مفتاح
2025 . الأحد 1 ، حزيران
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 


لقد حُـكـم علينا بالانتظار لأسابيع من أجل معرفة تشكيلة ما يسمى حكومة الوحدة الوطنية، حيث تداخلت منذ البدء عملية تداول الأسماء والقوائم الـمقترحة من قبل قيادة الحركتين مع تلك الأسماء التي روّج لها أصحابها لتدخل دائرة الضوء وليتسنى لهم التمتع، ولو بشكل افتراضي، من ذلك الاهتمام الجماهيري الذي قد يعيد لهم بريقاً فقدوه. بعد طول انتظار خرج علينا الطرفان ليعلنا توصلهما إلى الصيغة السحرية التي يفترض فيها أن تكون قادرة على حمل عبء الـمرحلة وفي حل كل الألغاز وحسم كل الأمور الخلافية القائمة، وفي الاستفادة من التجارب الـماضية لاختيار أفضل الأسماء وأكثرها كفاءة. على الأقل هذا ما كان ينتظره الجميع بعد طول انتظار، وهذا ما توقعوه من الحكومة الجديدة، حيث لا مجال للخطأ في الاختيار أو في الكفاءة الـمهنية أو في القدرة على العمل أو في تمرير ارتباط قديم بتاريخ ملوث. هذه هي القاعدة الـمفترضة التي ينطلق منها الجميع في توقعاتهم من الحكومة الجديدة، وعليها أن تكون على مستوى هذه التوقعات، حتى لا تفقد هذه الحكومة ثقة الشارع بها، ما سيضعفها ويقلل من إمكانيات الصمود لديها في مواجهة التحديات بشقيها الداخلية والخارجية.

على الأقل هذا ما كان ينتظره جميع من عانى من تجارب الحكومات السابقة، حيث لـم تقدم حكومات "فتح" التسع الكثير من الانجازات على الأرض خلال سنواتها العشر، كما اتسمت تجربة حكومة "حماس" العاشرة بالـمعاناة الـمتأصلة كنتيجة طبيعية لقراءة خاطئة للواقع السياسي الإقليمي والدولي. وأخذت معاناة الجميع بُعداً مختلفاً مع الحكومة الأخيرة بحيث أضافت تلك التجربة أعباءَ جديدة ومعاناة من نوع آخر تمثل في الحصار الـمالي والسياسي وبتعميق العزلة الدولية، أفضت إلى تراجع القضية الفلسطينية دولياً كما ساهم الاقتتال الداخلي في خلق انطباع متجدد عن قدرة التدمير الذاتي للفرد والحركة في نحر القضية برمتها، وكيف أن ثقافة تجار الشنطة من الـمسؤولين قد أضافت معانيَ جديدة لـمفهوم ثقافة الـمقاومة، وأضعفت البعد التضامني الدولي الذي شكل أحـد الأسس لديمومة القضية. نأمل بأن تشكل الحكومة الجديدة ليس فقط تجربة جديدة في الأداء، وإنما في البقاء وفي تجنب الخلافات الداخلية لتعزيز مفاهيم الشراكة الحقيقية لحكومة ما يسمى حكومة الوحدة الوطنية. من الـمؤكد أن تواجه الحكومة الجديدة العديد من التحديات الداخلية والخارجية، والسؤال الكامن هنا هو في كيفية رفدها بالدعم والإسناد الـمطلوب لتعزيز صمودها في وجه تلك التحديات وفي تقوية عناصر وحدتها وتنفيذها للبرنامج السياسي الذي تم الإعلان عنه بالأمس؟. وما هو الدور الايجابي الـمطلوب القيام به من عناصر الـمجتمع ككل ومنفردة، وأيضاً من قبل مراكز الأبحاث ومؤسسات الـمجتمع الـمدني والجامعات والأحزاب السياسية والقطاع الخاص. دون كل هؤلاء سيكون من الصعب على هذه الحكومة الناشئة أن تتمكن من مواجهة مجموع التحديات بشقيها الداخلي والخارجي.

التحدي الأول للحكومة الجديدة مرتبط بكيفية التعامل مع القرار الأولي الصادر عن حكومة إسرائيل في رفض التعاطي معها وعلى كل الـمستويات. إن الإعلان الأولي الصادر عن حكومة تل أبيب قد حسم تلك الإمكانية وعزز الانطباع بأن الشلل سيصيب هذا الجانب وسيُسهم في إضعاف إمكانيات الحكومة الجديدة على تسهيل حياة الـمواطنين وتحسين ظروف حياتهم. إن القرار الإسرائيلي من شأنه أن يؤثر سلباً على شكل القرارات التي قد تصدر عن الحكومات الأخرى خاصة الأميركية والأوروبية، رغم أن الأخيرة قد أعلنت رغبتها في الانتظار لـمعرفة شكل أداء الحكومة وبرامجها وتصريحاتها قبل إصدار الحكم القطعي عليها.

التحدي الثاني مرتبط بكيفية تفاعل الوزراء كل حسب انتمائه الحزبي مع كل أزمة، كانت صغيرة أم كبيرة، قد تواجه عمل الحكومة وتتطلب موقفاً منها، ما سيحوّل عمل الحكومة إلى آلية تجاذب سياسي عقيم ودائم، حيث سيسهّل ذلك تقسيمها في كل مرة تتعرض فيها لأزمة إلى تيارين متنافسين يحددان شكل الـموالاة والـمعارضة داخل جسم السلطة والحكومة. هذه الأزمات قد تعصف بتكوين وتماسك الحكومة، كما سينعكس تصويت الوزراء الأوتوماتيكي الحزبي على قوة هذا التماسك وعلى استمرارية عملها ووحدتها. من الصعب التكهن بأن التماسك بين أعضاء الحكومة سيزداد مع الأيام ومع كل أزمة تمرّ، خاصة ونحن نعلـم أن شكل وآلية التصويت الحزبي الأوتوماتيكي على كل أزمة سيؤثر سلباً في قوة هذا التماسك وفي قدرة حكومة الوحدة على مواجهة الأزمات التي ستدك عن قصد أو من دونه، في أسسها، دون أن يخفى على الجميع أن تلك الأسس هي غير قوية أصلاً، وهي نفسها بحاجة إلى دعامات لتصليبها وليس إلى أزمات لإضعافها.

أما التحدي الأكثر أهمية فسيكون على الأرض، وفي القدرة على تطبيق الاتفاق من قبل كافة العناصر، بما فيها الـمنفلشة من الطرفين، وفي الالتزام بمضامينه وعدم الخروج عنه. التحدي ليس بين أسطر الاتفاق وعبر إعلان الطرفين التزامهما بالشراكة الجديدة وإنما في كيفية رؤية الجميع للاتفاق وفي احترامه وفي العمل على تعزيزه وتوفير كل الإمكانيات لإنجاحه. من الواضح أن الواقع على الأرض هش بما فيه الكفاية لتهديد الاتفاقيات الـمكتوبة على الورق، وهذا التهديد سينعكس في كل مناسبة تأتي، خاصة أن هذا الاتفاق لـم يعكس عملياً الواقع الـمشحون والـمتأزم الذي ظهر ملياً عبر الاشتباكات الأخيرة التي أودت بحياة مئات الأشخاص، ودمرت العديد من الـمنازل والـمقرات الأمنية، كما لـم يحمل الاتفاق أية آلية عمل جدية لـمعالجة جذور الخلاف بشكل نهائي. والأحداث التي ما زلنا نشاهدها يومياً على الأرض حتى بعد التوقيع على اتفاق مكة ليست إلاّ بعضاً من مخلفات تلك الاشتباكات وآثارها الـمتواصلة على الأرض. فما هو الجانب العملي الذي سيؤثر على الآخر، هل هو الواقع الـمأزوم والذي يزداد تأزماً، خاصة أن القيادتين لـم تعيرانه اهتماماً في مباحثاتهم الأخيرة حول تركيبة الحكومة الجديدة أم هو الاتفاق الهش الذي يخدم مصلحة الطرفين؟ وكيف سيتم تعامل القيادة الـمشتركة وأعضاء الحكومة تحديداً مع التهديدات الـمتكررة التي ستخرج من صلب ذاك الواقع الـمأزوم؟ وكيف ستتم معالجتها في حال تفاقمت؟ وهل أولوية الإبقاء على الشراكة السياسية بين "فتح" و"حماس" أهم من أولوية الحفاظ على التماسك الداخلي لكل من الحركتين؟ وفي القدرة على احتضان عناصرهما الـمتمردة والرافضة وفي إقناعهما بمضامين الأجندة السياسية لقيادتيهما، اللتين تعتبران الشراكة الجديدة عبر حكومة الوحدة الوطنية هي أساس العمل الـمستقبلي.

السؤال الأخير الـمطلوب الإجابة عنه هو كيف ينظر كل شريك إلى اتفاق حكومة الوحدة الوطنية، هل هو اتفاق تكتيكي أم استراتيجي؟ الإجابة عن هذا السؤال ستحدد مدى تماسك الحكومة بكل عناصرها وفي استمراريتها. في حال تمت رؤية الاتفاق على أساس تكتيكي فهذا يعني أن كل أزمة، مهما كانت صغيرة، ستتم رؤيتها مضخمة وستوفر الأرضية لحالة تأزيـم متواصلة تهدف إلى إنهاء حالة التوافق والاتفاق تمهيداً لانتخابات مبكرة. أما في حال رؤيته استراتيجياً فهذا سيعزز مفهوم الشراكة على الـمدى البعيد ضمن تقاسم مواقع سلطوية ومناصب إدارية قد تتبدل نتيجة لـمخرجات أية انتخابات قادمة قد تأتي في موعدها الدستوري دون أن تلغي أسس الشراكة القائمة. هذه الشراكة الإستراتيجية ستخدم الاستقرار السياسي والاقتصادي للوطن وستخدم مصالح الحركتين، بينما ستكون عبئاً كبيراً على الديمقراطية الفلسطينية وتنميتها، وستختزلها لدرجة تحريف مضامينها بعد حذف مفاهيم الـمعارضة السياسية الحقيقية ومبدأ تداول السلطة بين الأحزاب السياسية، وسيشمل ذلك التشويه الإبقاء على معادلة إسقاطية حزبية ستلغي الفروقات الأساسية بين شركاء الحكم بدل أن توضحها. من الواضح أن التوقعات من هذه الحكومة هي أكبر من قدراتها الحالية، والتحديات التي ستواجهها ستسهـم في عملية إضعافها أكثر مما هي عليه. سيكون من الـمبكر إصدار الأحكام عليها رغم قلة فرصها في النجاح والاستمرارية، ولكن وبغض النظر عن إمكانيات صمودها فيجب أن ننظر إليها كونها إضافة للتجربة الفلسطينية في الحكم0

الأيام (18/3/2007).

 
 
اقرأ المزيد...
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required