تتهدد قطاعا واسعا من للشعب الفلسطيني. - الشرق الأوسط 21/12/2006 -

 
 
اقرأ المزيد...
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required