فالمفاوض الفلسطيني في تفاوضه لايستند إلى مرجعية وطنية ثابتة في سياق مطالبته بالحقوق الوطنية الثابتة ، وفي سياق حدها الأدنى المتعارف ، بل والمتفق عليها بالإجماع الوطني ، هو بات اختصاصه فقط تلبية الدعوات التي تطلقها السيدة كوندي من الولايات المتحدة أو تلك التي تطلقها بعض الدول الغربية في أحايين قليلة ، دون أن يحدد موقفه المسبق والواضح بشأن السقف الذي يطالب به وطنيا ، حتى باتت جولات مفاوضينا باتجاه الغرب والشرق لامعنى لها ، بل أصبحت مناسبة للاستخفاف والاستهتار بهم من قبل أندادهم ، بل والتندر عليهم من قبل أبناء شعبهم ، بعد الأشواط الطويلة التي أمضوها في تفاوضهم العبثي ، والذي لم يحققوا منه للشعب الفلسطيني أي بصيص أمل باتجاه حقوقه الوطنية ، بل على العكس من ذلك تماما، فكان هذا الاندفاع نحو تفاوض لاتحدد أسسه ومرجعياته الواضحة والثابتة ، وبالتالي انقلابه إلى مماطلة وعبثية من جانب الإسرائيليين، إلى تكريس مزيد من الاحتلال على ما تبقى من ارض فلسطين عام 67 ، فالاستيطان وتجمعاته حول القدس لايكاد أن يبقي منها شيئا ، أما الجدار وعزل الأغوار وقطع أواصل الضفة الغربية وتحويلها إلى معازل ، فحدث ولا حرج ، وأما احدث محاولات تكريس الاحتلال في القدس، فالذي يجري للأقصى هذه الأيام من هدم لطريق باب المغاربة واستمرار الحفريات تحته ، مرورا ببناء كنيس لايبعد عنه عشرات الأمتار، فذلك أمر يثبت الحال الذي وصلنا إليه، ونحن نلهوا ونحاول أن نتسول الحقوق عبثا بالانجرار وراء وهم يلوح لنا به الأمريكان والإسرائيليين ، ثم لنجد ذلك سرابا ، بعد خديعة الوهم الذي يبدو أن مفاوضنا حسن النية والأخلاق ما برح لايصدق عكسها ، بإعلانه المتكرر بان السلام هو الخيار الاستراتيجي للشعب الفلسطيني عبر خط المفاوضات . قبل يومين، جاءت السيدة رايس إلى الأراضي المحتلة، وعقدت من ثم لقاء ثلاثيا ضمها والرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس وزراء الكيان الإسرائيلي أيهود أولمرت ، وماذا كان من نتيجة هكذا اجتماع أو لقاء ، هل جاءت رايس وبجعبتها ما يعيد الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني ؟، كلا . فزيارة رايس ما جاءت إلا للفت الأنظار عن إخفاق إدارتها في العراق ولبنان وأفغانستان ، زيارة رايس جاءت لتخفيف المآزق التي تحيط باولمرت إسرائيليا، من كل صوب وحدب ، هو وكتلته الحديثة العهد كديما ، الم يكن ليدرك المفاوض الفلسطيني وعلى رأسه الرئيس عباس ، بان هذا هو الغرض من لقاء سعت إليه رايس ومعها رئيس وزراء أداة إدارتها الإستراتيجية في المنطقة ، فلماذا ذهب الرئيس عباس وهرول من ورائه المهرولون من أبناء شعبنا ، هل أصبح شرف اللقاء مع أولمرت ورايس شرف لايجاريه شرف ، هل أصبح شعبنا بحاجة إلى عديد اللقاءات والاجتماعات هكذا دون الخروج بأية نتيجة ، لماذا لايحترم المفاوض الفلسطيني نفسه- على الأقل- إن لم يكن يحترم إرادة وعزة أبناء شعبه ، أليس من حق الرئيس عباس أن يرفض هكذا دعوات لطالما هو يدرك أن لافائدة منها ، لماذا لايرد الرئيس لنفسه ولفريقه المساعد الاعتبار، حينما وعده أولمرت بإجراء بعض التسهيلات للشعب الفلسطيني من خلال إزالة بعض الحواجز وإطلاق سراح بعض الأسرى في وقت سابق من العام الماضي ، وبالتحديد قبيل عيد الأضحى المبارك ، ولم يف أولمرت بأي من تلك الوعود ، ما معنى هذا الكلام ؟؟!، سوى إنه الاستهتار والاستخفاف بالمفاوض الفلسطيني ، الذي وللأسف لايقيم لنفسه اعتبارا في مواجهة الطرف الذي يلتقي به، فقط من اجل اللقاء وتبادل القبل ومراكمة الأيدي فوق بعضها وتشبيكها بأيد قتلة شعبنا ومضطهديه . لم ينل الرئيس عباس من لقاء رايس واولمرت سوى التوبيخ من هذا الأخير، الذي وبخه على قبوله " الرئيس عباس " بالاتفاق مع حماس في مكة المكرمة ، ثم ليزداد أولمرت تطاولا وتوبيخا بمطالبة الرئيس فورا بإطلاق سراح جلعاد شليط ودون أن يكون الأمر مرتبطا بأية صفقة تبادل مع الفلسطينيين أو مع الجهة الآسرة له بمعنى أحرى ، مذكرا عباس أن زمن التبريرات والحجج وغيرها قد ولى وبدون رجعة ، ليجيب رئيسنا عليه متوسلا بإعطائه مزيدا من الوقت للعمل على إطلاق سراح جلعاد . ألهذه الدرجة وصل الأمر في الاستخفاف بقادتنا وبحقوقنا ؟؟،وليت الأمر كذلك ، فيأتيك كبير مفاوضينا السيد صائب عريقات ليقول بان الغرض من اللقاء هو استكشاف أفاق السلام ، صح النوم سيادة المفاوض الكبير!! ، ستة عشر عاما وما مللتم من الاستكشاف وربما القراءة في الفنجان ، ولا يكتفي السيد عريقات بهذا الحد ، بل انه يؤكد ويضيف بان اللقاء كان مثمرا ومعمقا . لا اعرف كيف هو هذا اللقاء المعمق والمثمر؟! ، ورئيس سلطتنا فيه يوبخ وتفرض عليه الشروط ، دون أن يكون له -على الأقل- بعض الشروط التي تتعلق بتسهيل الحياة اليومية للشعب الفلسطيني . مؤلم جدا ومقزز ومنفر هذا الحال الذي وصل إليه المفاوض الفلسطيني ، ومع ذلك كله ، لازال مفاوضنا الفلسطيني يتمسك برؤية بوش في إقامة الدولتين وبخارطة الطريق التي تعني تنفيذ رؤية بوش بإقامة الدولة ذات الحدود المؤقتة المنزوعة السيادة والاستقلال ، وهذا التوجه من قبل المفاوض الفلسطيني خطير جدا على الوحدة الوطنية المجمعة على برنامج الحد الأدنى من الحقوق الوطنية، والتي لاتتحقق من خلال خارطة الطريق المتحفظ عليها إسرائيليا ، بما يحول أصلا دون تحقيق مفهوم الدولة المستقلة وعاصمتها القدس العربية كاملة السيادة . المطلوب من المفاوض الفلسطيني، من الآن فصاعدا أن يستند إلى مرجعية وطنية وعربية دولية في التفاوض مع إسرائيل، بما يضمن الحد الأدنى المجمع عليه فلسطينيا من خلال وثيقة الوفاق الوطني ، وهو الانسحاب الكامل والنظيف من جميع الأراضي المحتلة عام 67 ، وضمان اعتراف إسرائيل بحق العودة للاجئين الفلسطينيين ، لذلك على إسرائيل أن تعترف وتقر بهذا الحد من الحقوق الفلسطينية ، وان يكون الهدف النهائي من التفاوض هو تحقيق هذه الحقوق في سياق إطار زمني يحكمه حد أقصى لايمكن تطويله أو تمطيطه أكثر من ذلك ، وإلا بعد ذلك ، سيكون الخيار الوحيد أمام الفلسطينيين هو المقاومة، ولن يستطيع احد أن يقنع الفلسطينيين، لا فلسطينيا ولا عربيا ولا دوليا بالعودة إلى طريق التفاوض بعد مسيرة طويلة من الفشل ، بسبب التجبر والتعنت الإسرائيلي والأمريكي ، وصمت وتواطؤ المجتمع الدولي على ذلك . نعم ،على المفاوض الفلسطيني أن ينتهج أسلوبا مغايرا في التفاوض عما كان عليه الوضع سابقا ، خاصة أن الظروف الفلسطينية ، بعد الوحدة والاتفاق على برنامج محدد ، وكذلك الظروف الإقليمية والدولية تمنحه الفرصة بتغيير أسلوبه القديم ، بحيث يطالب المفاوض الفلسطيني إسرائيل والمجتمع الدولي بتحديد موقفهما من الحقوق الوطنية الفلسطينية ، وبعد ذلك إذا جرى اعتراف إسرائيلي بتلك الحقوق كاملة، من الممكن أن يكون هناك حديث حول الدخول في مفاوضات تضمن في النهاية تحقيق تلك الحقوق الوطنية الفلسطينية ، أما قبل هذا أو غير هذا الموقف ، فان التفاوض لامعنى له على الإطلاق ، إذ سيكون وسيلة للمناورة الإسرائيلية والأمريكية، لتحقيق أهدافهما ومصالحهما في المنطقة ، من خلال الخروج من مآزقهما وورطاتهما فيها ، وهذا الأمر سيكون وبالا على المشروع الوطني الفلسطيني ، بل وعلى المنطقة العربية برمتها . - مفتاح 22/2/2007 - اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|