في إطار هذه الحملة الإسرائيلية الـمكثفة، وبعد تصريحات وزيرة الخارجية الإسرائيلية ليفني قبل أسبوعين في مقابلة مع "الأيام" ثم مع القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي، طالبت فيها القمة العربية بإجراء تعديلات على بنود الـمبادرة العربية، وذكرت بالاسم البند الـمتعلق باللاجئين، وأعلنت أن مِن الـمستحيل على إسرائيل قبول عودة اللاجئين وفقا للقرار194، وأن إسرائيل ترى في قيام دولة فلسطينية حلاً قوميا لقضية اللاجئين، أي إغلاق ملفها. نقول بعد تلك التصريحات عادت ليفني، وخلال كلـمة لها في مؤتمر اللوبي اليهودي (إيباك) في الولايات الـمتحدة، وكررت ذات الـمطلب مِن القمة العربية، وإن بصياغة جديدة، حين دعت الزعماء العرب إلى إجراء تغييرات على معادلة "السلام أولاً ثم التطبيع"، واستبدالها بمعادلة "التطبيع أولا"، وقالت تخاطبهم: "اهتموا في تطبيع العلاقات، وهذا مِن شأنه أن يدفع فرصة السلام". وبدوره قال رئيس الوزراء الإسرائيلي أثناء اجتماع الحكومة الإسرائيلية الأخير (وفقا لصحيفة هآرتس)، إنه يجب التعامل بمنتهى الجدية مع الـمبادرة العربية، وأضاف أنه يأمل "أن تظل العناصر الإيجابية في الـمبادرة سارية الـمفعول لتتيح تعزيز الاحتمالات بإجراء مفاوضات مع الفلسطينيين". ويلفت الانتباه ما يقال (على ذمة هآرتس أيضا) عن أن الإدارة الأميركية تُجري هذه الأيام اتصالات منفردة مع إسرائيل والسعودية، ارتباطا بقرب موعد عقد القمة العربية، ما يشي بأن واشنطن تضع ثقلها للتأثير على قرارات هذه القمة، ولا نظن أن وجهة محاولة التأثير الأميركي ستكون بعيدة عن الـموقف الإسرائيلي ومطلبه مِن القمة. وتشير مصادر سياسية أميركية (حسب موقع عرب 48) إلى أن زيارة مستشار الأمن القومي السعودي الأمير بندر بن سلطان إلى الولايات الـمتحدة تأتي بصورة موازية لزيارة وزيرة الخارجية الإسرائيلية إلى هناك. ورجحت الـمصادر أن مساعدي أولـمرت الذين زاروا واشنطن مؤخرا، قد ناقشوا الـمبادرة العربية مع الـمسؤولين الأميركيين، وتضيف هذه الـمصادر أن تحديد توقيت زيارة كوندوليزا رايس للـمنطقة في الأسبوع القادم، يرتبط باقتراب عقد القمة العربية. على كل حال، ما تشير إليه الـمصادر الصحافية والسياسية، لا يحمل جديدا فيما يخص الـموقف الإسرائيلي مِن قضية اللاجئين، ومِن القرار 194 تحديدا، كما لا غرابة أنْ تحاول تل أبيب، وعبر دعم واشنطن الفاعل، التأثير على قرارات القمة العربية، فهذا مفهوم ومتوقع لكل مَن يعرف ألف باء السياسة في هذه الـمنطقة. وليس في غاية هذه الـمقالة معالجة هذا الـموقف، بل إن ما نريد الإشارة إليه، إنما نريد التنبيه إلى خطورة الـمنهجية "الجديدة" للتعامل الإسرائيلي مع الـمبادرة العربية للسلام، وهي الـمبادرة التي كان شارون قد رفضها يوم صدورها، بل ردَّ عليها قبل جفاف حبرها باجتياح الضفة الغربية، وإعادة احتلال مناطق "أ" فيها في نهاية آذار 2002؛ والسؤال ترى ما هو هذا "الجديد" في منهجية التعامل الإسرائيلي مع الـمبادرة العربية، ولـماذا جاء؟!!! وإلى ماذا يهدف؟!!! بداية تتلخص الـمنهجية الإسرائيلية "الجديدة" بالانتقال مِن صيغة الرفض الكلي والقاطع "للـمبادرة" إلى صيغة "التعامل بمنتهى الجدية معها" (لاحظوا ليس قبولها) حسب أولـمرت، ولكن شريطة إجراء تعديلات عليها، وخاصة على البند الأساسي فيها، أي البند القائل "بإيجاد حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين وفقا للقرار الدولي 194"، كشرط مُضاف إلى شرطَيْ الانسحاب الإسرائيلي مِن الأراضي العربية التي احتلت عام 1967، وإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع مِن حزيرن 1967 بالقدس عاصمة، وهي الشروط التي كانت قمة بيروت عام 2002 قد حدَّدتها لتطبيع العلاقات العربية مع إسرائيل. إن إمعانا للنظر في هذه الـمنهجية "الجديدة"، سيلحظ اندراجها في إطار ما يمكن تسميته جزَّ الرأس بخيط حرير إبداء "منتهى الاهتمام" بجمال الجسد، وبلغة السياسة فن الحراك في الشكل والثبات في الـمضمون، أو إجهاض العرض عبر تجويفه، وجرجرة أصحابه إلى مهالك تقديم التنازلات النوعية، وذات الأبعاد الإستراتيجية في الحالة قيد البحث، لقاء الاستعداد "للتعامل بمنتهى الجدية" (الله أكبر) مع ما هو معروض. طبعا هذه منهجية أذكى، وتنطوي على طريقة سياسية بارعة، وفيها دهاء كبير، خاصة إذا كان الحديث يدور عن قضية مثل قضية عودة اللاجئين وفقا للقرار الدولي 194، كقضية تمثل لُبَّ القضية الفلسطينية التي تمثل بدورها جوهر الصراع العربي الإسرئيلي، والـمدخل الأساسي الذي لا يمكن تسوية الصراع من دونه، فما بالك بحله ووضع حدٍّ له؟!!! هذا هو "الجديد" الذي لا جديد فيه مِن حيث الـمضمون، إذ يُذَكِّر "جديد" أولـمرت وليفني فيما يخص التعامل مع مبادرة السلام العربية، بما كان مِن قبول إسرائيلي (حتى مِن قبل شارون) بقيام دولة فلسطينية، "رآها" بوش "قابلة للحياة" مرة، وحدَّد مواعيدَ لقيامها عدة مرات، جرى إرجاؤها لإعطاء الـمزيد مِن الوقت لإجهاضها عبر فرض الـمزيد مِن وقائع الرؤية الإسرائيلية على الأرض، ومِن خلال تجريدها واقعيا مِن حق هذه في: السيادة على الأرض، والنظافة مِن الكتل الاستيطانية الأساسية في الضفة، والسيطرة على الأحواض الـمائية، والحدود ولو على خطوط الرابع مِن حزيران، فضلا عن حقها في القدس عاصمة. أما أهم ما يُذَكِّرُ به "جديد" أولـمرت وليفني في التعامل مع الـمبادرة العربية، فيتمثل بما كنت قرأته مرة للأخ الرئيس أبو مازن في كراس صدر عن ندوة ألقاها بُعَيْدَ فشل مفاوضات كامب ديفيد 2000، والرفض الفلسطيني لـما عرضه باراك ــ كلينتون خلالها مِن عرض، حيث قال بما معناه، إن "بعض الهواة لدينا" فوجئوا مِن قبول باراك فتح ملف القدس للتفاوض، واعتبروه بمثابة تقدم نوعي في الـموقف التفاوضي الإسرائيلي، غير أنهم صعقوا حين تبين أن قبول فتح ملف القدس مِن حيث الـمبدأ شيء، وأنَّ ما طرحه الوفد الإسرائيلي بخصوصه بالـملـموس شيء آخر تماما، أي أنه لـم يتجاوز ثوابت الـموقف الإسرائيلي تجاه الـمدينة، ولـم يمس جوهره بصورة نوعية. أجل، إن سياسة القيادات الإسرائيلية وحبالها أطول بكثير مِما يعتقده "الهواة" عنها، وما يظنه قليلو الخبرة بها، فما بالك بطول حبال السياسة الأميركية وصناعها في البيت الأبيض؟!!! والـمقلق أن لا يلقى ما نشهده هذه الأيام مِن هجمة في الـموقف الإسرائيلي الأميركي تجاه قضية اللاجئين والقرار الدولي 194 حيالها، تعقيبا عربيا رسميا جادا، خلا ما أصدره أمين عام الجامعة العربية الأخ عمرو موسى مِن موقف رافض للـمطلب الإسرائيلي بإجراء تعديلات على الـمبادرة العربية. صحيح أننا نشك أنَّ بمقدور مركز القرار العربي الرسمي الوقوع في خطيئة شطب حق العودة مِن النص، حتى ولو أراد ذلك، لكن عدم الرد عليه يعكس الحفاظ عليه كنص فقط، ويشي بما يعيشه مركز القرا العربي مِِن نَخْرٍ أميركي لعظْمهِ، فما يريد الـمطلب الإسرائيلي إجهاضه بالتجويف هو قضية العودة، وتستحق ردا واضحا وصريحا، ومن دون أي تلعثم، أو ليٍّ لزوايا الكلـمات، إنها قضية عودة اللاجئين جوهر القضية الفلسطينية. جريدة الايام (14/3/2007). اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|