الشعوب تتعلـم من اعدائها، وما يهم تعلـمه هنا هذا الأسلوب الديمقراطي قولا وفعلا في حل قضايا الخلاف الداخلي الحاد، ومسؤولية الحكومة والقادة في جعل ذلك ممكنا، وتحديدا مسؤولية وزيري "الدفاع" و"الداخلية" اللذين شكلا غرفة عمليات ودربوا الجنود وجمعوا الـمعلومات ونفذوا الخطة بحذافيرها. والشعوب تتعلـم أساسا من تجارب نضالية متقدمة كتجربة حزب الله الذي خاض أعنف حرب وانتصر ولـم يستعرض قوته ولـم يظهر مسلحا ولا ملثما واحدا، لأن قرار الحزب الواضح والصريح هو استخدام السلاح ضد الاحتلال فقط لا غير. للاسف، نحن لـم نتعلـم لا من العدو ولا من الصديق ولا من تجربتنا الخاصة. ما يحدث من أعمال دموية وتصفيات ومعاقبة خارج القانون هو بكل الـمقاييس غير معقول، إنه مصيبة جديدة تحل بالـمجتمع الفلسطيني. فما عجز الاحتلال عن تحقيقه في أربعة عقود يتحقق الآن بأيد فلسطينية. إنه الانقسام والاحتراب الداخلي، والتفريط بالـمصلحة الوطنية العليا لحساب الـمصلحة الفئوية. الانقسام في اللغة والخطاب والـمفاهيم والقراءات الـمتناقضة كانت البداية. وإخضاع كل قول وسلوك لـمعايير محددة بالقانون والنظام هو بداية تجاوز الكارثة الـمحدقة. حسناً فعلت لجنة الـمتابعة الفصائلية بتحديدها للطرف الـمبادر الى الاعتداءات الاخيرة، ويستحق من قام بكشف التهديد الذي تعرض له والجهة التي هددت جراء كشف الحقيقة كل ثناء وتقدير. الإعلاميون يستطيعون أكثر من غيرهم كشف ما يجري، لكنهم يتعرضون للتهديد والوعيد ولا يستطيعون الـمجاهرة به فيلوذون بالصمت والحيادية. كم كان تقرير غيفارا البديري عن "الفلتان الأمني" -الذي عرضته "الجزيرة"- مهما في كشف الظاهرة الـمرعبة والتعريف بكيفية اتخاذ قرار التصفيات وتنفيذها، وكيفية خطف الأصدقاء الأجانب والتعامل معهم كرهائن، كان اعتراف البعض بالصوت والصورة في التحقيق كافيا لتدخل جهات الاختصاص الأمنية والقضائية، لكن ذلك لـم يحدث مطلقا. إذا لـم يتم تحديد الجهة الـمعتدية وأسباب ودوافع الاعتداء وطبيعته وتفاصيله، سيتكرر مشهد الانتهاكات الـمروعة ويتسع، سيحدث استقطاب مع هذا الطرف أو ذاك مهما فعل ومهما ارتكب من أعمال قتل وسلب وتهديد، ومهما كان موقفه مستفزا ومخزيا. وهذه الحالة تعيدنا الى حرب قَبَلِية عنوانها "انصر أخاك ظالـما أو مظلوما"، حرب يؤدي فعل جريمة في مكان ما رد فعل بجريمة أخرى في مكان آخر ضد من ليس له صلة بالجريمة وربما لا يعرف شيئا عنها، إنه التدمير الذاتي والعودة البشعة الى عهود الظلام وشريعة الغاب. خلافا لسياسة التكتم والانصياع للتهديدات فإن كشف ما حدث ويحدث سيخلق رأياً عاماً شعبياً واسعاً ضد الـمرتكبين والجهة التي ينتمون لها، سيخسر كل طرف سياسي يشكل الغطاء لأعمال القتل ومرتكبيها أو من يؤيدها أو يتغاضى عنها. انه شكل الحماية الوحيد والـمخرج الحقيقي الوحيد من كارثة محدقة. كان أسوأ رد، هو الانتقام بإطلاق نار وخطف وتدمير ممتلكات وتهديد ووعيد وتحويل القضية إلى صراع دامٍ بين فتح وحماس، إن هذا النوع من رد الفعل ينتمي الى الفعل ذاته شكلا ومضمونا. مقابل ذلك كان الحشد الجماهيري الضخم في ملعب اليرموك بمناسبة ذكرى انطلاقة فتح، بمثابة تدخل جماهيري سلـمي ضد الاستباحة والقتل، هذا النوع من التدخل هو صمام الأمان الحقيقي وخشبة الخلاص من الحالة الـمريضة التي تستبد بنا. لكن هذه الاستجابة الجماهيرية الرائعة جرى حرفها عن وجهتها، عبر إطلاق النيران الاستعراضي، وبخطاب ناري غير مألوف لدى فتح، كان ينبغي استثمار الحشد الجماهيري لتدعيم ثقافة ديمقراطية نقيضة لثقافة القتل والتكفير وبخطاب من طراز آخر. قضيتان تحتاجان الى تأكيد التزام بهما كمرجعية وناظم للسلطة الوطنية: أولا: القانون الأساسي (الدستور الـمؤقت) الـملزم للجميع ما لـم يتم تغييره أو تغيير بنود فيه، ولا يجوز اعتماد بنود بصورة انتقائية ورفض أخرى. ثانيا: الصلاحيات الـمحددة للرئاسة والحكومة في النظام البرلـماني-الرئاسي الـمختلط كرزمة متكاملة، فلا يمكن أخذ الشق البرلـماني فقط أو الرئاسي فقط. ومن أجل أن لا يبقى الالتزام انتقائيا ويخضع لتأويلات، فلا بد من اعتماد محكمة دستورية مستقلة ونزيهة يكون القول الفصل في تفسير البنود القانونية ومراقبة الالتزام من اختصاصها. إلى ذلك ثمة ضرورة لإقرار قانون الأحزاب وقانون منظمات الـمقاومة ووضع معايير لشرعيتها ومبررها، من أجل تجاوز مشكلة لجوء عائلات وعشائر ومجموعات متمردة على تنظيماتها لتشكيل منظمات مسلحة تحت ذريعة مقاومة الاحتلال وواقع الحال غير ذلك، وتجاوز مشكلة لجوء فصائل كبيرة الى تشكيل أذرع عسكرية واستخدامها لفرض مواقف وقمع حريات مدنية وتهديد الـمواطنين. إن التجاوز الفعلي للأزمة يمر عبر إعادة النظر والتحقيق في كل الخروقات والتصفيات التي حدثت بدون مواربة أو تبرير. فبدون مساءلة ومحاسبة الـمسؤولين والضالعين عن الجرائم السابقة فإن القتل والانتقام مرشح للتواصل. والخطوة الأولى تبدأ باعتراف الـمسؤولين عن أخطاء أعضاء تنظيماتهم عندما تحدث، ولا يوجد أخطر من فقدان من هم في موقع الـمسؤولية للنزاهة في قول الحقيقة. وفي هذا السياق فإن السلطة التي تحتكر العنف ولا تحتكر العدل تفقد مبرر شرعيتها وتمثيلها وتشعل الفوضى كبديل للنظام. والقوة التنفيذية التي ينبغي أن يخضع وجودها للقانون، استخدمت العنف تحت مسمى حماية النظام العام، وقدمت نموذجا ساطعا في انتهاك العدالة، وفقدت بالتالي مبرر دورها كمدافع عن النظام وحماية الـمواطنين. جريدة الأيام (01/09/2007).
اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|