غير أنه وفي سياق المقاربة التاريخية لفكرة السلام والدور الأمريكي تحديداً في ما يتعلق بقضية الصراع “الإسرائيلي” الفلسطيني يتوقف المرء أمام تساؤل غير بريء. لماذا لا يبذل رؤساء أمريكا جهدهم الجهيد في سبيل إقامة الدولة الفلسطينية إلا غداة مغادرتهم للبيت الأبيض كما جرى مع بيل كلينتون في كامب ديفيد، وبحضور عرفات وباراك، وما نراه اليوم على يد بوش الثاني؟ هل يمكن القول إن التحرر من الخوف إذ لا شيء يخسره الرئيس ولا ولاية ثالثة يتطلع إليها هو الدافع، ولذلك لا يخشى تأثير اللوبي اليهودي الفاعل في البلاد والعباد؟ مهما يكن من أمر الإجابة فإن الرئيس بوش الذي ضرب صفحاً عنصرياً مقيتاً عن المشاركة في إيجاد حل للقضية الفلسطينية منذ بدء ولايته، لم يتبق له إلا أقل من سبعة عشر شهرا. والمتابع والمحلل الجيد لخطاب بوش يدرك أنه امتنع عن الوعد بإقامة دولة فلسطينية واكتفى بوضع معضلة للفلسطينيين الذين دعاهم لأن يختاروا بين من أسماهم المتطرفين من “حماس” والمعتدلين من “فتح”، فيما يشبه الدعوة التحريضية على الحرب الأهلية شبه القائمة بالفعل، وقد دعا تحامل بوش على حماس أحد السياسيين “الإسرائيليين” للتعليق بالقول “نحن لا نتحدث عنهم هكذا”. وفي إعلانه عن مؤتمر السلام المقبل بدا بوش متطرفاً أكثر من غيره، فيما كثير من الصهاينة أخذوا يراجعون أوراقهم مؤخراً لا سيما بعد انتهاء وانتفاء الهدف الذي من أجله وجدت الصهيونية وهو قيام “إسرائيل”. فقد قال بوش “إن “إسرائيل” يجب أن تكون دولة يهودية والوطن القومي للشعب اليهودي”، وما لا يعرفه هو أن هذه المقدمة الصهيونية لم تعد مقبولة عند “إسرائيليين” كثيرين مثل إبراهام بورج والذي يعد الصهيونية الخطر الحقيقي على “إسرائيل” اليوم. ومما لا شك فيه أن المدخل الأمريكي الذي ينتهجه بوش في التعامل مع الأزمة الفلسطينية الأخيرة والحكومة المنقسمة على ذاتها إنما ينذر بكارثة، ذلك أن تفضيل البيت الأبيض بالمطلق لحركة فتح “المعتدلة” على حساب حماس “المتطرفة” إنما يعني استمرار الإيديولوجية الفاشلة لبوش، تلك القائمة على فرز العالم على معسكرين واحد للخير وآخر للشر أي ذات التقسيم المانوي الذي على ضوئه أشعل العالم حربا وعداء بحجة محاربة الإرهاب. وفي الحق أن العرب لا تخفى عليهم “الألاعيب البوشية” ولم يعد العرب أولئك الذين لا يقرأون كما تندر عليهم موشي ديان ذات يوم بل أضحوا يقرأون ويحللون ويفهمون، وفي ضوء خطاب بوش المخملي يطرحون في السر والعلن تساؤلات، وفي ضوء إجاباتها يمكنهم الحكم على مصداقية طرح بوش الأخير من عدمه، وفي مقدمة تلك التساؤلات: لماذا لا تعلن إدارة بوش عن دعمها لإعادة فتح قنوات الحوار بين فتح وحماس لتشكيل حكومة وحدة وطنية من جديد عوضا عن إقصاء حماس عن الساحة وتأليب فتح على مجابهتها ما يصب في غير مصلحة الشعب أو القضية؟ وما الإمكانات الحقيقية المتاحة لإدارة بوش لممارسة ضغوط على حكومة إيهود أولمرت للعودة إلى المفاوضات مع الفلسطينيين بشكل جدي لا هزلي ومن دون تسويف للوقت، لا سيما أن إدارة بوش على أبواب الرحيل؟ ومن بين تلك التساؤلات كذلك، هل ستعطي واشنطن مساحة كافية للتعاون مع شركائها في الرباعية (الاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة) لعقد مؤتمر سلام يقوم على الالتزام الأمريكي بحل الدولتين؟ أم أن الأجندات السرية الأمريكية المعهودة ستبقى هي المسيطرة والحاكمة في المشهد مستبعدة أي نفوذ حقيقي أو تدخل ايجابي وموضوعي لأي من أطراف الرباعية؟ هل أضحى السلام بين “إسرائيل” والفلسطينيين بالفعل بعيد المنال رغم أوهام بوش؟ يجيب “أرون ديفيد ميلر” الذي عمل مستشاراً في وزارة الخارجية الأمريكية لستة وزراء أنه بانقضاء سبع سنوات الآن على آخر فرصة مواتية لوضع نهاية للصراع “الإسرائيلي” الفلسطيني في كامب ديفيد، يبدو أنه انتهت بالفعل الآمال في سلام قريب المنال، ذلك بأنه على عكس السنوات السبع السمان التي سبقت تلك القمة تلتها سنوات سبع عجاف، كل ما فيها هو العنف والإرهاب والمواجهة وأحادية الجانب يذكيها قرار إدارة بوش غير الحكيم بالتخلي عن الدبلوماسية الجادة بين العرب و”الإسرائيليين”، والى درجة شبه كاملة مما قاد إلى انشقاق في حكومة فلسطين ورغم وجود رئيس للسلطة الوطنية الفلسطينية ملتزم ومعتدل وذي نية صادقة في صنع السلام مع “إسرائيل”، غير أنه يفتقد السلطة الكافية لذلك، فهو لا يستطيع حتى إحكام سيطرته على حركة فتح التي ينتمي إليها هو نفسه، فما بالك بالضفة الغربية التي نفي إليها. والواقع أنه رغم محاولات “إسرائيل” والولايات المتحدة تقوية أبو مازن من خلال مسارعتهما بالإفراج عن الأموال والسجناء وتقديم الدعم السياسي له، إلا أن هذا كله جاء متأخراً، وكان من الأفضل لو جاء عام 2005 أي بعد انتخاب عباس مباشرة عندما كان أكثر قوة بكثير، وكانت حماس أكثر ضعفا بكثير. خلاصة القول إن الحديث عن مؤتمر الخريف ليس إلا خدمة لأولمرت الذي يحتاج إلى إنجاز سياسي عشية تقرير فينوجراد. وهذا ما سيقدمه له بوش شريطة أن تقود كوندوليزا رايس المؤتمر الإقليمي في حين يبقى هو في البيت الأبيض ما تبقى من الوقت الذي لا يريد أن يخاطر به في المستنقع “الإسرائيلي” الفلسطيني. لكن يبقى التساؤل الجوهري الذي يطرحه العالم على بوش وليس العرب فقط: هل “إسرائيل” مستعدة بالفعل لقيام دولة فلسطينية؟ وهل جاءت هذه الدعوة وفقاً لهوى أولمرت وحكومته أم مفاجأة لهم كما أكد ذلك الكاتب “الإسرائيلي” زلمان شوفال من “يديعوت أحرونوت” والذي اعتبر دعوة بوش لعقد هذا المؤتمر ضربة للدبلوماسية “الإسرائيلية” وجرس إنذار بشأن استقرار العلاقات بين الولايات و”إسرائيل”؟ emileamen@yahoo.com - الخليج 7/8/2007 - اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|