الولايــات المتحدة لا تواجه في العراق وأفغانستان دولةً أو حكومة. إنها تواجه، في الواقع، شعباً من خلال تنظيمات للمقاومة المسلحة منبثقة من صفوفه. هذه المقاومـة الشعبية المسلحة دخلت في العراق عامها الخامس وفي أفغانستان عامها السابع، وليس في الأفق ما يشير إلي انهما تعبتا أو تعتزمان التوقف. إسرائيل كذلك لا تواجه في فلسطين ولبنان دولة او حكومة. انها تواجه، في الواقع، شعباً من خلال تنظيمات للمقاومة منبثقة من صفوفه. عمر المقاومة في فلسطين من عمر إسرائيل نفسها، تطغي في نضالها أحيانا أساليب المقاومة المدنية وفي أحيان أخري أساليب المقاومة المسلحة. غير ان الدولة الصهيونية أخفقت في التغلب علي كلا المقاومتين في كل الأحيان. كذلك الأمر في لبنان، إذ تواجه إسرائيل منذ منتصف الثمانينات مقاومةً شعبية مسلحة، دقيقة التنظيم، جيدة التسليح، وشديدة المهارة في أساليبها القتالية. الأمر نفسه يتكرر، بمستويات متفاوتة من التنظيم والتسليح والقتال، في بلدان إسلامية أخري. لكن النمط يبقي هو ذاته: تنظيمات للمقاومة الشعبية في مواجهة جيوش نظامية لدول أو مجموعة دول وحكومات. حكومتا أمريكا وإسرائيل أدركتا أخيراً فشل الإستراتيجيـات القائمة علي أساس تصدي الجيوش النظامية، عموما، بأساليب الحـرب التقليدية لتنظيمات المقاومة الشعبية. كما فشلت إدارة بوش، خصوصا، في مواجهة تنظيمات المقاومة الشعبية بممارسة ضغوط سياسية علي الحكومات المحافظة الموالية لها من اجل تقبّل إصلاحات ديمقراطية محددة لتجميل وجوهها القبيحة. المخاض يتخذ في كلٍ من الولايات المتحدة وإسرائيل شكل ندوات للمناقشة وورش عمل للبحث والتقرير. في غمرة المخاض، تطفو علي سطح المناقشات ظواهر لافتة. ففي واشنطن يشكو الرئيس بوش من نائبه ديك تشيني ومن بيروقراطية لم تساعده علي تنفيذ إستراتيجيته الداعية لنشر الديمقراطية. بل هو يشكو، تصوروا، من الرئيس المصري حسني مبارك الذي نجح علي ما يبدو في إخضاعهم لعملية غسل دماغ ! ما يعنيه بوش ان مبارك، كما سواه من الملوك والرؤساء العرب والمسلمين، رفضوا الإصلاحات الديمقراطية التجميلية بدعوي انها تُضعف أنظمتهم السلطوية وتقوّض الإستقرار في بلدانهم. المخاض يتخذ في إسرائيل شكل مناقشات عامة في الصحف والتلفزيونات كما في هيئة قيادة أركان الجيش الإسرائيلي. الهدف؟ تقويم أسس البرنامج الطويل الأمد للجيش الإسرائيلي الذي يتناول أساساً حاجات الأذرع المختلفة للسنوات العشر المقبلـة و العقيدة الأمنية الواجب إعتمادها بعد ان انهارت العقيدة السابقة التي إعتمدت مبدأ الحسم الجوي ولم تصمد في الإختبار في الحرب الأخيرة علي لبنان ، بحسب ما نقلت الإذاعة العبرية العامة عن ضابط كبير. غير ان المخاض الطويل لا يتناول غايات كل من الدولتين وأغراضها الإستراتيجية حيال دول العالم، لاسيما البلدان العربية والإسلامية، بل إستراتيجيات المواجهة ومقاربات العمل الميداني ضد هذه البلدان ليس إلا. فالغايات والأغراض الإستراتيجية ما زالت علي حالها بل لعلها ازدادت إتساعا وحدّة. ها هو ذا المتحدث الرسمي بإسم البيت الأبيض طوني سنو وضع قبل أيام في محاضرة أمام مركز هيودسون للدراسات جمهوره أمام معادلة حادة مفادها ان الإنسحاب من العراق سيعني أننا لا نريد ان نبقي القوة الأعظم في العالم. إنني انصح الأمريكيين، مواطنين وسياسيين، ممن يطالبون بانسحاب قريب بإستبدال تساؤلهـم من كيف نغـادر العــراق؟ بـِ كيف نفوز ونبقي في العراق؟ . وجاءت التصريحات المنسوبة إلي وزير الدفاع روبرت غيتس حول سحب تدريجي للقوات الأمريكية إعتباراً من أول السنة القادمة بأنه تأكيد لتطوير سياسة بوش الداعية إلي خفض عديد القوات الأمريكية إنما مع إبقاء قسم فاعل منها في قواعد عسكرية خارج المدن العراقية. فـي إسرائيل، أعاد وزير الحرب ايهود باراك تأكيد المذهب العسكري الإسرائيلي التوسعي. أعلن ان إسرائيل ستتزود بأنظمة فعالة مضادة للصواريخ في غضون أربع إلي خمس سنوات. ففي حال نشوب نزاع، علي إسرائيل نقل الحرب إلي معسكر العدو والانتصار بشكل واضح مع أقل ما يمكن من الخسائر في الصفوف الخلفية . باراك لم يتحدث عما ستفعله إسرائيل إذا ما تمكّن العرب، كما حدث في حرب تموز العامَ الماضي، عندما نقلت المقاومة اللبنانية بصواريخها الحرب الي قلب الكيان الصهيوني. بل هو لم يعلّق علي تهديد سيّد المقاومة حسن نصرالله في خطابه لمناسبة الذكري الأولي لحرب تموز (يوليو) عن مفاجأة كبري أعدتها المقاومة إذا ما شنّت إسرائيل الحرب مجدداً علي لبنان، مفاجأة سيكون من شأنها إحداث تغيير مصيري في الحرب والمنطقة. حوار الإرادات هذا بين قادة العدو وقادة المقاومة يقودنا إلي سؤال آخر بالغ الأهمية هو: ما ردّ تنظيمات المقاومة الشعبية في البلدان العربية والإسلامية علي ورش العمل وندوات إعادة النظر بإستراتيجيات كلٍ من أمريكا وإسرائيل؟ لعـل السيد حسن نصر الله كان البادئ في توفير الجواب المطلوب ولو بصورة غير مباشرة. فالسلاح ـ المفاجأة الذي لوّح به في خطابه الشهير ينطوي، كما يبدو، علي فعالية عظيمة بدلالة قوله إنه من شأنه إحداث تغيير مصيري في الحرب والمنطقة . بكلام آخر، سيكون لإستعمال السلاح ـ المفاجأة آثار وتداعيات إقليمية. ذلك يعني، بالضرورة، أن لفعالية السلاح المشار اليه من جهة ولمستعمليه من جهة أخري أو للإثنين معا صلة إقليمية ما. هذا التعليل يطرح بدوره سؤالاً آخر مهما : هل ثمة تنسيقٌ تنظيميٌ بين قوي المقاومة علي الصعيد الإقليمي؟ لعل صحيفة ذي إنديبند نت البريطانية قدمت، بصورة غير مباشرة، قبل يومين إجابة أولية عن ذلك السؤال. فقد نسبت إلي مقاتلين في جيش المهدي بزعامة السيد مقتدي الصدر قولهم إنهم تلقّوا تدريبات علي تكتيكات حرب العصابات المتقدمة علي يدّ حزب الله في جنوب لبنان. كما نسبت إلي الصدر نفسه قولــه: نقيم روابط رسمية مع حزب الله، ونتبادل معه الأفكار ونناقش معه الوضع الذي يواجهنا في البلدين. ومن الطبيعي ان نعمد إلي تحسين أنفسنا من خلال التعلّم من بعضنا بعضا. وسنستمر في مناقشة خطط إسرائيل المستقبلية في الشرق الأوسط لأننا جزء من أي شيء يحصل في المنطقة . إذا كانت امريكا وإسرائيل من جهة وتنظيمات المقاومة الشعبية في البلدان العربية والإسلامية من جهة أخري لا تكتفي بخوض الصراع ومعالجة أدواته وتطويرها علي الصعيد المحلي بل تتجاوزه أيضاً الي الصعيد الإقليمي، فهل تعالج الحكومات العربية والإسلامية هذه المسائل والتحديات علي الصعيد الإقليمي أيضا؟ نعم، انها تفعل ذلك بدليل الموقف الذي اتخذته أخيراً السعودية من سورية. فهي لم تكتفِ بالإمتناع عن حضور الإجتماع الأمني الذي عقدته اخيراً في دمشق الدول المجاورة للعراق بحضور وفد من الولايات المتحدة بل ردّت بحدّة لافتة علي تصريحات لنائب الرئيس السوري فاروق الشرع. غير ان المهم في هذا كله ما أورده مجلس الوزراء السعودي لاحقاً في تفسير او تبرير ردّ المملكة إذ شدد علي ان التحالفات الإقليمية التي يعقدها العرب يجب ان تكون مسخرة لدعم وحدة الصف العربي لا أداة من أدوات شقه وإضعافه . هذا الكلام الموّجه الي سورية (التي تستطيع إعتماده بحرفيته كردّ علي السعودية!) يدّل بوضوح علي ان السعودية تواجه تنظيمات المقاومة الشعبية كما الإرهابية علي الصعيدين المحلي والإقليمي. ولن يطول بها الزمن قبل ان تنظم، بالتعاون مع حكومتي مصر والأردن وسواهما ورش عمل لإعادة النظر بالخطط المعتمدة حاليا ضد تلك التنظيمات ووضع أسس مغايرة ومتطورة في مواجهتها. أجل، المخاض الجاري هذه الأيام في أمريكا وإسرائيل ومعظم البلدان العربية والإسلامية يبحث في جوابٍ معاصر عن سؤالٍ قديم: ما العمل لمواجهة موقاومة الشعوب؟ - القدس العربي 22/8/2007 - اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|