مفتاح
2025 . الخميس 29 ، أيار
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 


فهم الناس أن القمة العربية كانت حازمة في تأكيد مواقف معينة. ساد الاعتقاد أن هذه القمة تحديداً وضعت نصب أعينها خلال مداولاتها حالة الجماهير العربية، وخصوصاً الجماعات المسيسة بينها، وهي حالة أقل ما يقال في وصفها أنها حالة من لم يعد يحتمل المزيد من الإحباط. ولم يكن العرب وحدهم الذين فهموا المواقف والخطابات التي سبقت القمة أو لحقت بها وبعض التصريحات التي أعقبت انعقادها على أنها إصرار على التمسك بمبادئ أمة ومصالحها، هكذا فهمها أيضاً الغرب، فكان بعضها محل انتقاد في الولايات المتحدة خاصة ومنافذ النفوذ الصهيوني في الغرب عامة.

وفجأة ومنذ أيام قليلة خرج جهاز من أجهزه الجامعة العربية بما لم يكن متوقعاً. فقد أصدر قرار تفويض دولتين عربيتين لهما علاقات ب”إسرائيل” لزيارتها وشرح المبادرة العربية للمسؤولين فيها وتسهيل بدء عملية المفاوضات المباشرة. لم يفاجئني القرار وإن فاجأ كثيرين من العرب الذين يتداولون في شؤون أوطانهم وقضايا أمتهم. فوجئوا لأسباب ثلاثة على الأقل. تبدأ هذه الأسباب بأن هؤلاء وغيرهم من المهتمين اعتقدوا أن قادة العرب لن يضيعوا الفرص المتاحة أمامهم خاصة وأنها جاءتهم هذه المرة داخل سلة. لم يحدث من قبل أن تعددت الفرص أمام العرب كما تتعدد الآن، ولم يحدث أن جاءت مجتمعة، ولم يحدث أن كانت جميعها قابلة للتأثير وقوية. ومن بين ما احتوت عليه سلة الفرص ورطة أمريكا في العراق، ومشكلات “إسرائيل” الداخلية وقدرة نووية في إيران يمكن أن تمثل إضافة مهمة لو أحسن التعامل معها وتطويعها لمصلحة قضايا المنطقة وحريات شعوبها. وفي السلة أيضاً حالة شعوب عربية أعربت بطرق متعددة وبأساليب متفاوتة عن حاجتها الشديدة إلى استعادة الثقة بنفسها وبثقافتها وبحكومتها. ولا ننسي أن رئيس القمة أشار في خطابه الافتتاحي إلى هذه الثقة المفقودة وضرورة استعادتها.

وفوجئوا لسبب ثان، إذ جرى العرف أو المبدأ أو السمعة، على أن الجامعة العربية لا تتحدث مع “إسرائيل”. الجامعة يمكنها أن تتحدث عن “إسرائيل”، ولكنها بالتأكيد لا يجوز أن تتحدث مع “إسرائيل”. بمعنى آخر لم يكن متوقعاً، أن يقوم جهاز من أجهزة الجامعة بتشكيل وفد من أعضاء الجامعة وتكليفه بمهمة التحدث مع “إسرائيل”. كان يمكن لعضوي الوفد أن يذهبا، كل بمفرده، أو يذهبا معاً، ولكن بصفتهما الأخرى، صفة الدولتين اللتين أقامتا علاقات مع “إسرائيل” وتطوعا لمساعدة الجامعة من دون طلب منها. والواقع كما بدأ يتضح الآن، وكما أوضحته من قبل كوندوليزا رايس، يقول إن الهدف هو مساعدة القيادة “الإسرائيلية” على الإقرار علناً بأنها اطلعت على المبادرة وأنها على استعداد لتنظر فيها. ليس المهم في هذه الحالة ما سيقوله مبعوثا الدولتين لأولمرت وليفيني، المهم هو ما سيعودان به من شروط “إسرائيلية” جديدة، لن يكون أقلها أهمية شرط وصول وفد عربي على مستوى أعلى ومن دول أكثر عدداً. ويا حبذا لو اجتمعت القمة القادمة في “إسرائيل” بدلاً من سوريا وهو ما دعت إليه بالفعل إحدى الصحف العبرية.

وفي مقال ينشر قريباً كتب حسين أغا وروبرت مالي الخبيران في جماعة الأزمات الدولية يقولان فيه إنه بينما يعتقد العرب أنهم يعرضون التطبيع كجائزة أو مكافأة لها، يعتقد الأمريكيون أن التطبيع يجب أن يكون حافزاً، ويعتقد “الإسرائيليون” بأنه شرط مسبق لأي تحرك مطلوب من “إسرائيل”. يخطر ببالي أحياناً، كما يخطر من جديد وبتدفق شديد ببال ألوف العرب من المهتمين بالشأن السياسي، أن نسأل مرة أخرى ماذا فعلت مرحلة العلاقات مع “إسرائيل” من أجل الشعب الفلسطيني، هل أعادت له أرضاً، أو حققت له حرية واستقلالاً أو رفعت مستوى معيشته؟ هل أعادت إلى أراضيهم مئات أو آلافاً من اللاجئين؟ الإجابة نجدها على أرض الواقع، الفلسطينيون في حال أسوأ مما كانوا عليه قبل توقيع اتفاقيتي السلام، وقبل مدريد وقبل أوسلو وقبل كل المفاوضات التي أجراها الزعيم ياسر عرفات وآخرها مفاوضاته مع كلينتون وباراك في كامب دافيد. وسنجد مع الإجابة إضافة تقول إن العرب تصرفوا ولا يزالون يتصرفون وكأنهم لا يملكون أي رصيد ولا يتمتعون بأي قوة، بل يرفضون الاعتراف بأن في ضعفهم يكمن بعض القوة.

كنت أتصور أن قادة هذه الأمة عقدوا العزم على حماية شعوبهم ودولهم باستخدام قليل من التعنت الدبلوماسي وليس في هذا ما يعيب، روسيا تفعل ذلك، وتفعله الصين وإيران وفنزويلا، وباستخدام بعض التعبئة الجماهيرية مع جرعات صغيرة ولكن متلاحقة من المقاومة السياسية، فالشعوب مستعدة بل ظمأى إلى ما يحمي ثرواتها وثقافتها وينشط خيالها. تصورت أيضاً أن قادة الأمة قادرون على التلويح لأمريكا بأن العرب جاهزون لأن يكونوا على مستوى فطنة الأفارقة والأمريكيين اللاتينيين فيقدمون للصين وروسيا والهند والاتحاد الأوروبي امتيازات تخصم من الامتيازات التي احتكرت الحصول عليها الولايات المتحدة. ولكن حدث شيء آخر، سمعنا عن أفكار تسربت عن استعداد العرب لتمويل توطين اللاجئين الفلسطينيين على أراض عربية، أو الدخول في شراكة مع استراليا ونيوزلندا وكندا لتوطينهم في آخر الدنيا، أو إشعال نيران فتنة ضدهم في العراق ولبنان وسوريا والأردن لدفعهم للقبول بأول خطط توطين تعرض عليهم، سواء كانت في الصحراوات العربية بعيداً عن مواقع النفط، أو في أكثر أراضي العالم بعداً عن فلسطين.

ثم حانت فرصة أخرى، ولم تستفد منها أجهزة تنفيذ قرارات القمة، كان يمكن للدول العربية أن تطلق حملة سياسية دبلوماسية إعلامية شعارها “لا نريد لاجئاً جديداً” في إشارة واضحة إلى قضية النائب عزمي بشارة، باعتبار أنها القضية التي كان يجب أن تنطلق منها على أوسع نطاق دولي وإقليمي حملة ضد موقف “إسرائيل” من موضوع عودة اللاجئين. كان يجب أن يجري استنفار لجمعيات مجتمع مدني وأحزاب ومنظمات عربية لحقوق الإنسان. كانت، ومازالت في رأيي، فرصة نموذجية لتضغط على الموقف “الإسرائيلي”، إن كان العرب مصممين على ولوج هذا الباب “الدوار” من جديد، وهي أيضاً القضية النموذجية لإحباط المخطط “الإسرائيلي” الأمريكي لتصفية قضية فلسطين.

عزمي رمز لعنصرية صهيونية تمارسها دولة “إسرائيل”، ولديمقراطية زائفة يزهو بها الغرب ولا يريد أن يعترف بأنها ديمقراطية لليهود فقط، ولعلمانية شكلية في دولة ليست فقط دينية ولكن دينية متطرفة. قبل هذا وذاك تمثل قضية عزمي بشارة الدليل الحي على الكذب “الإسرائيلي” في رواية نزوح الفلسطينيين من ديارهم وبلادهم. قد لا يعرف العالم الخارجي أن حرية عزمي وحياته في خطر إن جازف وعاد ليعيش في “إسرائيل”، بمعنى آخر قد لا يعرف العالم الخارجي أن لاجئاً جديداً سينضم إلى ملايين اللاجئين الفلسطينيين الذين لم يختاروا الحياة في الخارج بإرادتهم الحرة. ومع ذلك ندع الفرصة تفلت. ونترك عزمي بشارة يلجأ في الخارج وبعضنا يشجعه، ونبدي في الوقت نفسه استعداداً للتفاوض مع التلميح ببعض التنازلات في شأن مستقبل اللاجئين، هكذا نعطي الإشارة لمئات الآلاف من الفلسطينيين الخاضعين للتمييز العنصري في “إسرائيل” والمحرومين من الأمل في مستقبل آمن وراغد، ليستعدوا ليوم يجدون أنفسهم فيه خارج البلاد يتوسلون مكاناً يلجأون إليه.

أشفق على عزمي بشارة مرتين، أشفق عليه بسبب ما سيقابله ولو بعد حين في أي موقع يختاره للجوء، وأظن أن شخصيته وبنيته الأكاديمية والأيديولوجية والسياسية تجعلان إقامته في الخارج العربي متعددة المشاق، وأشفق عليه لأنه سيتحمل في الخارج عبء الواجب تجاه عشرات أو مئات الألوف من فلسطينيي الداخل فهموا الرسالة “الإسرائيلية” المتضمنة في قضية عزمي بشارة ويستعدون، نفسياً على الأقل، لتوقع ضغوط رهيبة من السلطة “الإسرائيلية” ليرحلوا في موجة لجوء جديدة من فلسطين.

لا يتفق هذا الحال مع ما انتظرناه من القمة، كنا متفائلين نتطلع إلى وقفة مع كل أسباب الضعف في أوضاعنا الدولية وبخاصة في علاقاتنا بإيران وإفريقيا، على أمل أن يعقب الوقفة حركة في اتجاه “نهضة” في الدبلوماسية العربية، وانتفاضة تعبر عن بعض الغضب يقوم بها صانعو السياسة والقرار في كافة عواصم العرب، وكانت الفرص مواتية، وأحياناً محفزة، وأظن أنها مازالت كذلك. - الخليج 26/4/2007 -

 
 
اقرأ المزيد...
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required