مفتاح
2025 . الجمعة 6 ، حزيران
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 


مرّة أخرى، يعلو صوت الرصاص فوق صوت الحوار.. الذي ما زال دون المستوى.. وغير القادر على تغيير اتجاه الانهيار الفلسطيني على كافة الصعد. مسلسل الدّم المتواصل في القطاع منذ عدة شهور، لا يبشّر بالخير، مطلقاً.. وكل نقطة دم تسيل هدراً تترك خلفها جرحاً من الصعب شفاؤه.. وتراكم خلافات فصائلية وعائلية ومناطقية.. جميعها وَصْفات لحرب أهلية.. وكل مرّة نتساءل: مَن السبب والمُسبِّب؟!.. وبعيداً عن شمّاعة الاحتلال.. فإن المتسبِّب بهذا الكم من الفلتان هو نحن الفلسطينيين.. بأيدينا نخرب بيوتنا.. ونحن نعلم، مع سبق الإصرار والترصد، أن قوّة "شمشون" ستهدم المعبد فوق رؤوسنا جميعاً.. ولن يُستَثنى من ذلك أحد.. ولن يتمكّن أحد منّا الادعاء أنه ما دام رأسه بسلام فهو بخير. ما حصل في غزة، أمس، هو امتداد لما حصل من أحداث خلال الأسابيع الماضية، لا يمكن تصنيفه إلاّ في خانة الجريمة... ولكنها جريمة، مع سبق الإصرار والترصد.

ماذا يعني حصار المنازل وقصفها، وماذا يعني الاختطاف المتبادَل واحتجاز الأبرياء كرهائن.. وماذا يعني إطلاق النار على الأغلبية الصامتة، عندما تهبّ بأجسادها العارية لفك هذا الاقتتال المجرم؟! ما يحدث في غزة وتتأثر به الضفة الغربية، ما هو إلاّ خنجر يطعننا في الصميم.. يدمي القلوب.. ولا تسمع من المواطن المغلوب على أمره، سوى تمتمات اللّعنة على هذا الزمن الرديء.. هذا الزمن الذي أصبح فيه دم الإنسان أرخص من "الفجل".. في الوقت الذي يقول لنا فيه، الرسول (ص)، أن هدم الكعبة أهون على الله من سفك دم امرئ مسلم.. ويتم سفك الدم بذريعة وبتغطية دينية، فنحن نسيء لهذا الدين العظيم، ونخرجه من إطاره الإنساني، الى إطار دموي.. وهو لم يكن كذلك. لا نملك في هذه الأيام، الملعونة، سوى أن نبكي غزة، لأننا خذلناها جميعاً، تركناها وحيدة في مهبِّ العواصف.. لم نخف على عذريتها من الوحوش الآدمية.. الذين يغتصبونها مرّة تلو الأخرى.. أمام أعيننا جميعاً.. وهم يقولون مَن منكم يستطيع أن يقول: كفى؟!!

آهٍ يا جرح غزة الدّامي.. زيارتي الأخيرة لك قبل 21 عاماً.. كانت لزرقة البحر وما يثيره من بهجة في النفس.. يومها كان للسمك طعم آخر، ولعبير البرتقال شذى لا يمكن نسيانه. آهٍ يا غزة... عندما كنّا نتوجه إليك من محطة المصرارة في القدس، بعد المغرب.. وسائق سيارة الأجرة يترك العنان لصوت "أم كلثوم" وهي تصدح بثورة الشك.. وتؤكد: "هل خنت؟!".. غزة، جميعاً شاركنا في خيانتك.. خيانتنا لك سوّغناها مرّة باسم الدين، ومرّة أخرى باسم الوطنية، ومرّة باسم الفقراء، ومرّة باسم الفساد، ومرّة باسم العائدين، ومرّة ومرّة.. كلنا خائنون.. فلماذا صمتِّ على أولادك الجبناء ولم تلتهميهم وهم صغار، كالقطّة المتوحشة؟!!

غزة، أتخيلك اليوم، كالجميلة والوحش.. فبعد أن أحرقوا وجهك بـ"ماء النار"، لا أرغب في النظر إليك.. وأحاول أن أبقيكِ فقط في المخيّلة.. وأتذكر آخر موجة انكسرت على شواطئك الذهبية، قبل أن يكسروك بفئويتهم وضلالهم.. غزة، أين جلساتك الجميلة في ساعات الليل، بساحات المنازل، وعلى الرمل أو الحصير.. أين الضحكات العالية.. والأيدي تتناول ورق اللعب.. أين رائحة الشواء.. وأين النظرات المختلسة الى صبيّة جميلة تمرّ بجوار دواوين الشباب؟!!.. غزة، أعود ليوم زفاف حلمت فيه أنك ستكونين بمثابة سنغافورة أخرى، أو باريس أخرى، ولكنهم قطعوا لحمك حيّة، فأصبح جسدك كشوارع مقديشو!!!!!

جريدة الأيام (01/27/2007).

 
 
اقرأ المزيد...
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required