أولا: إن ما قامت به "حماس" ــ حسب زعم "حماس" وأنصارها ــ حتى لو تم وصفه بالانقلاب، فهو انقلاب اضطراري استهدف إجهاض مشروع الانقلاب الجاري الإعداد له من قبل محمد دحلان منذ اشهر عديدة، والذي كشفه خطة دايتون والدعم الأميركي ــ الإسرائيلي للرئيس والحرس الرئاسي والأجهزة الأمنية بشكل عام . وإذا افترضنا جدلا أن هناك انقلابا يجري اعداده ضد حماس، فهو انقلاب لا تعده السلطة كلها ولا الرئيس ولا كل الأجهزة الأمنية ولا يحظى بدعم حركة فتح لأنه لو كان كذلك لما استطاعت "حماس"، بكل هذه السرعة والبساطة، تحقيق هذا "الانتصار الباهر" الذي وصفته بالتحرير الثاني لقطاع غزة. فانهيار السلطة في غزة شبيه تماما بهزيمة الجيوش العربية في حرب حزيران، وسقوط بغداد. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فان وصول معلومات مؤكدة لـ"حماس" أو تقديرها بان هناك انقلابا يدبر ضدها لا يبرر لها أن تقوم بانقلاب استباقي، على أساس أنها ستتغذى بـ"فتح" والأجهزة الأمنية قبل أن يتعشوا بها. إن وجود وثائق ودلائل وتقديرات لدى "حماس" بوجود مؤامرة انقلابية يستدعي منها، وهي جزء من الشرعية الفلسطينية، وتترأس الحكومة اللجوء إلى الرئيس والحكومة والمجلس التشريعي والفصائل الأخرى والشعب، والأطراف العربية التي رعت المصالحة وساهمت بالتوصل إلى اتفاق مكة، وليس المسارعة إلى تدبير انقلاب دموي استباقي دللت وقائعه انه معد له جيدا منذ فترة طويلة. سواء كان هذا الإعداد بقرار من قيادة "حماس" أو بدون علمها، أو بتخطيط من جزء من قيادة "حماس" و"القسام" الذي لم يعجبه اتفاق مكة وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، وعبر عن هذه المعارضة علنا، في المجلس التشريعي وأمام عدسات التلفزيون وفي العديد من التصريحات والمقابلات. إن الانقلاب ليس مجرد خطأ عابر وإنما جريمة كبرى بحق الوطن والشعب والقانون، ينزع الشرعية عمن يقوم به، ويعرضه للمحاسبة، وبالتالي لا تنفع المحاولات التي حاولت أن تقزم الأخطاء التي ارتكبتها "حماس" وكأنها انحصرت برفع العلم الحمساوي على المؤسسات بدلا من العلم الفلسطيني أو أخطاء ميدانية ارتكبتها القيادة الميدانية. لو كان الأمر كذلك لكانت المسؤولية تفترض من إسماعيل هنية رئيس الحكومة المقالة أن يدين هذه الممارسات، لا أن يطالب في أول ظهور علني له بعد اختفاء دام أياما عديدة بان تعفو "حماس" عن المتورطين أو المطلوبين لديها، وكأنها المرجعية وليس الحكومة والقانون. ثانيا: إن ما جرى ــ حسب زعم "حماس" ــ هو إجراء من الحكومة لبسط سلطتها على القطاع، ومحاولة منها للتخلص من مراكز القوى التي عطلت قيام الحكومة بعملها، خصوصا إزاء تطبيق الخطة الأمنية، الأمر الذي أدى إلى استقالة وزير الداخلية، ويهدد إذا استمر بحدوث عواقب وخيمة. وبالتالي فان ما جرى هو مواجهة بين الحكومة ومجموعة من قادة الميليشيات أصحاب المصالح الخاصة الذين لهم ارتباطات وعلاقات بأطراف معادية تبدأ بإسرائيل، ولا تنتهي بكل طرف معادٍ للمقاومة والمصالح العليا للشعب الفلسطيني. مرة أخرى مثل هذه التبريرات ساذجة وسطحية ولا تقنع أحدا سوى الذين لهم مواقف مسبقة منحازة لـ"حماس"، لان الحكومة التي كانت قائمة عشية الانقلاب، حكومة شرعية، حكومة وحدة وطنية وليست حكومة حركة حماس وحدها مثل سابقتها، وبالتالي إذا كان الانقلاب الذي حدث مجرد إجراءات حكومية، كانت لا بد وان تتخذ في اجتماع للحكومة بحيث يظهر رئيس الوزراء أمام الناس ليعلنها ويطلب مساندتها ويقود تطبيقها، لا أن تدبر في الظلام وبعيدا عن الحكومة ورئيسها الذي لم يظهر كما أسلفنا، ولم يتصرف ولا للحظة واحدة، ولا بأي شكل انه رئيس للحكومة ويقود تنفيذ هذه الإجراءات وخصوصا انه وزير الداخلية إضافة إلى رئاسة الوزراء. وبعد أن انتهى كل شيء ظهر ووقف ليدافع عما جرى، وأراد أن يتابع عمله كرئيس للحكومة وكأن شيئا لم يحدث. ثالثا: إن اتفاق مكة كما تقول "حماس" لم ينفذ منه سوى نقطة واحدة وهي تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، أما البنود الأخرى مثل الشراكة في السلطة (وخصوصا الأجهزة الأمنية) والمنظمة فلم تتقدم. كما أن الحصار المالي على الحكومة لم يرفع، كما لم تحصل "حماس" على الشرعية العربية والدولية التي كانت تطمح بالحصول عليها بعد أن أبدت مرونة شديدة سواء في البرنامج السياسي والتهدئة أو تفويض المنظمة بالتفاوض باسم الشعب الفلسطيني، هذا جعل "حماس" تشعر بالغبن فهي تنازلت عن انفرادها بالحكم، الذي تستحقه بحكم الأغلبية التي حصلت عليها بالانتخابات التشريعية، لصالح تشكيل حكومة وحدة وطنية بدون أن تحصل على أي شيء بالمقابل. إن هذه الحجة صحيحة ولكنها لا تبرر الانقلاب الذي أقدمت عليه، ولكنها تفسر لماذا أقدمت عليه، فهي أرادت أن تحقق بالقوة ما عجزت عن تحقيقه بالاتفاق والحوار لان "انتصارها" في غزة يمكن أن يحسن موقفها ويجعلها أكثر قدرة على تحقيق ما عجزت عن تحقيقه حتى الآن . ولكن "حماس" الآن، حتى في أحسن التقديرات، وقعت ضحية الخطأ في الحسابات، وهي إذا لم تعترف بخطاياها وتتراجع عنها، بإزالة آثار الانقلاب ومحاسبة المسؤولين عنه، وإذا تمترست وراء العناد ستدفع ثمنا باهظا، وسيدفع معها الشعب والقضية. على "حماس" أن تقوم بمراجعة تستخلص منها العبر واستحالة قيادة سلطة بدون تحمل المسؤولية عن التزاماتها، واستحالة الانفراد في السلطة عندما تكون تحت الاحتلال في ظل وجود منافس قوي يتحكم بمعظم مفاتيح السلطة. إن الذي منع دعاة تشكيل حكومة طوارئ منذ إعلان فوز "حماس" بالانتخابات التشريعية من تحقيق مطلبهم، حتى بعد تشكيلها الحكومة العاشرة بدون التزامها بخطاب التكليف، والذي حال دون نجاح كل الاقتراحات لتنظيم استفتاءات أو انتخابات مبكرة أو إقالة الحكومة الحماسية، بدون توافق وطني طوال الفترة السابقة، كان سيقدر على منع حدوث الانقلاب المعد، حسب زعم "حماس"، وكان سيقدر على تطبيق الخطة الأمنية أو وضع خطة غيرها قابلة للتطبيق وذلك لو كانت هناك قناعة عند كل "حماس" بالاحتكام إلى الحوار والمؤسسات الشرعية والوحدة والأسس الديمقراطية والقانون. صحيح أن اتفاق مكة وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية وفرا أرضية هشة قابلة للانكسار في أي لحظة، كما حذرنا منذ البداية، ولكن هذه الأرضية كانت قد وفرت هدنة وفرصة للتعايش كان يمكن أن تكون مدخلا لرسم برنامج وطني واضح ومنسجم يجسد المصلحة العامة والقواسم المشتركة، ولتحقيق شراكة وطنية حقيقية بدلا من المحاصصة الثنائية التي كرست في اتفاق مكة وكانت من أهم الأسباب لاندلاع الصراع المسلح على السلطة، وصولا إلى حد الانقلاب من جزء من الشرعية على الشرعية. لا يمكن أن تنطلي مبررات "حماس" على أي عاقل او متابع، خصوصا على كل من يعرف أن الأجهزة الأمنية التي تعترف "حماس" بأنها هاجمتها وتنكر استهدافها لـ"فتح"، تدين بالولاء لـ "فتح" والغالبية العظمى من أفرادها أعضاء في "فتح". وبالتالي استهداف الأجهزة الأمنية استهداف لـ "فتح". وعندما يستهدف أيضا مقر الرئيس الفلسطيني ومقتنيات الرئيس الراحل ياسر عرفات، والجندي المجهول ومدرسة راهبات الوردية، ودير اللاتين، ووسائل الإعلام، وعندما تفتش البيوت ويطارد أعضاء حركة فتح وأفراد الأجهزة الأمنية، وعندما تنفذ إعدامات ميدانية أمام شاشات التلفزيون، وعندما نسمع قيادات في "حماس" تتحدث عن التكفير والخونة واللحديين وتردد "اقتلوهم حيث ثقفتموهم" "وادخل به الجنة"، وعن "الانتصار الثاني"، و"الانتصار على العلمانية"، فمن حقنا أن نقول إن مشاركة "حماس" في الانتخابات وفي السلطة لم تعكس، حتى الآن على الأقل، إيمانا منها، أو جزء مقرر فيها، بالحوار والاحتكام إلى الشعب والمؤسسات الديمقراطية وسيادة القانون، وإنما الانتخابات مجرد وسيلة للاستيلاء على السلطة، وعلى أساس أن الانتخابات عرس ليوم واحد. وتستخدم طالما تحقق أغراض "حماس" وليس وسيلة دائمة للحكم، لا بد من الاحتكام لها مهما تكمن نتيجة الانتخابات! إن مفتاح الخروج من الأزمة الشاملة المفتوحة على كل الاحتمالات المرعبة، يبدأ بمبادرة "حماس" بإلغاء أو الاستعداد العلني لإزالة آثار الانقلاب والشروع بعد ذلك في حوار يهدف أولا لبلورة استراتيجية وطنية واحدة. ثم إلى تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية، وانتخابات للمجلس الوطني سواء تم الاتفاق على هذه الاستراتيجية أو لم يتم !! فالشعب هو مصدر السلطات والصلاحيات، وأعظم من كل القيادات والفصائل ! - الأيام 23/6/2007 - اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|