مفتاح
2025 . الإثنين 26 ، أيار
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 


منذ فوز حماس في الإنتخابات التشريعية مطلع العام الماضي توالت المؤامرات الدولية لمحاولة كبح جماح هذه الحركة الطامحة ؛ التي يعاديها الغرب ؛ صاحبة المشروع الكبير الذي يتجاوز بتأثيراته حدود الأراضي الفلسطينية ؛ وترى فيه العديد من الأنظمة الإقليمية تهديداً لأنظمتها الحاكمة. لذلك تعهدت الدول المتنفذة وعلى رأسها الولايات المتحدة وحلفاؤها بإخضاع حماس لشروط اللعبة السياسية في عالم يتحكم فيه الدب الأبيض. تلك السياسة التي لا تقبل من الفلسطينيين – مثلهم مثل غيرهم - سوى التبعية للغرب بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى ؛ بما في ذلك الخضوع التام وغير المشروط لأوامر تلك الدول والقبول بتقديم مصالحها وتنفيذ سياساتها.

وغني عن القول أن مسلمات السياسة الأمريكية تقتضي أن تقبل حماس "بالصديقة الجارة" إسرائيل ؛ وأن على الفلسطينيين الأوفياء أن "يحافظوا" على أمنها وسلامتها وصونها من أي اعتداء. كما أن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها ؛ حتى لو تطلب ذلك قتل المدنيين الفلسطينيين وهدم بيوتهم وتجريف مزروعاتهم ؛ وذلك لزوم محاربة الإرهاب الفلسطيني. ومن مسلمات السياسة الأمريكية في هذا الزمان أن "يعترف" أصدقاء أمريكا بالتضحيات التي يقدمها جيشها في العراق وأفغانستان "وشكرها" على ما جلبته لشعوب هذه البلدان من خير وديمقراطية وأمان. ومن العدل أن "نشكر" الولايات المتحدة على إيعازها لأثيوبيا باحتلال الصومال ؛ وتطهيره مما يسمى بالمحاكم الإسلامية. كما أن مقتضى الحكمة السياسية أن نعترف "بحرص" أمريكا على العدالة ؛ ورفعها سيف الحق لتشكيل المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة الحريري ؛ لأن قتل هذا الرجل يهدد الأمن والسلم العالميين. وعلى نفس الصعيد فالحفاظ على أمن العالم الحر يقتضي غض الطرف عن قتلة الرئيس عرفات ؛ وذبح مئات الألوف من العراقيين والأفغان ؛ وآلاف القتلى في صبرا وشاتيلا وقانا وجنين وغزة ؛ كون الفاعل معروف ؛ وقد قام بفعلته لمصلحة البشرية. لقد أصبح رفض أي دولة أو كيان تنفيذ أوامر العم سام وتوجيهاته الحكيمة إرهاباً ؛ وخروجاً على الشرعية الدولية ؛ يستحق فاعله كل ما يصيبه من إتهامات بالإرهاب وتجويع وحصار ومكائد وانقسامات.

لقد نجحت الولايات المتحدة – كما هو متوقع – في فرض حصار لا يمكن إختراقه ؛ وعزلة سياسية قاتلة على الحكومة الفلسطينية بقيادة حماس ؛ وطالبتها بتلبية شروط تعجيزية ؛ لم يكن الغرض منها إجبار حماس على قبولها بقدر ما كانت الرغبة في أن تُجبر حماس على رفضها. وللأسف فقد استمر الحصار منذ لحظة إعلان نتائج الإنتخابات وحتى يومنا الحاضر ؛ ولم تشفع الحالة المزرية التي وصل اليها المواطنون في كسر أو حتى تخفيف الحصار. وعلى نفس المستوى فقد فشلت الولايات المتحدة في إخضاع وتركيع حماس والشعب الفلسطيني ؛ الذي يثبت يوماً بعد يوم قدرته الفائقة على الصبر والصمود والمقاومة ؛ برغم الظروف التي لا تطاق. وحيث لم تُجد محاولات أمريكا نفعاً في إقصاء حماس فقد اخترعت "الآنسة" رايس مصطلح الفوضى الخلاقة فانتشرت الإضرابات - أو بمعنى أصح الإضطرابات - التي صاحبتها مظاهر مسيئة من إغلاقٍ للشوارع ؛ وإحراقٍ للمؤسسات ؛ والهجوم على الوزارات ؛ واختطاف النواب والمسئولين والإعتداء عليهم ؛ وتصعيد ما يسمي بالفلتان الأمني وما الى ذلك ؛ بغرض إفشال الحكومة نتيجة للضغط الداخلي والحصار الخارجي. إلا أن ذلك كله لم يُفلح في إقصاء حماس ؛ فلم تجد أمريكا بداً من استخدام القوة العسكرية فقرر صانعوا سياساتها أن الحل يكمن في تقوية الأجهزة الأمنية التابعة للرئيس عباس ؛ وذلك بإمدادها بالمال والتدريب والأسلحة والتجهيزات المتطورة ؛ عسى أن تتمكن تلك الأجهزة من حسم المعركة مع حماس. والعالِم بالسياسات الأمريكية يدرك تماماً أن أمريكا قد قامت – ولا بد – بتخويف فتح تحديداً من صعود نجم حماس وربما قدمت لها معلومات مضللة - كما هي عادة السياسة الأمريكية - حول نية حماس السيئة تجاه فتح ؛ أو أية أكاذيب أخرى سوغت لفتح التساوق مع المشروع الأمريكي. وقد حاول الرئيس عباس ومساعدوه نفي هذه التقارير ؛ إلا أن الأمر قد تكشف مع الوقت ؛ وأصبحت الصحافة العالمية المحترمة تورد تفاصيل تلك المخططات والإجراءات المتعلقة بهذا المشروع. ثم أصبح الأمر رسمياً عبر إقرار مجلس الشيوخ الأمريكي والرئيس بوش للمبالغ المالية المقررة لتنفيذ المشروع في هذه المرحلة. وبالرغم من أن السبب في إمداد أجهزة الأمن التابعة للرئيس عباس بالمال والسلاح معروف ؛ ومحدد بالقضاء على حماس أو- على الأقل – كسر شوكتها ؛ إلا أننا استمعنا لرسميين من مؤسسة الرئاسة وحركة فتح يبسطون الأمور بطريقة غريبة حيث تساءلوا : ما العيب في تقوية الأجهزة الأمنية؟ وكأن المراد بذلك هو تقوية المقاومة ومحاربة إسرائيل أو الفلتان الأمني ؛ لا قتال الأشقاء زملاء السلاح!!!

والى الآن لا يتمكن المراقبون والوطنيون –على حد سواء – أن يفسروا أو يفهموا كيف يمكن للرئيس الفلسطيني أن يقبل مثل تلك المساعدات إذا كان ثمنها إراقة المزيد من الدماء بالإقتتال الداخلي!!! ويعزز هذا الغموض رفض الرئيس إخضاع الأجهزة الأمنية لوزارة الداخلية كما ينص عليه القانون الأساسي الفلسطيني ؛ مما يثير علامات استفهام كبيرة وخطيرة للغاية ؛ على رئيس السلطة وفتح المسارعة بتوضيحها للشعب الفلسطيني. وبالرغم من كل ما تقدم فإن التقارير الإسرائيلية والغربية والواقع الميداني تشير جميعها الى أن الحسم العسكري لصالح الرئيس عباس محاط بالمخاطر ؛ وأن المواجهات العسكرية بين فتح وحماس أظهرت بوضوح قوة البنية العسكرية لحماس ؛ مما يشير الى أن أية مواجهة شاملة ستكون طاحنة وغير مضمونة النتائج. لذلك لعله من المفيد إلقاء الضوء على الإحتمالات المتوقعة للمواجهة العسكرية – كما هي رغبة أمريكا وإسرائيل – في حالة حدوثها. ويستطيع المراقب أن يتوقع ثلاثة احتمالات ممكنة يمكن تلخيصها بما يلي:

أولاً: أن يعجز أي طرف عن تحقيق الحسم العسكري المطلوب ؛ وفي هذه الحالة تستمر المساجلات بين الطرفين على ما هي عليه من جولات متتالية من الصراع ؛ تطول أو تقصر حسب الظروف والمتغيرات. والنتيجة الحتمية لمثل هذا الوضع أن ينشغل التنظيمان الرئيسيان في لملمة جراحهما واستنزاف مواردهما. أما شعبياً فمن المتوقع زيادة الفقر والتدهور في الحالة الفلسطينية ؛ وبالذات ما يتعلق بالفلتان الأمني ؛ وانتشار العصابات المسلحة بشكل أوسع ؛ وربما أدى ذلك الى زيادة كبيرة في معدلات الهجرة الفلسطينية الى الخارج. أما إسرائيلياً فإن استمرار الصراع الداخلي يمنح المحتل الفرصة الملائمة لاستكمال مشاريعه التصفوية والإستيطانية ؛ وترويج أفكاره بأن الفلسطينيين لا يمكنهم إقامة دولة ديمقراطية مستقرة.

ثانياً: في حالة الحسم العسكري لصالح الأجهزة الأمنية الموالية للرئيس فإن الوضع الأمني لا يمكن أن يستقر. ومن المؤكد أن يتحول جزء مهم من العناصر الإسلامية الى انتهاج مبادئ وأفكار تنظيم القاعدة ؛ والقيام بمواجهات وعمليات لا تُبقي ولا تذر ؛ ولا تفرق بين سلطة واحتلال. كما أن التاريخ يشير الى أن البنية التنظيمية لحماس لا يمكن انهاؤها بسهولة ؛ حيث تعرضت الحركة لهزات عنيفة ومتعددة ؛ خرجت بعدها أقوى وأشد من ذي قبل. إضافة الى ذلك فإن الصراعات التي حدثت بين الدول المختلفة والحركة الإسلامية تحديداً لم تنجح مطلقاً في استئصال تلك الحركات ؛ بل زادت من شعبيتها وقوتها.

وعلى فرض نجاح هذا الإحتمال فإن ذلك سيؤدي الى وضع جديد تسيطر فيه الأجهزة الأمنية على الوضع العسكري في القطاع ؛ لكن من المعتقد أن ذلك لن يساعد الرئيس وفتح على تحقيق أية مكاسب سياسية ؛ وستفقد حركة فتح احترام الشارع ؛ وستجد الولايات المتحدة وإسرائيل الأعذار لعدم تقديم أية حلول مقبولة فلسطينياً ؛ كما يشهد بذلك التاريخ الحديث الذي لم يجف حبره بعد.

ثالثاً: في حالة تمكن حماس من حسم الصراع لصالحها فسينشأ وضع جديد وفريد في هذه المنطقة الهامة من العالم ؛ حيث سيبرز - ولأول مرة - كيان محكوم بالكامل من حركة إسلامية حازت على معاداة واضحة من الدول الغربية والنظام العربي الرسمي. ومثل هذا الكيان سيتم تصنيفه فوراً ككيان إرهابي وسيتعامل معه العالم على هذا الأساس. ولكن ما هو انعكاس ذلك على حماس والشعب الفلسطيني في القطاع؟ وهل يصب ذلك في صالح إسرائيل أم ضدها؟ في الواقع يبدو أن أمراً كهذا إن حصل – كما يرجح العديد من المراقبين في حالة المواجهة الشاملة – سيدفع بالوضع الفلسطيني في القطاع الى حافة الهاوية ؛ حيث سيستمر الحصار والتضييق والإذلال للمواطن الفلسطيني ولكن بصورة أشد ؛ ودون أن تتمكن حماس من توفير أدنى متطلبات الحياة الكريمة للمواطنين. كما سيتم استباحة القطاع من قبل إسرائيل قتلاً وتدميراً وتخريباً ؛ دون رادع عربي أو دولي وذلك بحجة مكافحة الإرهاب. وستجد الولايات المتحدة مبرراً للتلاعب بالساحة الفلسطينية بحجة مقاومة الطلبنة والإرهاب الأصولي ؛ أو أية تهم أخرى ذات بريق لامع ومقبول ؛ تقنع بها دول العالم التائهة والعاجزة والمشغولة بمشاكلها. ومن المتوقع أن يحيا الشعب الفلسطيني على الفتات الذي يقدم له من بقايا موائد اللئام حوله ؛ بما يقيه شر المجاعة وما لا يكفيه ليرفع رأسه ويفكر في التحرير. وفي المحصلة يبدو غريباً أن تكون نتيجة حسم الصراع عسكرياً - سواءً "بانتصار" حماس أو هزيمتها - ضد مصلحة الحركة. حيث سيتم في كلا الحالتين دفع حماس الى الزاوية وستحشر بين مطرقة التفرد والإنتصار من جهة وسندان الهزيمة والإقصاء من الجهة الأخرى ؛ بالفعل وضع لا تحسد عليه حماس. وفي كل الأحوال لا يصب الإقتتال الداخلي في صالح أي فئة من فئات الشعب الفلسطيني الشريفة ؛ بل في مصلحة إسرائيل والمعسكر المعادي للشعب الفلسطيني. لذلك فإن على حماس أولاً أن تعي تلك الحقيقة ؛ ثم على فتح ثانياً أن تعي هذا الأمر وأن لا تسمح لأحد بأن يخوفها بحماس أو يدعي زوراً وبهتاناً أن حماس تعمل على استئصال فتح. وعلى الطرفين أن يبذلا جهوداً مخلصة للوصول الى حلول وسط ؛ تكفل تحقيق أقصى درجات الأمن للمواطنين ؛ وتضمن مصالح جميع الأطراف.

إنه مما لا شك فيه أن استمرار الإقتتال الداخلي يعتبر في مصلحة إسرائيل والغرب كما أن "انتصار" فتح أو حماس أيضاً هو مصلحة أكيدة لإسرائيل والمشروع الأمريكي. أما المصلحة الفلسطينية فإنها تستدعي التوافق على برنامج وطني قادر على توحيد صفوف الشعب الفلسطيني بقياداته وإمكانياته وأبنائه ؛ وحشد الجميع في خندق واحد ؛ لمواجهة الأخطار المحدقة بالمشروع الوطني. وأؤكد مرة أخرى أن الطريق لتحقيق ذلك هو بالحوار المخلص والجاد والمتكافئ ؛ دون تخوين أو اتهامات أو تشهير لأن جميع الشرفاء والمخلصين هم في دائرة الإستهداف. وعلى القيادات الفلسطينية حسم أمرها في هذا الإتجاه ؛ والتخلي عن التفرد والإقصاء ؛ وعدم التعويل على الولايات المتحدة وحلفائها لأنهم لو أرادوا لنا الخير لأجبروا إسرائيل على الإنسحاب من أرضنا ؛ ولما وقفوا سداً منيعاً في وجه تطبيق حق العودة حسب القرارات الدولية. إلا أن الكل يعلم ويقر بأن أمريكا لا تريد لنا الخير ؛ وبالذات على حساب الولاية الأمريكية الشرق أوسطية التي تسمى إسرائيل ؛ فهل يقضي المنطق أن نُغمض عيوننا ونُغيب عقولنا ؛ ونقبل بعد ذلك أن نتجرع السُم الذي تقدمه لنا هذه الدولة الظالمة والطاغية!!! - مفتاح 28/9/2007 -

 
 
اقرأ المزيد...
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required