ربما هذا السؤال كان من المفترض ان تسأل نفسها قيادة حركة حماس عندما قررت وعن سابق تصميم وإدراك بالانقلاب على الشرعية التي هي جزء منها ، والتنكر للاتفاقات التي وقعتها في مكة برعاية عربية ، هذا الاتفاق الذي ضمن لها المحاصصة السياسية والإدارية والمالية بالسلطة الوطنية الفلسطينية ، وكاد لو إنها لم تستعجل الأمور ان تضمن حصة كبيرة من المحاصصة في م.ت.ف. وبالتالي تفتح أمامها أبواب الانخراط الكامل بالنظام السياسي الفلسطيني وتصبح جزء من شرعيته العربية والدولية التي طالما سعت لنيلها وترسيم نفسها كجزء من المعادلة الإقليمية والعربية . بيد ان بعض التحليلات التي ذهبت إلى اعتبار ان قرار حماس قد تورطت به قيادتها جراء تطرف بعضها او جناحها العسكري وسيطرة النهج التكفيري لديهم ، هذه التحليلات والاستنتاجات قد حسمتها المواقف الرسمية التي عبر عنها السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في مؤتمره الصحفي الذي عقده في دمشق وحاول تبرير الانقلاب ووصفه بالاضطراري ، لكن ما أكده وهو الأهم بأنه قرار سياسي، واتخذ على أعلى مستوى أي المكتب السياسي ومجلس شورى الحركة ، وجرى الإعداد له منذ فترة طويلة كما بينت نتائج المعركة على الأرض والسياقات التي مرت بها عملية الانقلاب والاستيلاء على غزة، إذ إنها بينت بوضوح ان هذه الترتيبات قد جرى العمل عليها منذ سنوات أي ما قبل الانتخابات وما بعدها وقبل وبعد اتفاق مكة وحكومة الوحدة الوطنية التي جاءت كنتاج لاتفاق مكة. وبالتالي القرار لم يكن اضطراريا بل كان معدا له سلفا وعن سابق ترصد وإصرار ، بهدف خلق وقائع مادية على الأرض تفتح الأفاق للهيمنة على النظام السياسي الفلسطيني وبدءَ السيطرة على غزة وإقامة دولة دينية فيها، وكذلك الانفتاح على أكثر من خيار سياسي ارتباطا بظروف ومعطيات إقليمية ودولية . غير ان الذي لم يقله السيد خالد مشعل ان القرار لم يكن حمساويا مائة بالمائة ، وانه جرى وبكل تأكيد بعد مشاورات واتفاقات إقليمية ان لم يكن بتعاون وتنسيق تتابع فيه كافة حلقات الإعداد والتحضير لهذا الانقلاب على الأقل من حيث الجوانب السياسية والمستلزمات المادية والتدريبية، الأمرالذي عكسه أداء قوات حماس ومليشياتها في قتالها واقتحامها للمواقع الشرعية للسلطة الوطنية التي انقلبت عليها . وبدون الدخول في تكهنات واستنتاجات كثيرة فإن ما قاله السيد خالد مشعل يكفي لقراءة السيناريو اللاحق لعملية الانقلاب ، من حيث الدعوة للحوار ومن خلال حاضنة عربية ، تسعى لتكريس أولا ما حدث فعليا على الأرض ، أي وجود شرعيتين ، شرعية في غزة تستند إلى واقع مادي ملموس ، وشرعية أخرى في رام الله يمكن منازعتها عليها ، والدخول معها في مفاوضات بهدف الوصول إلى إعادة صياغة النظام السياسي الفلسطيني برمته بما في ذلك وضع منظمة التحرير الفلسطينية وهو ما عكسته بالضبط صيغة ورقة الثمانية نقاط التي سلمتها حماس للوفد الأمني المصري قبيل حسم الصراع بيوم واحد . الدخول في المفاوضات والحوارات تكسب حماس شرعية ما تم وبالتالي تمكنها من موقع القوة إملاء ما تريد ، ومعها الوقت الطويل للتفاوض على قاعدة ما عندي لي وما عندك نتفاوض عليه ، علاوة على انه إذا ما نجحت فكرة استدراج الرئيس عباس للحوار يكون قد تكرس عربيا أيضا شرعية ما تبقى من حكومة السيد إسماعيل هنية .وبذلك يخلق وضع لا يعزز فقط قوة حماس وإنما يخلق وضعا إقليميا يعزز من الأوراق التفاوضية لإيران وسوريا في صراعها المكشوف مع الولايات المتحدة الأمريكية حول مجمل القضايا المختلف عليها . هذا السيناريو المعلن عنه والذي يعكس جوهر تفكير المخططين وصانعي السياسة لدى قيادة حماس يبدوا انه قد غاب عنهم ، ان الرئيس محمود عباس ليس من الضعف بمكان ليقبل محاولات الإملاء عليه بفعل انقلاب مدبر بهذه الطريقة الساذجة او/و ربما ذهب بهم الوهم لحد الاعتقاد عدم قدرته على استخدام الأدوات الشرعية والدستورية التي هي سلاح يحمي المشروع الوطني، قبل ان يحمي شرعية وجوده ، ومن هنا فإن محاولات البعض الالتفاف على ما جرى في غزة ووصفه تارة بالحدث العنيف، او بحسم الخلاف بالسلاح، او باللجوء للقوة، او العودة للحديث عن الاقتتال بين طرفين ، إنما هو محاولة لتجهيل الفاعل والقفز عن حقيقة ان هناك انقلابا قد وقع على الشرعية ، وهذا الانقلاب نفذته قوة سياسية شريكة بالحكم وعبر مليشياتها المسلحة ، وهي بالمناسبة ليست المرة الاولى التي تنقلب فيها قوة سياسية وصلت للحكم بطريقة ديمقراطية على النظام الديمقراطي في بلادها فقد حدث ذلك في ابخازيا في جمهورية جورجيا ، وفي إقليم بيافرا بنيجيريا ، وفي قبرص عام 1975 عندما قام المتطرفون القبارصة اليونان بالانقلاب على الأسقف مكاريوس ، والنتائج معروفة للجميع بمعنى ما حل بالانقلاب والانقلابيين . ومن هنا فإن قيادة حماس في لجوءها لهذا الخيار وهو خيار انتحاري قبل كل شيء ، لم يسئ للحركة فحسب ، وإنما للإسلام السياسي في المنطقة والعالم ووضع إشارة استفهام كبيرة أمام ما كان يشاع عن إمكانية التحول الديمقراطي لقوى الإسلام السياسي وانخراطها الفعال به من موقع التسليم بالقواعد الديمقراطية وانتقال السلطة وتداولها ، والاهم من كل ذلك الإقرار بالديمقراطية كخيار وسلوك وليس سلما للصعود للسلطة ، او تذكرة سفر باتجاه واحد للوصول للسلطة فقط . ما أقدمت عليه حركة حماس من انقلاب الآن اضر بسمعة ومصداقية هذه الحركة التي كان من الممكن ان تكون قوة سياسية رئيسية في الحياة السياسية الفلسطينية من موقع ايجابي وبناء ، والآن فقد تحولت إلى مواقع الفعل غير البناء في النظام السياسي، ووضع أيضا علامة استفهام كبيرة على قدرتها ان تكون شريكا لأي طرف سياسي فلسطيني بما في ذلك حركة الجهاد الإسلامي التي تلتقي معها ايدولوجيا وتختلف معها من حيث المنهج والاساليب. لقد كشفت الأيام اللاحقة للانقلاب توجه قيادة حركة حماس لترسيخ نظام ديني شمولي في قطاع غزة من خلال الدعوات التي أطلقها بعض قادتها من( استئصال العلمانية والزندقة) من قطاع غزة ، وربما ما أشار له السيد مشعل في مؤتمره الصحفي يعكس صورة أخرى للحل الذي يراه من خلال ما أطلق عليه حكومة مركزية واحدة ، بمعنى ان يكون هناك حكومتان واحدة في الضفة وأخرى بقطاع غزة تحت سيطرة حماس ، أي ان التفكير بصورة حل فدرالي ، او صيغة كونفدرالية بين الضفة وقطاع غزة . وهذه الصيغة لا تبتعد كثيرا عن المشروع الذي صاغه السيد د.احمد يوسف مستشار السيد هنية قبل عدة اشهر مع وسطاء بريطانيين ونرويجيين وشخصيات أكاديمية إسرائيلية ، ان لم نقل انه لا يبتعد من حيث المضمون والجوهر عن ما كان يطلق عليه شارون بالحل الانتقالي طويل المدى، مع هدنة طويلة بدون دخول حماس في مفاوضات مع إسرائيل حول قضايا الحل النهائي ، وتحصر قضايا الحوار بالقضايا المطلبية والحياتية فقط . لقد أوصلت حماس الأزمة الفلسطينية إلى طريق مسدود ولم يعد هناك من خيارات مطروحة لضمان وحدة الشعب والأرض وتفويت الفرصة على الحلول الجزئية ، او الانتقالية طويلة المدى سوى بالعودة للشعب باعتباره مصدر السلطات ومنشئها ، وذلك عبر الدعوة لانتخابات تشريعية ورئاسية جديدة وعلى قاعدة نظام انتخابي يقوم على النسبية الكاملة ، يوحد الشعب ما بين جناحي الوطن ويسحب ذرائع الاستخدامات الإقليمية للقضية الفلسطينية ، ويعيدها لقضية حرية واستقلال وليست ورقة للاستخدام السياسي بيد هذا الطرف او ذاك ، كما ان الدعوة للعودة للشعب تضع الجميع أمام مسؤولياته للخروج من الأزمة ، وليس طريق الحوارات والمحاصصة الثنائية التي يدعوا البعض للعودة إليها ، والتي لم تنتج سوى مزيدا من الانقسام ولم تؤد إلا إلى تكريس الثنائية وحالة الانقسام التي تكاد تعصف بمستقبل القضية الوطنية والمشروع الوطني الفلسطيني ، ومن يرفض هذا الخيار خيار العودة للشعب يقدم نفسه وبصورة لا تدع مجالا للشك بأنه عازم على المضي بمشروعه الفئوي لتقسيم الشعب والأرض وتبديد كافة المكتسبات التي حققها شعبنا بتضحيات جسيمة، هذا المشروع الذاتوي الضيق لن يكون سوى ورقة في إطار صراع إقليمي لتحسن الشروط التفاوضية للاعبين الرئيسين فيه . مفتاح (6/20/2007). اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|