كيف يفهمون "حق العودة"؟ إنَّهم يفهمونه على أنَّه حلٌّ لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين "قد" يُتَرْجَم بعودة (فعلية) لملايين اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضٍ هي الآن "جزء لا يتجزأ" من إقليم "دولة إسرائيل"، التي تصرُّ على أن تغدو "أكثر يهودية" في ميزانها الديمغرافي. ويفهمون هذا الحل على أنَّه حلٌّ يمكن ويجب التوصُّل إليه عبر التفاوض السياسي مع إسرائيل، وعبر الاتِّفاق معها بالتالي. ولَمَّا كان ميزان القوى التفاوضي لا يسمح أبدا بالتوصُّل إلى حلٍّ كذاك الحل قالوا بانتفاء "واقعيته السياسية"، فليس من شيء لدى الفلسطينيين والعرب يمكنه أن يُكْرِه "المفاوِض الإسرائيلي" على هذا "التنازل"، أو يغريه به. إنَّنا معهم في أنَّ "الواقعية السياسية"، التي هي بالنسبة إلى الفلسطينيين الآن شرط بقاء، تَنْبُذ، وتُجبرنا على أن ننبذ، هذا "الوهم الخالص"، وهو اتِّخاذ التفاوض السياسي مع إسرائيل سبيلا إلى حلٍّ لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يقوم على تنفيذ ذلك القرار الدولي؛ ولكنَّ "الواقعية السياسية" ذاتها لا تسمح لا لـ "المفاوِض الفلسطيني"، ولا لـ "المفاوِض العربي"، بـ "هدم حق العودة"، وبابتناء حلٍّ لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين من "أنقاضه"، فالحل من خلال التفريط في "حق العودة" ليس بأقل استعصاء (في ميزان "الواقعية السياسية" ذاتها) من الحل الذي يقوم على الاستمساك "الحرفي" بـ "حق العودة". هذا هو "الوجه الثاني" لـ "الواقعية السياسية"، والذي طالما أظهروا مَيْلا إلى النأي بأبصارهم وبصائرهم عنه، فهل من "وجه ثالث"؟ أجل، ثمة "وجه ثالث"، فإذا كان ميزان القوى التفاوضي لا يسمح للفلسطينيين (والعرب) بالتوصُّل إلى حلٍّ لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين بما يتَّفِق مع قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة (الرقم 194) فَلِمَ لا يسعون إلى الجَمْع بين أن يظلوا على استمساكهم بـ "حق العودة" وأن يحلوا من تلك المشكلة ما يمكنهم حله الآن؟ إنَّني أرى "وجها ثالثا" لـ "الواقعية السياسية" يكمن في هذا السؤال. دعونا نبدأ، توصُّلا إلى ذلك، ممَّا اتَّفَق عليه "المفاوِض الفلسطيني" و"المفاوِض الإسرائيلي" مبدئيا في هذا الشأن. لقد اتَّفقا (مبدئيا) على أمرين: أن تسمح إسرائيل بعودة نحو 150 ألف لاجئ فلسطيني (من لبنان، أو منه في المقام الأوَّل) إلى ديارهم في إقليم دولتها، وأن تقوم "الدولة الفلسطينية (في الضفة الغربية وقطاع غزة)" بوصفها "دولة الفلسطينيين جميعا"، فيحق لها، بالتالي، أن "تُوطِّن" في إقليمها كل لاجئ فلسطيني يرغب في ذلك. ودعونا نبدأ، أيضا، من المزاوجة، ولو جزئيا، بين اتِّفاق آخر ممكن هو الاتِّفاق على "تبادل للأراضي (متكافئ كمَّاً ونوعاً) وبين حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين بما يضيف معنى آخر إلى "ممارَسة حق العودة". الانطلاق من هذا وذاك إنَّما يعني أنَّ شيئا من "حق العودة" قد تحقَّق، أو مورِس، فجزء (ولو ضئيل جدا) من اللاجئين الفلسطينيين قد عاد إلى دياره (في إسرائيل) وجزء آخر عاد، أو يمكن أن يعود، إلى "أراضي إسرائيلية" ضُمَّت إلى إقليم الدولة الفلسطينية، عملا باتِّفاق "تبادل الأراضي". هذا "الحل"، وعلى ما يكتنفه من صعوبة إسرائيلية لم تُذلَّل بعد، لا يمكن أن يحظى بقبول فلسطيني عام، أو بقبول اللاجئين الفلسطينيين على وجه الخصوص، إلا إذا اشتمل على ما يمكن أن يجعل الفلسطينيين يفهمونه، وينظرون إليه، على أنَّه "مَدْخَلٌ" ليس إلا للحل النهائي والتام لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين. واحسب أنَّ "اتِّفاق السلام" بين الفلسطينيين وإسرائيل، والذي بموجبه تقام دولة فلسطينية، يمكن ويجب أن يشتمل على ما يؤكِّد أنَّ "الدولتين" تلتزمان "استكمال" حل ما لَمْ يُحلْ بَعْد من مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، عبر التفاوض والاتِّفاق، وعبر التعاون مع "المجتمع الدولي". "الدولة الفلسطينية" تقام أوَّلا، فيشمل إقليمها "كل" الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل في حرب حزيران 1967، أو "معظمها"، إذا ما أريد لـ "تبادل الأراضي (المتكافئ كمَّاً ونوعاً)" أن يكون جزءا من الحل لمشكلة "الحدود". ومع قيامها، تُحلُّ جزئيا مشكلة "حق العودة" من خلال عودة (ولو جزء ضئيل) من اللاجئين الفلسطينيين إلى إسرائيل، وإلى "أراضٍ إسرائيلية" ضُمَّت إلى إقليم الدولة الفلسطينية، عملا باتِّفاق "تبادل الأراضي". على أنَّ هذا "الحل الجزئي"، أو هذا "المَدْخَل" إلى "الحل النهائي والتام"، لمشكلة "حق العودة"، يجب أن يَقْتَرِن باتِّفاق فلسطيني ـ إسرائيلي، وإقليمي، ودولي، على نقل "المخيَّمات الفلسطينية (في الشتات)"، مع "حق العودة"، إلى أراضي الدولة الفلسطينية، فـ "حق العودة" يبقى؛ ولكن المخيَّمات في الشتات لا تبقى. اللاجئ الفلسطيني، في هذا "الحل الانتقالي"، ومن غير أن يتخلى، أو يُجبر على التخلي، عن "حقِّه في العودة"، ينتقل من مخيَّمه في الشتات إلى إقليم دولته. وهذا إنَّما يعني أن يعيش اللاجئ الفلسطيني حالا مشابهة لحال اللاجئ الفلسطيني في الأردن، فهذا اللاجئ عَرَف المزاوجة بين حقوقه بوصفه مواطنا أردنيا وبين الاحتفاظ بحقِّه في العودة. ولا شكَّ في أنَّ الدولة الفلسطينية "القابلة للحياة" يجب أن تلقى من دعم "المجتمع الدولي"، وبأوجهه كافة، ما يمكِّنها من أن تكون حلا لمشكلة المخيَّمات الفلسطينية في الشتات، ونقطة انطلاق لـ "اسْتِكمال" حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين "حلا نهائيا عادلا، يستند إلى قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة الرقم 194، ويُتَّفَق عليه (عبر التفاوض السياسي) بين الفلسطينيين وبين إسرائيل وآخرين".. وما يمكِّنها، بالتالي، من أن تكون دولة قومية للفلسطينيين جميعا. في هذا "الحل الانتقالي"، والذي لا يُفْقِد اللاجئ الفلسطيني المُنْتَقِل من مخيَّمه في الشتات إلى أراضي الدولة الفلسطينية حقه في العودة، يصبح اللاجئ الفلسطيني متمتِّعا ليس بـ "حقوق الإنسان" فحسب، وإنَّما بـ "حقوق المواطَنة" في الدولة الفلسطينية، التي بانتقاله إليها، وعلى هذا النحو، يَشْحَن حقُّه في العودة، والذي لم يتمكَّن من ممارسته بعد، بمزيد من "القوَّة الواقعية"، فبقاء المخيَّم في الشتات إنَّما يبقي اللاجئ واقعا بين مطرقة التهجير (أو الهجرة) إلى دول أوروبية (ودول أخرى) وسندان التوطين بصوره المختلفة. لقد حان للفلسطينيين أن يتخطُّوا جدلهم القديم والمألوف في "حق العودة"، وأن يتَّفِقوا، بالتالي، على أهميَّة وضرورة تمييز مسألة "حق العودة" من مسألة "المخيَّمات في الشتات"، فإنهاء تلك المخيَّمات من خلال نقل أهاليها إلى أراضي الدولة الفلسطينية هو البداية الفعلية والحقيقية لحل مشكلة "حق العودة" بما يزاوِج بين "العدالة الواقعية" و"الواقعية العادلة". وأحسب أنَّ التأسيس لدولة فلسطينية تملك من المقوِّمات ما يجعلها قابلة عمليا وواقعيا لأن تكون دولة للشعب الفلسطيني بأسره هو الطريق، أيضا، لحل مشكلة جزء كبير من الشعب الفلسطيني هو الفلسطينيون الذين تجنَّسوا بجنسيات عربية وأجنبية، فضمان حق كل فلسطيني من هؤلاء في "الجنسية الفلسطينية"، و"المواطَنة الفلسطينية"، سيؤدِّي، إن عاجلا أو آجلا، إلى أن يختاروا التجنُّس بالجنسية الفلسطينية. إنَّ إنهاء المخيَّمات الفلسطينية في الشتات هو وحده الذي يؤسِّس لحل نهائي لمشكلة "حق العودة"، لا إسقاط فيه لهذا الحق؛ ولكنَّه يذلِّل العقبات من طريق حلِّ الجزء الأعظم من مشكلة اللاجئين الفلسطينيين ضِمْن الدولة الفلسطينية. - مفتاح 11/6/2007 - اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|