في سابقة نادرة الحدوث نجح الـموقف الأميركي والإسرائيلي ودون وجه حق، في بناء موقف دولي وعربي يعاقب شعباً تحت الاحتلال، وها هو الآن يحاول منع التراجع وتخريب جسور الإنقاذ. لـم يكن الـموقف الأميركي والإسرائيلي بهذا الـمستوى من الإفلاس السياسي والأخلاقي، وخاصة بعد أن "خسر" الغطاء الدولي والعربي، وبعد أن حرمه الاتفاق الفلسطيني من الذرائع التي كان بحاجة إليها وأصبح عارياً وحتى دون ورقة توت. جوهر موقف إدارة بوش وحكومة أولـمرت هو رفض الحل السياسي الذي ينهي الاحتلال ويمكّن الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره، ورفض نزع فتيل التفجير الذي يبقي الـمنطقة في حالة توتر وغليان، ويبرر استخدام القوة وابتزاز دول وشعوب الـمنطقة، بهدف فرض الهيمنة بالقوة. هذه السياسة العدوانية التي تحكمها غطرسة القوة، ويهمها تأجيج الصراع والانتقال من حرب لأخرى بمعزل عن الـموت والدمار الذي تجلبه لشعوب الـمنطقة جمعاء، هذه السياسة ترفض تبريد الصراع الإسرائيلي ــ الفلسطيني لأنها تحضّر لحروب جديدة، حرب ضد لبنان وحرب ضد إيران وحرب ساحقة ضد قطاع غزة. إن موقف التصعيد الدموي في العراق الذي يحصد مئات الضحايا يومياً يقدم الدليل القاطع على حرب الهيمنة. تصعيد الحرب في العراق والتحضير للحرب على لبنان وإيران وربما سورية لا يتفق أبداً مع نزع فتيل الانفجار في فلسطين، القضية الأكثر قدرة على تأجيج أو تبريد الصراع. نجاح إدارة بوش وحكومة أولـمرت في معاقبة شعب تحت الاحتلال على خياره الديمقراطي، كان تجسيداً نافراً لقيم غطرسة القوة والظلـم والاستبداد، كان وصمة فارقة في تاريخ الـمجتمع الدولي وفي جبين الدول والـمؤسسات التي التزمت بالحصار. أما نجاح الإدارة والحكومة في منع الدول العربية والأوروبية من فك الحصار فسيكون أبلغ سوءاً وأشد وقعاً، سيعني التسليم بالعبودية والخنوع، سيعني موت العدالة والضمير لدى الـمستجيبين لـموقف الابتزاز الأميركي والإسرائيلي. هل سينجح بوش وأولـمرت في تطويع إرادة الـمجتمع الدولي والدول العربية والإسلامية؟ ثمة تأثير سلبي على مواقف عدد من الدول الأوروبية، بدءاً بتمديد الدول الأوروبية العمل ثلاثة شهور بنظام الـمساعدات الإنسانية ما يعني تمديد الحصار، وعبر عن نفسه بمقاطعة بعض الدول وزراء حماس والبعض الآخر قاطع جميع الوزراء. والبعض ما زال يردد مطلب الالتزام بشروط الرباعية الدولية 100%، وكأن برنامج حكومة الوحدة وإعادة إطلاق مبادرة السلام العربية، يتناقضان مع الشرعية الدولية التي طالبت بها الرباعية. وما زالت الدول التي تطالب السلطة وحركة حماس بثلاثية: الاعتراف، ونبذ العنف، والالتزام بالاتفاقات السابقة، ومعها شرط رابع هو الإفراج عن الجندي الأسير جلعاد شاليت، لا تنبس ببنت شفة بمطالب مقدمة لدولة الاحتلال ذات الباع الطويل في القتل والتدمير والتنكر للشرعية والقانون الدولي وانتهاك الاتفاقات إلى مستوى العمل بنقيضها، لا تطالب سلطة الاحتلال بالإفراج عن نساء وأطفال ومسنين ومرضى يقبعون في سجون الاحتلال من أصل 11 ألف معتقل ومعتقلة. سيبقى الـموقف الأوروبي مقلقاً طالـما لا يطالب سلطات الاحتلال بوقف التوسع الاستيطاني والحفريات ووقف بناء جدار الفصل العنصري ووقف العدوان وإزالة 600 "تنكيل" عسكري وإزالة 120 بؤرة استيطانية جديدة. يراهن الرافضون لفك الحصار على تفاقم التناقضات داخل الـمجتمع الفلسطيني وصولاً إلى الانفجار الذي سيأتي على حكومة الوحدة. هذا الرهان له ما يسنده في مجتمع يعيش ثلثاه تحت خط الفقر، وينعدم فيه الأمن والأمان بعد حالة التفكك والتفكيك التي شهدها بفعل الضربات الخارجية والفساد الداخلي. إن استمرار الحصار واستمرار توجيه الضربات الخارجية سيقدم حجّة كافية للتيارات الـمتطرفة التي قاومت التوصل إلى وحدة وطنية للتراجع عن الاتفاق والعودة إلى أجندتها الخاصة. واستمرار الحصار سيضعف الـمعتدلين القدامى والجدد، ويضعف السلطة ويجعلها عاجزة عن فرض نظام وقانون في مواجهة قوى الفلتان وسلطة ميليشيا العائلات والعشائر ومراكز القوى. كانت بداية التجاوز بترتيب البيت الفلسطيني، وبوجود برنامج سياسي واحد، يضع الأساس القوي لتكريس سلطة واحدة وشرطة واحدة وقانون واحد. الوحدة الفلسطينية جلبت وفاقاً عربياً في مؤتمر القمة، وساهمت في إعادة إطلاق مشروع سياسي عربي (مبادرة السلام العربية)، وقدمت فرصة لاستقطاب من نوع جديد في إطار النظام الدولي. التقدم يبدأ فلسطينياً والتراجع يبدأ فلسطينياً. التقدم اقترن بوقف الاقتتال، والتراجع يبدأ عادة باستئناف الاقتتال وعمليات الانتقام. وفي كل الأحوال سيلعب الـموقف الفلسطيني دوراً مقرراً في التقدم والتراجع. خطة وأداء الحكومة بمختلف وزرائها واتجاهاتها ستترك بصماتها القوية. والسؤال ماذا تفعل الحكومة والوزراء في كل يوم للخروج من الأزمة وفك الحصار؟ وماذا تفعل الـمعارضة وما هي خطتها للخروج من الأزمة؟ ما كان ينبغي رفع سقف توقعات فك الحصار، ولا ينبغي اليأس من الـممانعة في فك الحصار، فهذا النوع يعتمد على سياسة طويلة النفس، وعلى مبادرات البحث عن موارد فلسطينية، وأشكال من الدعم غير الـمشروط، وترشيد الإنفاق ضمن أولويات، والخروج التدريجي من الاعتماد الكامل على الدعم الخارجي الذي يقود إلى تبعية ووصاية كاملتين إلى الاعتماد التدريجي النسبي على الذات. الاتفاق السياسي الذي تحقق شيء في غاية الأهمية نستطيع البناء فوقه وتطويره. إن الاعتقاد بأن الاتفاق جاء بفعل ضغوط وأنه لا يعبر عن قناعة سياسية أو تفكير عقلاني ولا يتفق مع الـمصلحة الوطنية كل ذلك يقود إلى تعبئة ضد الاتفاق كما يحدث لدى البعض، ويؤدي إلى بقاء الاتفاق منحصراً في الإطار القيادي التكتيكي، دون تبني القواعد التنظيمية والجماهيرية له، وكأن الاتفاق موجه للخارج بمعزل عن الداخل وبمعزل عن كونه مصلحة وطنية بالدرجة الأولى. الآن نستطيع الصمود أكثر بعد الانفضاض الدولي الجزئي عن الـموقف الأميركي والإسرائيلي. ونستطيع الانتقال إلى الهجوم وطرح قضية الاحتلال الذي يدخل عامه الأربعين. الـموقف العربي العملي بكسر الحصار يكتسب أهمية استثنائية الآن، والـمحك يأتي بترجمة قرارات قمة الرياض فوراً دون تردد أو تأخير، وتتحمل حكومة الـمملكة العربية السعودية راعية اتفاق مكة وصاحبة الـمبادرة إليه مسؤولية خاصة في ترجمة قرارات القمة. Mohanned_t@yahoo.com اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|