في السياق، كان غريباً المرور مر الكرام على ما كان طرحه شارون في مؤتمر صحافي بمشاركة بيريز يوم الإعلان عن تشكيل حزب “كاديما” بعد الانشقاق المدوّي لكليهما عن حزبه الأصلي، يومها ابتدع شارون: “الاستقلال مقابل السلام” كمعادلةٍ ل”تسوية” الصراع، بدل معادلة “الأرض مقابل السلام” الشهيرة الغامضة أصلاً، حيث تركت تحديد (أية أرض؟ وأية حدود؟) للتفاوض المباشر، وبالأحرى لميزان القوى. منذ (مفاوضات كامب ديفيد 2000)، اتضح سقف السياسة “الإسرائيلية” حول الأرض، ووصل مشروع التسوية الأمريكي بفعل ذلك إلى نقطة الانسداد المحتوم، ولم يعد هناك مَن يستطيع المجادلة في أن الصراع أبعد ما يكون عن أية تسوية، تُقر بحقوق الشعب الفلسطيني الوطنية: حتى المرحلي منها ممثلاً بجلاء الاحتلال عن أراضيه التي احتلت في الخامس من حزيران/يونيو ،1967 وتفكيك المستوطنات، وعودة اللاجئين طبقاً للقرار ،194 وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس. واليوم، فإن اتجاه الضربة الأمريكية “الإسرائيلية” في قادم الأعوام يصبُّ على محاولة شطب حق العودة رسمياً وإسقاط راية المقاومة نهائيا. ولم تُجْدِ مرونة “إيجاد حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين وفقاً للقرار 194” حسب “المبادرة العربية للسلام”، علاوة على مرونة “حماس” عبر “احترام الاتفاقات”، أي أوسلو وما وَلَد، في “اتفاق مكة”، حيث قابل “الإسرائيليون”، ومن خلفهم الإدارة الأمريكية، تلك المرونة بمطالبة العرب ب”التطبيع أولاً” وشطب حق العودة والتخلي عن مطلب الانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران/ يونيو ،1967 أي التخلي عن الأرض، واعتبروا هذه المرونة مقدمة لممارسة المزيد من الضغوط ومحاولات التطويع في طريق الاستجابة للرؤية “الإسرائيلية” ومخططها لتحويل “انتقالي” أوسلو إلى تصفية “نهائية” للقضية الفلسطينية وجوهرها حق العودة والأرض، الأمر الذي يشي بالمأزق الفلسطيني، ويعيد سؤاله المفصلي: الوطن أم الدولة؟ على هذه الخلفية دخل النضال الفلسطيني منذ مؤتمر مدريد عام 1991 وحتى اليوم في مأزق متنوع الأبعاد يكاد يهدم منجزاته ويحوله إلى نضال معاق، ويجعل من راهن لحظته أسوأ من لحظة الأمس، وذلك بعد أن صَلَبَهُ مشروع التسوية الأمريكي، وعمل على تفكيك الشعب الفلسطيني واختزال حقوقه وهويته وتوسيع الفجوة بين أولويات تجمعاته، وتفجير الاحتراب الدموي بين ألوان طيفه الفكري-السياسي، بل وتوسيع رقعة هذا الاحتراب إلى داخل نسيجه المجتمعي والعائلي أيضاً. ويبدو أن القائمين على مشروع التسوية الأمريكي يرون أنه آن أوان تصفية القضية الفلسطينية، وتقزيم حقوق الشعب الفلسطيني الثابتة والمشروعة وحشرها في صيغة “حكم إداري ذاتي محدود” لمَن لم تستطع آلة الحرب الصهيونية اقتلاعهم من سكان الضفة والقطاع، وتتجلى تلك الرؤية هذه الأيام في العودة إلى طرح الحلول الجزئية والمؤقتة وآخر صيغها “الدولة ذات الحدود المؤقتة”، أي تركيز الترتيبات لنحو 7.3 مليون واستثناء مليون وربع المليون في مناطق 1948 وما يناهز 5 ملايين في دول الطوق والشتات. وتتطلع واشنطن وتل أبيب إلى فرض كيان فلسطيني قزمي مجزأ ملحق بالسوق “الإسرائيلية”، ويخضع للاشتراطات السياسية “الإسرائيلية”، ومقايضة ذلك بالتخلي عن جوهر القضية الفلسطينية، حق العودة. وفي معالجة المأزق، فإن تشكيل حكومة فلسطينية ائتلافية واسعة لا ينفي ضرورة إبراز جملة التناقضات التي تتخللها وتحيط بها. فمن جهة إنها حكومة من دون سيادة، فالاحتلال جاثم على صدر الشعب، ويتبع سياسة هجومية قهرية توسعية لا تعرف التوقف، بما يخلق على الدوام تفاوتات بين مركبات السلطة في التعاطي مع هذه السياسة والإجراءات الاحتلالية الدموية المتصلة بها. وهناك العامل الدولي الأمريكي أساساً الذي علاوة على دعمه السافر للكيان الصهيوني وسياساته العدوانية التوسعية، يحاول عبر التظاهر بدعمه المالي والسياسي لفريق في السلطة فيما يحاصر الفريق الآخر ويسد قنواته المالية، خَلْقَ التوترات بين تراكيب السلطة، وإعادة قطبيها الكبيرين “فتح” و”حماس” إلى مربع الاقتتال الداخلي الذي لم يتوقف كلياً، وإن قَلَّ واتخذ طابعاً عائلياً. هذا وذاك كشفا بسطوع عجز السلطة، فهي غير قادرة على حماية أمن الوطن والمواطن وقيادة عملية التصدي للمخططات الاحتلالية، بل إنها عاجزة عن تسديد رواتب موظفيها ال 180 ألفاً، من دون أن يغيب عن البال أن هناك 50% من قوة العمل عاطلة عن العمل وما يتصل بذلك من فقر ناهز 64% حسب تقرير الأمم المتحدة، بل إن الفريقين الكبيرين في السلطة اللذين خاضا في لعبة الدم التي حصدت مئات القتلى والجرحى والمخطوفين، لم ينجحا في فترة تقاطعهما بعد تشكيل الحكومة الائتلافية في ضبط الفلتان وفتح ملف الفساد وإعادة الاعتبار لسلطة القضاء، بل، ولا تتورع جهات من كلا الطرفين عن مواصلة التعبئة ضد الآخر في نزعة فئوية و”زعاماتية” متطرفة تنطوي على مخاطر عديدة لا على راهن النضال الفلسطيني وحسب، بل على مستقبل الفلسطينيين وتجمعاتهم المشتتة وقضيتهم الوطنية أيضا. وعليه فمن دون تفعيل طاقة العامل القومي للقضية الفلسطينية، علاوة على تفعيل المرجعية السياسية للسلطة الفلسطينية بإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية كقيادة جامعة وشاملة للشعب الفلسطيني في الوطن والشتات كشعبٍ لايزال يعيش مرحلة التحرر الوطني، واحتكام السلطة وأجهزتها الأمنية لمرجعية قانونية واضحة وإعادة هيكلة الموازنة بما يعطي أولوية لمعضلة الفقر والبطالة، ليس ثمة ضمانات ألا يتعمق المأزق الفلسطيني أكثر فأكثر، وتنفجر التناقضات الدامية بين فرقاء السلطة، بكل ما ينطوي عليه ذلك من مخاطر سياسية اقتصادية اجتماعية تبدأ بالقنوط السياسي والهجرة والفقر والبطالة ولا تنتهي كحلقة جهنمية بمظاهر السرقة والنصب والاحتيال والفوضى والفلتان. أما أن يبقى الحال على ما هو عليه، فلن يقود إلا إلى ضرب الصمود الفلسطيني، وثَلْم نضاله ومقاومته في مواجهة صلف قادة الكيان الصهيوني الذين يرفضون الإقرار بحق اللاجئين في العودة إلى الديار والممتلكات، ويرفضون حتى قيام دولة فلسطينية في الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام ،1967 وبالتالي طي صفحة الدولة عملياً. وهنا يلح السؤال المفصلي في المأزق الفلسطيني: إلى أين؟ إلى الوطن، أم إلى الدولة؟ - الخليج - اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|