الكوفية البيضاء الـمنقطة بالاسود انتشرت في فلسطين والعراق وسورية، والكوفية البيضاء الـمنقطة بالاحمر انتشرت في السعودية والأردن وأصبحت جزءا من الزي التراثي للبلدين. الكوفية الـمنقطة بالاسود اشتهرت في فلسطين أثناء ثورة 36 عندما استخدمها سكان الـمدن للتغطية على الثوار الذين استخدموها، وأصبحت علامة مميزة لهم. ومنذ انطلاقة الثورة الفلسطينية استخدمت الكوفية وأصبحت ملازمة للفدائيين في عملياتهم وفي حضورهم أمام وسائل الاعلام. الكوفية والعلـم الفلسطيني والكلاشينكوف شكلت مكونات للهوية الوطنية الفلسطينية الجديدة، وجاءت في لحظة تاريخية شهدت انتقال الشعب الفلسطيني من شعب لاجئ ينتظر الـمساعدة والحلول، الى شعب يقدم الفدائيين وينشد تحرير وطنه وتقرير مصيره بنفسه. الكوفية صارت رمزا لثورة الفدائيين التي اعتبرها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر "أنبل ظاهرة شهدتها الأمة العربية"، ورمزا للانتفاضة الشعبية وللشعب الفلسطيني الذي يناضل من اجل حريته ولقضيته العادلة بامتياز. شيئا فشيئا ارتقت الكوفية من هوية فلسطينية الى هوية عربية وعالـمية، بل إلى هوية نضالية للعديد من قضايا العالـم التحررية والإنسانية. تنتشر الكوفية في معرض الكتاب الدولي في القاهرة كرمز لـمناهضة التطبيع. ويرتدي الكوفية الفلسطينية الشباب الذي يخوض حملة مقاطعة السلع الاميركية في السعودية. ويرتدي الكوفية آلاف الناشطين والشبان الـمناهضين للعولـمة الـمتوحشة في سائر أنحاء العالـم. يرتديها الناشط الفرنسي في مجال حقوق الانسان (جوزيه بوفيه)، وارتداها خوسيه ثباتيرو رئيس الوزراء الاسباني في حملته الانتخابية، ولبسها نواب في مجلس العموم البريطاني، واعتمدتها بعض منظمات الشباب في أوروبا. ويمكن القول إن الكوفية الفلسطينية احتفظت برمزيتها العالـمية عبر نضال مشترك وتضامن فاعل بين الشعوب، وبعد أن أصبح التضامن مع قضية الشعب الفلسطيني جزءا لا يتجزء من النضال من أجل السلـم العالـمي وحقوق الانسان والدفاع عن البيئة ومناهضة الحرب والعسكرة والعولـمة الـمتوحشة. دولة الاحتلال الإسرائيلي أعلنت حربا على الرموز الوطنية "كالعلـم والكوفية"، وكانت تتصدى بعنف لكل من يستخدم تلك الرموز سواء بإطلاق النار أو بإجبار الشبان والأطفال على تسلق أعمدة كهربائية لإنزال العلـم. وكانت السيارات التي تضع الكوفية لتمييزها عن السيارات الاسرائيلية أثناء الانتفاضة تتعرض للعدوان والعقوبات. وكلنا يذكر الأزمة التي أثارها الوفد الاسرائيلي احتجاجا على ارتداء د. صائب عريقات، عضو الوفد الفلسطيني، للكوفية الفلسطينية. وفي تطور مثير، نشرت صحيفة جويش كرونيل صورة لفتاة اسرائيلية ترتدي كوفية بيضاء منقطة باللون الأزرق وبنجمة داود السداسية. الكوفية الجديدة صممها موشيه هاريل، وأراد "انتحال تراث وهوية تمكن إسرائيل من الاندماج في حيز الشرق الأوسط"، كما قال مراقبون. وكانت اسرائيل قد سطت على الزي الفلاحي والـمطرزات وزعمت أنها من تراثها. مقابل ذلك لـم يتردد شباب يهود يرفضون الاحتلال والتمييز ويؤيدون حقوق الشعب الفلسطيني الـمشروعة في ارتداء الكوفية الفلسطينية واستخدامها رمزا لنضالهم ومواقفهم. الشعب الذي توحد على الرموز الوطنية يشهد الان مظاهر انقسام في إطار حركته السياسية، فثمة التباس في اعتماد العلـم، وثمة اختلاف في التعاطي مع الكوفية. فقد فوجئ كثيرون في اعتماد رئيس حكومتنا الاستاذ اسماعيل هنية الكوفية الحمراء من موقعه الرسمي وليس في إطار حريته الفردية. هل هذا يعني استبدال كوفيتنا بكل ابعادها وبرمزيتها ودورها؟ وما هي مبررات الاستبدال؟ لقد تشكلت رمزية كوفيتنا في معمعان نضال وطني ومعارك وتضامن قومي وعالـمي، وليس من السهل شطب هذا التاريخ أو استبداله في لحظة عابرة. يستطيع اي مواطن اختيار الزي والرموز التي تحلو له، وهذا حقه الطبيعي، أما الشخصيات العامة فهي معنية على الأقل بعدم تغيير أو تعويم الرموز كالكوفية، هي باستطاعتها عدم استخدام الكوفية ولكن ليس من حقها تغييرها بكوفية أخرى ومن موقعها التمثيلي. ويلاحظ وجود انقسام حول رموز أخرى في إطار التصورات الايديولوجية، فالاعلام الحزبية تطغى على العلـم الوطني، وهناك من يجتهد بإدخال تعديل على العلـم الفلسطيني بأسلوب غير نظامي، فتغيير أو إدخال تعديل على العلـم يحتاج الى ثلثي أصوات الـمجلس الوطني. وثمة اختلاف في التعامل مع الأزياء الشعبية وخاصة الزي الفلاحي الذي يضعه البعض في خانة التحريم. ويمتد الاختلاف الى الفنون الشعبية والفلكلورية كالدبكات والأغاني والأعراس، والاختلاف هنا يكون طبيعيا ويأتي من باب التنوع والتعدد إذا ما تم اختيار ألوان أخرى بما لا يتعارض مع حق الآخرين في استمرار اعتماد ألوانهم التاريخية. الـمشكلة أن اللون الجديد يحرم الأشكال الأخرى. والـمشكلة أن اللون الجديد يقوم بتغيير كلـمات الأغاني والاناشيد الوطنية في ما يشبه انتهاكا فادحا لحقوق الـملكية الفكرية. فالآن تستطيع سماع أناشيد الثورة بكلـمات أخرى وتستطيع سماع أغان تراثية بكلـمات أخرى! لـماذا لا يتم تأليف أغان جديدة بكلـمات جديدة الى جانب الأغاني التراثية؟. حتى اسم مسجد جمال عبد الناصر في مدينة البيرة جرى استبداله باسم مسجد البيرة الكبير (سيد قطب). وكان يمكن بقاء اسم جمال عبد الناصر أحد أهم رموز النضال الوطني، واستحداث مسجد جديد باسم سيد قطب أو اي اسم آخر. ما يجري يستحق وقفة وإعادة نظر واعتماد معايير تحترم الجميع. فالديمقراطية تتناقض مع إقصاء رموز وفرض أخرى. جريدة الأيام (23/01/2007). اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|