والسلام الذي ننشده في فلسطين من المنتظر أن يكون محصلة التفاعل بين هذه الأطراف الثلاثة التي تشكل دائرة متفاقمة، الخروج منها ليس بسهولة الدخول فيها، فلا اتفاق مكة ولا الحكومة الفلسطينية المشتركة باستطاعتهما تعطيل عمل هذه الدائرة المتفاقمة، التي يتبدد فيها الجهد الفلسطيني ويتآكل من دون أن يحقق هدفه في اقامة الدولة الفلسطينية، التي تحمل من صفات الدول التماسك والقابلية للنمو اللذين يؤهلانهما لرسم مستقبل الشعب الفلسطيني وتحديد مصيره، وفي المرحلة الراهنة، فإن “إسرائيل” تحارب إقامة دولة فلسطينية من هذا النوع كما أن الفلسطينيين أنفسهم عاجزون عن إقامتها. قبل الحديث عن “الدائرة المتفاقمة” نريد أن نشير الي نقيضها المتمثل في “مؤتمر القمة” فقد قرر مؤتمر القمة “دعم الدول العربية للسلطة الوطنية الفلسطينية وحكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية ورفض التعامل مع اجراءات الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني بكافة مظاهره” وسوف نكتفي بهذا القدر ونتجاوز عن بقية القرار الذي يتحدث عن قيام الدول الاعضاء (في مؤتمر القمة) باجراء الاتصالات اللازمة مع الأطراف الدولية المعنية. ونظراً لأن الفلسطينيين يبيتون ويصبحون في الأراضي المحتلة بعد مؤتمر قمة الرياض على نفس الحال الذي كانوا عليه قبل انعقاده ومع عجز مؤتمر القمة حتى عن تأمين فتح “معبر رفح”، فإننا سنتجاوز هذا “المؤتمر” الذي عودنا على المرور في حياة الأمة مرور الطيف في الأحلام، أو كسحابة صيف في حالة اليقظة، ونعود إلى “الدائرة المتفاقمة” التي تتصف بالاستمرارية والقوة التدميرية في الواقع المعيش للشعب الفلسطيني. رغم الهدنة التي أعلنتها حركة حماس من جانب واحد، إلا أن “إسرائيل” مستمرة في محاربة “حماس”، على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، وذلك من خلال فرض الحصار الاقتصادي والقطيعة السياسية على حكومة حماس الأولى، والحكومة الثانية التي تحظى فيها حماس بثقل متميز، وتعود الحدة في العلاقة بين حماس و”إسرائيل” الى شهر فبراير/شباط ،1994 عندما قام الطبيب “الاسرائيلي” المتطرف باروخ غولدشتاين باقتراف مذبحة المصلين في الحرم الابراهيمي في الخليل، حيث قامت حماس بعمليات فدائية أدت الى مقتل 50 وجرح 340 “إسرائيلياً”، وقد اتهم جهاز الشاباك (الأمن العام الاسرائيلي) يحيى عياش المشهور بلقب “المهندس” بأنه العقل المدبر خلف هذه العملية. ولقد تمكن الشاباك من اغتيال يحيى عياش في 5/1/1996 بواسطة جهاز هاتف خلوي مفخخ. فقامت حماس بعدة عمليات في القدس وعسقلان وتل أبيب انتقاما لاغتيال يحيى عياش، ولم تتورع “إسرائيل” عن تصفية اثنين من أهم قادة حماس هما الشيخ أحمد ياسين وعبدالعزيز الرنتيسي. ولقد أدت عمليات العنف المتبادلة بين حماس و”إسرائيل” إلى قيام حاجز نفسي بينهما تمثل في الاعتراف الذي تطالب به “إسرائيل” وفي امتناع حماس عن هذا الاعتراف، وهكذا أصبحت حماس تدور في مساحة ضيقة تتمثل في حقها في السلطة التشريعية بعد أن ضيقت عليها خيارات الحرب والسلام مجال الحركة. إن خيار الحرب يعني تحميل الشعب الفلسطيني فوق ما يحتمل من أعباء الاحتلال “الاسرائيلي” الشرس، وإن خيار السلام يعني أن تنقلب حماس على مبادئها بالاعتراف ب”إسرائيل” وهذا ما لا تغامر به قيادتها، وهكذا لا يبقى أمام حماس سوى خيار الانتظار لما ستسفر عنه الأيام من أحداث خارج الحدود، كاشتعال الحرب بين أمريكا و”إسرائيل” وإيران، أو تحريك عملية السلام باتجاه سوريا. استطاعت “فتح” من خلال سيطرتها على منظمة التحرير الفلسطينية ان تنفرد بالقرار الوطني الفلسطيني، وبعد طول تردد تبادلت الاعتراف مع “اسرائيل” في 10/9/،1993 وانتهى بها الأمر الى توقيع اتفاقية اوسلو (2) بعد سنتين في 28/9/،1995 الذي تحول الى “ناطور المقثاة” (بالفلسطيني) أو “خيال المقاتة” (بالمصري)، بعد اغتيال اسحق رابين، وتردد شيمون بيريز، وعدوانية بنيامين نتنياهو، وفشل ايهود باراك. ان “فتح” اليوم ليست هي “فتح” الأمس بعد تنامي قوة حماس العسكرية، وسيطرتها على غالبية مقاعد المجلس التشريعي، وبذلك فقدت فتح قدرتها العملية على اتخاذ القرار الوطني الفلسطيني وان كانت لاتزال تستطيع ان تفعل ذلك من حيث الشكل ضمن مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، وفي مواجهة الجانب “الاسرائيلي” فإن فتح، من أجل الحل السياسي، قدمت كل ما تستطيع تقديمه كالاعتراف “باسرائيل” ونبذ العنف واقامة دولة في حدود 4 يونيو/حزيران 1967. وهكذا تطالب “اسرائيل” وهي تجلس باسترخاء بأن تسير حماس على طريق فتح، وتطالب فتح بكسر شوكة حماس عسكريا، وهي تعلم ان أيا من الطرفين الفلسطينيين لا يستطيع ان يقبل بشروطها. ومع ان فتح التي تبدو عاجزة عن تحريك “اسرائيل” باتجاه الحل السياسي، إلا انها تشكل تحديا لكل من حماس و”اسرائيل”، فإن وجود فتح لا يعطي “اسرائيل” مبررا لدمغ الشعب الفلسطيني بالارهاب على صعيد المجتمع الدولي مع أنها تعامله كما لو كان كذلك داخل الاراضي المحتلة. ويرى المجتمع الدولي في “فتح” النموذج الذي يمكن لحماس ان تتمثل به في مجابهتها “لاسرائيل”. مع ان كلا من فتح وحماس و”اسرائيل” تشكل جزءا من الدائرة المتفاقمة، إلا ان “اسرائيل” تظل المحرك الوحيد لدائرة الشر باشتراطها لزوم ما لا يلزم وهو اعتراف حماس ب “اسرائيل”، وطلب المستحيل من فتح المتمثل في تصفية حماس عسكريا، وان كل ما تريده “اسرائيل” هو إلقاء مفاتيح السلام في قعر البحر. اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|