مفتاح
2025 . الأحد 25 ، أيار
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 


قال أحد الفلسطينيين المقيمين في غزة لإحدى الفضائيات العربية معقباً على الاقتتال الدامي بين حركتي فتح وحماس: “الفصائل المسلحة والميليشيات باتت تشكل عبئاً على الشعب الفلسطيني، يجب أن يتركونا لشأننا ويرحلوا”.

قال آخر: “هؤلاء ليسوا فلسطينيين، إنهم يخدمون العدو “الإسرائيلي””. بينما مجموعة من المقاتلين الذين استولوا على أحد المقار الرئيسية للأمن الوقائي في غزة: سجدوا لله وصلوا من أجل “الانتصار” الذي حققوه.

الاقتتال انتقل من غزة إلى مدينة نابلس في الضفة الغربية. الرئيس الفلسطيني محمود عباس قال: “هذا جنون، إن ما يحدث يتحمل مسؤوليته كل من يحمل بندقية”. ثم سحب وزراءه من الحكومة الفلسطينية.

المتابعون ومراسلو وسائل الإعلام لا يعتقدون أن الأمور ستهدأ، وإن هدأت، لن يتوقف مسلسل الاغتيالات، ثأراً وتخريباً وقتلاً.

تم “تتويج” هذه المعارك وهذا الحراك المسلح بسيطرة حركة حماس على قطاع غزة، ولم ولن يجدي نفعاً، قرار الرئيس محمود عباس إقالة هنية وإعلان حالة الطوارئ.

رئيس الوزراء (المخلوع) هنية رفض القرار، وقال بعد خطبة الجمعة إن الشعب سيلحظ تغيراً في القطاع لناحية الأمن وطالب بحماية البيوت والوزارات والمؤسسات، انطلاقا من أن عناصر حماس باتوا يسيطرون بشكل كامل على الأمن في القطاع.

حركة فتح في المقابل، بدأت تطهير الضفة الغربية من وجود حركة حماس، وبالتالي صرنا أمام إقليمين منفصلين، القطاع لحماس والضفة لفتح، وهو أمر في غاية الخطورة.

إن ما يزيد الأوضاع سوءا، تصريح كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية بشأن دراسة أفكار حول نشر قوات دولية في قطاع غزة، الأمر الذي رفضته حركة حماس جملة وتفصيلا، وهذا قد يهيئ الأجواء إلى سيناريوهات مختلفة:

* الأول: إصدار قرار من مجلس الأمن لنشر قوات دولية في القطاع، وتحويل القطاع لعراق آخر، بمعنى أن حركة حماس ستعمل على محاربة “المحتلين الجدد”.

* الثاني: قيام جيش الكيان الصهيوني باجتياح قطاع غزة، والتخلص من حركة حماس نهائيا.

ومن منظور شخصي، لا أرى بأن أمريكا ستعمل على نشر قوات دولية، ولكن ستسعى إلى نشر قوات عربية، ولا أرى بأن الجيش الصهيوني سيقوم باجتياح كامل لقطاع غزة، لأنه سيكون أمام استحقاقات عملية السلام، وهي المرحلة التي ترفضها حكومة الاحتلال الصهيوني، أي أن الحكومة الصهيونية ستعمل على إبقاء حالة التوتر قائمة بشكل أو بآخر، حتى يستمر النزيف الفلسطيني.

لم تكتمل فرحة الفلسطينيين باتفاق مكة ووقف الاقتتال، وعادوا إلى حياة الرعب والقلق والخوف من المجهول، بل ستزيد من الآن فصاعداً عمليات الاختطاف والقتل والإعدامات المتبادلة وقصف المقار الرئيسية. باختصار عاد الفلسطينيون إلى حياة البؤس والفقر. وحين تسأل لماذا، لا أحد يجيب. وقد سمعت أحد المذيعين يسأل ممثلا عن حركة فتح، وآخر عن حركة حماس: على ماذا تتقاتلون؟ المذيع لم يحصل على إجابة، ولن يحصل عليها، لأنهم في الواقع يتقاتلون من أجل سلطة غائبة، ومن أجل أرض محتلة، ومن أجل سيادة منقوصة. ومن أجل مناصب ومسميات ومناطق نفوذ. كثيرون قالوا: بتنا نخجل من كوننا فلسطينيين.

حين يتوقف الفلسطينيون عن الاقتتال، يبدأ الجيش اليهودي بالقتل، يجتاح هنا، ويعتقل ويحرق ويدمر هناك، لكن المفارقة، أنه لا يقابل بأي مقاومة، وهؤلاء المقاتلون الأشاوس، يختفون كالملح في الماء، بينما يخرجون كالصناديد، حين يواجهون بعضهم بعضا.

في أدبيات حوارنا مع الغرب، مع الإدارة الأمريكية على وجه الدقة، نقول لهم: عليكم أن تحترموا خيارات الشعوب، والشعب الفلسطيني اختار حكومته، حماس أو فتح، لا فرق، لقد اختار والسلام، ولكن، هل بمقدورنا الآن مطالبة الغرب باحترام نتائج العملية الديمقراطية، في الوقت الذي لا يحترمها الفلسطينيون أنفسهم، والفصائل ذاتها. ثم إن من يدعو لحكومة وحدة وطنية، عليه أن يحترمها، ومثل هذه الحكومة يجب أن تترجم على الأرض، إذ لا يجوز أن تكون هناك حكومة موحدة، وتبقى الأجهزة الأمنية متشرذمة، ويبقى الفلتان سيد الموقف.

يبدو أن هناك جهات مستفيدة من واقع الاقتتال، وهي جهات لا ترغب في استتباب الهدوء، لأنها تخسر مواقعها أو تجارتها أو اتصالاتها، وهي جهات ربما تنفذ مخططات لا علاقة للشعب الفلسطيني بها، ولا تصب أصلا في مصلحة الشعب الفلسطيني، هذا الشعب الذي لا يدري كيف سيتدبر أموره، شهور طويلة من دون رواتب، ومن الاقتتال، والفلتان والرعب والسرقات، فماذا تبقى له، وماذا يطمح اللص أن يسرق من إنسان معدم؟

الاقتتال الفلسطيني ليس ظاهرة جديدة، كانت فكرة مزدهرة خلال وجود الفصائل في لبنان وقبلها في الأردن، كانت تحدث انشقاقات واقتتال واغتيالات، ومنها ما اتسم بالعنف والتصفية، كما حدث حين انشق أبوموسى زعيم “فتح الانتفاضة” عن حركة “فتح أبوعمار”، هكذا يسمونها، لكن العنف الذي اتسمت به المعارك في غزة لم يسبق له مثيل، إنه معزز بالحقد والثأر والعداوة والكراهية، إنه ليس دفاعا عن النفس، ويكاد يعتقد الجميع أنهم يجاهدون في سبيل الوطن والله، وهذا لعمري أشد حالات الجهل والخيانة والرعونة، وقمة الفلتان السياسي والعسكري والأمني والأخلاقي. إنهم يعرضون الشعب في غزة والضفة الغربية إلى مزيد من الفقر، الإحصائيات تقول إن أكثر من 70% من الشعب الفلسطيني يعيشون تحت خط الفقر، وديون الناس وصلت إلى أكثر من 750 مليون دولار.

المسألة الفلسطينية في حاجة إلى مراجعة شريفة ووطنية، تضع المصلحة الفلسطينية فوق أي اعتبار، والمصلحة العربية في صميم الأولويات، ولا بد من توضيح الأمور والاستراتيجيات والأهداف.

العرب، ماذا يريدون، هل هم مع التوجه السلمي أم مع المقاومة، ولماذا يدعمون طرفا على حساب طرف؟ ولماذا هذا التراخي في دعم القضية الفلسطينية ذاتها، ولماذا هذا التجاهل نحو حق العودة للاجئين؟ ولماذا يواجه الفلسطيني كل هذه الصعوبات في تنقلاته وإقاماته وعمله، وغيرها في كل بلدان العالم، وأهمها الدول العربية؟

هنالك رابح واحد في كل هذه المعارك، وفي كل هذا الواقع المزري، إنه الاحتلال الصهيوني لفلسطين، والاحتلال الأمريكي للعراق، واحتلال الفوضى والجهل للجزائر، فإلى متى سيبقى الحوار للمدافع والرشاشات، وإلى متى سيبقى العقل العربي مغيباً؟ أسئلة كثيرة ومريرة، قد تكون إجاباتها سهلة، إلا أنها ليست كذلك بالتأكيد.

إن كل عربي مستهدف، والحضارة ذاتها مستهدفة، والعقيدة مستهدفة، والتنمية أيضا ليست بعيدة، وهناك عملية متواصلة من الابتزاز والتخويف والترهيب والترغيب، لكن المستقبل إن بقيت الأوضاع على حالها، سيكون قاتما، وسيندم كثيرون يوم لا ينفع الندم.

ليس أمام العرب سوى إعادة مراجعة سياساتهم نحو حلفائهم، ونحو عدوهم المشترك، ومخطئ من لا يظن بأن الكيان الصهيوني ليس هو العدو الرئيس والمشترك، فبسببه يحدث ما يحدث في فلسطين، وفي أي بلد عربي. - الخليج 18/6/2007 -

 
 
اقرأ المزيد...
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required