السيد هنية ركز على أمرين مهمين، نعتقد انه من الضروري بمكان ان يبدأ سجال حولهما، وبكل جدية من قبل الـمثقفين الفلسطينيين بصرف النظر عن اتجاهاتهم الفكرية وتلاوينهم الحزبية، خاصة أن غالبية القوى السياسية لغاية اللحظة الراهنة، وخصوصا ممن تدعي أنها ما زالت في مواقع الـماركسية اللينينية ولـم تغادرها، هذه القوى لـم تبد رأياً او موقفاً تجاه الدولة الدينية التي تسعى حركة حماس إلى إقامتها سواء في قطاع غزه باعتبارها الآن هي صاحبة اليد الطولى فيه، أم في فلسطين. "والنموذج الإسلامي الذي جسدته حركة حماس في الحكم والسياسة" حسب تعبير السيد هنية، والذي "تخشى قوى معادية للشعب الفلسطيني من انتقاله وتأثيره في الـمحيط العربي والإقليمي"، في الواقع ان هذا النموذج الذي قدمته حركة حماس في القطاع، بدأ يثير القلق لدى أوساط كثيرة ليست فقط في مواقع السلطة على الـمستوى الإقليمي والعربي، وإنما أوساط ديمقراطية وليبرالية ومن مواقعها الديمقراطية الـمختلفة دعمت حركة حماس بعد نجاحها بالانتخابات وتشكيل حكومة منفردة، هذه القوى كانت ترى بإمكانية استيعاب الحركات الإسلامية، أي قوى الإسلام السياسي في النظم السياسية، بعد تحولها وقبولها بأسس النظام الديمقراطي، وبالتعددية السياسية والفكرية، وبحرية الرأي والتعبير، والاهم من كل ذلك بانتقال وتداول السلطة بشكل سلـمي وديمقراطي، واستبعاد الأشكال والاساليب العنفية الـمنافية للديمقراطية في حل التناقضات الداخلية، واللجوء لصناديق الاقتراع ولخيار الشعب في حسم قضايا الخلاف السياسي الداخلي، وليس تحويل قضايا الخلاف السياسي وهي قضايا دنيوية إلى قضايا ذات بعد ديني يتصل بالعقيدة والشريعة والوصول إلى حد ليس رفض الآخر وإنما تكفيره وتحليل قتله. هذا النموذج الذي سعت له أوساط مختلفة خلال السنوات السابقة وناضلت وعلى قاعدة الديمقراطية وحرية الاعتقاد والتفكير بما في ذلك تكوين أحزاب وحركات سياسية تستمد أيديولوجيتها من الدين، ودعت إلى إعطاء فرصة للقوى الدينية للانخراط في النظم الديمقراطية كما هو حال النموذج التركي الذي ضرب مثالاً ايجابياً، في اللجوء إلى خيار الشعب والـمبادرة للدعوة لانتخابات مبكرة لحل خلاف دستوري حول انتخابات رئاسة الجمهورية. لكن النموذج التركي الذي مثله حزب العدالة والتنمية الإسلامي، والذي شكل عامل استنهاض لقوى الإسلام السياسي بما فيها حركة حماس، هذا النموذج يواجه الآن وبعد الانقلاب الذي قامت به حركة حماس في قطاع غزة، تساؤلات حول دقة وصدقية التحليلات التي ذهبت بإمكانية اندماج قوى الإسلام السياسي في النظام الديمقراطي وقبولها مبدأ التعددية، والاحتكام لحل الصراعات بالوسائل الديمقراطية وليس العنفية، ان ما يواجه النموذج الإسلامي الذي تدعيه حركة حماس في قطاع غزة، وهو نموذج يشكل القمع والإرهاب فيه الصورة الأبرز، والـملاحقة لـمن يختلفون معه بالرأي، علاوة على قمع التحركات الشعبية وملاحقة وضرب الصحافيين والاعتداء عليهم ومحاصرتهم في مقراتهم وبيوتهم ومصادرة ما صورته كاميراتهم. لقد أصبحت التصرفات الفردية التي تقوم بها القوة الغاشمة والأداة الضاربة (القوة التنفيذية) والتي يدعي هنية وغيره من قيادة حركة حماس بأنها تصرفات غير مقصودة، هي القاعدة والاستثناء هو تدخل هؤلاء القادة لحل قضية هنا او هناك يخشى هؤلاء القادة على ما تبقى من نموذج يحاولون إظهاره ليبقى على الأقل جذابا لجمهورهم الذي بدأ ينفض عنهم. وبهذا الـمعنى فإن أي عاقل من الدول الـمجاورة وهو يرى نموذج حركة حماس في قطاع غزة بالتأكيد يخشى ان تنتقل عدواه لبلاده، وهنا لا أتحدث عن النظم السياسية، والتي هي بدون أدنى شك بدأت تعيد النظر بآليات وأشكال التعامل والتعاطي مع حركات وقوى الإسلام السياسي في بلادها، وإنما من القوى الديمقراطية والليبرالية التي تمسكت بحق قوى الإسلام السياسي في الانخراط بالحياة السياسية. ان أكثر ما أساء للنموذج الإسلامي الذي قدمه حزب العدالة والتنمية التركي، هو حركة حماس وقيادتها التي تعاملت بخفة، وبدون أية حسابات سياسية لأبعاد خطوتها الانقلابية، واعتبرت ان ما يجري في قطاع غزة وكأنه معزول عن العالـم، او ان الدول الشقيقة والصديقة، او الأطراف الدولية والإقليمية من الـممكن ان تبتلع قيام انقلابات تقوم بها حركات أصولية إسلامية. هذا علاوة على ان سلوك قيادة حركة حماس بعد سيطرتها على قطاع غزة منذ منتصف حزيران الـماضي أعطى من الشواهد والدلائل التي لا تحصى على ان هذا النموذج لا يمكن ان يشكل عامل جذب، بل عامل استعداء حتى من قبل قوى كانت تقبل التجاور والتعاون والتنسيق مع قوى الإسلام السياسي. أما القضية الأخرى وهي لا تقل أهمية عن الاولى، وهي ادعاء السيد هنية ان سبب الحصار والضغوط الـمسلطة على حماس هو بسبب حملها على تقديم تنازلات سياسية، وأنهم لن "يدعوا أحداً يسرق منهم الـموقف السياسي". لكن نريد ان نسأل السيد هنية عن أي موقف سياسي يتحدث، إذا كان الـموقف برفض الدولة الفلسطينية في الضفة والقطاع وعلى حدود عام 67 وافق هو وقيادة حركة حماس عليه، وليقل السيد هنية على أي أساس سياسي قامت حكومة الوحدة الوطنية التي ترأسها لأقل من مائة يوم وانقلب عليها. وهل الـموافقة على هدنة طويلة الأمد لن تؤبد الاحتلال على ما هو قائم ويتلاقى مع مشروع شارون للحل الانتقالي طويل الـمدى، او مع ما يطرحه أولـمرت من مشروع للدولة الفلسطينية ذات الحدود الـمؤقتة، هو الـموقف السياسي الذي تتمسك به حماس وترفض التنازل عنه ولن تسمح بسرقته. ان الـمزايدة السياسية ولأسباب معروفة، لـم تعد تجدي لتبرير الانقلاب، ولا تخوين الآخرين، والـمطالبة بنفس الوقت للحوار معهم، كما ان استخدام منابر الـمساجد للتعبئة والتحريض السياسي، وتحويلها إلى مقرات حزبية تخدم سياسة ورؤية هذا الفصيل او ذاك وتتعدى استخدام الدين في السياسية إلى ما هو ابعد من ذلك، وهو تديين السياسة، والذي يجب ان يكون هو والـمساجد بمنأى عن الصراع الحزبي والسياسي، ومن اجل ان تبقى دور العبادة للعبادة، ولا ان تتحول إلى منابر للتحريض والتكفير والتخوين. ان ما نحن بحاجة إلى نقاشه جديا ونقده بكل شجاعة، ليس تلك الأطروحات التي تفوح منها روائح الاستخدام السياسي للدين والتي تثير الغرائز والأحقاد في آن معا، وإنما هل نريد أسلـمة الـمجتمع الفلسطيني، وهل نريد دولة دينية فيه لتتحول إلى دولة ثيوقراطيه شمولية على غرار النموذج الإيراني، أم نريد نظاما تعدديا ديمقراطيا، حتى ولو شاركت فيه قوى الإسلام السياسي الـمؤمنة بالديمقراطية والتعددية فعلاً وقولاً كما هو الحال في تركيا، وليس إنتاج نظام شمولي ظلامي يعيد الـمجتمع الفلسطيني قرونا إلى الوراء. - الأيام 29/8/2007 - اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|