أطلقت إسرائيل مجموعة من الـمشاريع السياسية الـمتناغمة مع بعضها البعض تناوب على طرحها كل من بيريس وحاييم رامون، وتسيبي ليفني، وأولـمرت، وباراك. هذه الـمشاريع جاءت رداً على مجرد محاولة خافتة لتحريك الـمبادرة العربية. الـمقارنة في مجال الـمبادرة السياسية غير ممكنة بوجود ممانعة سياسية لا تصد ولا ترد ولا تستبدل، أي رفض لكل شيء بما في ذلك رفض دخول قوات للأمم الـمتحدة والتهديد بمحاربتها إذا ما وصلت الأرض الفلسطينية، هذا الـموقف العنتري الذي لـم تجرؤ على اتخاذه دول بحجم عراق صدام ويوغسلافيا ميلوسوفيتش ولا مقاومة حزب الله الـمنتصرة، لكن حماس فعلت ذلك. أو في ظل التثبيت على خارطة الطريق التي لـم تعد مطروحة من قبل الرباعية كما فعلت (السلطة). لقد ترك هذا الـموقف الشعب الفلسطيني في موقع الانتظار السياسي الـمدعم بالرفض السلبي القاتل. السلب الفلسطيني تجذر بالانقلاب الذي أدى إلى انقسام خطير، وأقصى الفعل السياسي لشعب تحت الاحتلال، وقلب سلـم الأولويات رأساً على عقب، عندما نقل هدف إنهاء الاحتلال من مركز الأجندة الفلسطينية إلى هامشها، واستبدله بهدف السيطرة على الـمجتمع وإقامة الإمارة السلفية. إن وضع هدف إنهاء الاحتلال في الصدارة، كان يتطلب الحفاظ على وحدة الشعب والحركة السياسية وتغليب التناقض مع الاحتلال على التناقض في إطار الحركة الوطنية. لكن ذلك لـم يحدث أبداً. وتعمق السلب بفعل الحصار الخانق الـمفروض على قطاع غزة، 80% من الأسر تحت خط الفقر، وثلثا الأسر لـم تعد قادرة على تلبية احتياجات أبنائها من السلع الاساسية التي ارتفعت أسعارها بنسبة 48%. و هناك 57 % من الأسر يقل دخلها الشهري عن خط الفقر. وأصبح 75% من القوة العاملة عاطلة عن العمل، وهذه النسبة مرشحة للارتفاع في ظل تعطيل التصدير والاستيراد بالكامل والاكتفاء بإدخال مواد تموينية وطبية لـمنع مجاعة وكوارث قد تتفاعل عالـمياً وتعزل حكومة الاحتلال. في شروط الحصار الإجرامي، والانقسام الداخلي، يتبدل الاهتمام، تجري مقايضة الـمقاومة بإدخال مواد تموينية وبوقف اغتيال القادة، وهذا ما يحدث فعلاً دون إعلان رسمي، وعلى طرف نقيض من الهدف الـمعلن للانقلاب وهو "إزالة العوائق أمام الـمقاومة". والأخطر من ذلك هو إضعاف وحدة الشعب، وخلخلة علاقة الشعب بالوطن. يقول آخر استطلاع لجهاز الإحصاء الـمركزي، إن 45% من الشباب الذكور و18% من الشابات الإناث يفكرون بالهجرة، بسبب التدهور الاقتصادي والأمني. وإن 48% لا يثقون بالأحزاب السياسية، و36% لا يثقون بالسلطة. وعندما لا تستطيع سلطة الانقلاب تلبية احتياجات الـمواطنين والتخفيف من معاناتهم، فإنها ستحافظ على سلطتها بالقوة ومن خلال القمع وتكميم الأفواه. لقد بدأت تتشكل سلطة الحزب الحاكم التي تحظر حرية التعبير بمنع الـمسيرات والاحتجاجات السلـمية كما حدث، أمس، وقمع وتهديد الإعلاميين، واعتقال الـمعارضين السياسيين ومصادرة ممتلكاتهم . إنها أول سلطة وطنية تحرم الـمختلفين معها من العودة إلى قطاع غزة كما أعلن د. الزهار، أمس، عن حظر دخول "دحلان ومن على شاكلته قطاع غزة". قد تقوم السلطة بمحاكمة أي متهم وتصدر عليه أحكاما، أما أن تجيز لنفسها منعه من دخول وطنه فهذه العقوبة موجودة فقط في قاموس الاحتلال الإسرائيلي. السؤال الذي يطرح نفسه: لـماذا تصر حماس على الـمضي في تكريس انقلابها العسكري؟ ولـماذا ترفض التراجع عنه؟ علـما أن استمرارها في مرحلة الانقلاب يلحق أفدح الأضرار السياسية والاقتصادية والـمعنوية بالشعب الفلسطيني وبقضيته الوطنية، ويضع مليوناً ونصف مليون مواطن في موقع الرهينة التي يتم الضغط بها للبقاء على كرسي الحكم العسكري. وتراجعها عن الانقلاب يزيل الاحتقان ويوقف هدر الطاقة والجهد الـمكرسين للصراع الداخلي، ويوجهما نحو الاحتلال في لحظة سياسية يتم فيها وضع كل قضية الاحتلال على بساط البحث. إن موافقة حماس على الحوار لا تعني شيئاً ولا تحل شيئاً. الحوار يبدأ فعلاً بالتراجع الـمبدئي عن الانقلاب، وبعدئذ لا أحد يقبل بعودة مراكز القوى والرتب الرفيعة إلى سابق عهدها، ولا أحد يقبل ببقاء الأجهزة على حالها بعد تجربتها الـمهينة، ولا أحد يستطيع رفض الحوار في مثل هذه الحالة ولا رفض الوحدة والشراكة. الـمشكلة لا تقتصر على حماس، فيلاحظ الآن، أن محاسبة الذات التي عوّل عليها بعد الانقلاب خفتت وتراجعت. مرة أخرى يستعاض عن محاسبة الذات، بمعادلة فشل وأخطاء وعجز حماس الذي سيعيد "فتح" والـمنظمة كتيار مركزي بأريحية. يتكرر الـمشهد الـمؤسف بعد كل هزيمة، جرى القفز عن نتائج انتخابات الـمجالس البلدية ونتائج الـمجلس التشريعي، والآن يجري القفز عن انقلاب غزة لجهة محاسبة الـمسؤولين الفعليين. كل النقاش في الـمعسكر الوطني يقتصر الآن على شق واحد من الـمعادلة والقائل بأن "فتح" أفضل من "حماس"، ولا يحتاج الحل الـمنشود إلى تصويب بنية "فتح" والـمنظمة والسلطة. إن عودة من دون دفع الثمن، ومن دون تعديل البنية وإعادة النظر في حالة الـمؤسسة الـمزرية لن تكون عودة حقيقية. ولا تقل سوءاً حالة الذين يبحثون عن الحصول على حصة من الكعكة وملء الفراغ الناجم عن إخفاق نموذج "حماس" وعدم قيام "فتح" بالإصلاح من دون تقديم شيء، ومن دون الـمساهمة في تحسين الوضع بالأفعال والأقوال معاً. فشل الغير لا يكفي كعامل وحيد من دون فعل أشياء ملـموسة وخلق ظاهرة من خلال نضال ديمقراطي دؤوب وطويل. لقد اعتمدت "حماس" على أخطاء "فتح" والسلطة ولـم تقاومها بل شجعتها من أجل أن تحل مكانها، واعتمدت "فتح" على عجز "حماس" ومأزقها من أجل العودة للسلطة من دون إصلاح ولا دفع الثمن، والآن نجد أيضاً من يستند الى الفشلين السابقين من أجل اقتناص حصة من الكعكة. ولطالـما بقي الـمقياس سلبياً، فإن الوضع الفلسطيني سيخرج من أزمة ليدخل في أزمة جديدة، وهكذا دواليك - الأيام 14/8/2007 - اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|