وعندما اكتشف الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، بعد توقف العمليات الحربية، وفي لحظة صفاء نادرة، انه يتحمل المسؤولية كاملة عن الهزيمة، معلنا تنحيه عن السلطة، هبت الناس في كل الشوارع العربية لتؤكد استعدادها لكل التضحيات في سبيل قلب المعادلة. ومن هنا نشأت تلك العملية المعقدة بين سلطات تعتبر ان دورها الاساسي البقاء في السلطة، وبين جماهير مستعدة للتضحية من أجل القضية. فالأنظمة المهزومة في حزيران اعتبرت أن إزالة آثار العدوان تتيح لها ان توظف كل الطاقات، وان تعتمد كل السبل من اجل الاستمرار. وتحولت لاءات الخرطوم الشهيرة، ومن بعدها جدار الصواريخ وحرب الاستنزاف وحرب التحرير الشعبية واعلانات دعم المقاومة الفلسطينية في الاردن ومن ثم لبنان، وشعارات الصمود والتصدي والتوازن الاستراتيجي الخ... تحول كل ذلك آليات حكم فعلية في الداخل. تارة تحت شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» وطوراً الدفاع عن الشعور القومي المهدد. في ستينيات القرن الماضي، وقبلها، لم تكن انظمة الحكم العربية تمكنت بعد من القضاء قضاء مبرما على التشكيلات الداخلية، في كل من بلدانها. كانت لا تزال قوى مجتمعية تحاول ان تبقى جزءا من الوطن، بكل تعدده واحلامه، وايضا جزءا من المعركة على اسرائيل. ولا تزال قادرة على المطالبة بالمحاسبة. فهي، اذن، الوجه الآخر للعدوان. فكان لا بد من تفكيك هذا المجتمع المدني. حال الطوارئ الاستثنائية تحولت قانونا دائما ما يزال ساري المفعول في بعضها، والمحاكم العرفية العسكرية جاهزة لمقاضاة اي تململ في هذا المجتمع. وحلت اجهزة الاستخبارات، عسكرية وعامة او تابعة لسلاح الجو او الرئاسة، محل الاحزاب والنقابات والتعاونيات والهيئات المجتمعية. وبات كل منتج، في الصناعة والزراعة والفكر، خاضعاً لأحد هذه الاجهزة التي تتداول الولاءات. واحتجز كل تقدم في التنمية والاجتماع والتعليم في الداخل. لقد باتت وظيفة المجتمع المدني خدمة الحاكم. وتسلط الحاكم واستبد في تسلطه، ليفرغ البلد من كل احتمال تداول سلمي. وليقضي على كل المنادين بالمحاسبة. فهجر الصناعيون والزراعيون ومنتجو العلم والفكر، او تم تحييدهم ليدبجوا الشكر للقيادة الحكيمة. وانتج الفراغ المنتج، فراغا سياسيا وفكريا، وضعفا شديدا في قدرة المجتمع على المقاومة. وهذا الفراغ الذي افتعلته الانظمة المهزومة استغلت فيه ايضا اكثر الفئات المنغلقة اجتماعيا لتواجه بها ما بقي من إرهاصات في المجتمع المدني. وفيما الاستبداد يتحول الى غول يتعامل مع كل تقدم تنموي ومجتمعي وسياسي بوصفه عدوا خطيرا يكمل اهداف عدوان حزيران، بوسائل جديدة، وفيما يزداد الفقر وينهارالتعليم وتتوسع البطالة، لم تعد طبقة المنتفعين من النظام تجد حرجا في التعامل مع المال العام كجزء من موازنتها الشخصية. في هذا السياق، نمت الاصولية. وفي هذا السياق ايضا اندلعت مجموعة من الحروب الاهلية، بدءاً من سورية فمصر فالجزائر، لتعمم لاحقا على بقية البلدان عنفا وإرهابا. لم تكن حرب 67 مجرد احتلال أراض عربية وتمدد لاسرائيل. كانت ايضاً مبرراً للاستبداد والتسلط والقضاء على المجتمع العربي. لم تكن نكسة فحسب. لقد كانت كارثة على الشعوب العربية. قبل اربعين عاما كان الخيار بين نظام عسكري انقلابي وبين نظام ديموقراطي تعددي. وفي زمننا الراهن، بات الخيار بين الحاكم المستبد وبين الاصوليات والحروب الاهلية. - الحياة 5/6/2007 - اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|