النقاش الداخلي يكشف حقيقة الـمواقف ويطرح أسئلة كبيرة. فهل نقيم وحدة وطنية ونتخذ الـمواقف السياسة من أجل استرضاء الـمجتمع الدولي؟ أم نتخذ الـمواقف من أجل الأهداف الوطنية ومصلحة الشعب الفلسطيني؟ كما هو معروف الوحدة الوطنية وتبني البرنامج الوطني العقلاني موقف مبدئي في كل الأحوال. صحيح أن هدف الوحدة الوطنية هو فك الحصار الظالـم، ولكن هل استمرار الحصار سيقود إلى فك الوحدة الوطنية.؟ بالتأكيد لا، ومن يدعو أو يستعد لفك الوحدة إذا ما استمر الحصار يكون موقفه ناشزاً ومثيراً للريبة. الـمنطق ذاته ينطبق على قرار وقف إطلاق النار، فإذا كان مبرر وقف النار هو التسويق الخارجي، أو كان مبرر عدم الوقف أيضاً استرضاء الخارج، وليس وجود مصلحة مباشرة وحاجة للشعب الفلسطيني في الوقف وعدم الوقف، فإن التعاطي مع وظيفته الاستخدامية يقوّض مبرر استخدامه. فاللجوء لهذا الشكل النضالي أو غيره في كل مرحلة ينبع في العادة من الخصائص الـمتناقضة لدولة الاحتلال والشعب تحت الاحتلال. ويمتد هذا الـمنطق، أيضاً، على الـموقف من بقاء السلطة أو عدمه، وكأن وجود السلطة هو من باب الترضية للآخرين أوصفقة مع الأطراف الخارجية. فقد خرجت أصوات تدعو أو تهدد بحل السلطة إذا لـم يزل الحصار في مدى زمني محدد. وجه الغرابة في كل ماسبق هو طغيان الخيار السلبي على الخيار الإيجابي بالـمعنى النسبي. والسلب في حالتنا الـمليئة بالسلب الناجم عن أبشع أشكال الاحتلال يعزز الخسارة والتآكل الداخلي، فلـماذا كل هذا التهديد بالسلب؟ نحن الوحيدون الذين لا نقيم وزناً للخسائر، بل نتغنى بالخسائر ولأننا كذلك فإننا نهدد بالخيارات السلبية وهذه نقطة ضعف خطيرة تهبط بالعقل القيادي إلى مستوى الارتجال والعفوية والشعبوية. في غياب النقاش بالعمق، والنقد الصريح والبناء، من السهل إطلاق الـمواقف الـمرتجلة وغير الـمدروسة التي تتلخص جميعاً بـ"فرط" السلطة، والعودة إلى خيار الانتفاضة والـمقاومة. يعتبر "فرط" السلطة سلبياً بكل معنى الكلـمة. لإن فرط حكومة الوحدة الوطنية (السلطة عملياً) يعني تحول السلطة إلى سلطات فصائلية عشائرية وعائلية متناحرة على النفوذ، يعني فقدان اللاحم السياسي الـموحد للـمجتمع بمختلف طبقاته الاجتماعية، يعني انفراط جهاز التعليم الـمركزي وجهاز الصحة الـمركزي، والشرطة والقضاء والبنوك والجامعات..إلى آخر الروافع التوحيدية. ولنلاحظ أن الاحتلال يسعى جاهداً لتضييق كل سبل العيش من أجل فكفكة الـمجتمع وإضعافه ودفعه للبحث عن ملاذ آخر. لـماذا نساهم نحن في عملية التفكيك التي يعمل الاحتلال على تحقيقها. قد يقول البعض، إننا سنفك سلطة ملوثة بالفساد ومبنية بطريقة خاطئة، سنفرط هذه السلطة ونبني بدلا منها سلطة بشرعية ثورية غير فاسدة. كيف يتم بناء مثل هذه السلطة إذا جرى استبعاد الانتخابات؟ الجواب، لا يبقى غير حسم السيطرة بالقوة! و لكن في ظل ميزان قوى ينطوي على توازن فإن احتمال اندلاع الحرب الأهلية الطويلة هو الـمرجح. والحرب الأهلية تطرح في شروط الحالة الفلسطينية تدخلاً خارجياً، وسيكون الـمستثمر الأول للحرب الأهلية دولة الاحتلال الإسرائيلي، التي ستمكنها من استكمال مشروع الابارتهايد. ولنفترض أن طرفاً فرض سيطرته بالكامل في قطاع غزة. ؟ هل سيحول قطاع غزة الـمحاصر جواً وبحراً وبراً والـمعزول عن الحلفاء الإقليميين إلى قاعدة لتبادل إطلاق القذائف والذهاب في خيار الـمقاومة إلى نهاياته الظافرة: التحرير من البحر إلى النهر. أم أنه سيعلن هدنة طويلة الأمد ويدخل عملية تفاوض على قاعدة الالتزام بشروط الرباعية الدولية دون مواربة. لـم يتحدث الـمتحمسون لخيار حل السلطة عن مرحلة ما بعد الحل وأفضلياته التي تجعل منه مطلبا شعبيا ضاغطا. متحمسون آخرون يقولون إن الهدف هو إعادة الأعباء لدولة الاحتلال، وهؤلاء يقفزون عن التعديل الجوهري الذي أدخلته إسرائيل على احتلالها، احتلال قطاع غزة عن بعد هو أسوأ بما لا يقاس من الاحتلال الـمباشر، إسرائيل الآن متحررة تماماً من الأعباء، كيف سيعيدون لها الأعباء. ستعود الأعباء بإحدى طريقتين الأولى: عبر قرار صارم من مجلس الأمن يلزم إسرائيل بتبعات سيطرتها واحتلالها الـمباشر وغير الـمباشر، وهذا غير ممكن في شروط نظام القطب الواحد وفي ظل انحياز أميركي أعمى لإسرائيل. الطريقة الثانية: هي حث قوات الاحتلال أو استفزازها للعودة وممارسة صلاحياتها كدولة احتلال، وهنا فإن إسرائيل ستعود لتدمر الأخضر واليابس وبعدئذ ستخرج لتمارس الاحتلال بالأباتشي والزوارق البحرية والدبابات وكل ذلك عن بعد. ومتحمسون آخرون يعتبرون العودة للانتفاضة الأولى هو النموذج البديل للسلطة، وهؤلاء يقفزون أيضاً عن حقيقة استخلاص إسرائيل للدرس بخروجها من الـمدن والتجمعات السكانية، سننتفض في الـمدن ضد من؟ هل بذهاب سكان الـمدن والبلدات إلى الـمواقع العسكرية الحصينة في محيط الـمدن وفي هذه الحالة سيكون شكل الـمواجهة مختلفاً عن شكل الـمواجهة في الانتفاضة الأولى، وفي قطاع غزة هل سيخرج الـمنتفضون إلى الحدود بحثاً عن جيش معتد. آن الأوان للكف عن الخيارات السلبية، والبحث الـمسؤول عن الخيارات الإيجابية، والخيارات الإيجابية كثيرة لـمن يرغب، بدءاً بإدخال تعديلات جوهرية على بنية السلطة والأخذ بمبدأ تطويرها لتصبح قولاً وفعلاً في خدمة الـمواطنين، مروراً بوضع خطة اقتصادية تنقل الـمجتمع تدريجياً وخطوة بعد أخرى من موقع الاعتماد الكامل على الدعم الخارجي وما يستتبعه ذلك من فرض أشكال من الوصاية السياسية. وانتهاء بوضع خطة للنضال يشارك فيها الـمجتمع وتحظى بدعم وتأييد الأشقاء والأصدقاء وكل القوى الـمناهضة للاحتلال. - الأيام 24/4/2007 - اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|