مفتاح
2025 . الثلاثاء 27 ، أيار
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 


يعيش ايهود أولمرت، رئيس وزراء اسرائيل، المطوق المحاصر، منذ فشل الحرب على لبنان، في مناخات «الزمن المسروق» كما يقال. لقد تدهورت شعبيته حتى الحضيض، بعد أن أدانته لجنة فينوغراد بقسوة، واتهمته باتخاذ قرارات متسرعة، وخاطئة، أدت الى نشوب الحرب، وسيطرد من منصبه حتما في القريب العاجل. ومع ذلك، فقد نجح في البقاء، بل انه نجا، في الأسبوع المنصرم، من ثلاث محاولات لحجب الثقة عنه في الكنيست، بفضل الأكثرية المريحة التي تدعمه بـ78 صوتا من أصل 120 صوتا، والتي تلتف حول حزبه «كديما». الا انه، على رغم هذا الفوز «الموقت» في البرلمان الاسرائيلي، مازال مرفوضا في استطلاعات الرأي العام التي تظهر أن أكثر من ثلثي الاسرائيليين يرغبون في تخليه عن منصبه كرئيس للوزراء.

ان حزب «كديما»، ومعنى اللفظة العبرية «الى الأمام» - ليس أكثر من تشكيل مصطنع - خلقه أرييل شارون، بعد فك الارتباط بقطاع غزة سنة 2005، وبقي متماسكا بسبب «الكاريزما الشخصية» التي كان يتمتع بها شارون المحارب العجوز، ولو ان شارون لم يبتعد عن الساحة بعد مرضه، لما توصل أولمرت الى منصب رئاسة حزب «كديما»، ولما كانت حرب لبنان قد حدثت.

ان التحالف الحالي بين «كديما» وحزب العمل، والذي أبقى أولمرت في السلطة حتى الآن، يتعرض لخطر التفكك، واذا قرر حزب العمل الانسحاب من التحالف، فسيتقوض البناء الحكومي كله، بالاضافة الى ان حزب العمل ذاته يعاني من صراع داخلي على السلطة، وينطبق هذا على حزب الليكود، حيث ما زال بنيامين ناتانياهو يحلم بالعودة، في حين يتعرض تجمع «كديما» للتشرذم. والمفارقة الكبرى ان اسرائيل لم تكن بحاجة الى قائد يلتزم بتحقيق السلام كحاجتها اليوم، ولكن السياسات الفوضوية والمتصارعة، السائدة في اسرائيل عاجزة عن ابراز قائد أو زعيم قادر على أن يرسم طريقا واضح المعالم يوفر التقدم الى الأمام.

ان واجب كشف الحقيقة يقتضي منا أن نعلن ان الاسرائيليين اليوم يفكرون بشن الحرب أكثر من تحقيق السلام، وهذا الموقف هو محصلة مأسوية لعمليات «غسل الدماغ» التي أخضعوا لها، منذ عشرات السنين. ليس من يجهل ان الاسرائيليين قد «تربوا»، منذ قيام دولة اسرائيل تحت قيادة أول رئيس للحكومة (ديفيد بن غوريون)، على الاعتقاد بأنهم قادرون على السيطرة على الشرق الأوسط بكامله بالقوة العسكرية.

ولا بد من القول إنه لا يوجد ما يحول دون استمرار التوسع الاسرائيلي في الاراضي الفلسطينية في ظل غياب أية مقاومة عربية أو دولية جدية. وحينما تم استبعاد مصر من المعادلة العربية بعد عام 1973، شعر الاسرائيليون بأنه لا حاجة لتحقيق المزيد من الخطوات باتجاه السلام مع العرب، لقناعتهم بأنه يمكن التحكم «بالمشرق» واخضاعه بالحرب، كما حدث عام 1982، اذ كان شارون يفاخر دوما بأن «مجال النفوذ الاسرائيلي يمتد الى المدى الذي تبلغه طائرات ف-15»، وكان المطلوب بعد هذا تدمير العراق وسحق الجيش العراقي، الذي كان القوة الوحيدة القادرة على تهديد اسرائيل، وقد قامت الولايات المتحدة بهذه المهمة، بتحريض من المحافظين الجدد، حلفاء اسرائيل الناشطين.

وكان تدمير العراق، في الوقت ذاته، قد أبرز ايران كقوة اقليمية كبرى، تسعى الى الحصول على السلاح النووي - أو على الأقل أصبحت تعرف كيف تصنعه - وهذا معناه ان ايران أصبحت قادرة على «تحييد» احتكار اسرائيل للسلاح النووي الذي استمر أكثر من 40 عاما، وقادرة على الحد من حرية اسرائيل في سحق جيرانها عندما يحلو لها ذلك.

وحدث ما هو أسوأ من هذا كله، من وجهة نظر اسرائيلية، اذ ان صعوبات الولايات المتحدة في العراق قد دفعت ببعض الأصوات النافذة في الولايات المتحدة الى التجرؤ على انتقاد قوة نفوذ اللوبي اليهودي، وبعض المسؤولين الموالين لاسرائيل، المهيمنين على سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وعلى التشكيك في فوائد الالتزام بتأييد اسرائيل، وفجأة، بدا وكان التفوق الاستراتيجي الاسرائيلي الذي لا يقبل التحدي قد تحول الى ما يشبه الكابوس، بل ان غالبية المراقبين المستقلين قد توصلوا الى القناعة بأن الدرس الوحيد الذي ينبغي استخلاصه من هذه التطورات هو ان سلامة اسرائيل، على المدى الطويل، لا يمكن توفيرها، وبشكل أفضل الا بالتوصل الى سلام مع جيرانها، لا بإخضاعهم بالقوة، وقد بدأ الزعماء العرب يتفهمون هذه الحقيقة اذ قرروا احياء مبادرة السلام العربية لعام 2002، مدفوعين برغبتهم في تجنيب المنطقة المزيد من الاضطرابات ورغبتهم ايضا في الوقوف في وجه التيارات الراديكالية التي تشكل خطرا عليهم، وعلى اسرائيل معا.

ومما يدعو الى الدهشة ان زعماء اسرائيل ما زالوا متمسكين ببلادة الذهن، اسرى للمنطق القديم الذي عفا عليه الزمن، وما زالوا يرفضون اليد الممدودة نحوهم. وعوضا عن تفحص احتمالات السلام الحالية، يفضلون - حتى الزعماء الجدد الواعدين - التبجح بـ «استعادة قوة الردع الاسرائيلية» وبـ «تنظيف لبنان من حزب الله، وتنظيف غزة من حماس» وبـ «تلقين العرب درسا لن ينسوه» ومثل هذه السخافات.

ويمكن الاستشهاد، كنموذج صارخ عن هذه العقلية، بالمقابلة التي أجراها عمير بيرتس، زعيم حزب العمل، ووزير الدفاع في حكومة أولمرت، في 9 أيار (مايو) الجاري مع صحيفة «هآرتس» الاسرائيلية، ولأنه متهم بسوء الأداء في حرب لبنان الكارثية، ومهدد بفقد منصبه بكل تأكيد، فقد كشف عن «أسرار جارحة» تتناول بعض زملائه، لتبرير سلوكه في الحرب، كان من نتيجتها أن قدم البعض منهم استقالتهم كرئيس الأركان دان حالوتس.

لقد كشف بيرتس، في المقابلة، ان حالوتس - وهو القائد في سلاح الطيران، ومن دعاة اللجوء الى الطيران الحربي -، وفي مناقشات رفيعة المستوى حول حرب لبنان - قد أراد أن يدمر مطار بيروت الدولي، وأن يتسبب في خسارة تقدر ببلايين الدولارات - وهذا ما فعله – كما كان يريد أن يدمر كل محطات توليد الكهرباء في لبنان لإغراقه في الظلام الدامس.

ولم يكن عمير بيرتس أقل قسوة مع قائد الموساد مائير داغان الذي ارتأى مهاجمة سورية، وجرها الى الحرب، وتدميرها. بالاضافة الى ادعاء بيرتس، وهو الزعيم العمالي السابق الذي يفتقر الى التجربة والخبرة العسكرية، انه كان قادراً على أن يواجه زملاءه من المغرمين بالحرب، وأن يقنعهم بتوجيه النيران ضد صواريخ «حزب الله»، البعيدة المدى، المسماة «صواريخ الفجر».

لقد تحول الشرق الأوسط الى منطقة شاسعة من البؤس الانساني المريع الذي يعاني منه ملايين الناس - الى منطقة من البطالة والتهجير والفقر المدقع والخراب الهائل والدمار والفساد، منطقة شاسعة تمتد من بغداد الى جنوب لبنان الى غزة. ان ما يجري الآن جريمة هائلة ليس لها مثيل في التاريخ، وقطعا لن تمر من دون عقاب، لأن حقد الضحايا على الولايات المتحدة واسرائيل هائل لا يمكن اطفاؤه. لن يحتاج الانسان الى ان ينظر بعيدا، ويغوص في التفسير، لمعرفة أسباب تفشي الراديكالية التي تجتاح المنطقة.

وكما سبق لي أن طرحت في مقال سابق، يتوجب على العرب والايرانيين أن يوقعوا على ميثاق أمن اقليمي، يولد الثقة المتبادلة بينهم. لقد تزعمت المملكة العربية السعودية مثل هذا التحرك، حين أقدمت على اجراء حوار مع طهران، وانتقدت الاحتلال الأميركي للعراق. ان الاتفاق على مثل هذا الميثاق الاقليمي سيجعل التدخل العسكري الأجنبي مرفوضا، لأنه غير ضروري وغير مجد، كما انه سيساعد على استخراج السم من الصراع الشيعي - السني الذي يجتاح العراق، ويهدد بالانتشار في كل مكان.

وفي أثناء هذا كله، سيركز الاهتمام في اسرائيل، على من سيحاول أن يحل محل عمير بيرتس، سواء في وزارة الدفاع، أو في زعامة حزب العمل. المتنافسان حتى الآن هما ايهود باراك، رئيس وزراء اسرائيل في عامي 1999 - 2000، وعامي يعلون، الرئيس السابق لـ «شين بت»، والقائد السابق لسلاح البحرية.

وقد يحسن بنا أن نتذكر ان ايهود باراك، بتشجيع من الرئيس السابق بيل كلينتون، أوشك عام 2000 على التوقيع على تسوية مزدوجة مع الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، ومع الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، ولكنه لم يملك الشجاعة الكافية، أو لعله لم يكن صاحب رؤية واضحة، ولم يوقع على الاتفاقية، ولكن أصدقاءه يقولون اليوم انه استفاد من أخطائه، وانه قد يكون الزعيم الاسرائيلي الوحيد القادر على اقناع الجمهور الاسرائيلي بأن الوقت قد حان للتسوية السلمية.

لقد أعلن باراك أنه ينوي أن ينافس بيرتس على زعامة حزب العمل وعلى وزارة الدفاع، في مؤتمر الحزب في 28 أيار (مايو) الجاري، واذا نجح في تحديه فانه سيدعو الى انتخابات مبكرة قد تغير الواقع السياسي الاسرائيلي تغييرا كاملا. كما أعلن بيرتس أنه ينوي أن يقبل تحدي خصمه، بالتحالف المحتمل مع عامي يعلون، واذا ما كتب لهما النجاح، فسيبقى بيرتس زعيما للحزب في حين يتسلم يعلون وزارة الدفاع.

أما داخل حزب «كديما»، فان تسيبي ليفني وزيرة الخارجية، بدأت تهدد جديا ايهود أولمرت، على رغم انها تفتقر الى الثقة بنفسها، فقد طالبت أولمرت بأن يستقيل ثم فشلت في ترك الحكومة، والانضمام الى مؤيديها، وفضلت على العكس أن تبقى في حكومة أولمرت، وكأنها تنتظر منه أن يقيلها، ولهذا اتهمت بالجبن والافتقار الى الشجاعة.

اما المعمر شمعون بيريز الذي تجاوز الثمانين، فإنه ما يزال محتفظا بمطامحه السياسية، وقد يحاول هو الآخر أن يحصل على مقعد أولمرت، رغبة منه في ايقاف مطامح ليفني عند حدها.

بقي «الصقر» القديم بنيامين نتانياهو الذي ينتظر فرصته هو الآخر، فاذا نجح في استمالة عدد من ناشطي «كديما» واعادتهم الى حزب الليكود، فسيكون رئيس الوزراء في حكومة تحالف يميني من دون أن يضطر الى مواجهة انتخابات جديدة. اما اذا نجح باراك في العودة الى قيادة حزب العمل، فان الانتخابات الاسرائيلية القادمة ستشهد مشادة بين باراك ونتانياهو، أي اعادة سيناريو معركة 1999 التي كسبها نتانياهو. - الحياة 11/5/2007 -

 
 
اقرأ المزيد...
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required