مفتاح
2025 . الجمعة 6 ، حزيران
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 


يشهد الوضع الفلسطيني حالة ازدواج السلطة بشكل صريح، وكان الازدواج قد بدأ ملتبسا بعد اندلاع انتفاضة الأقصى، وتكرس في أعقاب تفكك السلطة الـمركزية التي تعرضت لضربات شديدة جّراء تمردها الجزئي على سلطة الاحتلال. وقبل ذلك انبثقت النواة الأولى لسلطة الـمعارضة عبر ممارسة "حق النقض" بالعمليات الاستشهادية الـموجهة لإسرائيل، لكنها استهدفت في الوقت ذاته سياسة سلطة أوسلو واتفاقاتها. لقد خاضت حركة حماس الانتخابات وهي تملك جهازاً سلطوياً خاصاً، يضم أذرعاً عسكرية قوية جرى بناؤها في سياق مقاومة الاحتلال، ويضم الجهاز أيضا مؤسسات مدنية (تعليم، صحة، خدمات اجتماعية، ومساجد)، وتعتمد الأذرع والـمؤسسات على إمكانية مالية قوية جداً. وساهمت سياسة مضاعفة الاستيطان ومصادرة الأراضي وعدم تطبيق الاتفاقات الإسرائيلية من جهة، والفساد الإداري والـمالي للسلطة من جهة أخرى في تعزيز سلطة "حماس" وفي كسبها نفوذاً جماهيرياً متزايداً.

قبل الانتخابات كان لدينا سلطتان متعايشتان، وبعد الانتخابات صار لدينا سلطتان متصارعتان، فكيف السبيل لحل ازدواجية السلطة وتوحيد السلطتين في سلطة واحدة تلتزم النظام والقانون، وتحقق الوحدة الوطنية للحركة السياسية والشعب في إطار من التعددية؟. ثمة حاجة ملحة لوجود سلطة وطنية واحدة وقانون واحد وشرطة واحدة، ومقاومة تتبنى استراتيجية وطنية واحدة، وكل هذا لا يمكن أن يكون بدون (لاحم وطني) أو (عقد وطني اجتماعي) ينطلق من تعددية سياسية وثقافية واجتماعية، ومن مبدأ التداول السلـمي للسلطة أو الـمشاركة وفقاً لنتائج الانتخابات، فنحن بلا سيادة واستقلال وما زلنا في طور التحرر الوطني. ولا يعقل أن ننقسم إلى حركات تحرر وطني كل واحدة لها استراتيجية خاصة وتحالفات إقليمية ودولية.

قد لا يختلف أحد في تحديد الـمبادئ، فما أيسر الاتفاق عليها، بيد أن كل محاولة واقعية لترجمة الـمبادئ سرعان ما تتعثر وينطلق من تفاصيلها الشياطين، وينتج عنها خلافات حقيقية تقود في الغالب إلى صدام ميداني. في البداية لا بد من وجود مرجعية قانونية تبت في قضايا الخلاف بدقة وموضوعية كاملة. ولا تخضع الـمفاهيم والـمصلحة الوطنية العليا والديمقراطية لـميزان القوى الـمحلي أو للأيديولوجيا. القضايا التي تحتاج إلى البت والحسم من قبل "حماس" وتنظيمات أخرى وجميع الأذرع والكتائب والـمجموعات.

إن اعتماد مرجعية مشتركة ملزمة للجميع بدون استثناء، ومرجعية السلطة الوطنية هي القانون الأساسي (الدستور الـمؤقت) ومنظمة التحرير (الـميثاق الوطني). لا يجوز التعامل مع بنود ورفض أخرى في النظام الأساسي بصيغة انتقائية. ولا يحق وضع شروط مسبقة كتعديل تركيبة الـمنظمة بشكل مسبق ليصار إلى الإقرار بها، وهي الـمنظمة الـمعترف بها ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني عربياً وعالـمياً (عضو مراقب في الأمم الـمتحدة). إن التغيير والتطوير والإصلاح أكثر من ضروري وأكثر من ملح ولكن بالطرق النظامية والقانونية وبدون شروط مسبقة، وبدون نظام وقانون تسود شريعة الغاب والفوضى التي تأكل الأخضر واليابس. لقد حاولت فصائل ومجموعات وأفراد رفض الشرعية الفلسطينية والتمرد عليها لأسباب متنوعة "كالخروج من الصف الوطني". والخروج عن الوطنية بدأ بموافقة الـمجلس الوطني على برنامج النقاط العشرة عام 74، ومنذ ذلك التاريخ تفاوتت معايير الخروج عن الوطنية، فكانت الـموافقة على الـمشاركة في مؤتمر جنيف الذي رفضته إسرائيل حينذاك يعد خروجاً، وكذا الاجتماع بإسرائيليين وأميركان، واتفاق عمان مع الحكومة الأردنية، وزيارة القاهرة عام 83 وكسر مقاطعتها الناجمة عن توقيع اتفاقات كامب ديفيد، والـمشاركة في مؤتمر مدريد وصولاً إلى إبرام اتفاقات أوسلو وتعديل بنود في الـميثاق الوطني، كل ما سبق يضاف اليه عشرات الـمواقف واللقاءات والتصريحات الصحافية كانت كافية للاتهام بالخروج عن الوطنية وارتكاب الخيانة. وللتدليل على خطأ التقديرات، يكفي القول إن كل الذين اتهموا قيادة عرفات بالخروج عن الصف الوطني تغنوا بوطنيته في نهاية الـمطاف ــ باستثناءات محدودة.

لا يمكن التعاطي مع قضايا الخلاف والانحرافات والأخطاء، بمعزل عن معايير ومرجعيات يتم الاتكاء عليها لـمعالجة وتقويم أي خطأ. فالخيانة ليست تهمة جاهزة يتم إطلاقها حسب الـمزاج والتراجع عنها بتقبيل الذقون، والشرعية الدولية بمواثيقها ومعاهداتها وقراراتها ليست وجهة نظر عابرة، والـمبادئ العامة لا تنفصل عن الشروط الواقعية والعقلانية.

يجمع النظام الفلسطيني الناشئ بين البرلـمانية والرئاسية وينتمي للنظام الـمختلط الذي يلائم بالكاد بلداناً مستقرة ومتقدمة كفرنسا، ويصعب بالتالي التعاون بين مؤسستين تنتميان لحزبين مختلفين. كما يوجد اختلاط ما بين السلطة والـمنظمة ــ بعض الـمؤسسات الإعلامية وجيش التحرير يتبعان الـمنظمة لكنها أدمجت بالسلطة. في تجربتنا الوليدة لا يوجد فهم قانوني مشترك لصلاحيات كل طرف وللتداخل فيما بينهما، أغلب الظن أن معظم وزراء الحكومة لا يعرفون أو لا يتوقفون عند الصلاحيات التي يمنحها لهم القانون. ولهذا يحتدم الخلاف، ولا تلتزم حكومة الرئيس بقراراته، ويتولى رئيس الحكومة والوزراء "تفنيد" ما يقوله الرئيس أولاً بأول، وهذا شيء غريب وعجيب لا يوجد مثيل له حتى في الأفلام الكوميدية.

الإشكالية الأساسية أن "حماس" تملك أجهزتها الـمستقلة الأمنية والـمالية، مقابل ذلك فإن "فتح" دمجت أجهزتها الخاصة بالسلطة، وهذا يعود لأن السلطة كانت لـ "فتح"، وعندما انتقلت "حماس" للسلطة بقيت اجهزتها الـمستقلة على حالها وأرادت السيطرة على أجهزة السلطة التي تنتمي لـ "فتح". ومن اجل التوازن والانصاف كان ينبغي دمج اجهزة "حماس" الخاصة بالسلطة والـمنظمة حتى يستقيم مفهوم سلطة واحدة وشرطة وأمن وطني واحد ومنظمة تضم الجميع.

استمرار ازدواجية السلطة في ظل خلاف سياسي ذي طابع ايديولوجي، ينطوي على خطر محاولة الحسم العسكري وفرض السياسة بالقوة بعيداً عن مصالح الـمواطنين وفي مواجهة الديمقراطية، وينطوي على خطر التنافس لتقديم عروض الحلول السياسية والتوزع في محاور دولية وإقليمية، والأسوأ ينطوي على خطر الانقسام السياسي في صفوف الشعب والحركة السياسية.

الـمخرج واضح الـمعالـم لـمن التزم الـمصلحة الوطنية قولاً وفعلاً، حسم قانوني والتزام بالـمعايير الواحدة والـمرجعية الواحدة، عقد وطني واجتماعي لـمجتمع وشعب في مرحلة تحرر وطني، وتغليب الـمصلحة الوطنية على الـمصالح الفئوية. - الأيام 26/12/2006 -

 
 
اقرأ المزيد...
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required