***** هل هناك علاقة بين السياسة ولعبة الشطرنج؟ استوقفني تعليق أصغر أبنائي، بعد سماعه أنباء معارك غزة الدامية بين "الإخوة الأعداء": لو أجادت لعب الشطرنج؛ لما هللت بعض قيادات الشعب لنصر مزعوم؛ بل فكَّرت بالنقلة التالية؛ وعرفت أن حصارها براَ وبحراً وجواً؛ لا يعني سوى الهزيمة. ***** هل فكرتَ بالخطوة التالية بعد إعلانك تحرير غزة الثاني: "تحرير ثان للقطاع من قطعان العملاء بعد تحريرها الأول من قطعان المستوطنين"؟ يا لقسوة التعبير وفظاظته وقبحه؟ أيستوي الإخوة المقاتلون، مهما اختلفوا مَعَك، بأعدائِك؟ وكيف جرؤت أن تربط قطاع غزة الحر بالقطعان؟ هل فكرتَ بمعنى الشرعية التي أعلنتَ احترامك لها، حين اقتحم ثوارك المنتصرون مقار رموز الشرعية؟ وحين امتهنت كرامة إخوتك، وجردتهم من سلاحهم وملابسهم، وأطلقت النار فوق رؤوسهم؟ ألم تبرق أمام عينيك صورة الثوار في سجن أريحا، يوم الرابع عشر من آذار من السنة الماضية، والعدو يجردهم من ملابسهم، ويمتهن كرامتهم، ويسوقهم إلى سجونه؟ وحين أجهزتَ على شقيقك الجريح، وروَّعتَ الشيوخ والأطفال، ألم تتردد في أذنيك وصايا الرسول الكريم لجيشه: "لا تقتلوا شيخاً، ولا تقطعوا شجرة، ولا تقتلوا طفلاً"؟ ألم تَلُح في خاطرك للحظة باحة المسجد الأقصى، بعد أن شاهدت قواتك الضاربة تصلي في باحة جهاز أمني؟ ثم ألم ترفرف في خيالك صورة العلم الفلسطيني، في اللحظة نفسها، التي رأيت ثوار الوطن يخفضون فيها راية الوطن، ويستبدلوها براية فصيل؟ حتى لو كان فصيلك. ***** وأنتم تدركون رجاح كفة خصمكم في غزة؛ لمَ لمْ تعالجوا الأمر بحكمة سياسية؟ لمَ تركتم الأمراض تتفاقم إلى أن تصل نقطة اللاعودة؟ من الواضح أنكم لم تقفوا وقفة نقدية أمام أسباب هزيمة المجلس التشريعي؟ فهل تفعلون بعد هزيمة غزة؟ وحين تؤكدون على الشرعية والديمقراطية واحترام المؤسسات، هل يمكن أن تقدموا صورة بديلة؟ هل تستطيعون فرض الأمن وتحقيق الأمان للمواطن، وخاصة من تختلفون معه في الرأي، بإعادة الاعتبار للسلطة القضائية؟ وهل يمكنكم تحقيق ديمقراطية داخلية، تفرز قيادات سياسية جديدة؟ أيمكنكم لجم الغضب المشتعل في النفوس، وتوجيهه إلى المحتل؟ وهل يمكن إعادة الاعتبار للشعب، قولاً وعملاً؟ أيمكنكم فتح أفق سياسي يضع مصلحة الشعب وتحرره فوق كل اعتبار؟ ويعيد توحيد الوطن بأكمله؟ هل يمكن إعادة الاعتبار إلى الجسد الممثل للشعب الفلسطيني، داخل الوطن وخارج الوطن، إلى منظمة التحرير الفلسطينية؟ ضمن مبدأ الشراكة السياسية لا المحاصصة؟ حتى يتسنى الاستفادة من طاقات أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني المعطلة؟ ***** لا نعجب حين نعرف أن من استفاد من لعبة الشطرنج هو القائد العسكري نابليون، وأن من يتقنها هم أهل السياسة المحنّكون، والذين يعرفون أن السياسة لا يمكن أن تكون عبارة عن فعل ورد فعل؛ إذ حين يضع لاعب الشطرنج خطّته، يفكر في خطتين أو ثلاث، يضعها الخصم، وقبل أن يخطو أية خطوة جديدة؛ يفكر في الربح وبالخسارة. قبل أن يلعب؛ يفكر لاعب الشطرنج الأذكى بثلاث خطوات أو أربع مسبقة، مع وضع الاحتمالات البديلة. وبين كل خطوة وخطوة هناك تفكير كبير. ليس سهلاً أن ينقل لاعب الشطرنج جندياً من مكان إلى مكان؛ فالنقلة الصغيرة قد تسبب فرقاً هائلاً في النتائج، فقد يضحي اللاعب بجندي للمحافظة على القلعة، أو يضحي بالقلعة مع كونها أهم أداة من أدوات اللعب، وقد يضحي بالحصان، إذا اقتضى الأمر. وتكون خطوة لاعب الشطرنج الأولى واضحة للخصم؛ أما الخطوة التالية فهي مفاجئة. وتنتهي اللعبة عندما لا يبقى مجال للملك أن يتحرّك، حين ينتهي الأمر به محاصراً منبوذاً وحيداً. ومع أنها لعبة؛ يستغرق اللاعب أياماً وأسابيع للتفكير في خطوة واحدة؛ فماذا عن الحرب الحقيقية؟ كم يلزم من أيام وأسابيع وأشهر للتفكير في الخطوة التالية؟ ***** ما هي النقلة التالية أيها المنتصرون في غزة؟ وكيف يمكنكم التباكي على الديمقراطية، في الوقت الذي تعدمون فيه من يختلف معكم دون محاكمة؟ أين احترام القضاء ودولة المؤسسات التي مثلتموها وائتمنتم عليها؟ هل يمكن إعادة الاتفاق على قوانين اللعبة؟ حتى يتسنى اللعب أساساً؟ وهل يمكن أن يعاد الاعتبار حقيقة لا قولاً إلى قوى الشعب المختلفة، حتى يساهم الشعب في صناعة سياساته، وبالتالي في تحمل مسئولية قراراته المصيرية؟ وأين المسؤولية الوطنية فيما حدث؟ من الواضح أن الخلاف المسلَّح لم يكن سوى غطاء لخلاف سياسي عميق، لا يمكن حله بالرصاص، ولا يمكن حله بالتمنيات أيضاً. لا يمكن لحوار أن يتم أساساً، في ظل الخوف والترويع، وأن يفرض بقوة السلاح. ولا مجال للجمع بين الديمقراطية وضدها في وقت واحد. لا يمكن الجمع بين دولة المؤسسات، التي تعلي من شأن القانون، ودولة البنادق، التي تحتكم إلى قانون الغاب. ***** إلى اللاعبيْن الأساسييْن: حين يضع اللاعب في حسبانه مبدأ الثأر، مبدأ العين بالعين والسن بالسن؛ يخسر فوراً. faihaab@gmail.com - مفتاح 26/6/2007 - اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|