“ان نلمس الحقيقة في المقال، ويوجد الخداع في الخيال!”.. هذا هو الحال، إنه أقدم كوكتيل في حياة العرب لكنه يُسقى هذه المرة في كأس جديدة، لنقرأ العنوان ونتغاضى عن المحتوى. ورغم ذلك لملمت أطراف الوسادة لأمسك القرطاس والقلم، مرددا في قرارة نفسي: “نعم أريد ان أصدق واريد ان أكتب لمن قد يصدقوني ولمن لن يصدّقوني”. ورغم ان النغمة الأولى التي التقطتها كانت “سلامية” والثانية والثالثة أيضا “سلاميتين”، لكن الرابعة جاءت على شكل دقات بدل النغمات، إذ دقات ساعة الحائط قلبت لي الروزنامة إلى (الأول من أبريل)! فقلبتُ العنوان إلى سؤال: “أهي الحقيقة ما في المقام والمقال.. ام إنها كذبة أبريل وخيال؟”. فالنغمة “السلامية” الأولى جاءت على لسان المنسق الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي ومفوض الاتحاد “خافيير سولانا” الذي صرح بُعيد الانتهاء من جولته شرق الأوسطية، بانه مستبشر ويرى بادرة (السلام) في المنطقة. ولحقتها “السلامية” الثانية على لسان وزيرة الخارجية البريطانية (مارجريت بيكيت) من أن بريطانيا ترغب في حل سريع وسلمي للأزمة مع إيران والتي اندلعت في أعقاب احتجاز البحرية الإيرانية لبحارة بريطانيين في الخليج، إذ اكتفت لندن بالتصريحات الدبلوماسية للوزيرة البعيدة عن أشرعتنا وبحارنا بدل جنرالاتها الموجودين فيها، وكررت (بيكيت) أنها تعتقد أن الكل نادم على وصول الموقف إلى هذه النقطة، وأن ما تريده بريطانيا هو الطريق للخروج من هذه الأزمة (بسلام). والنغمة الثالثة جاءت من رأس الهرم (العم سام)، عندما خرج الرئيس جورج بوش عن صمته، أيضا في الأول من أبريل/نيسان بمؤتمر صحافي في المنتجع الرئاسي في كامب ديفيد مع الرئيس البرازيلي لويس لولا داسيلفا، موضحا رأيه للصحافيين، في مبادلة إيرانيين محتجزين في العراق مقابل البحارة البريطانيين، قائلا: “واشنطن مع بريطانيا، لا توجد مبادلات، يجب أن يعيد الإيرانيون الرهائن، إنهم أبرياء” واضاف قائلا “إني ادعم بقوة محاولات حكومة رئيس الوزراء البريطاني توني بلير لحل هذه المسألة (سلميا)”. وهكذا تكررت كلمة “سلميا” صباح اليوم في جميع إسطواناتها الثلاثية النغمات التي التقطتها “دشتات” الأذن في اليوم الأول من أبريل/نيسان! واللافت الجديد هذه المرة في سيناريوهات بوش وبلير المعهودة لنا هو التوقيت والتزامن والصياغة، حيث ان بلير اعتدناه منذ الأزمة العراقية، أن يعقب على الفور بنسخة طبق الأصل من تصريحات بوش بعده مباشرة، فما من تصريح من واشنطن عن العراق وفلسطين ولبنان وأفغانستان الا واعقبته ببغاوات بلير بدقائق لتعيد لندن نفس الاسطوانة التي بثتها واشنطن على الملأ من المحيط إلى الخليج. لكن هذه المرة اصبح الرئيس بوش هو الذي يعقب بلير، فجاء بتأخير أيام بل تم تأجليه من يوم احتجاز البحارة الى اليوم الأول من أبريل/ نيسان، ولكنها جاءت بنفس صياغة: “حل هذه المسألة سلمياً”. لا أريد ربط البحارة بأزمة ثمانينات رهائن السفارة الامريكية بطهران التي استمرت 444 يوما ثم حُلّت سلميا، بل اريد العودة للنغمة الأولى: نغمة سلام “اولمرت” الجديدة على كل من الأذن الصماء أو الصاغية في المنطقة، فما المانع من الاستجابة لما دعا إليه رئيس الوزراء “الاسرائيلي” ايهود اولمرت زعماء العرب “المعتدلين” الى اللقاء به للبحث في موضوع احلال السلام في الشرق الاوسط؟ إذ قال اولمرت اثناء مؤتمر صحافي مشترك عقده مع المستشارة الالمانية انجيلا ميركل التي تزور “اسرائيل” حاليا في نطاق جولتها في المنطقة: “ادعو كل الزعماء العرب الى مؤتمر اقليمي للسلام”، ومضى قائلا “إني لا انوي تلقينهم ما يجب عليهم قوله، ولكني متأكد من انهم يتفهمون ان لنا ما نقوله الامر الذي لن يكون بالضرورة متطابقا مع ما يقولون”. أولمرت يلوح اليوم بالجزرة وغصن زيتون علنا في وجه العرب بعد ان كان بالأمس القريب يتفرس في وجه وزير دفاعه “بيريتس” بالعصا والكبريت علنا: عندما صرخ فيه: “اخرس”..! تلك العلنية الحادة التي لا سابق لها في تاريخ مجلس الوزراء “الإسرائيلي” منذ أن زُرعت “إسرائيل” في المنطقة، والأولى من نوعها على الأقل بهذا القدر من الجهر والعلن والصدى نحو العرب. ألم يخطر ببال محلّلينا ان كلمة “اخرس الأولمرتية” بالأمس، قد تكون ممهدة لغصن “زيتون أولمرتي” اليوم، تخميناتٌ قد يحالفني الصواب فيها او يجانبني، لكنها ان أصابت فأخشاها هي الغائبة الكبرى عما تخفيه تل أبيب خلف تلويحات الراية البيضاء بيد أولمرت نحو العرب. دعونا نعكس الصورة ولو افتراضيا لنرى ماذا ينتج لو قبل دعوة أولمرت كل الزعماء العرب الى “مؤتمر اقليمي معه للسلام” ولعلنا باستجابة هذه الدعوة ولو جدلاً قد نكشف القناع عن وجه متنكّر أظهر للعالم دائما “إسرائيل” صغيرة الحجم بمظلومية حمامة سلام ينقر رأسها 22 صقرا، ويرشقونها بالحجارة ثلاثمائة مليون من العرب، ناهيك عن المليارين من سكان العالم الإسلامي يتعاطفون مع عروبة القدس وبغداد وإسلامية كشمير وكابول، فيحاربون “إسرائيل” المحاصرة بسكانها الذين لا يتجاوز عددهم أربعة ملايين، فما من قمة عربية عملاقة او قمة إسلامية عملاقة إلا وغابت عنهما “إسرائيل” ليتحضر الصقور للانقضاض عليها من جديد، وهكذا بدا للعالم وجه الإسلام المسالم إرهابا ووجه “إسرائيل” المتنكّر إسلاما. لا أصدق مما سمعته من أولمرت أن الذئب الذي نما وترعرع على لحوم البشر ودماء الاطفال، يريد ان يروّض نفسه على حليب الناقة والزعتر والزيتون ليجاور الحمل بسلام، أن الأغلبية الساحقة في الأمتين الإسلامية والعربية دفعت ثمنا غاليا لحرمانها من السلام الحقيقي، دفعت حرياتها، وثمن هزيمتها، ودفعت غربتها وتهجيرها وملاجئها، ودفعت معتقلاتها ومشانقها، ودفعت القضايا الملفقة والتهم الزائفة من اجل السلام. إن السلام هو شعار عربي إسلامي بمشتقات الاسم والمحتوى، فيحييون من يأتي الى المنطقة ب”السلام عليكم”، ومن يغادرها ب”مع السلامة”، لكن العدوان الدخيل هو الذي سلب المنطقة السلام مائة مرة، فمن واجب الامة العربية ان تجلس اينما يوجد السلام لتدافع عن مكاسبها التي حصلت عليها في الحروب بدماء الشهداء، وتطالب بالمزيد من الحقوق المغتصبة في المؤتمرات بلغة السلام. فعلى المؤتمر الإقليمي المقبل منا السلام. - الخليج الاماراتية 4/4/2007 - اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|