مفتاح
2025 . السبت 24 ، أيار
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 


ليس ثمة شعب/ أمة وجد منذ الأزل. الشعب/ الأمة نتاج تحولات كبري في تاريخ الاجتماع الانساني، من التضخم الكبير في سكان المدن، التطور النوعي في وسائل الاتصال والطباعة والنشر، بروز مؤسسات التعليم الحديث، وولادة حركات التحرر الوطني. قبل الحرب العالمية الأولي، لم يكن ممكناً الحديث عن شعب فلسطيني ، فقد تقاسمت الفلسطينيين توجهات مختلفة، من الانتماء العثماني والاسلامي، الي العروبة.

ولم تبدأ الفكرة الوطنية الفلسطينية في الظهور الا بعد نهاية الحرب، وانهيار الدولة العثمانية، ثم سقوط الحكومة العربية في دمشق. وضعت السيطرة البريطانية علي فلسطين حدوداً للوطن الفلسطيني، وجعلت خصوصية فريدة للانتداب عليه. وربما يمكن القول أن الوطنية الفلسطينية نضجت وتبلورت بالفعل خلال سنوات الثورة الكبري في 1936 ـ 1939. فقد طالت الثورة كل شرائح الشعب الفلسطيني؛ وبفضل الانتقال السريع للأخبار والمعلومات، أصبح الفلسطينيون من أقصي شمال البلاد الي أقصي جنوبها علي وعي مباشر بما يحدث في أنحاء الوطن المختلفة ولشركائهم الآخرين في الوطن. وبالرغم من الاختلافات السياسية بين الشخصيات والجماعات السياسية الفلسطينية، كشفت سنوات الثورة حجم الخطر الذي يتهدد الفلسطينيين من جراء السياسات البريطانية، ووحدت الأغلبية العظمي منهم خلف هدف الاستقلال ومواجهة الاستيطان الصهيوني. ولادة الشعور الوطني والحركة الوطنية الفلسطينية لا يعني أن الفلسطينيين تخلوا عن انتمائهم الاسلامي وتأييدهم لمشروع الوحدة العربية. ما حدث، أن أبعاد الهوية الثلاثة استقرت كطبقات متداخلة ومتلاصقة.

وربما لم تتعرض جماعة وطنية في التاريخ الحديث لحجم التحديات التي تعرض لها الفلسطينيون. فمنذ بداية الانتداب البريطاني، فتحت أبواب فلسطين لهجرة يهودية استيطانية، دفعت بالآلاف من المهاجرين اليهود الأوروبيين الي البلاد. وبالنظر الي حجم التأييد والتسهيلات التي وفرها الانتداب والمنظمات اليهودية العالمية، نجح المستوطنون في امتلاك مساحات متزايدة من الأراضي الفلسطينية. في 1948، شنت حرب عاتية علي الفلسطينيين، أرضاً وشعباً، انتهت بتقويض الاجتماع الفلسطيني، وباحتمال ولادة كيان سياسي وطني للفلسطينيين. خسر الفلسطينيون زهاء ثلاثة أرباع وطنهم لدولة اسرائيل، وانقسمت جماعتهم الوطنية بين الضفة والقطاع وعدد من المنافي العربية. وضم ما تبقي من الوطن الفلسطيني للمملكة الأردنية الهاشمية أو وضع تحت اشراف مصري. ولكن الفلسطينيين نجحوا من جديد في اعادة بناء جماعتهم الوطنية، عندما فجروا حركة مقاومة وطنية مسلحة في منتصف الستينات، تحولت الي حركة وطنية شاملة منذ ما بعد هزيمة حزيران (يونيو) 1967. لم يعد بناء الوطنية الفلسطينية داخل فضاء جغرافي محدد، كما هي حال الأغلبية العظمي من الجماعات الوطنية والقومية في العالم الحديث، ولكن علي مستوي الشعور والعمل السياسي والهدف الوطني. وقد احتل هدف اكتمال شروط الجماعة الوطنية الموقع المركزي من الحركة الوطنية الفلسطينية وبرامجها السياسية المختلفة. بدأت الحركة الوطنية الفلسطينية في مرحلتها الثالثة في نهاية الستينات من القرن العشرين بهدف تحرير فلسطين الكامل من النهر الي البحر؛ هدف تحرير الوطن التاريخي للفلسطينيين، حيث يمكن أن تتجلي هويتهم الوطنية في دولة وطنية. ولكن تحولات السبعينات سرعان ما أطاحت بهدف التحرير الكامل، الذي سيقدم ضحية لهدف اقامة الدولة الوطنية. في برنامج النقاط العشر الذي تبنته منظمة التحرير الفلسطينية في 1974، انتقل المشروع الوطني من التحرير الكامل الي اقامة دولة فلسطينية علي أية أرض فلسطينية محررة. ولأجل تحقيق الهدف الجديد كان لابد أن تصبح منظمة التحرير ممثلاً شرعياً ووحيداً للفلسطينيين، وأن تتوقف الدول العربية المعنية (الأردن ومصر، علي وجه الخصوص) عن تمثيل الفلسطينيين في المطالبة بحقوقهم الوطنية. لم يقل مشروع النقاط العشر أن المنظمة تراجعت عن هدف التحرير الكامل الي المطالبة بالمناطق الفلسطينية التي احتلت في 1967، أي الضفة الغربية وقطاع غزة، ولكن هذا بالتأكيد ما استبطنه التحول الفلسطيني السياسي.

كانت اللعبة السياسية الوحيدة الدائرة في عقد السبعينات هي لعبة كامب ديفيد، التي أصر الرئيس المصري أنور السادات خلالها علي أن تشمل اطاراً لحل القضية الفلسطينية. من وجهة النظر الاسرائيلية، لم يكن برنامج النقاط العشر بأكثر قبولاً من هدف التحرير الكامل. الحد الأقصي للتصور الاسرائيلي لحل المشكلة الفلسطينية كان منح الفلسطينيين من سكان الضفة والقطاع حكماً ذاتياً، بدون سيادة علي الأرض ولا شروط الاستقلال الوطني. وهذا ما قدمه اتفاق كامب ديفيد، الذي وجدت القيادة الوطنية آنذاك أن من الصعب قبوله. ولا يخفي أن سعي منظمة التحرير لتحمل مسؤولية تمثيل الفلسطينيين قد قابلته رغبة عربية رسمية للتخفف من أعباء القضية الفلسطينية، وهو ما اتضح في قرار قمة الرباط الاعتراف بالمنظمة ممثلاً شرعياً ووحيداً، وما سيتضح في مؤتمر قمة فاس ذي المرحلتين، الذي انتهي الي قبول قيادة المنظمة التحرير بمشروع الملك فهد والاعتراف بالقرار 242. بذلك أصبح الهدف الفلسطيني واضحاً ومحدداً: كيان وطني فلسطيني علي المناطق المحتلة في حزيران (يونيو) 1967؛ بمعني أن مؤتمر فاس أصبح الاطار التفسيري لما استبطنه برنامج النقاط العشر. بيد أن وجهة النظر الاسرائيلية لم تتزحزح؛ وقد مضي عقد الثمانينات بدون احراز أي تقدم جوهري علي طريق انشاء دولة فلسطينية مستقلة في الضفة والقطاع مقابل التنازل عن الحق في كل فلسطين. وليس حتي انفجار الانتفاضة الفلسطينية الأولي أن بدأ العالم، والولايات المتحدة علي وجه الخصوص، أخذ المسألة الفلسطينية مأخذ الجد. وفي ظل أجواء نهاية الحرب الباردة، حرب الخليج الأولي والاستقرار الأمريكي العسكري في الخليج والجزيرة العربية، وتبني ادارة بوش الأب تصور نظام عالمي جديد ، أطلقت عملية مدريد للسلام. لم تستطع القيادة الفلسطينية الصبر علي، أو تحمل أعباء، المفاوضات في مساقات متوازية مع الأطراف العربية الأخري، واختارت طريق التفاوض السري المنفرد. هذا المسار، بالطبع، هو ما جاء باتفاق أوسلو، الذي أعاد الفلسطينيين مرة أخري الي مشروع الحكم الذاتي، وفي صيغة بدت حتي أسوأ من صيغة كامب ديفيد. كان اتفاق أوسلو عمومياً، غامضاً، خالياً من الضمانات، وترك الفلسطينيين منفردين في مواجهة دولة عاتية، تتمتع بدعم دولي لا يوازيه دعم خارجي لأية دولة أخري. وسرعان ما اصطدم مسار أوسلو بكل العقبات المتوقعة وغير المتوقعة؛ وما أن اندلعت الانتفاضة الثانية قبل سبع سنوات، حتي أطاح جيش الاحتلال الاسرائيلي بالكثير من مقومات الحكم الذاتي، الجغرافية والسلطوية علي السواء. اليوم، لم يعد من الممكن، بأي حال من الأحوال، تجاهل حقيقة الأزمة الفلسطينية، الأزمة المحيطة بكل من الجماعة الوطنية وبالفكر السياسي معاً. الصدام بين القوات الموالية لحماس وأجهزة السلطة الأمنية في قطاع غزة، ومن ثم سيطرة حماس علي القطاع، أدت الي قطيعة سياسية بين الضفة والقطاع. وبعد أن كان حلم الفلسطينيين التوصل الي تسوية تحقق وحدة فلسطينيي الداخل والمنفي، أصبح الحلم اعادة الارتباط السياسي بين الضفة والقطاع. ليس ذلك وحسب، بل ان الفصل بين المنطقتين يحمل مخاطر تنازلات جديدة وكبري تقدمها سلطة الحكم الذاتي للجانب الاسرائيلي ان أطلقت عملية تفاوض جديدة. كما أن الانقسام الداخلي يحمل احتمالات الامتداد الي الجماعات الفلسطينية في المنفي، لاسيما في بلدان الكثافة الفلسطينية النسبية مثل لبنان والأردن. الهدف الفلسطيني الذي تتبناه سلطة الحكم الذاتي وقيادة منظمة التحرير ما يزال انشاء دولة فلسطينية في الضفة والقطاع؛ ولكن تصريحات المسؤولين الفلسطينيين تتفاوت في ابداء الاستعداد لتقديم تنازلات سياسية وجغرافية من أجل تحقيق هذا الهدف. وبينما يصرح الجانبان الاسرائيلي والأمريكي برغبتهما في أن تصل عملية السلام يوماً الي تأسيس دولة فلسطينية، فان أحداً لا يعرف علي وجه اليقين متي وكيف وضمن أية حدود يمكن أن تقوم هذه الدولة، في الوقت الذي تستمر عملية نهب الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، توسيع نطاق المستوطنات فيها، السيطرة علي مدينة القدس وتقويض الوجود الفلسطيني في محيطها، وخلق وقائع جغرافية تمزق اتصال أهالي ومدن الضفة الغربية ببعضها البعض. المشروع الوحيد المطروح للخروج من الغموض والمخاطر التي يحملها هدف الدولة الفلسطينية المستقلة هو ذلك الذي تتبناه حركة حماس، والذي يدعو الي هدنة طويلة الأجل بين الاسرائيليين والفلسطينيين؛ وهو مشروع يلتقي بدوافع قيادة الحكم الذاتي، أي اقامة دولة فلسطينية مستقلة.

الحقيقة أن أزمة العلاقة بين الضفة والقطاع لا تنفصل عن أزمة المشروع الوطني. ما أسس لانفجار الأوضاع في قطاع غزة هو الاخفاق المتصل للمشروع الوطني الفلسطيني، متمثلاً في التراجع الكبير عن هدف التحرير الكامل، وما نجم عنه من انهيار للاجماع الوطني، ثم العناد غير المنطقي وغير الموضوعي في متابعة هدف قيام دولة فلسطينية مهما كان الثمن المطلوب لاقامة هذه الدولة. هذا العناد هو ما أوقع الفلسطينيين في الضفة والقطاع في الوضع الشاذ الذي يعيشونه منذ أكثر من عقد، حيث طبقة أمنية وسلطوية متنفذة، بدون دولة ولا استقلال حقيقيين، وحيث بات الصراع علي جهاز الحكم البائس وقواه الأمنية صراعاً من أجل البقاء السياسي وحرية القرار. لقد كانت فرضية وجود أغلبية فلسطينية قاطعة خلف هدف دولة فلسطينية في الضفة والقطاع هي فرضية نظرية، لم يتمكن أحد مطلقاً من اثباتها. والعمل علي أساس هذه الفرضية هو كالعمل علي أساس عكسها تماماً. ولكن المتيقن أن هناك أغلبية فلسطينية قاطعة ترفض رهن الحركة الوطنية والمستقبل الفلسطيني بهدف الدولة الوهمي، بعد أن شهدت الثمن الباهظ الذي بات علي الفلسطينيين دفعه مقابل قيام تلك الدولة. ويتساوي في ذلك مشروع الهدنة طويلة المدي، الذي يعني في الواقع القبول ببقاء الجدار واقتطاع مساحات هائلة من الضفة الغربية. وان كانت فكرة الهدنة توحي المحافظة علي المستقبل مفتوحاً علي الاحتمالات، فربما ينبغي التذكر بأن أغلب الحدود في المنطقة العربية والاسلامية هي في حقيقتها حدود مؤقتة. ما سيطلق عليه اليوم خط الهدنة طويلة المدي، سيعرف غداً أو بعد غد باسم الحدود الفاصلة بين الدولتين. ثمة طريق طويل لم يزل علي الفلسطينيين والعرب قطعه قبل وصول الصراع علي فلسطين الي نهاياته. كان تحديد الهدف شرطاً أولياً لتحديد النهج الاستراتيجي للحركة الوطنية الفلسطينية؛ وقد تركت متغيرات الهدف أثرها الفادح علي مسيرة المشروع الوطني. وقد بات من الضروري، ربما، أن يضع الفلسطينيون هدفاً اجماعياً لنضالهم، بغض النظر عن امكانية تحقيقه في المستقبل القريب. وليس ثمة هدف أكثر قدرة علي بناء الاجماع، علي محاصرة المشروع الصهيوني، وعلي اعادة بناء المساندة العربية والاسلامية والعالمية، من مشروع الدولة الواحدة علي كل فلسطين. والمقصود بالدولة الواحدة هنا عنوان عريض، أما التفاصيل فهي مسألة أخري. - القدس العربي 30/8/2007 -

 
 
اقرأ المزيد...
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required