قوانين النادي المرعية لا تسمح لي أن أكشف عن أسماء المشاركين، ولا أن أستشهد بأقوالهم في الاجتماعات، ولهذا أفضل أن أصطحبكم معي، خلف الستار، لأشرككم في مداولات الاجتماع الأخير، وأنتم لا تجهلون - كما جرت العادة في مثل هذه الاجتماعات - ان ما يقال بصفة شخصية، في الكواليس هو بمثل أهمية ما يقال في قاعة المؤتمر. كان من المحتم أن تسيطر على اجتماعات هذا العام ثلاثة موضوعات تحتل الصدارة، وتستأثر بالاهتمام الأكبر: هل ينبغي أن تبقى الولايات المتحدة في العراق أم الأفضل لها ان تنسحب؟ هل من مصلحتها أن تتحاور مع ايران أم الأفضل أن تعلن الحرب عليها؟ وما الذي يتوجب فعله لاحياء عملية السلام العربية - الاسرائيلية المحتضرة؟ وقد واجهتني فوراً مفارقة: يؤكد معظم المشاركين أنه لا يمكن أن يتحقق السلام في الشرق الأوسط، الا اذا اعترفت الولايات المتحدة بهزيمتها في العراق، وان عليها أن تغادر هذا البلد فوراً. الانسحاب الأميركي هو استجابة للمطلب الرئيسي للمقاومة المقاتلة، وازالة لعقبة رئيسية في نسيج الصراعات المعقدة التي تعصف هذا البلد. يتوجب على البنتاغون - بموجب هذا الرأي - أن يحدد جدولاً زمنياً للانسحاب على مراحل، على ان يتزامن هذا الانسحاب مع اعادة بناء الجيش العراقي، واعادة تنظيم قوات الشرطة. وهنا لا بد من الاقرار بأن اسقاط ست طائرات هيلوكوبتر أميركية في الأسابيع الأخيرة - علماً أنها ضرورية جدا لحركة القوات - يوحي بأن المقاومة العراقية قد استحوذت على أسلحة جديدة متطورة، وان التأخر في الانسحاب سيتسبب في المزيد من الضحايا، والمزيد من الخسائر المادية. ثم ان الانسحاب الأميركي من العراق سوف يرغم الأطراف المتصارعة، والدول المجاورة الست، على التوصل الى تسوية يقبل بها الجميع. هذا، على الأقل، هو الجانب النظري من الموضوع. ولكن شيئا من التعمق سيكشف لنا ان الذين يريدون للولايات المتحدة أن تنسحب ليسوا كثرا، على الأقل لا يريدون أن يتم الانسحاب الآن، ويرى هؤلاء ان الوقت لم ينضج للانسحاب بعد، وان من الأفضل الانتظار. والحقيقة ان المملكة العربية السعودية ودول الخليج لا تخفي مخاوفها من أن يؤدي الانسحاب الأميركي المتعجل الى اشتداد الحرب المذهبية، مما سيرغم هذه الدول على التدخل، وهذا ما لا تريد أن تفعله، لأسباب مفهومة، ومن البديهي أن لا أحد يريد أن يضع أصبعه في «عش الدبابير» العراقي في الوقت الحاضر. قد ترغب سورية في خروج الأميركيين من العراق، لكنها لا ترغب في أن يعرضها هذا الانسحاب للهجوم. وقد يخطر على البال ان ايران ستكون سعيدة بمغادرة الأميركيين العراق، فهذا ما يكرره الزعماء الايرانيون من دون انقطاع، بل ان بعض المحللين ذهب الى اظهار تخوفه من أن يكون هدف ايران من اخراج الأميركيين من العراق هو الهيمنة على العراق بدلا منهم، ولكن هذا ليس محتملاً، بل وليس ممكنا أيضا. غالباً ما نتناسى ان العداوة بين العرب والفرس قديمة، ومتجذرة منذ قرون، ولا يمكن التغلب عليها بسهولة. وعلى الرغم من ان حكام العراق الحاليين هم من الشيعة في غالبيتهم، وعلى رغم أن الكثيرين منهم وجدوا ملاذا آمنا في ايران لسنوات عدة، هربا من قمع صدام حسين، الا ان هؤلاء الحكام ليسوا على استعداد لقبول الوصاية الايرانية، اذ هناك، وعلى جانبي الحدود بين البلدين، ذكريات حرب طويلة، استمرت ثماني سنوات، بكل آلامها وفواجعها وكوارثها، ولعل آخر ما تريده ايران هو أن يستعيد العراق قواه، وان يتزعمه قائد يتحكم بجيش قوي، وعلى هذا، فقد تفضل ايران استمرار الاحتلال الأميركي لبغداد لمدة أطول، لاخضاع العراقيين، أو على الأرجح - اذا استخدمنا شيئا من لغة التهكم - يفضل الايرانيون تدمير العراق بشكل أفضل، وتأخير قيام عراق موحد قادر على أن يشكل خطرا حقيقيا عليهم. حين قام صدام حسين بهجومه على ايران عام 1980 أعلن بأنه يمزق اتفاقية الجزائر التي تم التوقيع عليها عام 1975 مع شاه ايران، والتي تنازل فيها عن القسم الأوسط من شط العرب، وقبل أن يكون هذا القسم هو الخط الفاصل بين البلدين. وقد دأب صدام فيما بعد، على الشكوى من أنه أرغم على قبول هذا الاتفاق مع الشاه، ليضع حداً لدعم ايراني للثورة الكردية التي كان يقودها مصطفى البرزاني ضد بغداد. طبعاً كل ما ذكرناه هو من التاريخ، ولكن الأمر الجديد والمثير هو ان حكومة المالكي في بغداد ترفض الاعتراف باتفاقية الجزائر لعام 1975، وهذا دليل آخر على ان العراق لا يريد أن يخضع للاملاءات الايرانية، وهو دليل له مغزاه البعيد. وواقع الحال، لا تتحمس الدول المجاورة كثيراً للانسحاب الأميركي المتعجل من العراق، لأن كل دولة تخشى أن يكون هذا الانسحاب لصالح الدولة الأخرى. وأما فيما يتعلق بالاقتتال الداخلي بين الميليشيات فإنها، على ما يبدو، لا تريد أن تتخلى عن بنادقها حاليا. وكما أظهرت الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 15 عاما، فان الصراعات من هذا النوع لها ديناميكيتها الداخلية الخاصة، ولا بد من أن تأخذ مداها قبل التوصل الى المصالحة والتسوية. ومهما تفاقمت مأسوية الوضع العراقي، واستفحلت فواجعه الانسانية التي ما عاد من الممكن تحملها، فان الصراع الدائر في العراق لم ينضج بعد، ولم يصبح جاهزا للتسوية. ان الأطراف والدول داخل وخارج العراق ما زالت متعطشة للسلطة، والجائزة التي تنتظر اللاعبين على المسرح كبيرة، بحيث يتعذر التخلي عن الصراع وقبول الاستسلام. وقد يتوجب علينا الاعتراف بأن هناك تخوفاً من تفاعل داخل كل العقول يتمثل في احتمال انتقال الصراع بين الشيعة والسنة داخل العراق الى خارجه، بل الى احتمال أن يشمل المنطقة كلها، من باكستان الى أفغانستان، الى دول الخليج، الى لبنان. ومثل هذا التخوف المشروع هو الذي يدفع جيران العراق، وأطرافاً أخرى معنية بالأمر، الى قبول دعوة العراق الى مؤتمر يعقد في بغداد، في اواسط هذا الشهر. وسيكون من فضائل هذا المؤتمر أن يضع الولايات المتحدة وجها لوجه امام سورية وايران. وقد اكتشفت مفارقة أخرى في مونت كارلو: هناك قناعة لدى الجميع ان هجوم الولايات المتحدة على ايران سيكون ضربا من الجنون. انه سيشعل المنطقة بكاملها، وسيوقف تدفق النفط، وسيغرق العالم الصناعي في الركود الاقتصادي، وسيعطي دفعا جديدا للارهاب. ستكون لهذه الحرب نتائج فادحة لا يمكن تصورها، ولكن الاستماع الى المناقشات والمداولات التي كانت تدور بين المشاركين في نادي مونت كارلو، توحي بأن نشوب هذه الحرب ليس مستبعداً بشكل نهائي، وقد أفاد بعض المشاركين الذين كانوا في موسكو أخيراً أن الرئيس فلاديمير بوتين على قناعة بأن الهجوم الأميركي على ايران قادم لا محالة. وكان الخطاب الذي ألقاه في الشهر الماضي شديد اللهجة، اذ انتقد فيه سياسة الولايات المتحدة، وكان واضحا انه كان يحذر الولايات المتحدة من مغبة الوقوع في مثل هذا المأزق الخطير. قد يعتقد الرئيس بوش - في وضعه اليائس الراهن - ان عليه أن يهزم ايران أولاً، اذا أراد أن ينتصر على العراق، وقد يكون على استعداد تام لأن يقدم على مثل هذه المغامرة، طالما ان اسرائيل، واصدقاءها النافذين في الادارة الأميركية يضغطون عليه، ويطالبونه بأن يهاجم ايران، كما فعلوا سابقا حينما حرضوه على الهجوم على العراق. كان المحافظون الجدد - متأثرين بوهم جيو - سياسي، وأسرى لمفهوم تولد عندهم، يتخيلون ان اسقاط صدام حسين سيشعل ثورة سياسية على امتداد الوطن العربي، وسيقضي على الراديكالية الاسلامية والقومية العربية والحراك الفلسطيني، ويجعل المنطقة بكاملها موالية للولايات المتحدة واسرائيل، ولكن هذا الحلم تلاشى، وان كان ما زال يشكل خطرا، ولا يجوز أن نقلل من أهميته، ولا من قناعة الرئيس بوش بجدواه. أما فيما يتعلق باحتمال احياء عملية السلام العربية – الاسرائيلية المحتضرة، فمن واجبي أن أعلن ان المزاج السائد في مناقشات نادي مونت كارلو كان قاتما بشكل واضح وجلي: هناك شكوك جدية حول قدرة كوندوليزا رايس، وزيرة خارجية الولايات المتحدة على فرض نفوذها الشخصي على الادارة الأميركية في واشنطن، وعلى جر اسرائيل الى طاولة المفاوضات. ان زياراتها الثماني التي قامت بها الى المنطقة لم تسفر عن أي شيء محسوس. ان القمة الأخيرة بين رئيس وزراء اسرائيل ايهود أولمرت ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس انتهت بالملاسنات الغاضبة. وما زال الاسرائيليون يحتقرون كلمة «هدنة» التي تقدمت بها «حماس»، وما زالوا يتذمرون من عدم اعتراف «حماس» باسرائيل، على الرغم من أنهم يرفضون، بوقاحة وعناد، الاعتراف بحق الفلسطينيين في دولة مستقلة. لقد دهشت حينما سمعت أحد الاسرائيليين يشكو، مستخدما حجة مهترئة: «كيف يمكن أن تفاوض انسانا يريد أن يقتلك!» في حين يعلم الجميع ان الاسرائيليين هم الذين يقومون بعمليات القتل. واذا ما استمرت الحال على ماهي عليه، فلن يكون هناك نقص في الموضوعات المطروحة على النقاش على نادي مونت كارلو، السنة القادمة! - الحياة اللندنية 3/3/2007 - اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|