د. عبد السلام المسدّي هل توجد استراتيجية لغوية للعالم العربي؟ وهل يمتلك العرب أساساً مشروعاً لغوياً؟ هل تعاني لغتنا العربية في عصر العولمة؟ وإذا سلّمنا بأنها تعاني؛ فما هي الأخطار والتحديات التي تواجه لغتنا العربية؟ وهل يمكن مقاومة التسلل اللغوي إلى اللغة العربية؟ هل يمكن ذلك في عصر العولمة؟ ثم، ما هي العلاقة بين كلّ لغة إنسانية وهويتها الثقافية؟ وبين كلّ لغة إنسانية وإبداع أبنائها؟ وماذا عن الثنائية اللغوية للشعوب، التي تتمثل بالصراع بين اللغة الأم واللغة الوافدة؟ تدفقت الأسئلة، وامتد حوار مسئول وخلاّق، بين مجموعة من العلماء، والباحثين، والتربويين، والكتّاب، والإعلاميين، من تسع عشرة دولة عربية، وسبع دول أجنبية، خلال جلسات المؤتمر العالمي، الذي نظّمه المجلس العربي للطفولة والتنمية، في 17-19 شباط 2007، بمقر الأمانة العامة في جامعة الدول العربية، وجاء انعقاده، في إطار الاحتفال باليوم العالمي للغة الأم. شارك في المؤتمر أربعون طفلاً، من إحدى عشرة دولة عربية، اجتمعوا لنقاش قضاياهم، في ورشة عمل، تنعقد بشكل مواز لجلسات المؤتمر وأبحاثه. حذّر علماء اللغة والنقاد المتخصصون، من كارثة تتهدد البشرية، في عصر العولمة، فقد استيقظت الإنسانية على حقيقة مرعبة، وهي اندثار الألسنة البشرية، حيث تشير التقديرات العالمية إلى أن عدد لغات العالم الآن يتراوح بين 6000 إلى 7000 لغة، وأن نصف هذه اللغات مهدد بالانقراض في السنوات القادمة، وتسعين في المائة منها سينقرض خلال هذا القرن، نتيجة لارتباط العولمة بالهيمنة الاقتصادية والسياسية للقوى الكبرى، التي تفرض لغتها على الدول المتخلّفة اقتصادياً، بالإضافة إلى عوامل التعصب العرقي أو الديني أو اللغوي. هذه الحقيقة، حدت بالأمم المتحدة، إلى تضمين حماية اللغات القومية، في اتفاقية حقوق الطفل، الصادرة عنها سنة 1989م، كما تضمنت الوثيقة الصادرة عن اليونيسكو سنة 2003م، فقرة كاملة عن الحقوق اللغوية، معتبرة اللغة مظهراً أساسياً للثقافة الذاتية، محذّرة من خطر انقراض لغات العالم، داعية إلى صون التنوّع اللغوي، وإلى استخدام "اللغة الأم في التعليم". عبَّر المدير العام لليونيسكو، كوشيرو ماتسورا، في الرسالة التي وجهها بمناسبة اليوم الدولي للغة الأم، في 21 فبراير سنة 2004، عن خشيته من سرعة اندثار بعض اللغات القومية، (لغتان كلّ شهر في المتوسط) الأمر الذي يستوجب ضرورة حماية التراث الثقافي غير المادي للغات. بادر الاتحاد الأوروبي إلى إعلان عام 2001 عاماً أوروبياً للغات، وقام الفرنسيون برفع مستوى تعليم اللغة الفرنسية في المدارس الفرنسية، كما يعمل الألمان على تمتين لغتهم، عبر التخلص مما لا يستعملون من ألفاظ، وتطويرها حتى تتمكن من منافسة اللغة الإنجليزية. أما في الدول العربية، فقد أعلنت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الأليكسو) بداية العقد العربي للتنمية الثقافية (2005-2014) الذي تتضمن مشروعاته: العمل على نشر اللغة العربية، وتأكيد حضورها خارج الوطن العربي، وتم الإعلان بمشاركة المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم (الإسيسكو). ***** وبالرغم من جهود المنظمات العربية، وبعض الدول العربية، لتمكين اللغة العربية؛ يشير الواقع إلى تراجع واضح للغة العربية بين أبنائها، في المدرسة وفي البيت، وفي الشارع، والجامعة، والمعاهد العلمية، والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية، حتى ان خريجاً أو خريجة من مدرسة ثانوية، تعجز عن تحرير مقالة في أي موضوع باللغة العربية أو الإنجليزية، دون أخطاء، كما أكد جميع خبراء اللغة والتربية والثقافة والإعلام، ضمن جلسات المؤتمر. ***** وحدد المؤتمر تحديات رئيسة تواجه اللغة العربية: خطر افتقارها لمفردات العصر ومصطلحاته، وخطر اللهجات الدارجة التي طغت على الفصحى، وأصبحت تستعمل في معظم مجالات الحياة في البلاد العربية، وخطر اللغات الأجنبية، التي تنافس اللغة العربية في التعليم العالي، وفي النشاط الثقافي والإعلامي. ومن هنا جاءت جلسات المؤتمر لتناقش هذه التحديات والأخطار، وتدعو إلى حق الطفل العربي في امتلاك لغته القومية، وتناقش الدور الذي يمكن للطفل ان يؤديه في حماية لغته القومية، عبر تمكينه من استخدامها بكفاءة، وعن طريق تزويدها بما تحتاج إليه لتلبي حاجات المستقبل، كما تؤكد على أن اللغة العربية هي جسر للتواصل مع الثقافات الأجنبية، ودعم للتنوع الثقافي البشري. "العربية مهددة بالاندثار، وهذا ليس من كلام الأيديولوجيا، المطلوب حضارياً وفكرياً وسياسياً إيقاف النزيف، وأن نعجل بتشييد حصن يقي من الانزلاق التدريجي. هذا ما اكده د. عبد السلام المسدّي، أستاذ اللسانيات في الجامعة التونسية، في محاضرته الموجهة إلى سياسيي التربية ومفكريها وعلمائها، وإلى صنّاع القرار في العالم العربي، مذكراً بالصلة الوثيقة بين القرار السياسي ومقومات الهوية الحضارية والحقائق الثقافية والمعرفية، منبهاً إلى الكثير من الشعارات التي يجري تشويهها، انتصاراً لتسويق فكر العولمة. انتهى المؤتمر إلى مجموعة من التوصيات في مجالات: التعليم، والإعلام، وأدب الأطفال، والترجمة، فأوصى بتطوير الأنظمة التعليمية العربية، وإيلاء اهتمام خاص بمعلمي وأساتذة اللغة العربية مادياً وأدبياً، بعد إعدادهم إعداداً جيداً، وإخضاعهم لامتحان شفاهي وكتابي، يختبر مستواهم العلمي، والتشدّد في شروط القبول في الجامعات وكليات إعداد المعلمين. بالإضافة إلى استكمال التعريب في جميع مراحل التعليم ومستوياته وتخصصاته. وركزت التوصيات على اعتماد اللغة العربية لغة لبرامج الأطفال الإذاعية والتلفازية في البلدان العربية، وتشجيع الإنتاج التعليمي والترفيهي الموجَّه للأطفال، وإنشاء قنوات مخصّصة كلياً للأطفال، على أن يكون التداول فيها بالعربية، والطلب إلى الدول العربية سن تشريع يمنع استخدام غير اللغة العربية في الإعلانات بجميع أشكالها. ***** وجّه علماء اللغة نداءهم، إلى كل الغيورين على اللغة العربية، وكلّ اللغات الأم في العالم، منبهين إلى أن اندثار اللغة العربية خسارة كبرى لا للعرب فقط؛ بل خسارة للعلم الإنساني، علم اللغة، "فالعلم يكون أول الخاسرين قبل أهل اللغة". "ألسنا في مرحلة يعم فيها استشراف المستقبل؟ الإصلاح العربي؟ ودخول المستقبل يكون من باب الإصلاح: الإصلاح الاجتماعي، والاقتصادي، والسياسي؟ لم لا نربِّع الثالوث، ونعلن اليوم ضرورة الإصلاح اللغوي؟" faihaab@gmail.com - مفتاح 9/4/2007 - اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|