مفتاح
2025 . الأحد 25 ، أيار
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 


"لماذا لا يتغنى شعري بالأحلام والأوراق والبراكين الجبارة في مسقط رأسي؟ تعالوا إذاً انظروا الدم في الشوارع تعالوا انظروا الدم في الشوارع تعالوا انظروا".

بابلو نيرودا/ تشيلي

هل يمكن للشعر في عالم يضج بالعنف أن يخلو من العنف؟ طرحت هذا السؤال، وحاولت الإجابة عليه، من خلال ورقتي المقدمة، إلى اللقاء العالمي السادس للشعراء، الذي نظمته جامعة كويمبرا/البرتغال، بتاريخ: 24-27 أيار 2007، والذي ينعقد هذا العام بمناسبة مرور 250 سنة، على وفاة الشاعر البريطاني "وليم بليك".

من خلال شعرهم، أجاب شعراء العالم على هذا السؤال. منهم من وصف العنف، ومنهم من حث على مقاومة العنف، ومنهم من تحدث عن نتائج العنف، وبعضهم ربط بين مقاومة العنف وتحقيق السلام الإنساني.

نجد وصفاً للعنف، في كلمات الشاعر التشيلي، بابلو نيرودا. يصف الشاعر بابلو نيرودا العنف، ليس من خلال مضمونه فقط؛ بل من خلال مفرداته اللغوية، ومن خلال التكرار، ومن خلال فعل الأمر، والإجابات القاطعة كحد السيف. وكلمات نيرودا تحمل إدانة للعنف من خلال وصفه.

وبالنسبة للشعراء العرب، والشعراء الفلسطينيين بالذات؛ تتالت النكبات والمآسي، وخاصة مع تشريد الشعب الفلسطيني وتهجيره عام 1948، ثم هزيمة عام 1967م، حيث أحس الشعراء بعنف الهزيمة النفسي والاجتماعي والسياسي. وجد بعضهم نفسه مهجراً لاجئاً، وبعضهم غريباً في وطنه؛ الأمر الذي جعلهم يعبرون عن إحساسهم بالغربة، واللجوء، واليأس والمنفى، والخيمة، كما جعلهم يعبرون عن ضرورة مقاومة العنف بكافة الأشكال، وتقديم النفس رخيصة في سبيل الدفاع عن الوطن.

وبعد تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1965م، وظهور المقاومة المسلحة، وامتدادها بعد هزيمة عام 1967م؛ أضيفت مفردات شعرية ذات رنين قوي وسريع وعنيف، مقابل عنف الهزيمة، تعبر عن الكبرياء، والاعتزاز، ومقاومة العنف، مثل مفردات: البندقية، والرشاش، والفدائي، والنصر، والتي جسدت أمل الشعراء وتوقهم إلى الحرية. ولقب الشعراء الذين يكتبون شعراً مقاوماً للعنف: "شعراء المقاومة".

حاول الشعراء الفلسطينيون أواخر الستينيات، والسبعينيات، أن يخلِّصوا شعرهم من الخطابية، والغنائية، والتعبير السياسي المباشر، استجابة لصرخة الشاعر "محمود درويش": "أنقذونا من هذا الحب القاسي". أما درويش، فقد واصل تطوير أدواته الفنية، ليصل بالقصيدة العربية إلى القصيدة العالمية، في حسها الإنساني الجمالي.

يجد مفهوم مقاومة العنف، تجسيده في الشعر الذي يستخدم مفردات العنف، مثل قصيدة "سأحمل روحي على راحتي"، للشاعر الفلسطيني الشهيد عبد الرحيم محمود، عام 1948م، والتي أثرت في أجيال فلسطينية متتالية.

كما نجد ذات المفردات، في شعر الشاعر السوري نوار قباني، الذي حوله عنف هزيمة عام 1967م، من شاعر حب بامتياز، إلى شاعر سياسي: "من شاعر يكتب شعر الحب والحنين/ لشاعر يكتب بالسكين".

وهناك من الشعراء، من يطرح مفهوماً سلمياً، لمقاومة العنف، كما نجد لدى الشاعر "إبراهيم طوقان"، في قصيدته التي كتبها عام 1929م، التي وجهها ضد عنف كبار الإقطاعيين. "حبّذا لو يصومُ منا زعيم مثلُ (غاندي) عسى يفيد صيامُه". من خلال قصيدته، يطرح الشاعر حلاً سلمياً لمقاومة العنف، يستنهض قوى الشعب الذاتية، وطاقات الإنسان الداخلية، ويعزز قدرته على الصمود، والمقاومة.

ومقابل هذا الشعر الذي يصف العنف، أو يمجد مقاومة العنف؛ نجد شعراً يتحدث عن نتائج العنف على النفس الإنسانية. منه ما يقف عند حدود الوصف، ومنه ما يتعداه إلى النقد والتحليل. يتبين أثر عنف حرب 1967م، على الشاعرة فدوى طوقان، من خلال قصيدتها "صديقي الغريب"، وعلى الشاعر محمود درويش، من خلال قصيدته: "يوميات جرح فلسطيني".

من خلال شعر محمود درويش، ضمن تلك المرحلة التاريخية؛ يتكثف العنف، وتتخلل مفرداته أبيات القصيدة، كما نحس ذلك العنف، من خلال إيقاع القصيدة الحاد والسريع، الذي يمتزج مع العاطفة الجياشة.

كما نجد تعبيراً عن نتائج العنف، في قصائد للشاعرين: "خليل حاوي"، و"أدونيس". يعبر الشاعر اللبناني خليل حاوي، عن إحساسه بقرب هزيمة حزيران 1967م، وتنبئه بها؛ كما يعبر الشاعر أدونيس، عن إحساسه الفاجع بالأمة العربية، بعد الهزيمة، من خلال إيقاع حزين مأساوي.

من خلال قصيدته، التي اعتمدت على أسطورة لازاروس؛ لا يرى الشاعر بصيص أمل في انبعاث الأمة العربية؛ الأمر الذي يجعل لازاروس، يطلب من حفار الموتي، أن يعمِّق الحفرة، ليؤكد موته، على العكس من الأسطورة، التي يبعث فيها، مستخدماً المفردات التي تدلل على نتائج العنف.

أما أدونيس، فيصوّر هزيمة الأمة العربية، وتحولها إلى جثة هامدة، من خلال قصيدته: "هذا هو اسمي"، حيث لا يبقى سوى الجنون. في كتابتي الشعرية، عبرت عن رفض العنف، من خلال وصف تأثيره على الإنسان. في قصيدة بعنوان "قوس قزح"، عبرت على لسان مجموعة من الشهداء، من مختلف الأعمار والبلدان، عن العنف الذي وقع عليهم، وسرق حياتهم، وعن رغبتهم العميقة، في تحقيق الأمان الإنساني:

نلاحظ في الجزء الأول من القصيدة، وفي مقطع "محمد الدرة"، وجوداً مكثفاً للعنف، مع استخدام مفردات الأمان الإنساني. بينما نجد أن بعض مفردات العنف، في المقطع الثاني: (أرمي) (أقنص)، استخدمت للخلاص من العنف. ويلاحظ وجود تكرار في المقطع الثاني، للتأكيد على التغيير: (هنا) (أقسم)، وأن التكرار يقل حيناً، ويتلاشى أحياناً، حيث يغيب العنف ويعلو الحس الإنساني. لم تتوقف نكبات الشعب الفلسطيني، بعد اتفاقيات أوسلو، وعودة بعض الشعراء إلى وطنهم. أضاف السلام المنقوص خيبة جديدة إلى خيباتهم. عبر الشعراء الشباب عن مشاعرهم بصدق، وركزوا على آثار عنف الهزائم المتتالية على أنفسهم ومحيطهم، بشكل صريح دون أن يقحموا الأيديولوجيا، أو التفاؤل الساذج، ضمن كتاباتهم. وحلموا بتحقيق العدالة الإنسانية المفقودة.

نجد أفضل مثال على مواجهة العنف بمفهوم جديد إنساني، وبأدوات جديدة، لدى الشاعر محمود درويش. في قصيدته بعنوان: "فكِّر بغيرك": وانت تُعِدُّ فطورك، فكِّرْ بغيركَ/ ]لا تنس قوتَ الحمامْ[. يقاوم الشاعر العنف المكثف على شعبه، مستخدماً مفردات السلام. لا يتحدث الشاعر عن ميدان قتال؛ بل يتحدث عن الإنسان العادي، في حياته اليومية، وفي صلته مع الآخر، في كل بقاع الأرض، ضمن موسيقا شعرية تخاطب الجانب الإنساني لدى البشر كافة.

faihaab@gmail.com - مفتاح 4/6/2007 -

 
 
اقرأ المزيد...
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required