من الممكن تحمّل الفوضى السياسية، خاصة وأننا خلال سنوات الاحتلال الطويلة مارسنا طقوس السياسة منذ الولادة وحتى الممات، والفوضى هنا ليست حالة طارئة، وإنما هي حالة مرضية مستعصية.. وفي كثير من الأحيان كنّا قادرين على اجتياز مراحل هذه الفوضى والتغلب عليها. أمام الشكل الثاني في أشكال الفوضى، التي نغوص فيها، وهي فوضى تقديم الخدمات أو ما يتعلق بالاحتياجات اليومية للناس.. وفي ظل وجود "الدولتين"، فإن المواطنين، خاصة في قطاع غزة، هم الأكثر معاناة.. اليوم، نحن نقترب من بداية شهر آب، ونتائج الثانوية العامة لم تظهر.. والسبب في ذلك هو هذه الفوضى.. ولكن الضحية هم الطلبة، الذين ينتظرون النتائج على أحرّ من الجمر.. وهناك تساؤلات كثيرة بين الأهالي؛ هل ستُعلَن النتائج في الضفة والقطاع في يوم واحد، ومَن سيعلنها، هل وزيرالتربية والتعليم في الحكومة، أم الحكومة المقالة في غزة؟! وكيف ستتمكن، مثلاً، وزيرة التربية والتعليم العالي في رام الله، من إعلان هذه النتائج إذا رفضت الحكومة المقالة في غزة التعاون.. وهل ستُعلَن نتائج غزة بعد نتائج الضفة بيوم أو قبلها بيوم؟ وهل سيكون هناك عشرة أوائل من غزة وعشرة من الضفة، أم أن الأوائل هم عشرة فقط؟!.. ربما هي أسئلة تبدو ساذجة، ولكنها في حقيقة الأمر، تعبّر عن المنظر المشوّه للوضع الفلسطيني القائم.. وأيضاً، قضية مشابهة أخرى هي قضية الحج.. الخلافات مستعرة.. وزير الأوقاف يحمّل الحكومة المقالة مسؤولية ما يحدث من عدم قدرة حجاج غزة على أداء الفريضة هذا العام، ويبدو أن القرعة وشركات الحج هي ضمن الأسباب الكثيرة الأخرى.. ولكن عبادة الله لم تَسلَم من هذه الفوضى. وأيضاً، هناك فوضى في تقديم المساعدات الغذائية، والعلاج في الخارج للمرضى، والحصول على الخدمات من وزارة الداخلية، واعطاء التراخيص في كافة المجالات.. حكومة غزة المقالة، بدأت تخيّر الموظفين غير الملتحقين بوظائفهم، خاصة في أجهزة الأمن، بين العودة الى وظائفهم، أو استبدالهم بموظفين جدد، بحجة أنهم يتلقون رواتبهم من رام الله.. والموظفون بين نارين.. وماذا لو طالت هذه الحالة واستمرت لسنتين أو ثلاث سنوات، أو أكثر، فكيف سيكون واقع الأمر؟! أيضاً، هناك فوضى اقتصادية، وحسب توجيهات الحكومة، فإن المواطنين في القطاع تم إعفاؤهم من دفع مقابل رسوم الخدمات.. والحكومة المقالة تجبي هذه الرسوم، ولا تقدم الخدمات لمن لا يدفع.. والمواطن بين نارين. أما المضحك المبكي في الأمر، فهو أن الحكومتين "الشرعية" و"المقالة"، كلٌّ منهما تدفع الأموال للموظفين والعاملين في غزة.. ويبدو أن القطاع سيشهد بعد أشهر سيولة نقدية، دون وجود سلع للشراء، حسب ما يقول خبير اقتصادي.. الفوضى الاقتصادية أكثر ما تتجلى مظاهرها في تشديد حالة الحصار.. في غزة كل شيء غير المواد التموينية والمحروقات، ممنوع من الدخول، مواد البناء تضاعفت أسعارها، والحكومة المقالة في غزة -كما يقول اقتصادي- بين خيارين؛ إما أن تعتقل أو تحذّر تجار مواد البناء من عدم رفع الأسعار، وبالتالي عدم تسويقها. أو صرف النظر عن الاحتكار وارتفاع الأسعار، من أجل أن تظل هذه المواد بحدها الأدنى متوفرة في السوق.. فإنّ صرف النظر هو الأفضل.. وكأن التاريخ يعيد نفسه. أما الفوضى الاجتماعية والثقافية، فلها جذورها في الضفة الغربية وقطاع غزة.. فكثير من مظاهر السلطة غير موجود في القرى والأماكن البعيدة وبعض المخيمات.. وخلال السنوات الماضية، خلفت حالة اجتماعية وثقافية فوضوية.. قد نحتاج الى سنوات طويلة من أجل السيطرة عليها، أوربما العودة الى النقطة التي كنّا فيها سابقاً. وكأننا اليوم أصبحنا بحاجة، ليس الى المطالبة بعودة الأوضاع السياسية في الأراضي الفلسطينية الى ما كانت عليه في أيلول 0002، وإنما بعودة الأوضاع الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والصحية.. الى سابق عهدها؟!!! في إطار نظرية الفوضى الخلاّقة، فإن منظّريها يقولون إنه لا بد من نشر حالة الفوضى في أية منطقة من المناطق، من أجل إيجاد الظروف المناسبة للقوى العظمى للتدخل من أجل إعادة النظام والسيطرة في هذه المناطق، التي لا تتمكن من إدارة نفسها.. لعلنا أصبحنا إحدى هذه المناطق.. فإما أن تظل الأمور على ما هي عليه، وتسوء أكثر، بحيث يصبح تدخّل قوى خارجية مطلباً وأمراً ملحّاً لتخليصنا من حالة الفوضى.. وإما أن يبادر "العقلاء" منّا إذا ما "توفروا" لخلق بيئة وطنية وأساساً معقولاً من الاتصال مع الأطراف الفاعلة، والضغط من أجل إبعاد المصالح الفئوية والحزبية عن قضايانا الأساسية.. وبالتالي، خلق حوار وطني للخلاص من هذه الفوضى، قبل أن تبتلع قضيتنا في دوامتها للأبد..!! a-najjar@al-ayyam.com - الأيام 28/7/2007 - اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|